تعرف على الاستراتيجيا الأمريكية لسنة 2010 ونقاط التحول فيها
- عرض مختصر وسريع لأهم ما جاء في في دراسة “الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية: عرض ونقد وتقييم” لدكتور أكرم حجازي
مدخل في تحولات الإستراتيجيا الأمريكية
لعقود طويلة، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية، ولما تزل، تحقق بحسب مساعد وزير الدفاع ورئيس مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي Joseph S. Nye تفوقا مستمرا، يمكن الاستدلال عليه عبر معايير قابلة للقياس تتعلق بما يسميه موارد النفوذ الثلاثة: العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة. حتى لو شاركتها قوى أخرى في هذا التفوق إلا أن إلا أن تمتعها بامتيازات جيوسياسية واقتصادية واجتماعية مميزة يجعل من تفوقها فريدا في الكم والنوع.
ووفقا لمكانتها فهي تتحمل من المسؤولية في الداخل الأمريكي بقدر ما تتحملها في الخارج. وهذا يعني بالضرورة أن أي تقدم أو تراجع في الداخل لا بد وأن ينعكس على النفوذ في الخارج، بحيث يزيد أو يقلص من حدود الهيمنة دون أن ينال من مستوى التفوق. وهنا بالضبط يكمن جوهر أي استراتيجيا أمريكية قومية.
هجمات 11 سبتمبر
حين وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت الولايات المتحدة في ذروة قوتها وهيمنتها. ولأنها تعاملت مع الحدث كإهانة جارحة للغاية، فلم يكن ثمة تغيير في استراتيجياتها القومية إلا فيما يتعلق بالإستراتيجية الدفاعية، التي تحدثت عن مكافحة الإرهاب. لكن فيما يتعلق بالتدخلات العسكرية المباشرة، فلم يجر التفكير بأي تقييم أو تغيير في الإستراتيجية، بقدر ما تفاقمت حدتها عبر مهاجمة أفغانستان واحتلالها ثم التحضير، بلا مبرر إلا من سيل الأكاذيب، لغزو العراق، بعيدا عن أية قوانين أو قواعد دولية تذكر، فضلا عن التفكير في المصالح والمآلات.
التساؤلين اللذان أفرزتهما هذه الهجمات:
ما الذي يدفع مجموعة مطاردة، ومحاصرة من كل جانب، للتفكير في أو التجرؤ على استباحة قوة قادرة على مسح الأرض عن الوجود مئات المرات، دون أن تلقي بالا لأية ردود فعل منها؟ وفي المقابل؛ هل ثمة جدوى من رد الإهانة باستعمال أفتك أدوات القوة ضد مجموعة مقاتلة!؟
كانت نتائج الهجمات بالغة السلبية على نفوذ الولايات المتحدة ومكانتها لأنها لم تلجأ لترجمة التساؤلين إلى لغة استراتيجية تسترشد بها. ولكن ما بين سنتي ٢٠١٠ و ٢٠١٥ أصدرت الولايات المتحدة إستراتيجيتين للأمن القومي. لكن السؤال ليس فيما إذا نجحت أمريكا بهما في تجاوز منطق الأيديولوجيا؛ بل فيما إذا أضحت الأيديولوجيا هي المنطق الوحيد الذي تصاغ به الاستراتيجيات الأمريكية؟ وفي الكم الهائل من التناقضات التي لا تجد لها تفسيرا لدى المؤيدين والمعارضين لسياسات الرئيس الأمريكي إلا التخبط والإرباك.
استراتيجيا الشرق الأوسط
بعد سيادة الأحادية القطبية اتبعت أمريكا استراتيجية للشرق الأوسط عرفت بإستراتيجية الأعمدة، وأساسها العمل مع القوى الإقليمية الملتزمة بالحفاظ على الوضع القائم – إيران والسعودية وإسرائيل وتركيا- لكن بعد عام 1992 حين أصبحت الولايات المتحدة القوة المسيطرة، تبنّى بوش وكلينتون إستراتيجية واضحة ومتوسعة للحفاظ على الاستقرار، تضمنت ثلاثة مكونات:
- السلام الأمريكي (حل شامل تدعمه أمريكا للصراع العربي الإسرائيلي)
- الاحتواء الثنائي لاثنتين من قوى المراجعة – العراق تحت حكم صدام حسين وإيران تحت حكم آيات الله
- الاستثنائية العربية – تم إعطاء المستبدين العرب، شركاء أمريكا في الحفاظ على نظام الشرق الأوسط، إشارة خضراء عندما يتعلق الأمر بمعاملة مواطنيهم.
ويعلق سفير ومساعد وزير الخارجية الأمريكية Martin S. Indyk على هذه الإستراتيجية بالقول:
في سياق الحفاظ على النظام فإن الإستراتيجية عملت بشكل جيد لمدة عقد، لكن كل شيء تساقط في أعقاب ١١سبتمبر حيث هجرت الولايات المتحدة الاحتواء مسقطة صدام حسين بتهور فتح الأبواب من بغداد إلى إيران، كما توقفت عملية السلام العربية الإسرائيلية، وقاومت بعناد المحاولات المتعددة لإعادتها للعمل، وخلال تلك العملية انهار النظام القائم، وتم استبداله بأنظمة فاشلة، ومناطق غير محكومة، وصعود القاعدة وداعش. لا يجب أن يشعر المرء بحنين للنظام القديم: لقد كان استقراره كثيرا ما يؤدي إلى صراعات وانقلابات، كما كان ثمنه هو القمع. وقد جلب انهيار النظام القديم ثلاثة صراعات إلى الصدارة، يغذي بعضها بعضا، وتخلق الاضطراب الحاد في جميع أنحاء المنطقة
انعكاس فكر أوباما على الاستراتيجيا الأمريكية
بعد مضي أقل من عام على هجمات ١١ سبتمبر؛ وأمام تجمع مناهض للحرب سنة 2002 خلال الإعداد لغزو العراق واحتلاله، حدد الرئيس الأمريكي الحالي، باراك أوباما موقفه من الحرب قائلا:
أنا لا أعارض الحروب لكني أعارض الحرب الغبية والمتهورة
كان على العبارة أن تنتظر ست سنوات قبل أن تدخل حيز الترجمة إلى استراتيجيا للولايات المتحدة. سنلاحظ لو قمنا بتفكيك إستراتيجية ٢٠١٠ وحتى ٢٠١٥ لوجدنا أنهما، بأدق تفاصيلهما، انعكاس لفكر أوباما، والفريق المحيط به والشبيه بالمحافظين الجدد.
أيضًا لكون أوباما ديموقراطيا فلن يخرج في سياساته واستراتيجياته عن المنطق الوظيفي الذي تدار به الولايات المتحدة. فعندما يكون الجمهوريون في الحكم فالتركيز غالبا ما يكون على السياسة الخارجية، حيث الهيمنة الدبلوماسية، والدفاع، حيث تجد الحروب لها حيزا لممارسة القنص والصيد، ولما يكون الديمقراطيون في الحكم سيكون التركيز على الأمن والإقتصاد. هذه هي المعادلة التي تحكم الولايات المتحدة، وتؤدي إلى التداول السلس على السلطة بين ثنائية حزبية لا ينازعها أحد، لأنها تقوم على تلبية احتياجات أمريكا وليس احتياجات الحزب. فالجمهوريون لا يذهبون للحروب إلا باقتصاد جيد، مثلما أن الديمقراطيين لا يصلون إلى السلطة دون أن تتوفر لهم الفرصة لمعالجة مخلفات حروب الجمهوريين في الأمن والاقتصاد. كل هذا سنجد ترجماته في استراتيجيات الأمن القومي في عهد الديمقراطيين.
عرض لأهم ما جاء في استراتيجيا الأمن القومي لسنة ٢٠١٠
استدعت هجمات 11 سبتمبر تغيرات على الاستراتيجيا الأمريكية انعكس تأثيرها على البنود التالية في الاستراتيجية:
- الدورالأمريكي في النظام الدولي القائم والمنشود
- الحاجة إلى تجديد القيادة الأمريكية
- الأمن القومي وماهية العدو
- مسألة الالتفات إلى الداخل.
بحسب الإستراتيجية فإن العالم قد تغير وعلى الولايات المتحدة أن تستعد للمستقبل. فمما جاء في التقرير:
أن الهيكل الدولي للقرن ال ٢٠ يئن تحت وطأة التهديدات الجديدة، والاقتصاد العالمي يشهد منافسة قوية ولكن بلدنا يمتلك سمات القيادة التي دعمت قيادتنا منذ عقود عبرالتحالفات المتينة القوية، والقوة العسكرية التي لا مثيل لها، والاقتصاد الأكبر في العالم، والديمقراطية القوية المتطورة، والمواطنون المفعمون بالحيوية. وأن علينا أن ندرك أنه ليست هناك دولة واحدة تستطيع التصدي لكل التحديات العالمية بمفردها وسوف نواصل تحمل كلفة الأمن العالمي
من الواضح أن تقرير المراجعة، يؤكد على تراجع الولايات المتحدة، ويدفع بها إلى الداخل أكثر مما يقذف بها إلى الخارج. بمعنى أنه إذا كان لأمريكا أن تحافظ على نفوذها ومصالحها وأمنها، محليا وعالميًا، فمن المفترض أن تلتفت إلى تأهيل بيتها الداخلي بقدر ما تعيد تشكيل نفوذها في الخارج.
تجديد القيادة
تقول الإستراتيجية: “يبدأ النهج الذي نتبعه بالتزامٍ ببناء أساس أقوى للقيادة الأميركية لأن ما يحدث داخل حدودنا سيقرر حجم قوتنا ونفوذنا وراء هذه الحدود. ثمة عملية إنعاش تتطلب إعادة تشييد بنية تحتية تتميز بقدر أكبر من الأمن والثقة في مواجهة تهديدات الإرهابيين والكوارث الطبيعية وتوفير تعليم ذي نوعية جيدة لأبنائنا وبناتنا وتحسين مستوى العلوم والابتكار وتحويل اقتصاد الطاقة في بلدنا لتشغيل صناعات ووظائف جديدة؛ تخفيض تكاليف العناية الصحية لمواطنينا وشركاتنا وتقليص العجز الفدرالي”.
البناء في الداخل
تقرر الاستراتيجية ألا جدوى إلا ب “الالتزام بتجديد اقتصادنا وتقويته الذي هو بمثابة منبع القوة الأميركية، وفي الوقت الذي نعيد فيه بناء القوة الاقتصادية نعمل على الدفع نحو تحقيق نمو متوازن ومستدام يعتمد عليه الرخاء والاستقرار في العالم. ويشمل ذلك خطوات داخل الوطن وفي الخارج منعا لنشوب أزمة أخرى”.
النفوذ
“إننا ندرك بعملنا على بناء أساس أقوى لقيادتنا داخل حدودنا أن أنجع وسيلة للترويج لقيمنا هي أن نعيش هذه القيم لا أن نفرضها على أحد بالقوة ولذلك فإن التزام أميركا بالديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون مصادر ضرورية لقوتنا ونفوذنا حول العالم”
الأمن
تقر الإستراتيجية بالإضافة إلى خطر تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها أنه لا يوجد تهديد للشعب الأميركي أخطر من أسلحة الدمار الشامل، لاسيما الخطر الماثل في سعي متطرفين عنيفين لحيازة أسلحة نووية وانتشارها لدول أخرى. ولهذا السبب فإننا نسعى لتنفيذ برامج شاملة لمنع الانتشار والأمن النووي، مبنية على أسس حقوق ومسؤوليات الدول. وسنقوم بتقليص ترسانتنا النووية، واعتمادنا على الأسلحة النووية، وفي الوقت ذاته ضمان أن وسائل الردع لدينا فعالة ويمكن الوثوق بها. كما سنقوم بتعزيز معاهدة منع الانتشار النووي، لكونها الدعامة الأساسية لمنع الانتشار، وفي الوقت ذاته العمل من خلال هذه المعاهدة لمحاسبة دول مثل إيران وكوريا الشمالية، لإحجامها عن الوفاء بالالتزامات الدولية. وإننا نقود مجهودا دوليا لتأمين المواد النووية المعرضة للأخطار من قبل إرهابيين. وسنسعى لانتهاج استراتيجيات جديدة، تتوخى الحماية من الهجمات بأسلحة بيولوجية وضد التحديات التي تهدد الشبكات الإلكترونية التي نعتمد عليها. كما ينبغي أن نحافظ على تفوق قواتنا العسكرية التقليدية، مع تعزيز قدرتها على قهر التهديدات غير المتماثلة ويجب علينا تحديث قدراتنا الدبلوماسية والتنموية، وتدعيم قدرتنا الاستطلاعية المدنية، من أجل دعم المدى الكامل لأولوياتنا. كما ينبغي دمج جهودنا الأمنية الداخلية والاستخباراتية مع سياستنا الأمنية القومية، ومع سياسات حلفائنا وشركائنا.
النظام الدولي
تذكِّر الإستراتيجية بأن الولايات المتحدة هي التي تولت، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، القيادة في بناء منظومة دولية جديدة لاستتباب السلام ودفع عجلة الرخاء، من إنشاء حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة إلى توقيع معاهدات تنظم تطبيق القوانين وأسلحة الحرب؛ ومن إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصولا إلى شبكة يزداد نطاقها اتساعا من الاتفاقيات التجارية. وأن: هذه المنظومة، رغم عيوبها، مكنتنا من تجنب حرب عالمية وأتاحت تحقيق النمو الاقتصادي وعززت حقوق الإنسان. وفي الوقت ذاته سهلت تقاسم الأعباء بصورة فعالة بين الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا.
وفيما بدا متطلبات أمريكية أكثر منها دولية، تحسم الولايات المتحدة موقفها من النظام الدولي بالقول سيكون من المدمر لكل من الأمن القومي الأميركي والأمن العالمي، إن استخدمت الولايات المتحدة ظهور تحديات جديدة وعيوب النظام الدولي كذريعة للانسحاب منه
وترى الحل في أزمات النظام عبر التركيز على تقوية وتعزيز المؤسسات » : الدولية، وتنشيط العمل الجماعي الذي يمكن أن يخدم المصالح المشتركة، مثل القضاء على التطرف العنيف؛ ووقف انتشار الأسلحة النووية؛ وضمان تأمين المواد النووية؛ وتحقيق النمو الاقتصادي المتوازن والمستدام؛ والتوصل إلى صياغة حلول تعاونية لخطر تغير المناخ، والنزاع المسلح، والأمراض الوبائية
الاستراتيجية العسكرية 2012
في 2012 وقبل صدور استراتيجيا 2015 أصدرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها العسكرية والتي أسدلت فيها الستار على زمن الحروب الشاملة عالية التكلفة لتتبنى استراتيجية الحروب السرية أو حروب القيادة من الخلف.
وركزت على ثلاث محاور:
- تقليص عدد القوات في أوروبا، لتتحمل أوروبا عبء الحماية، وتدفع الثمن كما دفعته الولايات المتحدة.
- خفض الإنفاق الدفاعي، مع التركيز على آسيا، خاصة جنوب شرق الصين، انطلاقا من أستراليا، لمراقبة النمو الاقتصادي الصاعد للصين، والأهم النمو العسكري النوعي الذي تشهده تكنولوجيا التسلح الصيني.
- الأمر الحاسم في الإستراتيجية كان التحول النوعي في الحروب، عبر اعتماد استراتيجيات الحرب الأمنية القائمة على الاستخبارات مع قوات قتالية خاصة للتدخل الطارئ خاصة في منطقة الشرق الأوسط، و نظم الحرب الرقمية، والقتال عن بعد عبر نظام الطائرات بدون طيار.
في التقرير القادم سنعرض أهم ما جاء في الاستراتيجية الأمريكية 2015
المصادر:
د. أكرم حجازي، الإستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية: عرض ونقد وتقييم، منتدى المفكرين المسلمين ومركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية 2016.
يمكن تحميل الدراسة من الرابط بالأسفل هنا ↓
[xdownload icon=”” text=”دراسة: الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية: عرض ونقد وتقييم لدكتور أكرم حجازي” url=”http://www.moslimon.com/download_searches.php?id=82″ target=”1″]
مثال ذلك: انحراف طالبان
انظر من مقال على TRT العربية بعنوان: طالبان ومستقبل “الجهادية العالمية” بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
7/يوليو/2021
“وعندما وقّعت واشنطن اتفاقاً تاريخياً مع حركة طالبان في الدوحة في 29 شباط/فبراير 2020، كان أحد أهم بنود الاتفاق عدم سماح طالبان لأي من أعضائها أو أفراد أو مجموعات أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها،”
“في هذا السياق فإن حركة طالبان تعتبر تنظيم الدولة خصمها الأكبر لكونه نازعها قيادة الجهاد العالمي، وقد تعاملت مع ولاية خراسان التابعة للتنظيم في أفغانستان بحزم وعنف، حيث وجهت طالبان ضربة قاسية للمنشقين عن الحركة منذ أواخر 2015 وقتلوا زعيم التمرد عثمان غازي ومئة من مناصريه في قاعدة في مقاطعة زابول.”
____________
أنظر أيضا: سيطرت طالبان علي أفغانستان
بعدما سيطرت أمريكا علي طالبان
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=364628905037950&id=100044725303659