نظرية دوائر البركة حول بيت المقدس
لإقليم بيت المقدس أهمية جيوبولتيكية واستراتيجية هامة جدًا، حيث أن الإقليم يتحكم في العالم من مركزه الفريد، كما ويتوقف أمان العالم واستقراره على أمان إقليم بيت المقدس واستقراره، حيث أن الإقليم يمثل مركز البركة بنص القرآن الكريم، وليست بركته تلك محلية أو دولية، بل عالمية تشمل العالم أجمع تحت كنفها. وسبق أن بينا أن دراسات بيت المقدس تتسم بالشمولية والتكامل وصناعة الفعل ورصد ردود الفعل المتمحورة حوله، ولصناعة الفعل في القضايا المحورية للأمة دور عظيم في تنمية شعور الهوية والانتماء وذلك بتعزيز الملكية والحق.
وواحدة من مظاهر صناعة الفعل في قضيتنا الأم هي نظرية الجيوبولتيك الجديدة “نظرية دوائر البركة” التي تحدد دوائر البركة ابتداء من مركز مركز البركة حتى الدائرة التي تشمل العالم بأطرافه. وتتمحور النظرية في أن مركز مركز البركة “المسجد الأقصى المبارك” ينشر بركته على شكل دوائر تنطلق منه إلى العالم أجمع وكلما اقتربنا من المركز كلما زاد تركيز البركة بلغة الكيمياء وكلما ابتعدنا عن المركز كلما قل تركيز البركة.
أولًا: تحديد المركز
قال تعالى “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ“ فكلمة حوله تشير إلى النقطة المركزية الي بورك حولها وانطلقت منها البركة في دوائر إلى باقي المحيط وهي المسجد الأقصى.
والبركة تعني النماء والزيادة وتنقسم إلى قسمين:
- بركة حسية تظهر في موقعة الفريد وقوته الاقتصادية وثقل مركزه السياسي بين بقية دول العالم
- بركة معنوية وتتمثل في كونها أرض للأنبياء جميعًا في الديانات الثلاث
وتتميز بركة المسجد الأقصى في كونها عالمية لا تختص بالمسلمين فقط دون غيرهم قال تعالى: “الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ”، قال المنهاجي السيوطي:
لو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية
-
الدائرة الأولى: بيت المقدس
بيت المقدس ليس مجرد مدينة أو مستوطنة أو محافظة، بل هو إقليم واسع يضم عدة مدن وقرى، ومن الدلائل التاريخية على أن بيت المقدس إقليم يختلف عن فلسطين والقدس لفظ الخليفة أبو بكر رضي الله عنه لعمرو بن العاص “عليك بفلسطين وإيلياء” والواو هنا للمغايرة أي أن المكانيّن مختلفيّن عن بعضهما وهذه الرواية استفرد بذكرها الواقدي في كتابه المغازي.
وتتمثل حدوده فيما يلي:
- يحده من الشمال جنين
- ومن الجنوب الشرقي مآب وصغر ومؤتة وتبوك
- ومن الشرق نهر الأردن
- ومن الغرب عسقلان، كما يضم حوالي 25 كيلومتر داخل البحر المتوسط من شاطئ يافا
- فهو إقليم يقع في قلب العالم بشكل عام وفي قلب المشرق الإسلامي بشكل خاص.
وهذه الحدود ليست حدود متغيرة بل حدود ثابتة لا تتغير ولا يستطيع أحد مهما بلغت سلطته ونفوذه من تغييره.
-
الدائرة الثانية : مصر وبلاد الشام
ترتبط مصر بالشام ارتباطًا وثيقًا، ويشير الدكتور عبدالفتاح في نظريته الجديدة أن:
مقتضيات الأمن الشامي والمصري دائمًا واحدة، ومصير أي منهما مرتبط دائمًا بمصير الآخر؛ أي أن كل سيطرة على أحدهما كان يدفع الطرف المسيطر للهيمنة على الآخر
حيث أن مصر هي البوابة لبيت المقدس، ولن يتحقق الأمان لمصر إلا بتحقق الأمان للشام ويمكن أن ندلل تاريخيًا على هذه الحقائق بالآتي:
- في فتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس بدأ مسيرته أولًا من مصر والشام والقضاء على الفتن فيهما، ومن ثم تم له النصر وفتحت له مدينة بيت المقدس بكل يسر وفي أثناء فترة الحكم الأيوبية كان مستقبل مصر يُقرر مباشرة من بيت المقدس والعكس صحيح.
- وأيضًا وصية الملك نجم الدين أيوب لابنه توران شاه “اعلم يا ولدي أن الديار المصرية هي كرسي المملكة، وبها تستطيل على جميع الملوك، فإذا كانت بيدك كان بيدك جميع الشرق، يضربوا لك السكة” أي النقود التي تحمل اسمه، “والخطبة” أي الدعاء له في الخطبة”
- وحديثًا سعت القوى الاستعمارية الجديدة لعزل مصر بحدودها الإدارية عن بلاد الشام لضمان عدم إقامة أي وحدة في المنطقة، ولذلك سميت دولة الاحتلال الصهيوني بـ” الدولة العازل”
وتضم الدائرة الثانية أجزاء هامة جدًا من مصر “القاهرة والاسكندرية على البحر المتوسط وشبه جزيرة سيناء والغردقة على البحر الأحمر” وجميع بلاد الشام “سورية ولبنان وفلسطين والأردن” وجزيرة قبرص في البحر المتوسط وأجزاء صغيرة من الجزيرة العربية بما فيها تبوك.
ويُلاحظ أن حلب في سوريا والاسكندرية في مصر واقعتان على نفس الخط. وأن تدمر وحماة واللاذقية في سوريا ونيقوسيا والقاهرة وتبوك يقعون على نفس الخط.
وهنا إشارة للأهمية الاستراتيجية لجزيرة قبرص اليونانية في موقعها من بيت المقدس وضرورة إدخالها في معادلات الخطط الاستراتيجية للفتح القادم إن شاء الله.
-
الدائرة الثالثة والأخيرة : المشرق العربي والإسلامي
ويشمل الحجاز بما فيه ” مكة والمدينة”، وجميع تركيا، وجميع العراق، وأجزاء صغيرة من ليبيا تضم “طبرق ودرنة والجغبوب”، وأجزاء كبيرة من مصر “مرسى مطروح وسيدي براني وسيوة والمنيا وأسيوط والخارجة والأقصر وأسوان”، وأجزاء صغيرة جدا من السودان “وادي حلفا و دنقناب وحلايب”، وأجزاء من الكويت وأجزاء صغيرة من إيران.
ويلاحظ أن نفس الخط الذي تقع عليه مكة تقع عليه الكويت والبصرة وعبادان والأحواز وتبريز واسطنبول ودرنة في ليبيا ودنقناب في السودان. وتقع المدينة المنورة على نفس الخط الذي تقع عليه كركوك وأربيل وأنقرة وأجزاء من ليبيا وأجزاء من مصر.
ومن المناطق القريبة لنطاق الدائرة الثالثة: أرمينيا وجورجيا وبلغاريا واليونان وبلاد المغرب العربي الكبير. كما تقع أجزاء من أذربيجان وبريفان وباتومي وأثينا على أطراف الدائرة الثالثة من الخارج
وتضم الدائرة الثالثة أجزاء من أحواض بحرية هامة “البحر الأحمر والبحر المتوسط والبحر الأسود وبحر إيجة والخليج العربي”، ويشير ذلك إلى قوة اقتصادية هائلة وتحكم في عدد من ممرات التجارة العالمية.
تلخيص النطرية
ونقتبس قول الباحث في ملخصه للنظرية أن “من يصل إلى مركز البركة هو الذي يقود العالم ويتم فهم العبارة من خلال معادلات ثلاث:
- من يحكم بيت المقدس “الدائرة الأولى” يسيطر على بلاد مصر والشام “الدائرة الثانية”
- من يحكم مصر وبلاد الشام يسيطر على المشرق العربي والإسلامي “الدائرة الثالثة”
- من يحكم المشرق العربي والإسلامي يسيطر على العالم!
ومن هذه الظرية يظهر لنا بوضوح دور إقليم بيت المقدس وتأثيره في العالم وعلى أصحاب القرارات ومتخذي الفعل، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مصر وبلاد الشام والمشرق العربي والإسلامي ودورهم في التحرير القادم، حيث أنه لن يتم فتح بيت المقدس إلا بتحقيق الأمان والعدل والحرية للدائرتين الثانية والثالثة حتى يتم الوصول بأمان للثالثة التي تمثل مركز البركة الخام.