اختيارات المحرر

طوفان لعالم جديد

لقد جاء طوفان الأقصى المبارك كنقلة جديدة نحو كشف زيف هذا النظام العالمي وقِيَمه المزعومة ومؤسساته، جاء ليغرس معول هدم في طريق الشرعية الدولية عمليًا، لكن هدمها في قلوب الناس هو التحدي الذي يواجه البشرية، نعم كل البشرية وفي قلبها أمة الإسلام، التي تمثل رغم كل شيء الأمل الوحيد في هذا العالم، ومنذ انطلاق الطوفان لم تهدأ حركة الانكشاف للمواقف الحقيقية مصداقًا لكلمة الشهيد المشتبك يحيى السنوار حين قال: «ستفضح هذه المدينة كل المطبعين وستخزي كل المنسقين وستكشف حقيقة كل المفرطين و المتنازلين».

إن الطوفان جاء ليكون محطة جديدة في سياق تاريخي فهل تكون مآلاته ولادة عالم جديد؟

الطوفان كلحظة من سياق المقاومة

طوفان-الأقصى

إذا تتبعنا الأحداث الكبيرة التي جدّت أواخر القرن العشرين، والتي جاءت نتاجًا لإفاقة؛ دَفَعَت الأمة لتتململ وتتحرك نحو التغيير، سنجد أنها سلسلة من الأحداث التي قد يفصل بينها أماكن وجزئيات في ظروف انبعاثها وتنوع الفاعلين فيها، لكنها تنتظم كلها في سياق التغيير وتؤثر فيه في صورته الكلية.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي كان الرهان فيها على اقتسام تركة الخلافة العثمانية، تراجعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركت المجال لهيمنة أمريكا والاتحاد السوفيتي، اللذين أسسا نظامًا عالميًا ماديًا بقسميه الرأسمالي والاشتراكي، وبَقِيَ التنافس بينهم حول قيادة هذا النظام خلال ما عرف بالحرب الباردة، ثم بدأ الجهاد الأفغاني سنة 1979م ضد الحكم الشيوعي في أفغانستان، وأسقط الأفغان النظام ليتدخل الاتحاد السوفيتي لمواجهة الأمة ممثلة في المجاهدين الأفغان ومن آزرهم من العرب المنبعثين من الأقطار المختلفة، وتكلل ذلك بهزيمة كانت بحجم المعجزة لثاني أكبر قوة عسكرية على الأرض.

وفي سكرة الانتصار الأمريكي بسقوط الاتحاد السوفيتي، وانتفاش العم سام بسيطرته أخيرًا على كل الكرة الأرضية، وبتحول نظامه العالمي لأحادي القيادة بلا منافس، ركب شباب من هذه الأمة المخاطر وضربوا قلب القوة العالمية الكبرى في عز عاصمتها، لتكون صفعة غير متوقعة أمريكيًا ولا عالميًا من هؤلاء المغامرين الأبطال، فقد أسقطوا وبقوة هيبة الهيمنة وأعلنوا على شاشات العالم أن أمريكا ليست بإله، بعد أن ظنت وظن وكلاؤها أنها أركعت كل العالم على عتبات هيمنتها، لتبدأ بعدها مرحلة النظام الأمني العالمي، مرحلة الحرب على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب.

وإثر استقرار تَوَهّمه الغرب المهيمن، وبعد الركود الذي تلى الحروب التي ضرب خلالها قلب العالم الإسلامي، تأتي فجأة ثورات الربيع العربي لتحرك أحجار الشطرنج خارج الصندوق الأمريكي وخارج النظام الأمني العالمي مرة أخرى، وتعطي الشعوب هذه المرة الصفعة المدوية للدولة القومية درة تاج النموذج الغربي المهيمن، وتنتقل الثورات ومعها السخط الشعبي على أمريكا والاحتلال بسرعة تتجاوز الحدود الاستعمارية، ورغم أن بلاد العم سام استطاعت الالتفاف على إرادة الشعوب بتصدير نخب انهزامية بعد الثورات، إلا أن جذوة الحراك ما زال كامنًا تحت الرماد حتى بعد كل هذه السنين ومنذ ذلك الربيع.

ولما ظنت أمريكا وإسرائيل أن الثورات المضادة التي صنعوها تمكنت نهائيًا على هذه الشعوب واستحكمت حلقاتها، وبدؤوا بعدها بحملة التطبيع الرسمي الشامل مع أكبر الدول العربية بتواطؤ مخزٍ، وفي خضم هذا الركود يشرق فجأة فجر السابع من أكتوبر، وينطلق طوفان الأقصى المبارك؛ ليحرك الكوامن من جديد، وينطلق فصل آخر رسم معالمه رجال الأنفاق الذين تمكنوا من هز أركان الدولة الصهيونية ووكلائها في المنطقة وولية أمرهم أمريكا، ذلك الهجوم المباغت الذي تمادى للداخل الصهيوني، ومرغ أنف ابنة العم سام المدللة في المنطقة، ما أحدث زلزال عميق حرك الصفائح البركانية تحت أركان الطغيان العالمي ومن ارتبط به من العملاء العرب، وما زال الطوفان هادرًا، يثير مكامن المشاعر الملتهبة بين شباب هذه الأمة.

اقرأ أيضًا: ما لا يسعك جهله عن فلسطين.. حوار متخيل عن قصة القضية

الطوفان.. لحظة كاشفة للزيف العالمي 

إبادة أهل غزة

يعج هذا العالم الذي نعيش فيه، في ظلال هيمنة الغرب عليه بـ”أيديولوجيات” ومناهج لا إنسانية، تأسست على منطق استعباد البشر للبشر، لكن عوارها وحقيقتها بقيت متسترة وراء “مكياج” الحداثة والتلاعب الإعلامي، لقد سَوّق الغرب لقِيَمه على أنها قيم كونية، قابلة للحياة في كل هذا العالم، بانبهار وغفلة، استوردت النخب المقهورة هذه القيم على أنها المنقذ الوحيد والسبيل إلى اللحاق بركب العالم المتقدم، العالم الذي تهرع فيه أساطيل لإنقاذ قطة علقت بشجرة في أحد العواصم الغربية، بينما تدك جيوش نفس البلدان الأطفال والنساء بالقنابل لتكبت أنفاسهم البريئة تحت ركام المنازل المهدومة.

إننا اليوم في لحظة انكشاف الكذبة الكبرى، كذبة الإنسانية الغربية، فقد عرّى الطوفان ما تبقى من هذا الزيف، وأصبح كل إنسان قادرًا على أن يرى بوضوح حقيقة الوحشية الغربية، التي تستهدف بالأساس الأطفال والنساء والمستضعفين، بالقتل والتشريد والتجويع والإبادة.

لقد عشنا هذا كثيرًا، عشناه في البوسنة وسراييفو وكشمير، عشناه في بغداد وأبو غريب وفي غوانتانامو، عشناه في الهندوكش وبلاد البشتون، عاشته جزائر ابن باديس ومغرب الخطابي وليبيا المختار وقاهرة الحلبي، عشنا عدوانهم ووحشيتهم كثيرًا في بلادنا.

لكننا اليوم أمام ما يمكن تسميته أخلقة الإبادة، أي إضفاء بعد أخلاقي تبريري لسفك دماء الأطفال، بل وهندسة الإبادة عبر برامج المساعدات الأمريكية في غزة، إن هذا العالم الغربي يتخلى عن آخر ستائر أوهامه، لينكشف أمامنا بوجهه الوحشي الدموي الحقيقي، الذي طالما اختفى وراء عناوين قيم الرجل الأبيض الكونية.

ما العمل؟.. نحو يقظة المسلمين 

تدق اليوم طبول الحرب في عمق أمتنا، وتنزل الجيوش والمخابرات العالمية في قلب بلاد مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، ويأخذ زعماء الغرب من أموالنا بلا حسيب لا رقيب، بعد أن نهبوا خيرات بلادنا وأرسوا قواعدهم العسكرية على أرضنا، وتُحقن بقية الشعوب بحقن التخدير والإلهاء في مواسم المجون، ويشيع التدين الظاهري الفرداني الذي يدعونا إلى الاستكانة وموات الحس والفطرة، ويوهمنا الإعلام والمؤسسات الرسمية بالأمان الزائف، ليعتقد كل شعب داخل هذه المقاطعات أنه في مأمن مما يحدث، وأن الحرب عنه بعيدة، بينما هي تدق أبوابنا ليل نهار، وإن أعداءنا ووكلاءهم يعولون على غفوتنا التي طالت، ويراهنون على مقاومة بواعث اليقظة، اليقظة التي من شأنها أن تنبهنا على الخطر الداهم وترينا عدونا المحلي/الأجنبي على حقيقته.

تحدي فرسان الأمة الجديد 

ربنا أفرغ علينا صبرًا

كان لكل مرحلة من المراحل السابقة في سياق المقاومة رجالها الذين واجهوا التحديات وتجاوزوا العقبات وعملوا لمعركة الإسلام في مرحلتهم وأدوا واجبهم وما عليهم، وها هي اليوم مرحلة جديدة من خطوات تحرر الأمة وتحرر هذه الشعوب، مرحلة لها معالمها الخاصة وتحدياتها الخاصة.

وتحدي هذه المرحلة بكل وضوح هو تحويل طوفان الأقصى إلى طوفان أمة.

وقد كان لكل فترة عقباتها، كما أن لهذه المرحلة -مرحلة الطوفان وما بعده- عقباتها، وكان لكل مرحلة حيز وأسلوب عمل وإيجابيات لم يرَ أهميتها سوى العاملين في معركة التغيير الكبرى، الشاعرين بحرارتها، الذين استثمروا مساحات العمل على القدر الذي استطاعوه، كذلك فنحن نعيش مرحلة يتاح فيها ما لم يتح في ما سبق، وتتفتح مساحات لم تكن لتتفتح، فالأمر إذن بين عقبات يجب تذليلها ومساحات يجب استغلالها.

فإذا كان العمل نتيجة تراكمية، فلابد أن نستحضر حقيقة أن الله لم يكلف العاملين بالنتائج، ولا بالانتصار النهائي، بل بالسعي وفق منهج صحيح. و((لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا)) [صحيح مسلم: 2626].

مؤمن سحنون

أرجو أن أكون من الساعين لأن ننال يوما الحرية، الحرية بمعناها الشامل لأمة تعرف رسالتها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ١-كشفت التحليلات لاحداث ١١ سبتمبر انها مفبركة وحجة للهجوم على منطقة الشرق الاوسط كبداية للحرب العالمية الثالثة على امة الاسلام
    ٢-لاتزال الاخطاء النحوية تقلل من براعة فكرة المقال فاقترح عرضها على مصحح لغوي قبل النشر
    بارك الله فيكم، ونأمل أن نكون جزءا من الطوفان القادم بإذن الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى