قراءة في كتاب نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع

تحدث الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في كتابه «نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع» عما جاء من التفرقة بين منهج الإسلام والقومية العربية والتحذير من انحرافات هذا المنهج الباطل  الذي حذر منه القرآن. وتناول الشُبهات التي يُثيرها البعض في عدة أوجه من تأصيل شرعي . فبدأ بمناقشة أربعة أوجه لنقد القومية العربية ثم رأي الشيخ محمد الغزالي في القومية ثم ختم ببعض الإِشكالات والإجابة عنها.

الدعوة إلى القومية تفرق بين المسلمين

إن أول من دعا إلى القومية هم الغربيون في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي والدعوة قامت آنذاك للفصل بين الترك والعرب بمعنى آخر للفصل بين المسلمين جميعاً. ويظن البعض إن التكتل والاجتماع حول القومية يضمن الإتلاف ومواجهة المستعمر ولكن هذا الزعم خاطئاً لإن الإتلاف حول الإسلام يضمن النصر والتاريخ يشهد بذلك!

القومية في ذاتها منهجاً يخالف الإسلام لما فيه من تفريق بين المسلمين. فجعل القضية التي يجتمع عليها المسلمون هي الأمة أو اللغة منهجاً باطلاً يخالف القرآن.

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران103) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة٢﴾

إن الإسلام قد حدد معاني الولاء وجعلها خاصة بالمسلمين فالموالاة للدين وفى الدين فقط. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِسِّيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زِيَادٍ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عُمَيْرٍ , قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ , يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ” .

هذا هو منهج الإسلام أما القومية فهي تجعل الولاء لأصحاب البلد الواحد أو من يتشاركون في نفس اللغة وما إلى ذلك. فالقومية منهجها “فرق تسد”.

نهي الإسلام عن دعاوى الجاهلية

إن دعاوى القومية جاهلية وليست من الإسلام في شيء والإسلام نهي عن الجاهلية بكل صورها ويتجلى ذلك واضحاً في بعض المواقف التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: (مرَّ شاس بن قيس -وكان شيخاً (يهوديا) قد بقي على جاهليته، عظيمَ الكفر، شديدَ الضغن (الحقد) على المسلمين شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم، وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قَيْلَة -الأوس والخزرج- بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بُعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا قالوا فيه من الأشعار.

وكان يوم بُعَاث قبل الهجرة بثلاث سنين يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فقال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جَذَعَة (حربا)، وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ .. موعدكم الحَرَّة (مكان في المدينة)، فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.

فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: (يا معشر المسلمين! الله، الله .. أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟!).

فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عز وجل عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (آل عمران:98-99)، وأنزل في شأن أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا قوله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران:100)، إلى قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105).

غُربة الإسلام

جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء فهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

فلا يخفي على أحد أن الإسلام تشتد غربته يوماً بعد يوم ويُحاَرب بأكثر من اتجاه من الكفار أنفسهم بالقتل أو التنكيل بالمسلمين. أو من محاربة الدين نفسه بإثارة الشبهات حوله. ومن اخطر تلك الشبهات هي القومية التي جعلت المسلمون يلتفون حول معانِ لا صلة لها بالدين.  إن فريضة الوقت تحتم علينا أن نلتف حول منهج الإسلام وأن نحارب الدعوات التي تدعو إلى الالتفاف حول قضية القومية لما فيها من خراب ودمار بين المسلمين وبعضهم البعض.

كتاب “مع الله” للشيخ الغزالي

ذكر الشيخ بن باز مقتطفات من كتاب “مع الله” فأوضح أن الاستعمار يجتهد في صرف المسلمين عن دينهم بكل ما يتاح له من وسائل، وفي جعل حركات التحرر الناشطة في بلادهم مبتوتة العلاقة بالدين، حتى تولد ميتة، أو تحيا عقيمة لا ثمر لها ولا زهر. وما من نهضة في الأولين والآخرين إلا ولها دعامة معنوية تقوم عليها،وسناد روحي تتحرك به. ولما كان عمل الدين في هذه الحالة ملأ القلوب بالضمائر الحية،وبنى الأخلاق على الفضيلة، وصبغ الحياة بتقاليد جامعة ومعلومة وواضحة، ورص الصفوف على إحساس مشترك، ودفعها إلى مصير واحد، فإن الاستعمار استهدف إقصاء الدين عن آفاق البلاد كلها، وتكوين أجيال غريبة عنه، إن لم تكن كارهة له…

إن القومية شكل من أشكال الجاهلية المعاصرة تُفرق بين المسلمين وبعضهم البعض فهي خُطوة لموالاه الكفار واتخاذهم بطانة. إن واجب الدعوة الآن هي التجمع حول الإسلام والبعض عن الجاهلية والشبهات في خطوة لإحياء منهج الإسلام.

الزهراء محمد

خريجة، مهتمة بوعى الأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى