حين تحول من حمل القضية إلى إقدام على الانتحار!

في الآونة الأخيرة صرت تسمع كثيرًا عن حالات الانتحـار أو ترك الدين وإدعـاء الإلحاد! ولعل الأمر لم يكن قريبًا لعقلك، أو كان كل ما تفكر فيه هو كيف نرد على هؤلاؤء الملحدين وفقط! حتى وجدته بين الناس القريبين منك أو في محيطك!
لنقف عند هذا الأمر كثيرًا، ولنر جذور هذ الأمر ربما ستجد عندها أنه قد مر عليك سبب من هذه الأسباب..لكن فضل الله عليك كان عظيمًا.

الشيوخ المتصدرون !

وهم قسمـان قد اجتمعوا على ألا يفهم المسلم دينه،قبل البدء أنا لا ألومك أبدًا يا رفيق إن كنت لا تقوى على السماع لهم أو النظر في وجوههم بعد ما فعلوا، فإني أعرف من كاد يصل للإلحاد بسبب مخالفتهم لما علموا الناس من الحق فقد وضعوا أنفسهم موضع القدوة ثم فجأة تهاوت هذه القدوات!

أمـا القسم الأول:

وكان هو الغالب وعلى كثرة ترددهم على البرامج والقنوات إلا أنهم انشأوا أجيال من المسلمين لا تفقه الإسـلام وعقيدته، فلا تملك إيمانًا ويقينًا كافيًا بالله والدار الآخـرة.. هذا فضلًا عمـا غرسوه من منهج (امشي جمب الحيط) ويمكن أن نلخص بعض الأخطاء كالآتي:

بداية:

جعلوا أنفسهم مصدر التلقي، رغم أن على كل مسلم أن يقرأ ويتعلم القدر الكافي ويكون مرجعه للقرآن والسنة .. لدرجة أن يقول قائلٌ منهم حين يُسأل عن صمته : أنت لا تأكل ولا تشرب ولا تفعل شيئًا حتى تسألني، فلماذا الآن تخالفني؟!

ثانيًا:

تكلموا عن الدين وعن الأخلاق وعن رسول الله وربما عن التوحيد.. دون أن يعرجوا على نقطة بالغة الأهمية، وهي أن يكلموك عن رب العالمين الذي له التسليم التام!
وحين يتساءل عقلك من خلقني؟ من الله؟ لا تجد إجابة شافية، رغم أن العقيدة أتت لتجيب عن تساؤلاتك تلك التي ما كان العقل ليصل إليها بمفرده أبدًا.
وماذا نتج عن هذا؟
مسلم ربما صادق فعلًا في حبه للإسلام والدفاع عنه، ثم إذ تزاحمت تلك الأسئلة في رأسه ثم عصفت به الفتن وازادت تساؤلاته عن الله.. سينهار حتمًا؛ فالابتلاءات تتزاحم وهو لا يملك يقينًا ومعرفة كافية بالله رب العالمين .. وإنّ أصعب ما في الابتلاءات ألا تأوي لركن الله، فاللهم يقينا وتسليمًا كإبراهيم عليه السلام.

ثالثًا: انهيار القدوات الزائفة!

فكانوا هم قدوة وصدروا أنفسهم على هذا، ثم حين احتاج المرء تلك القدوة لترشده لم يجد إلا السـراب.. أو وجدهم يقفون موقفٍ يخالفون فيه كل ما علموا إياه ثم هم أيضًا على صواب.. وتتشتت الأفكار وتتصارع داخل المرء الإرادات وليس لديه قاعدة صلبة يرتكز إليها وهذا نتاج المشكلة الأولى التي أنتجت هالة من التقديس نحو الأشخـاص، وجعلتهم رمزًا للدين!
بدل أن يكون تصور المرء أن كل من حولنا هم فقط أسباب أراد الله بهم أن يتحقق أمرٌ مـا!

القسم الثاني:

هـؤلاء الذين جعلوا الدين أغنية نحبب الناس فيها، فالحياة وردية ولا مكان للابتلاءات وكأن الدُنيا دار مستقر لا دار فناء وزوال وابتلاء .. فصار الناس يتساءلون أنا أعبد الله لماذا يبتليني؟!
إنّ الدين في حقيقته تكاليفٌ ومشـاق وارتباطٌ بالله رب العالمين.

إنما النصرُ صبر سـاعة!

كانت الأمة بهذه الصورة، بين عدم معرفة كافية بالله عز وجل، وفجوة بين الفهم والتطبيق.. ثم هبت رياح الثورة، وصارت أمور كثيرة خارج نطاق السيطرة، ولاحت انفراجة كبيرة لحرية الخطاب الديني ونزول القرى والمدن ومخاطبة الأهالي وترسيخ الإيمان والمعرفة بالله رب العالمين..لكن، قدر الله وما شاء فعل..وانشغل الناس بالدعاية السياسية وانخرطوا فيها انخراطًا أنساهم كل واجبٍ آخر لديهم.. حتى أن من كان مرشحهم يخرج من دائرة المنافسة يقعدون عن العمل.
ولما ذهبت هذه الفرصة أدراج الرياح، ازدادت الأوضاع سوءًا وضُيق على الناس إلا من يبعدون العباد عن رب العالمين، ويمجدون الطاغوت!
وتتعاقب الفتن والابتلاءات والقلوب ما تحمل يقينًا راسخًا بالله والآخرة يعينهـا، فتزدادُ تزعزعًا .. في كل هذه الظروف يتصدر أناس من نوعٍ آخر، يرددون إنمـا النصرُ صبر ساعة!!
هذا لا شك فيه ولكن لماذا لا نخبر الناس أن عليهم أن يفعلوا كذا لينزل نصر الله، وأنه لابد من الإعداد والتخطيط والعمل.. بل أنه حتى في فتنة المسيح الدجال الذي لا يقتله إلا عيسى بن مريم، لكنه لا ينزل إلا على العاملين الذين يحاولون المواجهة لا القاعدين المنتظرين أن تمطر السماء نصرًا!
ولماذا لا نخبرهم كيف تمضي سنة الله في الكون بدلًا من تزيين الآمال وتزييف الوعود؟!
فوصل الناس إلى مرحلة أن كل ما قيل لهم سابقًا كان محض وهم، لم يعد هناك من حقائق في أعينهم، وازدادت التساؤلات وازداد اليأس.


التشبيهات الزائفة:

مثل سيدنا موسى عليه السلام وفرعون، وأن فرعون كل أمة لابد زائل وإلى آخر هذا الكلام.. الفاسد في التشبيه أن فرعون هذا يشبه فرعون السابق، لكن هل نحن بواقعنـا هذا فعلنا مقومات الأمة المنتصرة؟!

حين أهملنا إخوتنا

ثم جئنا نحن من ندعي أننا أصحاب قضية قضينا على ما بقي من رمقٍ في هذه الأمة؛ حين حصرنا مفهوم الابتلاء في المعتقلين والشهداء وأهاليهم..بل وحصرنا الخيرية فيهم..
ما أقلل من فضلهم أبدًا.. لكننا أدرنا ظهرنـا لأناس معنـا وهم في ابتلاءات ويحتاجون من يشد أزرهم، ونحن لا نلقي لهم بالًا
نتـسابق نحو من نظنهم أهل الفضل ولا أقلل من شأنهم جزاهم الله عنا خيرًا..لكن، أريدك أن تفهم فهمًا جيدًا أن لكل منا رسالة تختلف عن الآخـر، فإن وجدت من يقدم العون لأهالي المعتقلين والشهداء، فامضِ لمكان آخر وانظر لإخوتك فمنهم مرضى ومنهم من فقد من ذويه وكلها ابتلاءات..ومنهم من يحتاج أن يستقر في قلبه اليقين بالله.
وحين يشتد البلاء نحتاج أن نزيد قدر ما نبذل للآخرين من العاطفة لا أن نهمل أمرهم، واقر أيضًا:  هل هذا هو الاهتمام بأمر المسلمين؟!

ما نحتاجه الآن

أن نعرف الله سبحانه وتعالى حق المعرفة حتى يستقر في قلوبنا اليقين بالله وأقصد بهذا تلك العقيدة التي تجيب عن تساؤلاتك المشروعة، ثم تلجأ إليه كثيرًا.
معرفة السنن الربانية التي توضح لنا كيف تسير الأمور .. فذلك ادعى للاستعداد والإعداد، فليس الأثر على المتفاجيء كمن أعد لمثل هذا.
الاهتمام بمن هم في محيطنا وتفقد أحوالهم.. أن تمنحهم الكثير من العاطفة، فإن التعويض النفسي هامٌ جدًا في أجوائنا تلك.

خديجة يوسف

كاتبة مهتمة بالشـأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى