فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم

في ضجيج الحياة وقلة القدوات وغياب المربين، وهيمنة كل ماسوى الدين، ينسى المرء للحظات تلك الحقيقة التي يجب أن يعيش بهـا:

قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين

وبتأثره بمن حوله يضيع المقياس الذي يقيس إليه أفعاله –الصراط المستقيم- ويصبح المقياسُ تقاليد المجتمع وعاداته، فينحرف المرء عن الصواب انحرافًا كبيرًا؛ لذا لابد أن يظل متمثلًا هدي أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم: “أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده”

نوح عليه السلام

بعد سنين طوال قضاها نوح عليه السلام يدعو قومه لتوحيد الله عز وجل وما آمن معه إلا قليل، بل إن أولئك الذين استحبوا العمى على الهدى كانوا يصمون آذانهم ويفرون من دعوته وهو أمرٌ عظيمٌ على النفوس، شاق.. لايهونه إلا قول الله تعالى: “إن عليك إلا البلاغ”، أما الجزاء ففي دار جزاءٍ لا يشترط فيه كثرة الأتباع، فيهون على النفس ما لقيت من الأذى وتتعلق القلوب بدار الجزاء.

ثم حين كف عن دعوتهم بأمر الله عز وجل وشرع ومن آمن معه في بناء السفينة لم يكف المشركون أذاهم بل ظلوا يسخرون “كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه”، هنا كأنما يستهدفون القوة النفسية للداعية، وهي من أشد الأشياء وأخطرها تأثيرًا، لكنه عليه السلام قال بقوةٍ عجيبة استمدها من اليقين بالله والآخرة:

إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذابٌ مقيم

تلك الحقائق: -إن عليك إلا البلاغ- و-الفائز حقًا من فاز برضوان الله، والخاسر من كذب، والجزاء يوم القيامة، فإن الأحداث لا تنتهي هنا بل هناك- لها أثرٌ كبير في سيرك وإمدادك باليقين؛ فإن الباطل يعتمد على التزييف وقلب الحقائق، فما كان من نوح عليه السلام إلا توضيحهـا

إبراهيم عليه السلام

Cem5zASWwAALJM9

إبراهيم الذي قال عنه ربه سبحانه: “إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين”، لما مـال عن الشرك إلى التوحيد، جاء ربه بقلبٍ سليم وأسلم وجهه لله رب العالمين، ووقف بالحق وحيدًا بين قومه مجتمعين، فما كان منه أن ركن إليهم قليلًا بل واجههم بفساد موازينهم بدايةً فقال:

وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون

فالباطل يتزين لينخدع أتباعه، ليس عليك إلا أن ترى الأمور على حقيقتها، فمهما بلغ بأس أهل الباطل ينقصهم كل شيء، ينقصهم أن يكون الله وليهم؛ فلا مولى لهم وكما قال الله تعالى: “وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأسفلين”

فالأمر تمامًا كما أنت الآن حين تنادي بالحق وتحيا به، فيقولون “متخلف، إرهابي”، وما إلى ذلك إلا أن ما يمارسونه بعيدًا عن دين الله عز وجل هو السفاهة بعينها، والمحاربين لدين الله وأهله هم الإرهابيون حقيقة! فقط ذكرهم بهذه الحقائق.  كما حكى الشيخ يومًا حكاية ملخصها اندهاش الناس وسخريتهم من رجُلٍ ترك ما تعرضه السينما وقام يلبي نداء الله عز وجل، فلما انتهى رد على سخريتهم قائلًا: أرأيتم هؤلاء الذين لم يلبوا نداء الله عز وجل؟!

أخوةٌ وتراحم

انظر لقول الله تعالى: “ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيًا” فإن الأخوة والرفقة نعمة من نعم الله عز وجل ورحمة.  وكذلك: “قال إن فيها لوطًا” يقول صاحب الدرّ المنثور: هكذا المؤمن أينما وجد المؤمن يهتم لأمره.

يوسف عليه السلام

CdV2tybWIAATwQS

في قول الله تعالى:

ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشآء إنه من عبادنا المخلصين

الله سبحانه وتعالى ذكره، الله سبحانه وتعالى صرف عنه السوء والفحشاء، الله أعانه على نفسه لأنه من عباده المُخْلَصين. حين نمضي والفتن حولنا فإنا لا ينبغي لنا أن نركن إلى أنفسنا طرفة عين فلا حول لنا ولاقوة إلا بربنا. وإن حِرصنا على دعوة الناس لا ينبغي له أن يُنسينا أنفسنا أبدًا؛ فلجوءنا لله عز وجل، وما بيننا وبينه سبحانه، هو ما ينفعنا وقت الشدائد، بل هو ما لا نستطيع المضي بدونه. واعلم أن أخطر ما يصيب المرأ ليس أعداؤه وإنما نفسه التي بين جنبيه؛ إمـا بالحزن أو اليأس أو الهوان، ولهذا علمنا الله عز وجل أن: “لله العزة ورسوه وللمؤمنين” وأنشأ الإسلام هذه الثنائية الرائعة التي تجلت في بلال رضي الله عنه؛ أن القوة النفسية لا تنبع مما يحيط بنا من ظروف، بل من عقيدتنا.
وعلمنا رسول الله بعد غزوة أحد ورغم أن الهزيمة أصابت المسلمين بخطأ وعصيان، إلا أن هذا لا يدفعهم للهوان أبدًا فقال ألا تجيبوه؟ قولوا: الله أعلى وأجلّ.  وإما تنقض عليك نفسك بسبب الذنوب وعدم مراقبة الله عز وجل، وتجد أن الخوف من الله عز وجل ومراقبته يورث مهابة لك في صدور أعدائك وقوة للحق.

وختامًا

كن عزيزًا بالحق الذي أرشدك الله عز وجل إليه، ولا تهادن فيه أبدًا، فالله عز وجل يبين فداحة خسران أهل الباطل في الدنيا والآخرة مهما بدا من انتفاشٍ وعلو لهم:

أومن كان ميتًا فأحييناه  وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها

ويقول تعالى: “فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم”، مهما وجدت من وحشة بسبب تمسكك بهذا الحق، فلا تلتفت لفسادٍ أو ضلال، أوَ يرجو أحدهم أن يعود للضلال بعد أن رزقه الله الهدى؟!
!
ثم إن الله يقول أنه بتمسكك بالحق الذي أوحى الله به إليك فإنك على صراط مستقيم، وماذا ترجو بعد هذا؟ ولا تنسى أن الله هداك لهذا فارفق بإخوانك فإن الفتن شديدة، والناس يحتاجون من يتألفهم ويودهم ويدعوهم للحق برفق وبلا تنازل، برفقٍ وصبر.

خديجة يوسف

كاتبة مهتمة بالشـأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى