هل هناك في الإسلام ما يهددهم حقًا أم أنها مجرد شعارات؟

“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين … وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”

” الإسلام دين السماحة والتسامح والعفو.. محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة .. الإسلام رسالة السلام ….”
كثيرًا ما نسمع تلك العبارات في تعريف الإسلام من المسلمين، وأحيانًا من غيرهم مع اختلاف نواياهم في ترديدهم لتلك الشعارات في توصيفهم للإسلام. ويستشهد المسلمون عند كل حادثة عالمية من قتل أو تفجير أن الإسلام دين الرحمة بذكر الآيات القرآنية مثل “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واصفح..”، وقوله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بعد الفتح “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، والكثير من الآيات والأحاديث والمواقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
إذن لماذا يُتهم المسلمين دائمًا بالإرهاب عند كل حادثة عالمية؟ ولماذا تُحارب النُظم العالمية والحكومات المسلمين صراحةً أو توريةً؟
بل ونجد أن الإسلام يُحارب منذ ظهوره؛ فحورب من قريش والعرب، ثم الفرس والروم، والحملات الصليبية، ثم الاحتلالات، ونهايةً بما يدعونه الآن الحرب على الإرهاب أو مسميات أخرى.

والتساؤل الآن

ما الذي يخوفهم في الإسلام؟ ولماذا يُحارب منذ ظهوره؟
هل في الإسلام شعارات تجعل غير المسلمين محاربين له؟
هل الإسلام والمسلمون خطرًا على النظام العالمي؟ ولماذا؟

للإجابة على تلك الأسئلة علينا مناقشة النقاط التالية التي تطرح بعض الأسباب التي يُحارب من أجلها الإسلام والمسلمون:

أولًا: الإسلام دين متكامل

أُنزل الدين على النبي صلى الله عليه وسلم كاملًا، مكتملًا، به تشريعات دينية عقائدية وتشريعات حياتية وقِيم متكاملة. فلن يجد المسلمون أو غيرهم نقصًا في الدين يُمكن تعويضه بتشريعات ليبرالية أو علمانية أو شيوعية ..أوغيرها. فعندما يجد غير المسلمين ذلك الاكتفاء الذاتي القيمي والتشريعي في دين الإسلام، يدركون أن المسلمين ليسوا بحاجة إلى أنظمتهم وتشريعاتهم. وبذلك تفقد أنظمتهم قيمتها وتظهر حقيقة نقصها وفسادها مقارنة بدين متكامل. فلا يجد النظام العالمي أو من سبقه من المحاربين للإسلام مفرًا من محاربة الدعوة الإسلامية والمنهج الإسلامي وشريعته الكاملة لتحقيق مصالحهم بوضع أنظمة على أهوائهم وتتغير حسب مصلحتهم.

ثانيًا: الإسلام دين الفطرة

وبناءً على الفقرة السابقة حيث أن الإسلام دين متكامل، فإنه أيضًا يُخاطب الفطرة السليمة، حيث أن أي فرد يجد في الإسلام وقيمه وتشريعاته ما يوافق فطرته السليمة؛ فلا يجد نفورًا من ذلك الدين إذا أخلص قلبه وترك هواه وأحكامه السابقة وخلفياته واستمع لذلك الدين بفطرته وقلبه. وهذا سبب آخر يخاف منه المحاربون للإسلام على مدى العصور منذ ظهوره. وهذا يقودنا إلى السبب الثالث.

ثالثًا: التأثّر بالإسلام

ينتشر الإسلام في جميع البلاد، وبقوة كبيرة. ورغم محاولات محاربة الإسلام أحيانًا بالقوة المادية أوتشويه المسلمين أو تشويه قيّم الإسلام بالتدليس، ورغم محاولات القضاء عليه منذ بعثة النبي صلي الله عليه وسلم، فإنه وكلما زادت محاربة الإسلام زاد انتشاره وزاد عدد المسلمون. حيث يبحث غير المسلمون عن العقيدة والمنهج الإسلامي، أو يتأثرون بوسائل الدعوة إلى الإسلام المنتشرة في بلاد الغرب. وإن ذلك بلا شك تهديدًا للأنظمة العالمية التي تناقض الإسلام وتحارب تشريعاته.

