جيروزاليم بوست: هل إسرائيل دولة ديمقراطية؟

هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال Is Israel a democracy لكاتبه موش دان. الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن توجهات تبيان. 

«يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن مؤسساتهم القضائية، مثل: المحكمة العليا ومكتب المدعي العام، لا تستجيب للشعب، وتمثل نخبة يسارية»؛ حسبما يرصد المؤرخ والكاتب موشي دان في مقالٍ نشرته صحيفة جيروزاليم بوست، تحت عنوان: هل إسرائيل دولة ديمقراطية؟ 

الإجابة التي يطرحها المؤرِّخ موشي دان مختلفة نوعًا عما يُروِّج له الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية؛ فبينما تحرص الحكومة اليهودية على الترويج لوجهها الديمقراطي، لا يجادل الكاتب المبدأ ذاته، لكنه يسلط الضوء على جانب آخر من الصورة، قائلا: «هناك عيوب كبيرة في أنظمة إسرائيل السياسية والانتخابية».

“بغض النظر عمن ستمنحه صوتك؛ ستحصل في النهاية على شمعون بيريز”

يضرب المقال مثلا على هذه العيوب التي تنخر في عصب النظام الإسرائيلي: تجاهل أصوات الأحزاب التي لا تتجاوز العتبة (الانتخابية التي تسمح لها بدخول الكنيست)، ولا يخضع أعضاء الكنيست للمساءلة أمام الناخبين. مضيفًا: هذا ما يفسر عدم إزعاج الكثير من الإسرائيليين (حوالي الثلث) أنفسهم بالتصويت.

وكاتب المقال نفسه شاهد عيان على هذا الوضع الراسخ منذ عقود، إذ يحكي قائلا: عندما هاجرت إلى إسرائيل قبل 40 عامًا، وتوجهت للتصويت أول مرة، قالوا لي: “بغض النظر عمن ستمنحه صوتك؛ ستحصل في النهاية على شمعون بيريز”.

ويخلص دان- بتجربته الشخصية قبل خبرته المهنية في مجال التاريخ- إلى أن “الانتخابات الإسرائيلية لا معنى لها؛ لأنها تتعلق بالأشخاص وليس بالسياسات. والحكومة الحقيقية يديرها بيروقراطيو “الدولة العميقة”، أمثال المدراء العاملين في الوزارات والمهنيين الذين يقدمون الاستمرارية والخبرة، لكنهم لا يخضعون للمساءلة. 

أما السياسيون الذين يصبحون وزراء؛ فلا يكونون عادة خبراء في المجال الذي يشغلون منصبًا فيه، بل يعتمدون على الموظفين ذوي الخبرة، حسبما يقول الكاتب.

ولاء المؤسسات القضائية الإسرائيلية لمن.. الشعب أم النخبة؟

يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن المؤسسات القضائية، مثل المحكمة العليا ومكتب المدعي العام، لا تستجيب للشعب وتمثل نخبة يسارية. وهي الحقيقة التي صدَّرت بها جيروزاليم بوست المقال.

يستدل دان على ذلك بـ”الثورة القضائية” التي صاغها رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك، ومنحت المحكمة العليا سلطة غير محدودة تقريبًا للتدخل في أي قرار حكومي. 

ويرى أن هذا الاستنتاج ذاته كان واضحًا أيضًا عندما رُفض ترشيح أحد أفضل الخبراء القانونيين في إسرائيل، البروفيسور روث جافيسون، للمحكمة؛ لأنها كانت “مستقلة جدًا”.

“فساد” الدولة العميقة ومناوراتها السياسية “الرخيصة”

في الدولة الديمقراطية، تهدف المؤسسات إلى خدمة الشعب وتوفير التماسك الاجتماعي. هذا هو أساس الهوية والوحدة الوطنيتين. لكن نظرًا لعدم تمكن الناخبين الإسرائيليين من الوصول المباشر إلى أعضاء الكنيست؛ فلديهم وسيلة ضعيفة أو معدومة للتأثير على النظام وخلق ديمقراطية تمثيلية حقيقية. 

وطالما ظل النظام الإسرائيلي المعيب قائمًا، ستنتهي الانتخابات إلى طريق مسدود، ما يحول دون تحقيق الاستقرار ويقوض التماسك الوطني، على حد قول المؤرخ الإسرائيلي.

في الآونة الأخيرة، روَّج حزب أزرق أبيض للتشريعات التي تحتم على رئيس الوزراء الاستقالة إذا وجهت إليه تهمة. تعليقًا على هذه الخطوة، يضيف دان: تسعى هذه المناورة السياسية الرخيصة إلى تمكين مكتب المدعي العام، الذي يهيمن عليه اليسار، من عزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دون محاكمة. إنه مثال على فساد “الدولة العميقة” الذي نواجهه.

3 عوامل وراء عزوف الناخبين الإسرائيليين عن التصويت

يرصد المقال عددًا من العوامل التي يعزو إليها المؤرخ الإسرائيلي عزوف الناخبين عن المشاركة: 

(1) بدأت هذه النزعة بتحرير الاقتصاد الإسرائيلي والتوسُّع الكبير الذي شهده القطاع الخاص؛ فعندما بيعت الشركات العامة، فقد حزب العمل، الذي حكم إسرائيل منذ بدايتها، الوصول إلى مصادر الرعاية والسلطة. وإذا لم يعد الناخبون يحصلون على وظائف، فأي حافز يبقى لديهم للتصويت لصالح الحزب؟ 

(2) أحد العوامل الأخرى هو وصول ملايين المهاجرين من روسيا، الاتحاد السوفيتي السابق، وإثيوبيا، ونمو السكان العرب (الذين يصوتون بنسب أصغر مقارنة باليهود).

(3) أما السبب الرئيسي، فهو بلا شك- في رأي الكاتب- فقدان الثقة في السياسيين والأحزاب؛ نتيجة لفضائح الفساد التي تورط فيها الموظفون العموميون. 

كم من الأصوات أريق دماؤها على مذبح “العتبة الانتخابية”؟

يتابع المقال: مشكلة النظام الانتخابي في إسرائيل هي أن التصويت للأحزاب الأصغر، التي لا تتجاوز العتبة، يكون مصيرها الإهمال، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء الناخبون يوافقون على نقل أصواتهم إلى أحزاب أكبر أم لا. 

وعلى الرغم من أن جميع الأصوات تُعَدّ، إلا أن أصوات الأحزاب التي تتجاوز العتبة الانتخابية هي وحدها التي توضع في الحسبان. حتى إذا تجاوزت الأحزاب الصغيرة هذه العتبة، لكنها لم تبرم اتفاقات مع أحزاب أكبر، فإن أصواتها تكون بلا جدوى، طالما لم تصبح جزءًا من الائتلاف الحاكم.

والقانون الإسرائيلي لا يفصح عما ينبغي أن يحدث لأصوات الأحزاب التي لا تتجاوز العتبة. وبينما يمكن أن يشترط القانون نقل الأصوات إلى أطراف أخرى بالاتفاق المسبق، مما يحول دون إهمال تلك الأصوات، لكن هذا ليس هو الواقع الراهن. 

في الوقت الحالي، الطريقة الوحيدة لتجنب هذا النظام غير العادل والتمييزي- على حد وصف المؤرخ الإسرائيلي- هي أن تنخرط هذه الأحزاب في تحالفات. وهذا ما فعلته “القائمة المشتركة” (التي تضم أربع أحزاب عربية) مؤخرًا؛ ما مكنها من الحصول على كتلة من عشرة مقاعد في الكنيست، واستطاعت، إلى جانب أحزاب “يسار الوسط”، عرقلة تشكيل تحالف الأغلبية. 

انضم حزبان يمينيان فقط، بينما لم تحذو بقية الأحزاب حذوهما، وبالتالي فقدوا امتيازهم، وأهدروا الأصوات التي حصلوا عليها. ويحمل المقال حزب الليكود جزء من المسؤولية أيضًا عن هذا التشوُّه؛ لأنه لم يوفر تحالفًا تنضوي تحته جميع الأحزاب اليمينية. 

تشجيع الناخبين أم تقويض النظام والقيم بأكملها؟

يكمل المقال تشريحه للديمقراطية الإسرائيلية المعيبة قائلا: المسؤولون الحكوميون والسياسيون الذين ينتقدون الناخبين الذين لا يدلون بأصواتهم هم المسؤولون عن الفشل في تغيير هذا النظام، أو على الأقل الاعتراف بأخطائه.

قد يكون إنشاء “عتبة” وسيلة لتشجيع الناس على التصويت لصالح أحزاب أكبر، لكن تجاهل أصوات الناخبين؛ يقوض النظام الديمقراطي بأكمله، والقيم التي نثق بها ونعتمد عليها.

وليس من قبيل الصدفة أن النسبة المئوية للناخبين انخفضت منذ فرض “عتبات” أعلى دون حماية جميع الأصوات. هذا التشويه تضخم بفعل هجمات اليسار على نتنياهو والتهديدات بتوجيه الاتهام إليه. 

كيف أصبح الائتلاف الحاكم لا يمثل غالبية الإسرائيليين؟

يرى المؤرخ موشي دان أن الفشل في تشكيل ائتلاف حاكم يمثل غالبية الناخبين هو خطأ النظام السياسي في إسرائيل. وُيَحَمِّل إسحاق رابين مسؤولية هذا التشويه، كرئيس لتحالف الأقلية بقيادة حزب العمل، حين أقدم على رشوة اثنين من أعضاء الكنيست من المعارضة اليمينية من أجل تمرير تشريع مثير للجدل للغاية- اتفاقيات أوسلو (1993-1995) – بفارق صوت واحد فقط. 

يتابع الكاتب: لم يحتجّ النظام القضائي والقانوني في إسرائيل على هذا العمل غير الأخلاقي، بل ربما غير القانوني. ورغم فوز حزب الليكود بانتخابات عام 1996، لم يستطع نتنياهو تغيير اتفاقيات أوسلو التي وقعها رابين ونفذها.

وفي عام 1999، فاز ائتلاف يقوده حزب العمل في الانتخابات، وأصبح إيهود باراك رئيسًا للوزراء. بعد ذلك بعامين، أطلق ياسر عرفات أكثر الهجمات الإرهابية عنفا في تاريخ إسرائيل- وهو الوصف الذي أطلقه الكاتب على “الانتفاضة الفلسطينية الثانية”- التي أودت بحياة أكثر من 1000 إسرائيلي وأصابت الآلاف بتشوهات وجراحات. 

مُني ذاك الائتلاف بالهزيمة أمام الليكود في انتخابات عام 2001، وأصبح أرييل شارون رئيسًا للوزراء. وقاد الليكود حتى عام 2005، عندما غادر الليكود- من أجل تجنب معارضة خطته للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وأربع مستوطنات يهودية شمال الضفة الغربية-  وشكّل حزب كاديما، بدعم من حزب العمل، دون أي عملية انتخابية.

يستهجن الكاتب حدوث ذلك دون احتجاج، قائلا: لم يطعن النظام القضائي والقانوني في إسرائيل على هذه الخيانة السياسية غير المسبوقة. ولم يُستَشَار الناخبون الإسرائيليون، ولم تكن لديهم أي إمكانية للاعتراض. 

وعندما توفي شارون عام 2006، حل إيهود أولمرت محله. وعلى الرغم من فوز حزب كاديما في الانتخابات المقبلة، اندلعت الحرب اللبنانية الأولى، وتراجعت حظوظ الحزب. وأُدين أولمرت بالفساد، وأودع السجن في عام 2014، وأسدل الستار على الحزب في عام 2015، فيما اعتبره الكاتب “أحد أعراض نظام التسويات الفاسد”.

“المجتمع الإسرائيلي في خطر”.. كيف الخلاص؟

في الجزء الأخير من المقال، يستعرض المؤرخ الإسرائيلي بعض الحلول العملية قائلا: قدَّم البروفيسور بول إيدلبرج تحليلًا ممتازًا للمشكلة، واقترح خطة للإصلاح الشامل، في ورقة بحثية تحمل رقم 79 أصدرها مركز أرييل لأبحاث السياسة بعنوان “حتى تصبح أصوات الناخبين ذات جدوى: إنها ليست كذلك في إسرائيل”.

ويضيف: المجتمع الإسرائيلي في خطر، ويأمل الناخبون أن يواجه أولئك المكلفون بالمسؤولية السياسية هذا التحدي. يمكن لتشريع يصدره الكنيست أن يحل المشكلة، لكن هذا يتطلب شجاعة وقيادة حكيمة.

كخطوة أولى؛ يمكن للجنة الكنيست أن تدعو لتقديم مقترحات لإصلاح النظام الانتخابي. ويمكن أن تُعقَد جلسات مفتوحة لمناقشة المقترحات، ويمكن نشر ملخصات قصيرة في الصحف الإسرائيلية. وبعد ذلك، يمكن للكنيست تنفيذ التغييرات التي من شأنها تجديد الديمقراطية الإسرائيلية وتنشيطها.

ويختم موشي دان مقاله، مستحثًا الساسة والمشرعين على اتخاذ قرارٍ عاجل قبل فوات الأوان، قائلا: هذه العملية يمكن أن تبدأ الآن. لقد انتظرنا فترة طويلة بما فيه الكفاية.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى