ضرار بن الأزور.. الشيطان عارِي الصدر

أبو الأزور ضرار بن الأزور، ويقال: اسمه عبد وضرار لقبه، واسم الأزور مالكُ بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي. مجاهد وشاعر عربي من قبيلة بني أسد عاش في الجاهلية وأعلن إسلامه بعد الفتح عام 8هـ، وقد شارك مع المسلمين في حروب الردة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق فقاتل المرتدين من قومه بني أسد غطفان وطيء، وشارك في فتوح الشام وحروب الروم، وقد أطلق عليه الروم لقب «الشيطان عاري الصدر» لأنه كان يقاتل جيشا كاملا من الروم بمفرده في معركة أجنادين، وسرعان ما انتشر اسمه بين جيوش الروم.

إسلامه 

كان ضرار بن الأزور واحدا من أثرياء العرب، ثم أعلن إسلامه بعد فتح مكة عام 8هـ، وهجر دياره وترك ثروته في سبيل الله، فقد كان يمتلك ألفا من الإبل برُعاتها فترك كل ذلك وصحب النبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ربح البيع)).

حروبه مع المرتدين

ضرار بن الأزور

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في 12 ربيع الأوَّل 11هـ أرسلت قبائل أسد وغطفان وطيء وفدا إلى المدينة المنورة لتتفاوض مع الخليفة أبي بكر الصديق للمطالبة بإعفائهم من الزكاة مع الالتزام بالصلاة فرفض الخليفة طلبهم، فقرروا الانضمام إلى طليحة بن خويلد الأسدي وهو قائد حروب الردة الذي ادعي النبوة واتبعه الكثير من بني أسد، فجهز الخليفة جيشا لملاقاة المرتدين بقيادة خالد بن الوليد وكان ضرار واحدا من الأمراء في هذا الجيش، فانتصر المسلمون في معركة البُزاخة وأسلم طليحة ومعه بنو أسد وغطفان.

أرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد بالاستمرار في حرب أهل الردة، فرجع بعدها بنو عامر وسُليم وهوزان عن ردتهم، ثم سار إلى البطاح وانتصر المسلمون وقتل ضرار مالكَ بن نُويرة بأمر من خالد بن الوليد.

وتعددت الأقاويل في ذلك فيقول البعض إن أهل البطاح رفضوا قتال المسلمين، وثار الكثير من المسلمين على خالد بن الوليد بعدها لأنه أعدم مالك بن نُويرة، وزادت الأقاويل أكثر عندما تزوج خالد امرأة مالك بن نُويرة وهي أم تميم ابنة المنهال، ويقال إن عمر بن الخطاب عندما بلغه الأمر غضب وطالب أبو بكر بعزل خالد بن الوليد من الجيش.

وبعد البطاح توجه المسلمين إلي اليمامة لقتال بني حنيفة بقيادة مسيلمة بن حبيب الحنفي الملقب بمسيلمة الكذاب وتعد هذه هي أكبر حركات الردة، فدارت بينهم واحدة من أكبر المعارك في تاريخ الإسلام قُتل فيها أكثر من اثنيْن وعشرين رجلا من بني حنيفة والمسلمين، وانتهت المعركة بفوز المسلمين ومقتل مسيلمة علي يد وحشي بن حرب، وكانت هذه معركة مصيرية في تاريخ الإسلام، وقيل إن ضرارا أصيب في ساقيه الاثنتين في المعركة واستمر بالقتال وكان ذلك سببا في تثبيت المسلمين في المعركة. 

حروبه مع الروم

شارك ضرار في فتوحات الشام بقيادة خالد بن الوليد، فكانت أولى المعارك في زمن الخلافة الإسلامية معركة أجنادين عام 13هـ في فلسطين، فقد كان عدد الروم ثلاث أضعاف عدد المسلمين وانتصر المسلمون، وعُرف ضرار في هذه المعركة بذلك المقاتل الذي هجم على جيش الروم وحده وقتل عددا كثيرا منهم ثم لحقه 30 مقاتلا من جيش الروم فانطلق نحوهم ونزع درعه وقميصه لتصبح حركته أخفَّ وقتلهم جميعا، وهنا أطلق عليه الروم لقب «الشيطان عاري الصدر».

وكان (وردان) قائد الروم في هذه المعركة قد بعث برسالة إلى خالد بن الوليد يدعوه فيها للتفاوض بينما كان يجهز له فخا لقتله، لكن نجا خالد وبعث له فريقا من المسلمين بقيادة ضرار ودارت مبارزة بين ضرار و(وردان) انتهت بمقتل وردان وعاد ضرار للمسلمين برأسه، وبعد هذه المعركة أدرك هرقل إمبراطور الروم خطورة المسلمين وعزم على التصدي لهم بقوة في المعركة الفاصلة (اليرموك) عام 15ه.

أمر الخليفة وقتها عمر بن الخطاب بإزاحة خالد بن الوليد عن القيادة وتولي أبو عبيدة بن الجراح بدلا منه وتنازل عبيدة عن القيادة فيما بعد لخالد بن الوليد، دارت مواجهات ضارية بين المسلمين والروم وقتل ضرار القائدَ البيزنطي (دريجان) رغم حراسة أكثر من ألفي مقاتل له، وأثَّر مقتل دريجان على نفسية الجنود الروم، ويقال إن ضرارا أُسر في أيدي الروم وأرسل خالد بن الوليد جيشا من المسلمين لتحريره ونجحوا في ذلك، وانتهت المعركة بفوز المسلمين بفضل عبقرية خالد بن الوليد في إدارة المعركة وقُتل القائد العام لجيش الروم (ماهان)، وكانت هذه من أهم المعارك في تاريخ الإسلام لأنها كانت بداية فتوحات الشام وبعدها اتجه المسلمون لفتح دمشق.

وفاته

اختلف في وفاته الكثيرون، فيقول البعض إنه استشهد في معركة أجنادين، ويقول البعض إنه مات في الكوفة في عهد عمر بن الخطاب، ويقول آخرون إنه استشهد في اليمامة بعدما أصيبتْ ساقاه، والرأي الأكثر شيوعا أنه مات بطاعون عمواس في عهد عمر بن الخطاب وهو طاعون كان منتشرا وقتها في بلاد الشام وأصيب به بعد مشاركته في فتوحات الشام، ودُفن في منطقة غور الأردن بقرية سُميت باسمه فيما بعد.

مواقفه

يوجد العديد من المواقف التي خلدها التاريخ الإسلامي لضرار بن الأزور ومنها:

  • روى البيهقي في سننه الكبرى أن عمر بن الخطاب بعث خالد بن الوليد في جيش، فبعث خالد ضرار بن الأزور في سرية في خيلٍ فأغاروا على حيٍّ من بني أسد فأصابوا امرأة عروسا جميلة فأعجبت ضرارا، فسألها أصحابَه فأعطوه إياها فوقع عليها، فلما قفل ندم وسُقط به في يده، فلما رفع إلى خالدٍ أخبره بالذي فعل، فقال خالد: فإني قد أجزْتها لك وطيبتها لك، قال: لا حتى تكتب بذلك إلى عمر، فكتب عمر أن أرضخْه بالحجارة، فجاء كتاب عمر وقد توفي، فقال: ما كان الله ليخزي ضرار بن الأزور.
  • وقيل: إنه ممن شرب الخمر مع أبي جندل فكتب فيهم أبو عبيدة إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن ادْعُهم فسائلهم فإن قالوا إنها حلال فاقتلهم وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم، ففعل، فقالوا: إنها حرام، فجلدهم.
  • وعن عكرمة بن أبي جهل أنه نادى يوم اليرموك: قاتلتُ رسول الله في كل موطن وأفر منكم اليوم. ثم نادى: من يبايعني على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعًا جراحة، وقتلوا إلا ضرار بن الأزور.

أشعاره

كان ضرار شاعرا عربيا وله العديد من الأشعار التي ذكرها التاريخ ولم يذكرها ومنها:

  • قصيدة (خلعت القداح وعزف القيان) التي سردها للرسول بعدما أعلن إسلامه وهي: 

خلعتُ القداح وعزف القيا     نِ والخمر أشربُها والثمالا
وكرِّي المحبّر في غمرةٍ      وجهدي على المسلمين القتالا
وقالت جميلة بدَّدتَنا            وطرحت أهلك شتَّى شمالا
فيا ربّ لا أُغبنن صفقتي     فقد بعت أهلي ومالي بدالا

  • وقصيدة يتحدث فيها عن أثر الروم له ويتحدث أيضا عن أخته خولة بنت الأزور: 

ألا بلغا قومي وخولة أنني       أسير رهينا موثق اليد بالقيد
وحولي علوج الروم من كل كافر       وأصبحت معْهم لا أعيد ولا أبدي
فلو أنني فوق المحجل راكبًا         وقائم حد العضب قد ملكت يدي
لأذللت جمع الروم إذلال نقمة       وأسقيتهم وسط الوغى أعظم الكد
فيا قلب مت همًّا وحزنا وحسرة       ويا دمع عيني كن معينًا على خدي
فلو أن أقوامي وخولة عندنا       وألزم ما كنا عليه من العهد
كبا بي جوادي فانتبذت على الوغى      وأصبحت بالمقدور ولم أبلغن قصدي

المصادر

مصطفى محمد

طالب بكلية الهندسة، ولدي شغف في كتابة المقالات والبحث العلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى