يوميات مسابقة: إن كنتِ أمًّا وزوجة

تتحمل الأم والزوجة الكثير من المسؤوليات والأعباء اليومية ما يمنعها في كثير من الأوقات من استشعار لذة العبادة أو همّة المسابقة، وكثيرا ما تشتكي الواحدة من ضيق الوقت وكثرة المشاغل، ويزداد الأمر تعقيدا مع وجود أطفال وكلما زاد عددهم كلم اتسعت دائرة الانشغال فلا يبقى لها إلا تلك الدقائق التي تلتقط فيها أنفاسها لعلها وعسى تستريح من عناء المسؤوليات.

لكننا هنا نتحدث عن دور المسابقة في استغلال هذا البرنامج لتفوز بأكثر عدد من الحسنات بجعله الأكثر تناسبا وعطاء من أمة لله ترجو رحمته ورضوانه.

فحين تكون نيتها في انشغالها التأثير في بناء لبنات هذه الأمة والصعود بها إلى الريادة من جديد فقد وجدت لنفسها موطأ قدم لا يقل أهمية عن أهم وظيفة في هذه  المهمة.

لو نظرنا في تاريخنا المجيد لوجدنا الأمهات والزوجات قد سطرنا صفحات مشرقة من العطاء وكان لهن تأثير مباشر – رغم كثرة المشاغل-  في نصرة المسلمين ورقي حضارتهم، وكلّ واحدة منهن قد فقهت ما هو مطلوب منها تحديدا، فبعد إتمام واجباتها التعبدية والبيتية، جعلت من تربية أبناءها هدفا مصيريا لتبني شخصيات إسلامية معطاءة ، فتكرس وقتها في صقلهم وتقويتهم وتقويمهم حتى يكون لنا في الأخير جيلا متألقا متميزا، جيلا يدرك جيدا أن لا عزة لنا بدون إسلامنا، وإن ابتغينا عزة بدونه أذلنا الله.

من هنا نكون حددنا أول أولوياتك كأم في هذه الرحلة الدنيوية المحدودة، هي إنشاء جيل تفخرين به أمام الأمم، تساهمين به في تحقيق التغيير الذي ننشده ونحلم به للخروج من دائرة الاستضعاف والدنو إلى مرحلة القوة والسموق.

هذه تحتاج منك أن تتزودي بكل علم ينفعك في التربية، بقراءة نماذج التربية من سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن التزود بسير الأبطال والأعلام الذين أثرت فيهم التربية المستقيمة الحسنة، وكذلك بإلمام أوسع بنفسيات هؤلاء الأطفال وتوظيف الطرق المناسبة لتقويمهم دون كسرهم فنحن نبني بنيانا متزنا يحتاج منا لاحتواء هذا الجيل الاحتواء الأمثل، لهذا سيكون من أولى أولويات برنامجك اليومي، الجانب التربوي وكيفية تعزيز معارف وأخلاق وسلوكات أبنائك، كيف تراقبينهم وكيف تنصحينهم وكيف توجهينهم بل كيف تعيشين معهم جدولك في المسابقة بكل متعة وروعة دون أن تستشعري عبئا في أدائك.

في يومك برنامج طويل من واجبات الخدمة في البيت وخدمة الزوج والأبناء، وتحسس حاجاتهم، فبين إعداد الطعام وأعمال التنظيف والحرص على إيتاء كل ذي حق حقه ستكونين بحاجة لوقفة مع نفسك تسترجعين فيها أفكارك وتسطرين فيها أهدافك اللحظية والمستقبلية، لهذا فلا أفضل من وقت مستقطع للتفكر والاسترخاء وتقييم الأداء، تستغفرين فيه ربك وتستعينين به في ما تنوين القيام به.

هناك نقاط وجب أن تعتني بها حتى تتمكني من جعل برنامج الأكثر إنتاجية وثراء بالأعمال النافعة، دعيني ألخصها كما يلي:

  • عليك بالاهتمام بالوقت، وإياك وإهماله، كل دقيقة عندك رأس مال، استثمريها فيما يمكن أداؤه وإياك والتسويف والتواكل، كوني نشطة كالنحلة، ولأنك لا تضمنين الظروف، عالجي مهامك بالأداء المباشر دون تسويف، فكلما كان لديك أمر تريدين إنهائه اقضيه ولا تفكري في تأجيله إلا إذا بدا لك ما هو أهم منه! ستشعرين بلذة الإنجاز في الوقت وستكسبين الكثير من الوقت تستثمرينه في أمور أخرى.
  • سطري لنفسك جدول أعمال بيتية منظم، لا تعطيه أكثر مما يجب، فالطبخ والتنظيف وكل ما دار في فلكهما يحتاج لنظام واستغلال الوسائل المساعدة كي تنجزي قائمة المهام في وقتها وبأفضل طريقة، لست بحاجة لهدر ساعات النهار الثمينة في الحديث إلى الجارة إن كنت لم تؤدي واجباتك البيتية بعد، بل اجعلي حديث الجارة أو الصديقة بعد الانتهاء من كل واجباتك حينها لا بأس في برّها ووصلها. ثم استغلي وقت أدائك هذه الواجبات في سماع علم مفيد أو ترديد ذكر منير فلاشك أنك ستجدين فرصا عديدة لاغتنام هذا الفضل.
  • إن الخروج من المنزل بالنسبة للمرأة هو أكبر مستهلك للوقت والجهد، فاجعلي خروجك للحاجة فقط وإن استطعت الاستغناء عنه فافعلي وقري في بيتك لتكتشفي بركة هذا القرار، ثم حاولي أن توفري في بيتك كل ما يغنيك عن الخروج، فالتسوق له يوم محدد والزيارات العائلية لها نظام محدد، لا يمكنك أن تهدري وقتك الثمين كله في الخروج والدخول بينما أنت بإمكانك تحصيل الكثير من العلم والعمل ببعض الحكمة في تصريف اهتماماتك.
  • زودي نفسك بالقرآن والعبادات في كل يوم، اجعلي نصيبها الثابت لا يتزعزع مهما كانت الأسباب، وكذلك التزود بالعلم النافع فأنت كأم أو زوجة لا بد لك من مطالعة كتب الفقه وتعلم العلم اللازم لما يخصك كامرأة وأم وزوجة ، لأنك اليوم بمقام الشريكة والمسؤولة الأميرة، فكيف ستقدمين المشورة والنصيحة أو التوجيه و التربية إن كنت جاهلة، فسارعي بطلب العلم على قدر استطاعتك، فلا يكلف الله نفسا إلا نفسها وستشعرين بقيمة الحياة عندما تتنورين بنور من الله.
  • لا شك أن الانترنت أفضل وسيلة لك لتعلم ما أنت بحاجة إليه ولكن أيضا عليك بتنظيم استعمالك فيه، فليس الانترنت لعرض صورك الخاصة وأنت المسلمة العزيزة الحرة الأبية! وليست مواقع التواصل للثقة في كل من هبّ ودبّ والبوح بأسرار بيتك وكشف سترك. وليس التصفح في الانترنت على حساب زوجك وأبنائك وواجباتك. فكوني الحكيمة في تقسيم وقتك بحيث تشعرين بسعادة غامرة مع كل انجاز تقدمين عليه.
  • أنت كأم أو زوجة قد تجتمعين مع الأهل والأقارب والجيران في مناسبات كثيرة، فاجعلي من طلتك طلة خير وبركة ، لا يخلون مجلسك من تذكير بالله ولا من تنبيه لحس المسؤولية لكل امرأة بطريقة لطيفة ظريفة، لا تشعرهن بالتجريح ولا يستثقلن على لسانك الكلمات، كوني منارة تفوح عطرا طيبا بحسن أخلاقها وسعة إدراكها وبركات دعوتها ليكون لك الأثر.
  • كل ما يعطلك عن الأهم اصرفيه عن نظرك، واجعلي مبدأ الأولى فالأولى نصب عينيك، فمثلا الاهتمام بأخبار المسلمين لابد أن يكون أول ما تتصفحينه قبل أن تتصفحي أخبار هواياتك من طبخ وجمال وغيرها وقبل الدردشة مع صديقتك على مواقع التواصل، وقبل مشاهدة برنامج تحبينه على التلفاز، حينها ستشعرين بإلمام أوسع بما يجري حولك وستبلورين رأيا أعمق لما تعيشه أمتك.
  • القراءة السليمة تبني الفهم السليم، وكلما قرأت كلما اكتسبت الكثير من العلم، فاجعلي في يومك كأم وزوجة برنامج قراءة لكتاب مفيد، تنتقيه بحسب شغفك بموضوعه ولتكن مواضيعك كلها تصب في مصلحة رقي فكرك ومعرفتك وعباداتك ولو كانت صفحة واحدة يومية فأنت الفائزة!. ويا للروعة لو أنك دونت الفوائد وتقاسمتها مع شريك حياتك، لا شك أنه سيستفيد الكثير منك.
  • قد تتعبين وترهقين وفي أيام أخرى تسأمين، هذا أمر طبيعي، فاجعلي لنفسك استراحة محارب بأخذ قسط من الراحة وتخفيف المهام بطريقة ما إلى أن تسترجعي طاقتك واستغلي هذه الوقفة في سماع ما يرفع همتك أو قراءة ما يشعل عزيمتك.
  • اهتمي بصحتك وبطبيعة غذائك وانتقي لأسرتك الأغذية الصحية والعادات السليمة فهذا لا شك باب من أبواب السعادة في البيت.
  • كوني مبتكرة مفكرة في ذوقك في ترتيب البيت حتى يشعر الجميع دفئ لمساتك، فالبيت جنتك انثري فيها عبق المحبة بلمسات أنيقة تشع منها السكينة، فيهنأ من يعيش معك ويسعد.
  • مظهرك يعكس طبيعة شخصيتك فكوني حريصة على الظهور أمام زوجك وأبناءك دائما بمظهر لائق، لا أتحدث عن أزياء فخمة ولا ملابسة بأسعار ضخمة! إنما البساطة هي سر الجمال.
  • كوني عبقرية في الاحتساب، احتسبي ما تقدمينه لزوجك وأبنائك، احتسبي الصدقات والخدمات، احتسبي كل شيء في سبيل الإله، سيصل هذا ذاتك دوما بالله.
  • تعودي الانصات لزوجك وأبنائك، انصتي أكثر مما تتكلمي، استوعبيهم جيدا، فأنت السكن وأنت الأمل!

أخيتي لا زال الكثير ممن لا يتقن فنه إلا أنتِ، فأنت أدرى بتفاصيل حياتك وظروفك، فحاولي أن تكوني ميلاد الحنان والرحمة ومشرق البر والصلة ومنبع الإلهام والعبقرية وقصة الصبر والكفاح وعنوان اليقين والوفاء وإني على ثقة يا ابنة الإسلام أنك لها!.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى