عين على خطبة الجمعة

النظم السياسية والإدارية في الإسلام

جارى الإسلام في تنظيماته الإدارية والسياسية كل ما يوافق المنطق والعقول السليمة، وربما ابتكر وسائل تناسب العصور التي وجد بها وبالمقابل استفاد من الوسائل والأساليب الدارجة في زمانه ما لم تتعارض مع كلياته. وهذا إنما يدل على مرونة النظام الإسلامي وقدرته على استيعاب كل ما هو جديد ومناسب لإدارة شؤون الناس ومصالحهم عامة والمسلمين خاصة.

وقد تجلى ذلك واضحا وجليا لكل متابع لسيرة رسول الله وصحابته ومن تبعهم بإحسان في إدارة الحكم والحرب والسلم والاتفاقيات الدولية والاقتصاد والأمور العامة. ولكن تميز النظام الإسلامي بأمرين مهمين لا ينفكان عن سياساته أبدا وهما: الربط الدائم بين شؤون الحياة المختلفة وبين الوحي الذي يتجلى بالأحكام الشرعية المنبثقة عن الكتاب والسنة، وتحري تحقيق العدل والمصلحة.

والإسلام لم يكن في يوم من الأيام مختلفا بوسائله وأساليبه الإدارية والسياسية عما كان سائدا في عصره، لذلك جاءت خطبة الجمعة كأسلوب من أساليب جمع الناس في اجتماعات دورية لتخاطب الجماهير بأمورها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، واستخدم هذا الأسلوب لربط المسلمين دائما في مركز جامع لها، له شكله السياسي من حيث المراسم والمضمون، ومرتبط مباشرة بالشكل الديني الروحي، ليعيش ويتناغم التأثير الفكري والروحي ويتفجر حبا وعملا وتعاونا بين المسلمين، ولكن ما إن سقطت الدولة المسلمة الجامعة لكل ما يتفرع من تشريعات ونظم حتى سقطت معها روح خطب الجمعة، فترى المسلمين يمرون عليها كأنها طقس من الطقوس، لا يعلمون غايتها ولا يفقهون موضوعها، ويتفرقون بعدها كلُ في سبيله.

مكانة خطبة الجمعة ضمن منظومة الإسلام

لقد شرعت صلاة الجمعة في أول الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة وذلك بعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أول دولة للإسلام. لم تكن خطبة الجمعة في حقيقتها إلا اجتماعا للمسلمين في مسجد واحد يستمعون إلى نبيهم ويتعلمون منه القرآن وأحكام الإسلام، ويبين لهم أمور دينهم، وينبههم إلى أخطائهم ويعالج لهم مشاكلهم وشؤون حياتهم المختلفة، وتبعه في ذلك صحابته، يعرضون أهم مسائل الحياة على المسلمين وكأنهم في منتدى سياسي يتناقشون في صالح الأمة وأسباب صلاحها.

وإن اشتراط بعض الفقهاء إذن الإمام لصحة صلاة الجمعة فيه لفتة مهمة إلى اعتبار خطبة الجمعة اجتماع سياسي برعاية الإمام وبحاجة لإذنه في تعيين خطيب كفؤ قادر على طرح ومناقشة شؤون الدولة ومشاكل الناس وترشيد الأمة وتمثيل الحكومة في دورها في تسيير شؤون الامة.

انحراف خطب الجمعة عن مسارها

وقد أدرك المستعمرون ومن سار على دربهم ومن تبعهم سرا وعلانية، أدركوا تماما أهمية صلاة الجمعة وما لها من دور كبير في قيادة الأمة وتجييش الناس وحشدهم، فلم يلغوها ولكنهم استبدلوا الخطباء أهل الحق والبصيرة بخطباء على أنواع:

الأول: الخطيب التابع مباشرة للأنظمة الفاسدة الذي يتكلم بلسان سادته لا بلسان القرآن، ويحرف الحق ويزين الباطل، وجل غايته ابتغاء الشهرة والامتثال الكامل للأوامر العليا.

الثاني: خطيب موظف يأتي للخطبة على أنها جزء من دوامه الرسمي في الحكومة – وزارة الأوقاف – فيؤدي ما طلب منه بحرفية كاملة ويتقيد بالنص المطلوب بشكل دقيق لا ينحرف عنه قيد أنملة.

الثالث: خطيب ليس لديه من العلم كثير، يبتغي الرضا من الله على ما يقوم به، لكنه لا يعلم غاية الإسلام من خطب الجمعة، تراه يصعد على المنبر ولا يدري من يخاطب، ويتكلم عن أمور لا تهم الناس ولا تعالج مشاكلهم.

لابد من وجود استثناءات

بالطبع هناك خطباء استثنائيون من هذا التعميم ولكن وجود الاستثناء لا يعني أن واقع وحال خطب الجمعة بحال أفضل مما وصفت سابقا، فربما نجد بعض الخطباء من يشعر بمسؤولية ما يقوم به ويجتهد في تحضير المواضيع ويتحرى أن يحقق هدف وغاية ما يقوم به، ولكنه يفشل فيما يبتغي والسبب هو في ضعف الوسائل والأساليب التي يحاول أن يوصل فكرته ويحقق غايته عن طريقها فيفشل كما فشل غيره، أو في تحريه عدم الوقوع فيما يغضب الحكام والأنظمة الساهرة على عدم استغلال الخطبة لغايات أو أغراض تخالف مشيئتهم وتوجهاتهم، ومع ذلك فإننا نقول أن الخطيب مسؤول عن تحقيق غاية الجمعة وأهدافها بوسائل تعينه على تحقيق مراده، لكن ما يشل الخطباء عن أداء دورهم هو:

  • عدم امتلاك الخطباء المنطومة الفكرية والحركية الكاملة للإسلام.
  • عدم ادراك أن الجزئيات المبثوثة في الفقه والفكر الإسلامي هي أعمال من الحراك المجتمعي السياسي الذي يهدف نهاية لتوجيه الأمة لتحقيق شرع الله.

هذا التفكك في التفكير جعل من خطب الجمعة بلا روح ولا غاية وجعل من المصلين منفصلين عن الواقع واعتبارهم خطبة الجمعة فرض يسقط بمجرد حضورها والسلام.

نصيحة وخاتمة

الأعوام الأخيرة أظهرت حاجة الناس لمن يشرح لها الإسلام ودوره وطريقته في التغيير وفي مواجهة الظلم وتحقيق الحياة الطيبة للناس، وبالمقابل بينت عجز القيادات الدينية وخطاباتها (إن وجدت) عن إيجاد إجابة لتساؤلات الناس وحمل الأمة على المنهج القويم الرشيد، وذلك بسبب فقدانها أصلا للمقاييس والمعايير المستندة للفكرة الواحدة التي جاء بها الإسلام، وتخبطها بسبب تأثرها بالواقع المتقلب.

إننا نتمنى من علمائنا أصحاب الفضل والخير الكثير أن يسخروا علمهم وفقههم ضمن المنظومة الإسلامية المتكاملة، وأن يجعلوا من خطب الجمعة تحديدا وكل خطاباتهم بيانا للحق ومنهجه وترشيدا للأمة.


بقلم علاء حلبوني

علاء حلبوني

كاتب وباحث في نهضة الأمة - كلية الاقتصاد، جامعة دمشق.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    كلام سعادتكم صحيح وأضيف نقطتين
    الأولي تحديد وزارة الأوقاف لموضوع خطبة الجمعة
    الثانية تحديد زمن الخطبة بحيث لا يتجاوز عشرة أوخمس عشرة دقيقة
    وهذه تعيق الخطيب في خطبة الجمعة
    وجزاكم الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى