ظاهرة إدماج العرب لكلمات ومصطلحات غربية في كتاباتهم وحديثهم
إقحام كلمات ومصطلحات غربية (غالبا فرنسية أو إنجليزية) ظاهرة منتشرة بين المسلمين، حتى بين المثقفين والدعاة للإسلام، وقلما تجد من ينتبه لهذه الظاهرة ويُنبه إليها، الكل يمر عليها مَرَّ الكرام وكأنها شيء طبيعي مثل شرب الماء!
سأتطرق باختصار لهذه الظاهرة من الجوانب التالية:
- دوافع إقحام كلمات غربية ومظاهره
- إقحام كلمات غربية فيه احتقار للسامع العربي وتهميش للغة العربية
- صناعة مصطلحات وأسماء جديدة من الوسائل التي تُنمِّي اللغة العربية وتحفظها
- نماذج من المصطلحات الإنجليزية المتداولة بين العرب
- إرشادات ونصائح عملية
دوافع إقحام كلمات غربية ومظاهره
حلل ابن خلدون ظاهرة تقليد الضعيف للقوي في الفصل الثالث والعشرين من مقدمة تاريخه قائلا: [إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب] (ا.هـ).
فتقليد المسلمين للغرب ليس تصرفا “عفويًّا” (تلقائيا) كما يظن البعض، بل هو نابع من عقدة نقص وانهزام نفساني أمام الغرب، تجدها تظهر “لا شعوريا” حتى عند كثير من دعاة الإسلام وأساتذة اللغة العربية الذين يتصدون للغزو الثقافي والسياسي الغربي، فتجدهم يدمجون كلمات إنجليزية أو فرنسية في كلامهم بسبب عقدةٍ لاَّشعورية دفينة في نفوسهم تجعلهم يظنون أن الكلمة الأعجمية ستعطي وزنا أثقل لكلامهم وآرائهم، وأنها دليل على سعة الثقافة والتَّحضر والتفتح والرقي!
فتجد المسلم الناطق باللغة العربية يتكلف ويجتهد في إقحام كلمات إنجليزية أو فرنسية في حديثه أو كتاباته حتى دون حاجة إليها، فتجده رغم تواجد كلمات عربية مرادفة للمصطلحات الأجنبية التي استعملها، ودرايته بتلك الكلمات العربية، يقحم مع سبق الإصرار والترصد المصطلحات الغربية في حديثه ثم يتبعها أحيانًا بترجمتها إلى العربية! فلماذا لم يكتفي بذكر المصطلح بالعربية؟
ألا يكفي اللحن في اللغة العربية وضعفنا فيها حتى نضيف إليها عقدة “الاستقواء” بلغة المستخرب (المستعمر) الفرنسي والبريطاني والأمريكي!؟
وقمة التناقض هي حين تجد حتى من يسخرون حياتهم لخوض معركة الوعي ومحاربة التغريب والاستعمار الثقافي الغربي للمسلمين، يخلطون كلمات ومصطلحات غربية في أحاديثهم العربية الموجهة للعرب!
إقحام كلمات غربية فيه احتقار للسامع العربي وتهميش للغة العربية
والذين يقحمون كلمات إنجليزية أو فرنسية في حديثهم يفعلون ذلك وكأنهم يتحدثون مع عجمٍ اللغةُ العربيةُ ليست لغتهم الأُولَى فيضطرون من حين لآخر إلى إقحام كلمات غربية أو لتفسير بعض الكلمات ب “اللغة الأم” للسامعين: اللغة الإنجليزية أو الفرنسية!
وفِي إقحام كلمات إنجليزية أو فرنسية في خطابات موجهة لجمهور ناطق باللغة العربية، استخفاف بالمستمع والقارئ العربي واحتقار له. فالمتحدث والكاتب ينتظر من الجمهور العربي أن تكون عنده دراية بلغة المستخرب (المستعرب) ويُنتظر منه أن يعرف معاني الكلمات الأجنبية التي أقحمها الكاتب والمتحدث العربي، وهذا أمرٌ غريب ووقح!
فنفس الذين يخلطون كلاما عربيا بكلمات أجنبية عند مخاطبتهم لجمهور ناطق باللغة العربية، غير مبالين بالسامع العربي هل فهم الكلمات الأجنبية أم لا، تجدهم حين يتحدثون إلى أجانب غربيين يحرصون كل الحرص على التحدث بلغة وكلمات يفهمها الأجنبي ويجتهدون في ذلك وينقبون في أذهانهم على الكلمات الفرنسية أو الإنجليزية ليعبروا للغربي عن آرائهم بلغته التي يفهمها، فلا تجدهم يقحمون كلمات عربية في حديثهم مع فرنسيين أو أمريكيين، تجدهم يتحدثون بكل احترام إليهم!
لكن حين يتحدثون إلى عَرَب فتبدأ العشوائية في الكلام وتُخلط كلمات عربية بأجنبية، فالسامع أو القارئ العربي لا قيمة له، ولا يهم إن آذينا سمعه وحسه بكلمات أجنبية تتنطع وسط كلام عربي، ولا يهمنا إذا فهم الكلمات الأجنبية أم لا، إنه الاحتقار والاستخفاف الذي نقابل به أنفسنا واللغة العربية!
صناعة مصطلحات وأسماء جديدة من الوسائل التي تُنمِّي اللغة العربية وتحفظها
من الانهزام الثقافي والنفسي ليس استعمال مصطلحات غربية فحسب، بل كذلك اعتبار أن اللغة العربية قاصرة عن مسايرة العلوم والتقنيات الحديثة، والحقيقة أن القاصرين هم العرب وليس اللغة العربية، فالمسلمون هجروا اللغة العربية ولا يُعَنُّون أنفسهم لدراستها واستيعاب قواعدها ومنهجها في احتواء أشياء ومفاهيم جديدة وإعطائها أسماء عربية تعبر عن مدلولها ومعناها.
تماما كما أن سبب تخلف المسلمين المادي ليس الإسلام ولكن السبب هو صد المسلمين عن الإسلام وعدم دراسته واتباع أحكامه! فالمسلمون هجروا القرآن والسُّنة وهجروا معهما اللغة العربية!
فعلى المسلمين، وخصوصا “النخبة” منهم من المثقفين والدعاة للإسلام، أن يجتهدوا في اشتقاق أو تعريب أو ترجمة أسماء الاختراعات والتقنيات والمعاني العلمية الحديثة، فهذا ليس بالأمر الصعب إذا فهموا أدوات اشتقاق معاني وأسماء جديدة في اللغة العربية.
فكل كلمة أجنبية لها مدلول معين، وبالتالي يمكن مثلا ترجمة المدلول إلى كلمات عربية باشتقاق صيغة عربية من أخرى معلومة الخ. فهذا ما كان يفعله المسلمون في القدم! والفقه الإسلامي لوحده أبرز قوة اللغة العربية في التوسع واستخراج مصطلحات جديدة تغطي الحاجة اللغوية لمفاهيم وتعاريف مستجدة.
ومن يريد التوسع شيئًا ما في بعض أدوات “التعريب”، فأحيله مثلا إلى بحث مختصر لرئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني المدرسي، الأستاذ كمال أحمد غنيم، تحت عنوان: “آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة”!
نماذج من المصطلحات الإنجليزية المتداولة بين العرب
ومع تداول المسلمين لوسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت “لهجة” مميعة هجينة يستعملها غالبية المسلمين العرب، حيث يستعملون كلمات غربية ويكتفون بكتابتها بأحرف عربية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
(شير)، (لايك)، (بوست)، (برتاج)، (ربورتات)، (فيديو)، (مونتاج) الخ …
هذه مصطلحات إنجليزية مكتوبة بحروف عربية، مع أن هذه المصطلحات لا تحتاج لابتكار ترجمة لها، فهي موجودة أصلاً في اللغة العربية:
ف (شير) و(برتاج) تعني بالعربية “مشاركة”، “شارك”!
(لايك) مرادفها “إعجاب”!
(بوست) ترجمتها مثلا “منشور”!
(ريبورتات) ترجمتها “بلاغات”، “بلاغ”، “إبلاغ”.
(فيديو): تسجيل أو تصوير مرئي.
(مونتاج): تركيب، ترتيب، الخ.
إرشادات ونصائح عملية
قد نتفهَّم إلى حد ما “الضرورة النسبية” أحيانًا لذكر بعض المصطلحات بالإنجليزية في بحثٍ يتطرق لمسائل تقنية أو طبية الخ حديثة، لأن المرادفات العربية ما زالت غير مألوفة، ويصعب إيجاد مراجع بالعربية يمكن الرجوع إليها لمن أراد التوسع في المادة المطروحة، لكن أرى أن هذا يجب أن يكون بطريقة منضبطة ومحدودة، وأقترح الطريقة التالية في التعامل مع مثل هذه المصطلحات:
- كتابة المصطلح العربي أولا (وإذا لم يكن موجودا يُجتهد في ترجمة معنى المصطلح الإنجليزي)، ثم يُكتب بين قوسين المصطلح باللغة الإنجليزية (أو اللغة الأم للمصطلح). وَضْعُ الكلمة الأجنبية بين قوسين له دلالة وتأثير في غاية الأهمية، إذ يجعله ثانويًا والمصطلح العربي هو المُعتمد والذي يجب استعماله!
- والطريقة الأمثل، خصوصا إذا كان عدد المصطلحات كبير وحتى لا يصبح الموضوع عبارة عن مزيج مزعج قبيح من كلمات عربية وأجنبية، هو إضافة فهرس في آخر الموضوع توضع فيه المصطلحات العربية والى جانبها مرادفاتها بالإنجليزية، لمن أراد التوسع في البحث في مصادر عربية وإنجليزية!
كما نتفهَّم أن كتابة أسماء غير عربية للأفراد بحروف عربية يصعب معها أحيانًا معرفة الشخصية المقصودة، فهنا يمكن عند الأسماء الصعبة إضافة الاسم بين قوسين باللغة الأصلية، أو إضافة فهرس في آخر الموضوع توضع فيه الأسماء بالأحرف العربية والى جانبها الأسماء بالأحرف الأجنبية الأصلية!
خاتمة:
لا يليق، خصوصا بالمثقفين والدعاة للتحرر من كل أنواع هيمنة المستخرب (المستعمر) و”طلائع” الأمة الإسلامية من العرب، أن يتحدثوا إلى أقوامهم بلغة فيها مزيج من كلمات أجنبية. فهذه النخبة بالخصوص يجب أن تكون قدوة للناس، قدوة في الاجتهاد في التمكن من اللغة العربية واستعمالها على أتم وجه، وقدوة في قلع كل بقايا الاستعمار الثقافي الغربي للمسلمين والذي من مظاهره إدماج المسلمين كلمات من لغة المستعمر في أحاديثهم.
فإن كان عندك أيها الخطيب أو المحاضر أو الكاتب نقص في اللغة العربية أو تفتقد للمصطلحات العربية في مجال ما لأنك درسته مثلا بلغة أجنبية، فاجتهد وابحث عن الترجمة العربية لتلك المصطلحات وتعلمها واحفظها قبل أن تخاطب الناس. بمعنى آخر قم بواجباتك المنزلية واستعد للخطبة أو المحاضرة التي تريد إلقائها أو المناظرة التي تريد المشاركة فيها، نقِّب عن كل المفردات العربية لكل المصطلحات التي تظن أنك ستحتاجها في حوارك.
وإذا خشي المثقف المسلم العربي ألا يفهم الناس عليه بعض المصطلحات العربية فليفسرها لهم باللغة العربية نفسها وليس بترجمتها إلى لغة أعجمية، لغة المستعمر. فقد ورد في كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلمات لم يفهمها أصحابه وهم العرب الأقحاح، فكان الرسول يفسرها لهم باللغة العربية نفسها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر كلمات: “الرويبضة” و”الديوث” و”الرجلة من النساء” و”الوهن”! … فعن الرسول انه قال: “ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّةَ أبدًا الدَّيوثُ والرَّجُلةُ من النِّساءِ ومدمنُ الخمرِ”، فسأله الصحابة: يا رسولَ اللهِ أمَّا مدمنُ الخمرِ فقد عرفناه، فما الدَّيوثُ؟ فقال صلى إله عليه وسلم: “الَّذي لا يُبالي من دخل على أهلِه”، فسألوه: فما الرَّجُلةُ من النِّساءِ؟ قال: “الَّتي تشبَّهُ بالرِّجالِ”!
ولما سألوه في حديث آخر عن “الرويبضة” قال صلى الله عليه وسلم: “الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ”!
ولما قال الرسول: “وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ”، سأل سائل: وَمَا الْوَهْنُ؟ فقَالَ الرسول: “حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”.
شكرا من القلب لك ياغالي