روح عصر اليوم هي التكنولوجيا: كيف قصّرنا فيها؟
في القرن الحادي والعشرين حيث أصبحت معظم الخدمات والشركات بل وحتّى الدول قائمةً على التكنولوجيا، صار من غير المنطقي إهمال هذا القطاع بهذا الشكل الذي تعيشه أمّة الإسلام اليوم.
جوجل، فيسبوك، تويتر، أمازون، مايكروسوفت، آبل وغيرهم من الشركات الغربية تبلغ قيمة كل واحدةٍ منهم مليارات الدولارات اليوم. يتحكّمون حرفيًا في كلّ شيء: الإعلام والبيانات والناس والأبحاث. هذه الشركات المتعددة الجنسيات والتي تقوم بشكل أساسي على التكنولوجيا الحديثة من إنترنت وبنية تحتية تقنية هي أيقونة العصر الحديث وسلاحه وعصاه.
غفل مسلموا اليوم عن هذا الجانب ولم يدخلوا فيه، فصرنا الآن في واقعٍ صعب. لا يمكننا أن ننشر أي منشور أو تغريدة تخالف سياساتهم، أي فيديو نرفعه معرّض للحظر لمخالفته أيديولوجياتهم المقيتة. صرنا لعبةً بين أيديهم نتحرّك كيفما شاؤوا بل ونسعى نحن إلى الوصول إليهم وننتقد من يحجب مواقعهم، لأننا نحن من نحتاج إليهم. بياناتنا وتقنياتنا ليست بين أيدينا.
هذا الواقع لا تعيشه جميع أمم الدنيا، في الصين مثلًا هناك بدائل محلّية لجوجل وفيسبوك وتويتر مثل Baidu وRenRen وWeibo. جميعها شركات ضخمة محلّية لديها مئات الملايين من المستخدمين وتبلغ قيمتها مليارات الدولارات. نفس الأمر ينطبق على روسيا حيث تمتلك خدمة Yandex مثلًا البديلة لجوجل وخدماتها. يبقى السؤال المطروح: ماذا لدينا نحن؟
أرقام فلكية تساوي الناتج المحلّي لعدة دول
وفق تقرير 2016 الصادر عن «فوربس» لأعلى 2000 شركة قيمةً حول العالم (تكنولوجية وغيرها)، فإنّ أكثر من 500 شركة منها تتواجد في الولايات المتّحدة الأمريكية، تليها روسيا والصين وأوروبا وأستراليا بعدد شركاتٍ يتراوح بين 21-100 شركة. الهند أيضًا لديها شركات ضمن القائمة وكذلك السعودية.
مجموع قيمة هذه الشركات الـ2000 يبلغ 162 تريليون دولار (162000 مليار دولار!)، مع أرباح تصل إلى 35 تريليون دولار سنويًا وصافي أرباح 2.4 تريليون دولار وقيمة سوقية تبلغ 44 تريليون دولار. حصّة المسلمين عمومًا والعرب خصوصًا من هذه الأرقام تساوي اللاشيء.
بالحديث عن الشركات التكنولوجية فقط،فإنّ قيمة الشركات التقنية الأعلى على مستوى العالم على التوالي هي: آبل (741.8 مليار دولار)، ألفابيت (مالكة جوجل، 367.6 مليار دولار)، مايكروسوفت (340 مليار دولار)، فيسبوك (231 مليار دولار)، سامسونج (200 مليار دولار)، أوراكل (187 مليار دولار)، TenCent (مزود إنترنت صيني، 181 مليار دولار) وإنتل (150 مليار دولار) يليهم سيسكو وIBM.
تمتلك شركة آبل لوحدها مبلغ 178 مليار دولار كنقد حرّ بيدها. هذا يعني أنّه لو كانت آبل دولة مستقلة، لاحتلت المرتبة الـ55 كأغنى دولة في العالم لوحدها. أين نحن من مثل هكذا شركات أو مشاريع؟
تحكّم هائل بالبشر
يمكن لجوجل مثلًا معرفة كلّ شيء عنك: أين أنت وماذا تريد، مع من تعيش، صورك وملفّاتك وعمليات البحث التي تقوم بها، بريدك الشخصي وحساباتك الاجتماعية والفيديوهات التي تشاهدها أو التي تريد أن تشاهدها، يمكنهم ببساطة معرفة أشياء لا تعرفها حتّى أنت عن حياتك، لأنّ بياناتك مسجّلة عندهم وكلّ شيء محفوظ في سجّل خاص بكل مستخدم. يمكنهم بالتعاون مع مهندسيهم وخبرائهم إجراء أي عملية ذكاء صناعي أو تحليل بيانات عن مستخدميهم للارتقاء بعملهم وشركاتهم.
من الصعب تقدير أرقام مستخدمي جميع خدمات جوجل الحقيقيين، لأنّ مستخدم خدمة ما قد يكون أيضًا مستخدم خدمة أخرى. بحث جوجل مثلًا يمتلك لوحده 1.7 مليار مستخدم يوميًا، وهناك 2 مليار جهاز يعمل بأندرويد، كما أنّ خدمة صور جوجل تمتلك 400 مليون مستخدم، يوتيوب هو الآخر يمتلك 1.3 مليار مستخدم مسجّل فيه. الأرقام تطول وتطول.. من السهل استنتاج أنّ ربع البشرية على الأقل قد استخدمت واحدةً من خدمات جوجل.
قد يقول أحدهم: والمشكلة؟ إنهم مجرد شركة تقنية، فليعرفوا كل شيء عنّي.لا شيء لأخفيه عنهم.
ما يحصل على أرض الواقع هو أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية مثلًا تقوم بالكامل على مثل هذه الشركات، تستفيد منها لزيادة أموالها وناتجها الإجمالي ورفع فرص الاستثمار فيها وفتح سوق للعمل، كما تستفيد منها أيضًا حيث تتجسس على خواديمها وتسرق بيانات المستخدمين منها وفق ما يعرف بنظام PRISM الذي تحدثّنا عنه مسبقًا، تعامل مع بياناتك ليس على أنّها موجودة في جوجل ومايكروسوفت، بل على أنّها موجودة في أمريكا. جميع هذه الشركات تخضع لقوانين أمريكية تسمع للدولة أن تأخذ ما تشاء من بيانات.
عربيًا، جميع بياناتنا في الخارج، بريدنا الإلكتروني وفيديوهاتنا وتغريداتنا وصورنا وكلّ شيء عنّا. جميع بياناتنا مملوكة لشركات أمريكية أو أوروبية أو روسية وصينية. لا يوجد لدينا بدائل عربية حقيقية قادرة على أن تخدم 100-200 مليون مستخدم مثلًا. هذا يعني أنّ تحكمنا في التكنولوجيا حتّى تلك المتعلّقة بنا يساوي صفر.
عقلية عربية تقليدية لا تعرف أنّها ذاهبة نحو مذبحة
ما يزال معظم صنّاع القرار العرب، عملاء أو طلقاء، يستثمرون بالصناعات التقليدية. التنقيب عن النفط والغاز، التجارة، شراء الأسلحة.. لم يفكّر أحدهم باستثمار بضعة ملايين بإنشاء شركات تقنية يمكنها أن توفّر بدائل لتلك الشركات الغربية. لم يفكّر أحدهم أنّ صراع العصر اليوم هو على المعلومات والبيانات، لا على أراضٍ جغرافية وبأسلحة وصواريخ تقليدية وإن كانت جزءًا مهمًا منه.
على سبيل المثال لا الحصر: هناك العشرات من التقارير والأنباء عن أنّ الانتخابات الأمريكية الأخيرة قد اخترقتها روسيا وأثّرت عليها لتضمن فوز دونالد ترامب عوضًا عن كلينتون. هذا الاختراق وهذا الحدث لم يكن ليكون ممكنًا لولا جيش من الهاكرز والمحترفين التقنيين الذين تمتلكهم روسيا كدولة. من السخرية أننا شهدنا تركيب حكّام عملاء على عرش أمريكا التي طالما امتهنت المهنة.
الهاكرز الصينيون يضربون الشركات العملاقة والخدمات الأمريكية من فترة لفترة. دومًا ما نسمع عن خدمات حجب الخدمة (DDoS) القادمة من هناك وكيف أنّها تشلّ مؤسسات ومواقع أمريكية غربية حيوية. اختراق مواقع وزارة الدفاع أو العاملين فيها مثلًا هو أمر قد يغير مجريات الحرب. دون أدوات تقنية وخبرات تؤهلنا للقيام بمثل هذه الأمور فإنّها لا نصيب لنا من الفوز بالحرب المقبلة.
لعلّكم سمعتم عن فيروس WannaCry الذي ضرب منشآت ومؤسسات حيوية حول العالم قبل بضع أسابيع. أصاب حوالي 300 ألف جهاز. يرجّح أنّ مصدره كان الصين. الأرباح التي جناها مطوروا هذا الفيروس تقدّر بالملايين. لو كان غرضهم تدميريًا فعلًا لوقعت هذه المؤسسات والدول في مشكلة حقيقية. وكلّ هذا حصل عن طريق فيروس حاسوب بسيط!
على صعيد الدول الإسلامية أو العربية، لا يوجد شيء مشابه قطّ. مجرّد فكرة العمل كمهندس حاسوب مثلًا هي فكرة يعتقد الكثيرون أنّها تعني بيع بعض أقراص البرامج والألعاب في دكّان. حتّى الوعي العام غير موجود عن هذا القطاع.
المشكلة الحقيقية هي أنّ أعدائنا قد بدأوا منذ عقود، لنلحق بهم، نحن لا نحتاج فقط أن نسير بنفس سرعتهم وننفق كما ينفقون ونطوّر كما يطورون، نحن بحاجة إلى أن نسير أضعاف أضعاف ما يخطونه بهذا المجال لكي نلحق بهم قريبًا.
عدو جاهز ويمتلك الأفضلية
إسرائيل، أمّة الشركات الناشئة والتي تحدثّنا عن تطورها وشركاتها التكنولوجية في تقريرٍ سابقٍ من قبل. هي واحدة من أكثر الكيانات استثمارًا بمجال التكنولوجيا والعلوم على صعيد العالم. بما أنّها-وفق ما نظن-محاصرة من الشمال والشرق والجنوب، فإنّ دولة الاحتلال دفعت بنفسها للاستثمار بشكل هائل بقطاع العلوم والتكنولوجيا لتعوّض نقصها، وهو ما نجحت فيه.
اليوم 15% من كامل استثمار العالم في مجال الأمان الرقمي قادم من إسرائيل، وتصنّفها اليونسكو كأكثر دولة متقدّمة في الشرق الأوسط. الكثير من المراكز البحثية التابعة للشركات الأمريكية والأوروبية موجودة في إسرائيل. بعض منتجات جوجل مثل البحث الحيّ، Google Trends وغيرها تمّ اختراعها في إسرائيل. صادرت مراكز إنتل البحثية من إسرائيل بلغت 35 مليار دولار.
قرار الاستثمار في إسرائيل كان واحدًا من أفضل القرارات التي اتخذتها جوجل على الإطلاق – إيريك شميديت، رئيس جوجل التنفيذي السابق
الخلاصة
ما سبق ذكره ليست أرقامًا للتحطيم ولعن الواقع البائس، بل هي دعوة لجميع القرّاء من مهتمين ومختصين للعمل على هذا الثغر. قطاع العلوم والتكنولوجيا ليس قطاعًا هامشيًا يمكن تأجيل الاستثمار فيه لوقتٍ لاحقًا. بل هو أهمّ ما يجب على مسلمي اليوم استغلاله والعمل له وفيه.
من الخطأ التفكير بعقلية المنجنيق والسيف والرمح والمسدس والصواريخ في عصر العلوم والتكنولوجيا. على جميع المسلمين أن يعوا أنّ العصر الحالي لم يعد يعتمد على هذه الأدوات بشكلٍ أساسي ليخوض حروبه. حروب اليوم وحروب المستقبل كلّها ستكون حروبًا إلكترونية تشنّها الأمم ضدّ بعضها البعض لتحقق مصالحها.
فمن لهذا الثغر يا معشر المسلمين؟
مسألة تملك التكنلوجيا وتطويرها يحتاج لدولة مبدئية تتبنىاه، سياسات كل الانظمة الوظيفية تحارب حتى أي مبادرة محلية في هذا الاتجاه! فالطريق الى التكنلوجيا يمر أيضا عبر قلع الأنظمة الوظيفية وإقامة خِلَافَة على منهاج النبوة!