اختلفت أديانهم واجتمعوا على نقص عقولهم

إنك إن تأملت الكون الناطق بآيات الله عز وجل إلى جانب الحقائق المقررة في القرآن الكريم، تجد أن المكذب بالبعث والآخرة أو بوحدانية الله عز وجل لديه خللٌ فكري كبير، وتناقض بين مظاهر الحياة التي تشرق بالحقائق كل يوم، وبين ما يُصر على اعتقاده! تدرك هذه الوحدة بين حقائق القرآن والكون؛ أوَليس منزل الكتاب هو خالق الكون سبحانه؟!

البعث والآخرة

حين ربط القرآن المُسلم بالآخرة، لم يعتمد على خطابٍ عاطفي بحت يربط به المسلم بمنهجٍ لا يفهمه أو يدعي أنه أسرارًا! ولا هو اعتمد على الجانب العقلي وحده. بل إنه قبل أن يربط شعور المسلم بالآخرة أتى بعرضٍ منهجي لبعض الحقائق التي تمر علينا كل يوم وقد نغفل عنهـا، عرض مبهر لا ينكر صدقه عـاقل.

فإذا كان من المستغرب أن يصير المرء ترابًا ثم يُبعث مرة أخرى-وما هو بمستغرب مع قدرة الله-فإذا بالقرآن يُذكر بتلك الحقيقة:

«وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم»

أتستغرب عودة الحياة في عظام بالية؟! أو لم يكن الأكثر إعجازًا منه خلق الإنسان لأول مرة؟!

وتمضي آيات القرآن تقرر:

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت: 20]

ثم يخبرهم أن الإنسان ما هو إذا قيس بهذا الكون العظيم،

«أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ»

اليقين الذي يجب أن يستقر في القلوب

«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»

مشاهدة الموت والحياة

ليس ما ذكرنا فحسب، بل مشاهدة الموت والحياة في هذا الكون؛ البذرة الميتة صارت نباتًا حيًا بقدرة الله عز وجل

«لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً»

«إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ»

«وَآيَةٌ لَهُمْ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ».

جانب العاطفة وتعلق المسلم بالآخرة

فهي أمورٌ موجودة في حياة المرء وواقعه، والقرآن لا يأتي بها لأول مرة بل يذكرنا بهـا، وهذا في جانب الفهم والإدراك وإعمال العقل، كذلك لم يهمل جانب العاطفة من تعلق المسلم بالآخرة حيث هي دار الجزاء. فأخبر أنه يومًا لا يفوز فيه إلا من أتى الله بقلبٍ سليم فجعل الإيمان بالآخرة سببًا لإصلاح القلوب والأعمال.

فإن العبرة فعلًا بصلاح القلوب وصدقهـا، فقوم من بني إسرائيل رأوا بأعينهم عظام بقرة ميتة يُضرب بها رجلٌ فيحيى، ورأوا بأعينهم دليلًا على الحياة بعد الموت ثم قست قلوبهم من بعد ذلك، فاللهم أحي قلوبنا وسلمها يأرب.

الذين قالوا إنّ الله هو المسيح بن مريم

هؤلاء قومٌ استغربت عقليتهم أن يكون عيسى بن مريم بغير أبٍ فاتخذوه إلهـًا، رغم كل الأمور البشرية الأخرى التي تعتريه: من حاجة للطعام والشراب وغيرها، فذكرهم الله تعالى وقال:

«مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ»

تعالوا نمضي بمنهجية القرآن الكريم في أنهم نزعوا عنهم عقولهم حين تعجبوا أن يكون عيسى عليه السلام من أنثى بغير ذكر، قال الله تعالى:

«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»

سبحان الله، تتعجبون من خلق عيسى عيه السلام بغير من أمٍ بغير أب، أو تذكرون كيف خلق آدم عليه السلام؟! بغير أبٍ ولا أم؛ خُلِق من تراب. فأين وجه العجب من خلق عيسى؟! ثم “كن فيكون” إنها قدرة الله سبحانه وتعالى.

باب تنوع الخلق

وفي تنوع الخلق يقول ابن القيم: ولهذا خلق سبحانه النوع الإنساني أربعة أقسام:

  • أحدها: لا من ذكر ولا أنثى وهو خلق أبيهم وأصلهم آدم.
  • والثاني: من ذكر بلا أنثى كخلق أمهم حواء من ضلع من أضلاع آدم من غير أن تحمل بها أنثى، ويشتمل عليها بطن.
  • والثالث: خلقه من أنثى بلا ذكر كخلق المسيح عيسى ابن مريم.
  • والرابع: خلق سائر النوع الإنساني من ذكر وأنثى.

وكل هذا ليدل على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، وأن الأمر ليس كما يظنه أعداؤه الجاحدون له والكافرون به، من أن ذلك أمر طبيعي لم يزل هكذا ولا يزال، وأنه ليس للنوع أب ولا أم، وأنه ليس إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وطبيعة تفعل ما يرى ويشاهد، ولم يعلم هؤلاء الجهال الضلال أن الطبيعة قوة وصفة فقيرة إلى محلها، محتاجة إلى فاعل لها، وأنها من أدل الدلائل على وجود أمره بطبعها وخلقها، والحاجة شاهدة عليها بأنها مخلوقة مصنوعة لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرف في ذاتها، ونفسها فضلا عن إسناد الكائنات إليها.

ارتباط عيسى بن مريم ويحيى

ثم سبحان الله تجد أمرًا آخرًا معجزًا وهو ارتباط عيسى بن مريم ويحيى عليهما السلام؛ فولادة يحيى عليه السلام مع عجز الأسباب–أبٍ وأمٍ هرمين-مقدمة لولادة عيسى عليه السلام بغير أب، وكما كان عيسى عليه السلام مصدقًا بكلمة من الله، كان عيسى عليه السلام مبشرًا بـ رسول الله صلى الله عليه وسلم

«وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»

يقول الشيخ رفاعي سرور-رحمه الله-

إن رزق الله لمريم الثمار في غير أوانه، مقدمة رزق زكريا الولد في غير أوانه، وأن ولادة يحي تقارب ولادة عيسى ومن جنسها من حيث عدم وجود صلاحية السبب في الولادة بالنسبة ليحيي كما قال زكريا

(قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقر)

وعدم وجود السبب أصلا بالنسبة لعيسي. و الدليل على هذا الفهم هو الصيغة القرآنية للبشري

فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِين”

فجاءت البشري بولادة يحيي بصفته مصدقًا بكلمة من الله، وكان هذا التصديق هو أول صفات يحيي في خبر البشرى التي بشر الله بها زكريا بولادته ومعني بشرى يحيي بعيسى هو نفسه معنى بشرى عيسى برسول الله

«وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ»

لا عاقل إلا المؤمن

  • هؤلاء الذين كفروا بالبعث، مهما بلغت عبقرتيهم وتفوقهم العلمي. فقد غابت عقولهم عن مشاهد الحياة اليومية التي تقر حقيقة البعث!
  • هؤلاء الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة، نقصت عقولهم بين مشاهد قدرة الله عز وجل، وتنوع الخلق، وبداية الخلق الأول وبين ادعائهم لله ولد!
  • هؤلاء الذين أشركوا مع الله بشرًا أو أصنامًا، كيف أهانوا عقولهم حين أقدموا على مثل هذا، ورغم تفوقهم العلمي إلا أنهم يقفون أمام قدرة الله وحقائق الكون المشرقة مغلقين عقولهم وأفهامهم مرددين “بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا“!
  • بل كيف تغاضوا عن حقيقة أن ما يشركون من دون الله بشرًا كان أو جمادًا فإنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلًا عن أن يملكون لهم رزقًا

أما الإسلام فقد احترم عقلية مخاطبه وكرمه، فلا عاقل إلا مؤمنًا، فتمام العقل يُوصل الإنسان إلى الإيمان، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

المصادر

  • النبأ العظيم للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل
  • المسيح عليه السلام دراسة سلفية للشيخ رفاعي سرور

خديجة يوسف

كاتبة مهتمة بالشـأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يا فريق أمة بوست المحترم، لماذا تضعوا في هذا لمقال صورة بكلمات انجليزية؟؟؟؟ أوَليست اللغة العربية كافية شافية؟ أو لستم تخاطبون عرب؟ أو ليست أحد أهم رسالة موقعكم قلع عقدة النقص عند المسلمين وقلع الإحساس بالانهزامية أمام الغرب؟ أو ليس من رسالتكم قلع الاستعمار الثقافي والذي من بين أعراضه استعمال المسلمين لكلمات انجليزية؟ أو لستم تنشرون مقالات عن اللغة العربية ووجوب استعمالها والحفاظ عليها؟ فكيف تميلون، ليس في هذا المقال فحسب، بل في عدة مقالات الى عشق رنَّات الكلمات الانجليزية ورسومها!؟
    رجاء استبدال الصورة بصورة تحمل رَسْمًا لكلمات عربية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى