أزمة وجودية في كنيسة إنجلترا !!
وكأن إباحة “الاعتداءات الجنسية على الأطفال” وصية مقدسة من وصايا التوراة والإنجيل يجب على رجال الدين المسيحي الالتزام بها!!
هذا ما يقع في نفس البعض من كثرة ما يظهر بين فينة وأخرى حول فضائح رجال الدين المسيحي وارتباطهم بالاعتداءات الجنسية على الأطفال القُصّر من الجنسين، خاصة في الكنيسة الكاثوليكية، وهي فضائح وجرائم شاع الكشف عنها مؤخرًا في دول مختلفة حول العالم، على مدار عقود طويلة من الإساءة واستغلال المنصب الكنسي، لكن هذه المرة تضرب فضيحة كبيرة أخرى “الكنيسة الأنجليكانية” في إنجلترا، التي بلغت ذروتها باستقالة رأس الكنيسة “جاستن ويلبي – Justin Welby” رئيس أساقفة كانتربيري رقم 105 وأكبر أسقف في كنيسة إنجلترا.
”جاستن ويلبي” الذي يُعتبر الزعيم الروحي لكنيسة إنجلترا ورئيس الطائفة الإنجليكانية العالمية، يمثل حوالي 85 مليون إنجيلي حول العالم، جاءت استقالته لاتهامه بالتستر على اعتداءات جنسية على الأطفال والشباب داخل الكنيسة.
في هذا الشأن صدر تقرير نشرته مجلة الجارديان الأسبوعية، وكان موضوع غلافها بعنوان: (أزمة وجودية في كنيسة إنجلترا) تناول تداعيات ما يجري داخل الكنيسة على مستقبلها ككنيسة رسمية للبلاد.
الكنيسة الإنجليكانية (كنيسة إنجلترا) هي مؤسسة دينية تاريخية تتمتع بوضع خاص ككنيسة الدولة الرسمية في إنجلترا، وتواجه منذ عقود تراجعًا في الحضور الكنسي وانخفاضًا في الدعم المجتمعي، مع تزايد العلمانية في بريطانيا.
لكن قبل عرض ترجمة التقرير كاملًا، من المهم استعراض بعض الخلفيات المرتبطة بالموضوع ليكتمل التصور.
خلفية الفضيحة
أعلن “جاستن ويلبي” استقالته وسط جدل حول تعامل الكنيسة مع قضايا الاعتداءات الجنسية، إذ تعرض لضغوط بسبب عدم اتخاذ إجراءات فعالة رغم تصاعد حالات الانتهاك وتزايد عدد الضحايا، وعدم حماية الأطفال والشباب من الاعتداءات المتكررة، حيث اتُهمت الكنيسة بالتستر ودعم المتورطين.
وكانت هيئة التحقيق المستقلة في الاعتداءات الجنسية (IICSA) كشفت أن كنيسة إنجلترا فشلت في حماية الأطفال والشباب من الاعتداءات الجنسية لعقود، وساهمت ثقافة التستر في تفشي الانتهاكات وإعاقة العدالة للضحايا، وأن 390 من رجال الدين أو أشخاص في مناصب تابعة للكنيسة أُدينوا بجرائم جنسية.
وجدت التحقيقات أن الكنيسة تتجاهل الشكاوى وتسمح للمتهمين بالاستمرار في مناصبهم وإخفاء جرائمهم، وأن السجلات الخاصة بالتحقيقات كانت غير كاملة وتفتقر للشفافية، ما صعب محاسبة المتورطين.
حجم المشكلة
أحد الأمثلة الصادمة هو إدانة القس “إيان هيوز” في 2014م لحيازته أكثر من 8000 صورة جنسية للأطفال.
تشير التقديرات إلى أن واحدة من كل 6 فتيات، وواحدًا من كل 20 فتى قد تعرضوا للاعتداء الجنسي قبل سن 16 عامًا من قبل القساوسة أو العاملين داخل الكنيسة ومؤسساتها، ويقدر عدد البالغين الذين عانوا من اعتداءات جنسية في طفولتهم في إنجلترا وويلز وحدهما بحوالي 3.1 مليون شخص!!
كشف التحقيق عن أن العديد من المؤسسات الكنسية كانت تتجاهل الشكاوى أو تدعم المتورطين بدلًا من الضحايا، وتم استخدام سياسة التنقل بين المناصب لإخفاء الجرائم، دون عقوبات صارمة، ولم تكن لديها سياسات حماية فعالة للأطفال، وفي حال وجودها كانت غالبًا غير مطبقة.
وقدرت دراسة في 2021م تكلفة الاعتداءات الجنسية على الأطفال على المجتمع بأكثر من 10 مليار جنيه إسترليني سنويًا، ما يُبرز العبء الكبير لهذه الجرائم، كما أوضح التقرير نقصًا كبيرًا في الدعم النفسي لضحايا الاعتداءات، مما زاد من معاناتهم، وأثره على صحتهم العقلية والجسدية.
الكنيسة تحمى الأصدقاء.. على حساب الأبناء
استقالة كبير أساقفة كانتربري رئيس كنيسة إنجلترا “جاستن ويلبي” من منصبه جاءت بعدما خلص تحقيق مستقل إلى أنه لم يتخذ الإجراءات اللازمة ولم يبلغ الشرطة في الوقت المناسب بشأن سلسلة اعتداءات جسدية وجنسية ارتكبها متطوع في مخيمات صيفية مسيحية على مدى عقود، وهو المحامي الراحل “جون سميث” الذي اعتدى على أطفال وفتيان في مخيمات صيفية مسيحية في بريطانيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا على مدى العقود الخمسة الماضية.
وخلص التحقيق المستقل الذي أجري بشأن تلك الانتهاكات إلى أن “جون سميث” ارتكب انتهاكات جسدية وجنسية وحشية ومروعة بحق أكثر من 130 صبي وشاب منذ سبعينيات القرن الماضي، وأن “سميث” ربما كان سيُقدم إلى العدالة لو أبلغ رأس الكنيسة “جاستن ويلبي” الشرطة رسميًا عندما علم بذلك في عام 2013م، وبدلاً من ذلك تغاضت الكنيسة عن ذلك حتى توفي “سميث” في جنوب أفريقيا في عام 2018م.
وكان “سميث” قد انتقل إلى زيمبابوي مع زوجته “آن” في عام 1984م بعد أن اكتشفت شخصيات كنيسة إنجلترا إساءته للأطفال والشباب في المعسكرات الصيفية للمسيحيين، بما في ذلك ضربهم وإجبارهم على خلع ملابسهم، لكنهم لم يبلغوا عنه للشرطة.
“سميث” كان على صلة بالعديد من الشخصيات الكنسية من خلال الأنشطة الشبابية التي كان يشرف عليها، وكان يعمل مع منظمات مرتبطة بالكنيسة، مما جعله في وضع يتيح له استغلال نفوذه لإساءة معاملة الضحايا.
التقرير أظهر أن التستر على جرائم “سميث” لم يكن مجرد فشل على المستوى الفردي، بل كان انعكاسًا لمشكلة أعمق في القيادة المؤسسية للكنيسة، وأن القيادة لم تتخذ إجراءات إصلاحية حتى بعد كشف الفضيحة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
شخصيات في المناصب العليا، مثل الأساقفة، سمحوا لهذه الانتهاكات بالاستمرار عن طريق الفشل في التعامل معها بجدية، وهذا السلوك خلق إحساسًا بأن النظام بأكمله “ملوث” ومتورط، وهو ما زاد من الغضب بين الناجين وأفراد المجتمع الكنسي، وأن شخصيات كنسية بارزة علمت بالانتهاكات لكنها لم تبلغ السلطات، وتم الحفاظ على التسلسل الهرمي للكنيسة على حساب العدالة والمحاسبة.
استقالة رئيس أساقفة كانتربري، الزعيم الروحي لكنيسة إنجلترا ورئيس الطائفة الإنجليكانية العالمية نتيجة لهذا التستر، تُمثل حدثًا بارزًا بسبب مكانته العالية في الكنيسة والمجتمع البريطاني، وعلى المستوى الديني، ويعني ذلك تغييرًا في القيادة الروحية والتوجيه الأخلاقي لأكثر من 85 مليون إنجيلي حول العالم.
الاستقالة ستؤثر على السياسات الكنسية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية والاجتماعية التي تواجه الكنيسة، فرئيس أساقفة كانتربري عضو بارز في (مجلس اللوردات) حيث يُشارك في النقاشات التي تخص الشأن العام في المملكة المتحدة ويُعبّر عن موقف الكنيسة من قضايا اجتماعية وسياسية واسعة.
استقالة رئيس أساقفة كانتربري، أعلى سلطة كنسية، تعكس الاعتراف غير المباشر بأن القيادة العليا فشلت في التعامل مع الأزمة، وكثير من الأساقفة يواجهون الآن دعوات للاستقالة، حيث يُنظر إليهم على أنهم جزء من المشكلة بسبب تراخيهم أو تواطئهم.
علاقة “جون سميث” بكثير من الأساقفة، تكمن في تواطؤ بعضهم أو تقاعسهم عن منع الجرائم التي ارتكبها، وهو ما جعل فضيحته تتحول إلى أزمة وجودية للكنيسة بأكملها.
صرخة العدالة المؤجلة
ومن المناسب هنا أيضًا استعراض عام للتحقيق المستقل في الاعتداء الجنسي على الأطفال في بريطانيا، في أكتوبر 2022م أصدرت بريطانيا تقريرًا تاريخيًا حول الاعتداء الجنسي على الأطفال، يكشف عمق أزمة أخلاقية واجتماعية ومؤسسية استمرت لعقود، جاء التقرير ثمرة تحقيق دام سبع سنوات بقيادة البروفيسورة “ألكسيس جاي” مستعرضًا إخفاقات مؤسسات الدولة والمجتمع في حماية الأطفال، ومقدمًا توصيات تهدف إلى إصلاح نظامي جذري لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.
تحدث التقرير عن واقع مرير؛ إذ يقدر أن واحدة من كل 6 فتيات، وواحدًا من كل 20 فتى يتعرضون للاعتداء الجنسي قبل بلوغ سن 16 عامًا، كما أظهرت الإحصاءات أن أكثر من 3.1 مليون بالغ في إنجلترا وويلز عانَوا من الاعتداء الجنسي خلال طفولتهم، وهذه الأرقام تؤكد أن الاعتداء الجنسي ليس أزمة فردية بل وباء مجتمعي يجب التصدي له بجدية.
كشفت التحقيقات عن نمط متكرر من التستر على الجرائم وإلقاء اللوم على الضحايا، فالمؤسسات الحكومية والدينية والاجتماعية كانت تفضل حماية سمعتها على حماية الأطفال، ففي الكنيسة الإنجليكانية وحدها، تم تسجيل 390 إدانة بين عامي 1940م و2018م. أما المدارس الداخلية ومراكز الرعاية، فقد شهدت قصورًا فادحًا في توفير الحماية للأطفال، حيث استغل المعلمون والعاملون مواقعهم لممارسة الاعتداءات.
حتى الإنترنت لم يكن بمنأى عن هذه الجرائم، فقد أظهر التقرير تصاعدًا في الاعتداءات عبر الإنترنت من خلال توزيع الصور الإباحية والبث المباشر للاعتداءات، مع قصور واضح في استجابة شركات التكنولوجيا.
يمثل هذا التقرير نقطة تحول في التعاطي مع قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال في بريطانيا، ولكنه يطرح تساؤلاً ملحًا: هل ستلتزم المؤسسات بتنفيذ هذه التوصيات؟ أم ستظل العدالة المؤجلة عقبة في سبيل حماية الأطفال؟
أزمة وجودية في كنيسة إنجلترا
الآن نستعرض النص الكامل للتحقيق الذي نشرته مجلة الجارديان الأسبوعية كموضوع غلاف بعنوان: (أزمة وجودية في كنيسة إنجلترا .. هل تستطيع الكنيسة التعافي؟)
التحقيق الذي كتبته “هارييت شيروود – Harriet Sherwood” يبدأ بنقل قول “تيم وايت” كاتب مجلة The Critical Friend، وهي نشرة إخبارية عن شؤون الكنيسة: «لقد أحدثت استقالة “جاستن ويلبي” موجة من الصدمة في كنيسة إنجلترا، إنه لأمر غير مسبوق أن يستقيل رئيس أساقفة بسبب أزمة من صنعه، لقد تسبب ذلك في اضطرابات هائلة في المؤسسة».
ثم تبدأ الكاتبة وتقول: «موجات الصدمة التي أثارتها استقالة رئيس الأساقفة هي تتويج لسنوات من الغضب المتصاعد بين رواد الكنيسة والناجين من الانتهاكات، فبينما يُقدّم المؤمنون الشكر للرب في كنائس إنجلترا البالغ عددها 16,500 كنيسة يوم الأحد، سيُخيم تحت طقوس الصلوات والترانيم المريحة، تيار خفي قوي من الخزي والغضب والحزن والفزع».
فكنيسة إنجلترا تواجه أكبر أزمة لها في العصر الحديث، ولا يوجد طريق واضح للتعافي، لقد أُجبر رئيس أساقفة كانتربري على الاستقالة، وتُواجه شخصيات بارزة أخرى دعوات للاستقالة، والكنيسة تترنح من إخفاقاتها المخزية بسبب منتهك الأطفال السادي.
شرح التقرير المكون من 253 صفحة بالتفصيل الوحشية المروعة التي ارتكبها المحامي الراحل “جون سميث”، والتستر المتكرر وإغفال شخصيات الكنيسة عن هذه القضية والصدمة التي عانى منها الضحايا مدى الحياة.
ووفقًا لما قالته “ليندا وودهيد” أستاذة اللاهوت الأخلاقي والاجتماعي في كلية (كينغز كوليدج لندن): «إنها أزمة وجودية للكنيسة، لقد عايشنا في الكنيسة لوقت طويل الكثير من الأزمات، ولكن هذه لحظة حرجة».
وأضافت: «إنه أمر غير مسبوق ويسبب خرابًا هائلاً في المؤسسة، الآن أصبح السيف مسلطًا على كبار القادة والأساقفة الآخرين، وقد تكون استقالة ويلبي أول حجر يتدحرج إلى أزمة أكبر بكثير داخل الكنيسة».
إن سياق التقرير عن “سميث” يتجاوز كونه أكثر من 10 سنوات من التحقيقات التي تدين إخفاقات الكنيسة في مجال الانتهاكات الجنسية، فقد تم الكشف عن أساقفة ورجال دين ومتطوعين علمانيين كبار كمعتدين، وكانت شخصيات كنسية على علم بالانتهاكات في بعض الحالات وفشلت في إيقافها أو إبلاغ الشرطة عنها.
وأضافت “ليندا وودهيد”: «لذلك كان هناك غضب متأجج بين مرتادي الكنيسة والناجين من الانتهاكات لعدم محاسبة أحد، ما يحدث الآن هو تتويج لسنوات عديدة من الاستياء المتراكم.. وأخيرًا انفجر».
«نسمع الآن حديثًا عن تنظيف الإسطبلات والبدء من جديد، الشعور الذي ينتابك كما الكثيرين في الكنيسة، هو الشعور بأن التسلسل الهرمي بأكمله، وليس فقط الرجل الذي في القمة، متواطئ وملوث».
تتشابه موجات الصدمة التي تشعر بها الكنيسة الأنجليكانية الآن مع تلك التي اجتاحت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بعد كشف صحيفة بوسطن غلوب عام 2002م حول الاعتداءات الجنسية الواسعة النطاق على الأطفال من قبل القساوسة والتستر عليها، لقد شعر العالم بأصداء ذلك في جميع أنحاء العالم حيث تم الكشف عن أسرار الكنيسة الكاثوليكية المظلمة التي أُجبرت على الظهور إلى النور، وتضررت سلطتها بشدة.
في كنيسة كانتربري، منذ أن أصبح “ويلبي” رئيس أساقفة كانتربري منذ ما يقرب من 12 عامًا، قَدّم تقرير تلو الآخر تفاصيل الانتهاكات الجنسية والنفسية والروحية التي تعود إلى نصف قرن أو أكثر، لقد قدم “ويلبي” اعتذارات متكررة عن إخفاقات الكنيسة، وفي عهده تم ضخ ملايين الجنيهات من أجل تحسين حماية الأطفال من الانتهاكات.
وتقول “ليندا وودهيد”: «تقوم الأبرشيات بعمل أفضل بكثير في مجال الحماية، لأنها كنيسة مختلفة على المستوى الشعبي وليست الكنيسة الرسمية، تقوم الكثير من الأبرشيات بعمل رائع مع قيادة علمانية محلية رائعة، وبعض رجال الدين الجيدين جدًا، ورغم ذلك لا يحصلون على الكثير من الدعم أو المال من الكنيسة الوطنية».
وقال “تيم وايت”: «يتحدث بعض الناس عن وجود كنيستين في إنجلترا ، الأبرشية المحلية، التي يديرها متطوعون بشكل متزايد، والنخبة المحترفة في بيت الكنيسة (مقر الكنيسة الكَنَسيّة)، أو قصر لامبيث (مكتب رئيس أساقفة كانتربري). لكن لا ينبغي أن نقع في فكرة أن الأخطاء يرتكبها فقط من هم في قمة الشجرة، فالكثير من الأخطاء التي ارتكبت في قضية “سميث” ارتكبها أشخاص محليون اكتشفوا انتهاكات “سميث” وغَضّوا الطرف عنها، وواصلوا صعودهم في التسلسل الهرمي».
حتمًا ستكون تداعيات فضيحة “سميث” وقضايا الانتهاكات الأخرى على رأس أولويات رئيس الأساقفة الجديد، وإن بناء الثقة في عمليات الحماية التي تقوم بها الكنيسة الكَنَسيّة، وطريقة تعاملها مع الناجين من الانتهاكات سيكون من أكثر الأمور إلحاحًا، لكنها لن تكون القضية الوحيدة التي تحتاج إلى الاهتمام.
سوف يرث رئيس الأساقفة القادم أيضًا المسألة الشائكة التي لم يتم حلها بعد حول مدى ما تذهب إليه الكنسية في نهجها تجاه المساواة مع المثليين، لقد سلطت هذه القضية الضوء على الاختلافات الصارخة بين المحافظين والتقدميين، ليس فقط في الكنيسة الإنجيلية ولكن في الطائفة الأنجليكانية التي يبلغ عدد أفرادها 85 مليون نسمة.
فقضية المثليين وليس الاعتداء الجنسي هو الخطر الأكبر على وحدة الكنيسة الأنجليكانية العالمية، في العام الماضي، قال رؤساء الأساقفة المحافظون الذين يمثلون ما يقرب من ربع المقاطعات في الطائفة الأنجليكانية إنهم لم يعودوا يعترفون بـ “ويلبي” كزعيم روحي لهم، بعد أن أيدت الكنيسة الإنجيلية صلاة التبريك للأزواج من نفس الجنس.
والآن، وللمرة الأولى، سيكون لممثلي الكنيسة العالمية رأي أكبر في عملية تعيين رئيس أساقفة كانتربري القادم، ويمكن للمحافظين من الخارج أن يحاولوا عرقلة مرشح امرأة أو مرشح ليبرالي للغاية بشأن قضايا المثليين أو كليهما.
تتزايد الكنائس الأنجليكانية المحافظة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من حيث العدد، ويعتقد العديد من قادتها أن نفوذها وقوتها يجب أن يعكس ذلك، وفي الوقت نفسه، فإن الكنيسة في إنجلترا في تراجع مستمر منذ عقود.
في عام 2012م، قبل تعيين “ويلبي” بفترة وجيزة، كان متوسط الحضور الأسبوعي للكنيسة أكثر من مليون شخص، وبحلول عام 2023م، انخفض الرقم إلى 685,000 شخص فقط، وقد تظهر الأرقام الجديدة، المقرر نشرها قريبًا، مزيدًا من الانخفاض.
وقال “ديفيد فواس” الأستاذ الفخري في كلية لندن الجامعية والخبير في الإحصاءات الدينية: «من الناحية العددية، فإن الوضع قاتم وأسوأ بكثير مما كنت أعتقد قبل 10 سنوات، في العام الماضي، انخفضت الأرقام بنسبة 20 و25% عن مستويات ما قبل جائحة كورونا، وإذا كانت الأرقام الأخيرة أكثر سوءًا مقارنةً بعام 2019م، فهذه ليست علامة رائعة على ما هو قادم».
وقال “فواس”: «إن الكنيسة تحتاج إلى “شخصية ملهمة” على رأسها ليكون لديها أمل في إبطاء التراجع، ولا أعرف ما إذا كان هناك شخص متاح، لا أعرف».
يشعر الكثيرون في الكنيسة أن الوقت قد حان لتولي امرأة الأمر، لتكون أول رئيسة أساقفة كانتربري، فهذا حسب “تيم وايت”: «سيرسل ذلك إشارة إلى قطيعة مع الماضي، ورسالة مفادها أن الكنيسة تتغير، كما أن النساء أكثر ثقة من الرجال في قضايا حماية الأبناء».
لكن هناك أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان الوضع المميز للكنيسة ككنيسة راسخة في البلاد له شرعية في مجتمع تغلب عليه العلمانية.
فقد وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة YouGov قبل فترة وجيزة من استقالة “ويلبي” أن 21% فقط من الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن العلاقة بين الكنيسة والدولة يجب أن تستمر، بينما قال 50% منهم أنه يجب أن تكون الكنيسة والدولة منفصلتين، ويعتقد 46% فقط من الأنجليكانيين أنه يجب أن تظل الكنيسة قائمة.
قال “تيم وايت”: «بالتأكيد توجد الآن حجة قوية لإلغاء الارتباط بين الدولة والكنيسة، وبعد 20 عامًا من الآن ستكون أقوى، ولا ينبغي علينا أن نقلل أبدًا من شأن القصور المؤسسي لكل من البرلمان والكنيسة، قد يستغرق الأمر 10 سنوات لقطع كل الروابط بين الكنيسة والدولة، ولا توجد حكومة تريد الذهاب إلى هذا الأمر، لذلك لن يصدمني إذا وصلنا إلى النقطة التي تكون فيها الكنيسة الإنجيلية مجرد بقايا أثرية، مع الاستعانة بها فقط في المناسبات الرسمية للدولة».
اقترحت “ليندا وودهيد”: «أن تتدخل الحكومة بطرق أخرى، فقد أظهرت الكنيسة الأرثوذكسية أنها لا تستطيع إصلاح نفسها، ولقد أُتيحت لها العديد من الفرص، ولن يكون القائد الجديد كافيًا لذلك، وعلى الحكومة أن تنشئ لجنة قانونية للنظر في إخفاقاتها في مجال الحماية، وإخفاقاتها الإدارية، وانعدام المساءلة، وانعدام الشفافية، والطريقة التي تتم بها التعيينات، لدينا مجموعة كبيرة وكاملة من القضايا المرتبطة بإخفاقات الكنيسة».وتختم الكاتبة التحقيق كما بدأته بقول آخر لـ “تيم وايت”: «هناك بعض الاعتراف داخل الكنيسة بالحاجة إلى إصلاح جذري لمؤسسة فاشلة وغريبة الأطوار، إنها مؤسسة غير فعالة وبيروقراطية ومعقدة، ومع وجود 42 أسقفًا شبه مستقل، فإن هذا يجعل التدقيق والمساءلة أمرًا صعبًا للغاية، وفي حين كان من الصعب التنبؤ بمستقبل كنيسة إنجلترا، لا أعتقد أنها ستختفي من الوجود، أعتقد أنه سيكون هناك مؤسسة متبقية متشبثة بالوجود، لكن الإحساس بوجود كنيسة وطنية حقيقية قادرة على الحفاظ على العبادة في كل البلاد، أعتقد أننا سنكون شهودًا على العقد الأخير لهذه المؤسسة».