رابعًا: الأخوّة في الإسلام

تؤسس العقيدة الإسلامية والمنهج الإسلامي قيمة الأخوّة في الدين، حيث أن المسلمون كافةً إخوة، ويُشدد الإسلام على تلك القيمة ويقررالحقوق والواجبات بين المسلمين بعضهم البعض، يدافعون عن بعضهم ويتكافلون ويؤازرون بعضهم بعضًا. ومن أبرز الأحاديث التي تُعبر عن ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.”

خامسًا: المقاومة

ذلك السبب هو جوهر محاربة غير المسلمين للإسلام، وهو أيضًا مترتب على ما سبق من القيِم. حيث أن الإسلام المتكامل التشريع والقيم حدد كيف يتعامل المسلم مع غير المسلم، وحدد كيف تنشئ الأنظمة الإسلامية، كما حدد كيف يتعامل المسلم مع المعتدي عليه ابتداءً، ومتى يبدأ المسلمون حربًا، وكيف يتعامل مع التشريعات المخالفة للإسلام. ولم يربِ الإسلام المعتنقين له على الخضوع والخنوع، فبالرغم من قيم الإسلام مثل: ” الإسلام دين السلام، والعفو ..”، فإن بالإسلام آيات كقوله

” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ

وقوله تعالى “وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ ..” وقوله “فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ “، والكثير من الآيات والأحاديث والمواقف في سيرة النبي صلي الله عليه وسلم التي تحث المسلم على الدفاع عن نفسه وعرضه ودينه وبلده، بل وأيضًا الكثير من الآيات والأحاديث التي تُبيّن فضل المجاهد في سبيل الله وإن قتل دون ذلك.

كيف تُحارب الأنظمة العالمية الإسلام وقِيمه التي تُمثل خطرًا حقيقيًا عليهم؟

حاول المحاربون للإسلام منذ ما يزيد عن ألف وربعمائة سنة محاربة الإسلام والقضاء عليه، ولا زالوا يحاولون ذلك بعدة طرق. بداية من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حاولت قريش وأهل مكة ثم العرب جميعًا ثم الفرس والروم محاربة الدعوة الإسلامية، فقد حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وتعذيب أصحابه، والتضييق عليهم، ومنع التعامل معهم وفرض الحصار عليهم، وأحيانًا استخدام بعض محاولات ناعمة في المحاربة المعنوية بإرسال بعضهم لمحاورة النبي صلى الله عليه وسلم للتخلي عن تلك الدعوة ومفاوضته على ملك وأموال، أو التخلي عن بعض التشريعات في الإسلام، أو إيجاد حلولًا وسطًا باتباعهم لعقيدتهم عام واتباع الإسلام عام، ثم محاولة منع انتشار الإسلام بمنع المسلمين من الهجرة بعد هجرة النبي للمدينة، ثم محاربة عسكرية بالغزوات، وأثناء كل تلك الفترة محاولات كثيرة من تشويه وسخرية واستهزاء وإيذاء مادي ومعنوي للمسلمين ولصاحب الدعوة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم من تكرار نفس تلك المحاولات مع اختلاف العصور، لم يستطيعوا إيقاف انتشار الدعوة الإسلامية ودين الإسلام أو القضاء على المنهج الإسلامي.
وفي العصور الحديثة الآن تأكد النظام العالمي من عدم جدوى محاربة الإسلام والمسلمين بالقوى العسكرية والاحتلال، حيث أن ذلك الإعتداء العسكري يُحفز المسلمون لمحاربتهم، وذلك يؤدي لهزيمتهم مهما طالت محاربتهم العسكرية، كما أن النتائج لتلك المحاربة العسكرية لا تتعدى القضاء على المجموعات الإسلامية إلا بنسبة 7 % فقط. كما أن محاولات قتل القادة تنشئ مجموعات جديدة وقادة آخرين قد يكون خطرهم أقوى ممن سبقوهم، وقد ينشئ مجموعات وعمليات انتقامية عشوائية.

وأخيرًا توصّل المحللون والسياسيون بالأنظمة العالمية بعد عدة أبحاث ومتابعات إلى عدة طرق لمحاربة الإسلام، منها:

– تصعيد لأنظمة بدعوى “الإسلام المعتدل” وإبرازهم كنموذجًا إسلاميًا للحكم الإسلامي. ويُساعد ذلك الأسلوب كثيرًا في محاربتهم للإسلام، حيث تقوم تلك الأنظمة بشروطهم وتحت رعايتهم وأعينهم، ويُمكن احتوائهم لأقصى حد. وإنهم لا يتبعون منهجًا إسلاميًا خالصًا ولا يتبعون منهجًا آخرًا مما يؤدي إلى فشل تلك الأنظمة المدعيّة لتبعيتها للإسلام. وبفشل تلك الأنظمة يتم الترويج لفشل النظام الإسلامي وعدم صلاحية تطبيق تلك الشريعة. وبذلك أوصى جرهام فوللر؛ رجل المخابرات السابق في كتابه الإسلام السياسي عام 2003، قائلًا: ” لا شيء يمكن أن يُظهر الأسلمة في صورة غير جذابة أكثر من تجربة فاشلة في السلطة.”

– إبراز الجماعات والمجموعات والدعاة من المنهزمين نفسيًا، وإظهار بعضهم بمظهر الإسلام المدني الديمقراطي وبمظهر جذّاب يرضي الجميع. وتُفتح لهؤلاء منصات الإعلام والظهور، فيحثون الناس على التعايش أحيانًا، والخجل من بعض التشريعات الإسلامية مثل الجهاد أحيانًا، وتقبّل الواقع، والدعوة لبعض قِيم الإسلام دون الأخرى، ونقض قيم الإسلام واحدة بعد أخرى.

– عزل الأنظمة الحاكمة عن الشعوب. فرغم خدعة الديمقراطية وأن الحكام والحكومات ممثلين للشعوب، ويختارهم الشعب، إلا أن النظام العالمي هو الذي يختار فعليًا هؤلاء الحكام وتلك الأنظمة حيث يكون ولائها أولًا وأخيرًا للنظام العالمي، ولا يُعتد برأي الشعب ولا الجماهير المحكومة، بل إن تلك الأنظمة هي التي تقف ضد أي محاولات تغيير أو إصلاح، وهي التي يتخذها النظام العالمي أداة داخلية لمحاربة أي ظهور للجماعات الإسلامية المخالفة لقواعد النظام العالمي أو خارج الإطار الذي يحدده.

– محاولات نشر الهزيمة في نفوس المسلمين بأنهم مستضعفين لا بواكي لهم، ونشر حوادث قتل المسلمين بأعداد كبيرة لتفقد تلك الأحداث تأثيرها وتصبح أمرًا اعتياديًا، مع التضخيم أحيانًا من حوادث فردية لقتل مدنيين من غير المسلمين لزيادة التأكيد على أهمية غير المسلمين وعدم قيمة المسلم فتزيد الهزيمة النفسية. ومن ناحية أخرى نجد التكتم التام عن خسائرهم الحقيقية أمام المسلمين في المواجهات الفعلية.

– إفراغ الإسلام من محتواه، وتفريغ عقول الشباب من حقيقة الدين الإسلامي، ونشر الجهل بالدين والتغييب عن الواقع، والإلهاء للشعوب بقضايا فرعية أو بقضايا شخصية.

– إنشاء مواجهات مزيفة ومعارك وهمية بين الشعوب، وتفكيك روابط الأخوّة الإسلامية بإنشاء روابط قومية وعرقية.

– المحاربة العسكرية والقضاء على أي محاولات نشر الوعي أو إظهار الإسلام بالمنهج الصحيح أو إظهار حقيقة فساد الأنظمة العالمية وتشريعاته، وتشويه الأفراد والجماعات القائمة على ذلك.

على الرغم من ذلك، فإن الإسلام دين الحق، ولا تزال أقوام من الأمة قائمين على حماية الثغور والدفاع عن المنهج الصحيح والشريعة الإسلامية كما أُنزلت، ووعد الله حق مهما طال الطريق. وعلى القائمين على الطريق الاستمساك بالقرآن والسنة والسيرة النبوية، فسنن الله لا تتغير، وديننا مكتمل لا نقصان فيه، وآيات الله بينات لا ريب فيها.
قال تعالى “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”، “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”، “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”، “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ؛ كتاب الله وسنتي


المصادر:
كتاب معركة الأحرار – أحمد سمير
تقارير راند 2005/2007/2008

آية عمرو

درست في جامعة الأزهر، كلية اللغات الأوروبية والترجمة الفورية، قسم لغة إنجليزية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى