التحالف المصري الصومالي في مواجهة إثيوبيا واستعادة الدور المفقود
شهدت منطقة القرن الإفريقي حدثًا جيوسياسيًا كبيرًا في أوائل عام 2024م وذلك عندما وَقّعت إثيوبيا وأرض الصومال مذكرة تفاهم في 1 يناير 2024م تمنح إثيوبيا -غير الساحلية- حق الوصول البحري إلى ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن لأغراض تجارية لمدة 50 عامًا مقابل الاعتراف الدولي بأرض الصومال، وبالتالي تصبح إثيوبيا أول دولة عضو في الأمم المتحدة تفعل ذلك منذ أن أعلنت أرض الصومال المنفصلة استقلالها عن الصومال في عام 1991م، وقد أسفر ذلك عن تحول كبير في المشهد السياسي في المنطقة؛ فقد قوبلت هذه الخطوة بمعارضة سريعة من الصومال حيث وصفت الحكومة الفيدرالية في مقديشو مذكرة التفاهم بأنها غير قانونية واتهمت إثيوبيا بانتهاك سيادتها وسلامة أراضيها وتصاعدت التوترات بين البلدين منذ ذلك الحين.
وعلى إثر ذلك سعى الرئيس الصومالي (حسن شيخ محمود) إلى تعزيز التحالفات العسكرية والدبلوماسية لبلاده لإعادة صياغة خريطة القوى في المنطقة بداية من توقيع اتفاقية دفاع مع تركيا في فبراير 2024م؛ لحماية ساحل الصومال وتدريب قواته البحرية، وتتويج ذلك باتفاقية دفاع مع مصر وافق عليها مجلس الوزراء الصومالي رسميًا في 19 يوليو 2024م، وتأتي تلك الاتفاقية المعلنة بين مصر والصومال في سياق خطوات متتالية لإعادة الانخراط المصري المكثف في منطقة القرن الإفريقي بشكل عام وفي الصومال بشكلٍ خاص بعد سنوات من الجفاء بين البلدين على نحوٍ ساهم في غياب الحضور المصري التقليدي في الصومال.
فقد وقعت القاهرة مع مقديشو اتفاقية من شأنها أن تسمح لمصر بإرسال خمسة آلاف جندي إلى الصومال بحلول نهاية العام للمشاركة في بعثة الدعم والاستقرار الجديدة بقيادة الاتحاد الإفريقي والتي ستحل محل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية (أتميس) الحالية والتي كانت في الصومال منذ عام 2022م، ومن المقرر أن تبدأ القوات المصرية مهمتها في يناير 2025م؛ لتحل محل بعثة الانتقال الإفريقية في الصومال (أتميس) والتي تضم قوات من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ومن المقرر أن تنتهي ولايتها بحلول نهاية عام 2024م.
وبالتالي سيكون الإرسال المخطط للقوات إلى الصومال هو أول مساهمة من مصر في بعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في البلاد وستنفذ البعثة الجديدة تدابير بناء السلام مثل الإصلاحات المؤسسية وبناء القدرات لموظفي الخدمة المدنية الصوماليين، فضلًا عن توفير المشورة العسكرية المصرية والأسلحة للصومال، كما أنه وبموجب الاتفاقية مع مقديشو فإن القاهرة تخطط لإرسال خمسة آلاف جندي إضافي يتم نشرهم في أرجاء الصومال بشكل منفصل، كما تخطط مصر لإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الصومال وتشتمل المناورات المخطط لها مشاركة كلًا من القوات البرية والجوية والبحرية.
وفي 27 من أغسطس 2024م أرسلت مصر طائرتين عسكريتين من طراز سي-130 تحملان أسلحة وذخيرة إلى العاصمة الصومالية مقديشو وهي أول مساعدة عسكرية مقدمة من مصر إلى الصومال منذ أكثر من أربعة عقود، وبالإضافة إلى إرسال القوات والأسلحة والذخيرة إلى الصومال تم الإعلان عن خط طيران جديد بين القاهرة ومقديشو وإعادة فتح السفارة المصرية في العاصمة الصومالية بعد سنوات من العمل من نيروبي وإنشاء فرع لبنك مصر في الصومال، وفي 23 سبتمبر 2024م رست سفينة حربية مصرية في ميناء مقديشو البحري لتسليم مجموعة ثانية من الأسلحة مثل المدفعية والمدافع المضادة للطائرات، وتشير هذه الخطوات إلى رغبة مصر في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع الصومال.
وتأتي تلك التحركات المصرية في إطار إعادة النظر في سياساتها الإقليمية تجاه منطقة القرن الإفريقي والتي تطلبت إعادة النظر في السياسات التقليدية والبحث عن أدوات جديدة في ظل التحديات المتصاعدة وغير التقليدية، فضلًا عن تصاعد حدة المنافسة على المنطقة بما يرفع تكلفة الفرصة لتعزيز الحضور المصري في المنطقة رغم ما توفره التحديات المتشابكة من مداخل لإعادة صياغة الدور ورفع مستوى الحضور المصري في القرن الإفريقي.
وقد أثار تقارب مصر مع الصومال قلق أديس أبابا وأثارت توبيخًا شديدًا من رئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد) الذي حذر خلال خطاب ألقاه بمناسبة يوم السيادة الإثيوبية في 8 سبتمبر 2024م من أن إثيوبيا لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ جهات فاعلة أخرى تدابير «لزعزعة استقرار المنطقة»، فقد أسفرت اتفاقية الدفاع بين مصر والصومال عن تصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا والتي كانت متوترة بالفعل منذ عام 2011م بسبب بناء إثيوبيا وملء سد النهضة الإثيوبي وهو سد لتوليد الطاقة الكهرومائية على فرع النيل الأزرق، وهو المشروع الذي تعتبره مصر تهديدًا كبيرًا لأمنها المائي والغذائي بسبب اعتمادها على النهر للحصول على المياه.
والواقع أن القاهرة كانت على خلاف طويل الأمد مع أديس أبابا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير والذي يمثل اكتماله الوشيك تهديدًا قاتلًا لإمدادات المياه في مصر، فبالنسبة إلي مصر التي تلبي أكثر من 90 في المائة من احتياجاتها المائية من النيل فإن بناء السد الإثيوبي على الروافد العُليا للنيل الأزرق يشكل تهديدًا كبيرًا لإمداداتها المائية وبالتالي للأمن القومي، فمن الناحية الجيوسياسية ينقل سد النهضة السيطرة على موارد المياه للحكومة الإثيوبية التي قد تسمح بتقليص أو زيادة تدفق النيل حسب ما تراه مناسبًا وفقًا لمصالحها الخاصة، ومن ناحية أخرى تُصِر مصر على حقها في الاعتراض على مشاريع البناء على نهر النيل الأعلى وعلى صيغة تقاسم المياه المتفق عليها مع السودان، ويمكن تفسير القلق الإثيوبي من التحالفات المصرية الصومالية على النحو التالي:
- أزمة سد النهضة: يعتبر ملف سد النهضة نقطة خلاف رئيسية بين مصر وإثيوبيا منذ أكثر من عقد؛ فالسد الإثيوبي يمثل خطرًا وجوديًا لمصر، وقد رأت إثيوبيا في التحالف العسكري المصري/الصومالي محاولة لتطويقها والضغط عليها في هذا الملف خاصة، وأن إرسال المساعدات العسكرية المصرية بمثابة الخطوة الأولى من أكثر من أربع عقود، ما يثير الجدل حول توقيتها بالتزامن مع ما تقوم به إثيوبيا من تشغيل السد منفردة دون الوصول لاتفاق قانوني ملزم مع دول المصب، وهو ما يعد سابقة خطيرة في مجال التعاون حول الأنهار المشتركة في القارة الإفريقية.
- الخوف من التحالفات الإقليمية: تخشى إثيوبيا من أن تسعى مصر إلى تشكيل تحالفات إقليمية مع الدول المجاورة مثل الصومال وإريتريا والسودان بهدف محاصرتها سياسيًا وعسكريًا، ومن قبل الصومال وإريتريا تحالفت مصر أيضًا مع أوغندا وجيبوتي خاصة بعد توتر العلاقات بين إثيوبيا وتلك الدول نتيجة المطامع الإثيوبية المتزايدة في دول المنطقة وبالتالي تخشى إثيوبيا من كون مصر تسعى إلى تطويقها وعزلها.
- تهديد الأمن الداخلي: تتوجس إثيوبيا خيفة من أن يؤدي التدخل المصري في الصومال إلى زعزعة استقرار المنطقة الحدودية بين البلدين خاصة في إقليم أوغادين الحدودي والذي سبق التنازع عليه بين إثيوبيا والصومال خاصة في ظل التوترات الإثنية والسياسية التي تعاني منها إثيوبيا وخاصة في إقليمي الأورومو والتيغراي الساعيَين إلى الانفصال عن إثيوبيا.
وعلى الرغم من أن التهديد العسكري من جانب مصر في نزاعها المائي مع إثيوبيا ليس بالأمر الجديد إلا أن الهجوم المصري المباشر على موقع بناء سد النهضة كان يعتبر لفترة طويلة غير واقعي بسبب المدى المحدود للقوات الجوية المصرية، وعلاوة على ذلك فإن مصر كدولة تقع في مجرى النهر لن تحقق هدفها الرئيسي من خلال العمل العسكري حيث يمكن لإثيوبيا بعد ذلك أن تقلل عمدًا من تدفق مياه النيل عند السد لممارسة الضغط على مصر، ومع ذلك فإن نشر القوات المصرية في الصومال قد يزيد من خطر الصراع العسكري المباشر بين البلدين، ويزداد هذا الخطر بشكل أكبر إذا رفضت إثيوبيا سحب قواتها من الصومال وقد تستشهد مصر بالدفاع عن المصالح الصومالية وتنشئ حصارًا بحريًا لأرض الصومال مما يمثل ضغط على إثيوبيا الحبيسة، أو في أسوأ السيناريوهات أن تحاول مصر طرد القوات الإثيوبية من الصومال.
وختامًا يمكن القول أن توقيع مصر والصومال على بروتوكول تعاون عسكري بمثابة رد من القاهرة على التعنت الإثيوبي خلال مفاوضات سد النهضة الذي يمثل ضررًا بالغًا لمصر، كما أن توقيع إثيوبيا اتفاقًا مع إقليم أرض الصومال يُعد رغبة في السيطرة الإثيوبية على مضيق باب المندب مما يهدد النفوذ المصري على البحر الأحمر، بالتالي فإن مصر ستتمكن عبر اتفاق الدفاع مع الصومال من دحر وإبعاد إثيوبيا عن البحر الأحمر وهذا هام جداً؛ لحماية المصالح الاستراتيجية المصرية، كما أن الاتفاق يُعيد الاعتبار المصري في منطقة القرن الإفريقي ويحافظ على المصالح المصرية من طموحات أديس أبابا، وفي المقابل فقد رحبت الصومال باتفاق الدفاع المشترك مع مصر؛ حيث يرونه ضمانًا لسيادة الصومال ووحدة ترابها ضد الاستقواء الإثيوبي؛ حيث أن الصومال سيستفيد من الاتفاق في حماية سيادته السياسية ووحدة ترابه وسواحله ضد الأطماع الإثيوبية التي تحاول الاستقواء على الصومال.
المراجع
سعد بن طفلة العجمي، لماذا أرسلت مصر جيشا إلى الصومال؟، انديبندت عربية.
Shahira Amin, Egypt is cozying up to Somalia to thwart Ethiopia, Atlantic council.
Alec Soltes, Egypt Opens New Front against Ethiopia with Somalia Deal, geopolitical monitor.