مراجعة كتاب: (فضائل بيت المقدس والشام وعلاقتهما بالملاحم وأحداث آخر الزمان) للشيخ أحمد السيد

من الصعب أن تُعرِّف بشخصٍ مغمور وأن تُحيطَ بشخصيَّته وجوانب حياته في مقالة وإن طالت، ولكن الأصعب من ذلك أن تحاول التعريف وفي مقدمةِ مقالة لا في مقالة مفرَدة بشخصيةٍ كتب الله تعالى لها الانتشار، وطار اسمُها في الآفاق، وتعددتْ جوانبُ نفعِها للمسلمين عموماً، فإذا جئتَ تكتبُ عن جانبٍ من جوانب حياة هذه الشخصية وجدتَ أنك قد ظلمتَ الجانب الآخر، وإن رُحتَ تبيّن إنجازاً من إنجازاتها وتستفيض في التفصيل عنها ألفيتَ نفسكَ قد هضمتَ حقَّ بقيّة الإنجازات، هذا ما يدور في خَلَدي وأنا أحاول أن أستفتحَ الكلام بتعريف الشيخ أحمد السيد، وإنه ليُخيَّل إلي وأنا أكتب هذه العبارات أنه لم يعد بين شباب المسلمين اليومَ من لا يعرف هذا الرجل أو لم يسمع ببرامجه العلميَّة والدعويَّة أو بأحدها على الأقل، فمن منّا لم يسمع بالبناء المنهجي أو أكاديمية الجيل الصاعد!

فاللهم كما كتبتَ لهذه الجهود بأن تبلُغَ ما بلغته من الخير فاكتب لها القَبول، اللهم آمين.

لمحةٌ موجَزة عن مؤلّف الكتاب

الشيخ أحمد السيد
الشيخ أحمد السيد

عموماً فمؤلف الكتاب الذي نحن بحضرته هو الشيخ الأستاذ أحمد بن يوسف السيد.

المولد والنشأة

وُلد الشيخ أحمد السيد عام 1985م في المدينة المنورة، ونشأ في مدينة ينبع إلى أن استكمل فيها دراسته الثانوية، ثم عاد منها وسكن في مدينة رسول الله ﷺ، وقد نشأ في بيت علم وفضل فكان للقرآن وعلوم الشريعة طريقهما إلى قلبه وعقله منذ نعومة الأظفار، فحفظ القرآن يافعاً، وبدأ بحضور دروس الفقه والحديث والتفسير من المرحلة المتوسطة الدراسية.

التحصيل العلمي والشرعي

وفي المرحلة الثانوية انضمَّ إلى دورات الشيح يحيى بن عبد العزيز اليحيى لحفظ السنَّة النبويَّة بمكة المكرَّمة فحفظ الصحيحين وزيادات الكتب الثمانية خلال دورتين، كما درس على الشيخ عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي مقدمة التفسير لابن تيمية، وكتاب البيوع على الشيخ عبد الله بن بسام، ودرس البيقونية على الشيخ خالد مرغوب وعلى الشيخ فؤاد الجُهني، ثم انتقل للدراسة الجامعية في القصيم بجامعة محمد بن سعود الإسلامية فحضر كثيراً من الدروس وقرأ العديد من الكتب على كبار المشايخ والعلماء، ففي الفقه درس على الشيخ خالد المشيقح كتاب زاد المستقنع وهداية الراغب ومنار السبيل، كما درس عليه بعد ذلك كتاب قواعد الأصول ومعاقد الفصول، وفي العقيدة درس على الشيخ يوسف الغفيص الطحاوية وكتاب الإيمان للقاسم بن سلّام، وفي الحديث درس على الشيخ تركي الغميز بلوغ المرام ونزهة النظر لابن حجر، كما وحضر مجالس ودروس علمية للشيخ المحدّث سليمان العلوان والشيخ عبد الله الغنيمان والشيخ أحمد الصقعوب وغيرهم.

وهو مع هذا كلّه قد أنهى في الجامعة الإسلامية مرحلة الإجازة “البكالوريوس” بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في قسم الشريعة.

من مساهماته في الدعوة إلى الله

للشيخ عناية خاصة بالقضايا الفكريَّة، وله أيضاً محاضرات وسلاسل في متابعة هموم وشؤون الأمة، وعامة هذه المحاضرات مسجَّلة مرفوعة على الشبكة العنكبوتية، منها برنامجه (كامل الصورة)، كما أن له دروساً في العلوم الشرعية كالفقه والأصول والحديث والعقيدة وأطلق على هذه الدورات اسم (دورة تأصيل).

وأطلق الشيخ أكاديمية (صناعة المحاور) وهو المشرف والمدير لهذا المشروع المبارك والذي خصَّصه لتدريب وتأهيل الشباب والكوادر على محاورة ومناظرة المشككين والملاحدة والرد على شبُهاتهم، كما أنه المشرف على برنامج البناء المنهجي، وأكاديمية الجيل الصاعد.

وله دروسٌ علميَّة شرح فيها العديد من الكتب منها: الأربعين النووية، نخبة الفكر، الموقظة، البيقونية، الأصول من علم الأصول، عمدة الأحكام، وغيرها.

بعض مؤلفاته

كما أن للشيخ مشاركة مباركة في الكتابة والتأليف فمن كتبه التي طُبِعَت:

فكرة الكتاب بشكل عام

تناول المؤلف في هذا الكتاب منطِقةً وبُقعةً جغرافية في غاية الأهمية، ألا وهي منطقة بلاد الشام عموماً وخصّ بالحديث فلسطين ومدينة دمشق، وقد استمدت هذه المنطقة أهميَّتها من جوانب كثيرة، منها الجانب الجغرافي الذي لا تخفى أهميَّته على أحد، ومنها الأهمية التاريخية التي حازتها منطقة بلاد الشام عموماً وفلسطين ودمشق خصوصاً من القِدَم التاريخي كونها من أقدم البقاع المأهولة في هذا العالم، كما أن أهميَّتها الكبرى في حياة المسلم مرتبطةٌ بتاريخ هذه المنطقة الديني، فهي مهبط الشرائع السماوية، ومسكن الأنبياء والمرسلين، وفيها قبلة المسلمين الأولى، وهي مسرى سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، ومن أرضها عُرِج به إلى السماوات العلى، ومسجدها الأقصى مع بيت الله الحرام بمكة ومسجد النبي ﷺ في المدينة المنورة هي المساجد الثلاثة التي نُهينا أن نشدّ الرحال إلى سواها، كما أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية خصّت هذه المنطقة بنصوص دلّت على بركة هذه البقعة وأشارت إلى أن لها دوراً مركزياً في ملاحم وأحداث آخر الزمان، هذا الدور هو ما تناوله المؤلف وسلّط عليه الضوء في كتابه هذا.

خطة الكتاب

نهج المؤلف في كتابه هذا خطة واضحة، حيث جعل النصوص الشرعية هي التي ترسم المسير وتضع معالم الطريق، فالباب الأول من الكتاب كما عنونه المؤلف: (مكانة بيت المقدس والشام في الوحي) وفيه فصلان الأول يحتوي على الآيات، والثاني على الأحاديث التي تندرج تحت عنوان الباب، يدوّن فيه المؤلفُ الآية ثم يعلّق عليها وينتقل بعدها إلى الآية التالية وهكذا، ثم فعل مثل ذلك في فصل الأحاديث النبوية.

وأما الباب الثاني والذي جعل عنوانه: (بيت المقدس وبلاد الشام في أحداث آخر الزمان) فهو وإن كرّس فيه الاستنباط والربط والمقارنة كما في فصله الأول (معالم مرحلة المهدي ومرحلة الملاحم) ولكنه مع ذلك قد حافظ على جعل قائد المسيرة والمخطِطَ لمعالمها هي الآيات والأحاديث أيضاً، فجعل يدور مع النصوص حيث دارت، يعلّق حيث يحتاج الأمر منه إلى تعليق، ويسوق أقوال العلماء من السلف والخلف حين يناسب المقام، واستمر على نهجه هذا في الفصل الثاني من هذا الباب (الأحاديث النبوية في بيان الملاحم وأحداث آخر الزمان المتعلقة ببيت المقدس وبلاد الشام).

أهم ما يميّز هذا الكتاب

لا يخفى على المهتمّ بهذا الموضوع الذي طرحه الكتاب خصوصاً، ولا على طالب العلم عموماً أن هذا الموضوع قد طُرح قديماً وحديثاً ودَوّن فيه كثير من العلماء.

فما الذي يميّز هذا الكتاب، وما الجديد الذي قدّمه؟

  • حجم الكتاب اللطيف الذي يستطيع معه القارئ النَّهِمُ إنهاءَه في جلسة واحدة، وقد وُفِّق فجمع مع عدد الورقات القليل -أقل من مئة صفحة- فخامةَ العبارة وسهولتها في آن واحد معاً، فعبارة الكتاب تشبه عبارة العلماء القدامى في البيان، ومع ذلك فليس فيها ألفاظ غريبة متروكة، ولا تراكيب غامضة معقَّدة.
  • الاهتمام بالصَنْعة الحديثية، إذ أنَّ المؤلفَ -وهو ضَليعٌ بعلم الحديث- قد أَولى جانب تخريج الأحاديث والنظر في الأسانيد والرجال أهميَّةً تَظهَرُ لمجرَّدِ تقليب أوراق هذا الكتاب، وهو مع ذلك لم يسترسل في هذا الجانب إلى حدٍّ يمَلُّ معه غير المطَّلع على علم أصول الحديث، كما لم يختصر إلى حدٍّ يُخِلُّ فيه بهذا الجانب أو يترك المطَّلعَ المهتمَّ بعلم مصطلح الحديث مع خلاصة تخريج الحديث فقط، فإذا كان لبعض أهل العلم كلام في رواية وكان قد اختار ذكرها في كتابه، ساق كلام القائلين بضعف هذه الرواية وناقش محلَّ الإشكال وخَلُص إلى نتيجة منطقية تنمُّ عن دراية وخبرة.
  • الإسقاطات على واقعنا الذي نعيشه، فالكتب التي تناولت هذا الموضوع الهام وإن كان بعضها ليس بقديم جداً إلا أنها لا تناقش واقعنا اليوم، فالأمثلة في هذه المؤلَّفات يسقطها مؤلفوها على واقعهم الذي عاشوه أثناء تصنيفهم لها، أما هذا الكتاب فهو معاصر بل جديد، فمما سيجده القارئ في مقدمة الكتاب: «تأتي كتابة هذه الأسطر بعد أشهر من بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة والذي لا يزال مستمراً إلى الآن»، وقد مهر المؤلف مقدّمة كتابه بتاريخ 1646 للهجرة، أي عامنا الميلادي هذا الذي نحن فيه 2024م.
من كتاب: (فضائل بيت المقدس والشام وعلاقتهما بالملاحم وأحداث آخر الزمان) للشيخ أحمد السيد
  • المقارنات والترجيحات بين الأقوال والتي أَثْرَت الكتابَ وأضافت له بُعداً آخر يُعطي القارئ تصوُّراً مختلفاً عن المعتاد والمألوف أثناء القراءة في أحداث آخر الزمان ومرحلة الملاحم الكبرى، كما أن المقارنة التي قدّمها المؤلف بين مرحلة المهدي ومرحلة الملاحم تنقل القارئ من مجرّد القراءة السَرديَّة إلى مرحلةٍ مختلفةٍ تماماً من التصوّر والفهم للأحداث، مع محاولة طيبة من المؤلف لترتيب أحداث هذه المرحلة من خلال الاجتهاد والاستنباط من الأحاديث.

  • نفاسة تعليقات المؤلف، وأقوال العلماء التي انتقاها بعناية مما يتناسب مع النصوص المذكورة، ومن يقرأ الكتاب يجد أن المؤلف قد وُفّق إلى التوجّه إلى معانٍ غير المعاني المتبادرة إلى الذهن عند القراءة الأولى لهذه النصوص، ومن الأمثلة على هذا الأمر إيراده لشرح قوله ﷺ كما عند أحمد في المسند من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((عُمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة))، فالمعنى المتبادر للذهن من العمران والخراب هو العمران والخراب المادي الحسّي ولكنه أشار في تعليقه على هذا الحديث إلى العمران والخراب المعنوييّن أيضاً، مما يُعطي أفقاً جديداً لفهم هذا الحديث.
  • وأخيراً الجرأة في الطرح من خلال اختيار اقتباساتٍ لعلماءَ كبَّلتهم قيودُ السجون مثل الشيخ العلوان والشيخ الطريفي فرّج الله كربهما، مما يعطي انطباعاً إضافياً وروحاً لنص الكتاب، وكأن المؤلف يذكّر القارئ بهؤلاء الرجال ويحثُّه على الدعاء لهم بشكل غير مباشر، فجزاه الله خيراً.

ختاماً أقول إن قراءة هذا الكتاب اللطيف في حجمه، أشبه ما يكون بنزهة ثريَّة بالمتعة الفكريّة والعلميّة، وقد ختم الشيخ أحمد السيد كتابَه هذا بقوله:

«إنَّ لبلاد الشام معَ رَفعِ كلمةِ الإسلام موعداً لن تُخْلَفَه».

وصلى الله وسلّم على إمام النبيّين وخاتم المرسلين.

معاذ شهوان

معاذ شهوان.. مدرّس علوم شرعية، كاتب ومدقّق لغوي، مهتم بشؤون الأمة الإسلامية وهمومها، نشاط متواضع… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى