آرون سوارتز، والوجه القبيح لأمريكا تجاه الأمريكان أنفسهم

إن لم تكن أمريكياً، فأنت بالفعل ترى الوجه القبيح ذاك. أما إن كنت مواطناً أمريكياً فقد تخدعك تلك الماكرة بشعاراتها وأوهامها بأنها صالحة. وما دمت منخدعاً جاهلاً، فأنت مواطنها الصالح وفتاها المدلل التي ترهقه بالديون وضرائبها الباهظة، وأنت تصفق لها. أما إذا حاولت أن تحلق خارج السرب، فبالتأكيد سترى أسوء وجه لها، وستجعل منك عبرة لمن يعتبر. أنت بالنسبة لها غنيمة باردة تستخدمها للردع لا غير. وهذا ما حدث مع الأمريكي “آرون سوارتز”.

“أمريكا دولة تحترم الحريات وحقوق الإنسان و تدعم السلام” مثل تلك العبارات لا يرددها إلا جاهل، أو منتفع من هذا الوحش الرأسمالي الذي يلتهم كل ما يمكن إلتهامه في هذا العالم ليجنى المزيد من الأموال والربح، لا يهم أبداً أن عرض العالم لمجاعات وكوارث جراء لهثه خلف المال، فالمال عنده غاية يدمر في سبيلها بلاد، ويستعبد الملايين من الانسان الذي يدعي الحفاظ على حقوقه، و هذا ما تعارض مع “آرون سوارتز” الذي كان يحلم أن يجعل من العالم مكان أفضل، ومن أجل هذا الحلم ضحى آرون بحياته كشاب مشهور محبوب عبقري، جنى أكثر من مليون دولار وهو في التاسعة عشر من عمره جراء عمله في البرمجة. ولكن ذلك كله لم يكن ما يريد آرون فتركه وتوجه إلى إصلاح العالم كما كان يعبر دائماً عن رغبته في الاصلاح، كان يقول متحدثاً عن نفسه أنه يشعر بشعور قوي يمنعه أن يعيش في العالم كما هو يأخذ ما يعطى له، يتلقى الأوامر، يتبع كل ما يملى عليه، كان يدرك أن هناك مشاكل جادة وحقيقية، ولم يستطع أن يتملص من الشعور بالمسئولية. الشعور بأنه يستطيع عمل شيء ما يساعد في حل تلك المشاكل كان ملحاً قطع عنه أي طريق للهروب من القيام بواجبه.
كشف آرون عن علاقة مشكلة بين ممولي الأبحاث و نتائجها المرغوبة من خلال تحليله لقاعدة وستلو القانونية، قام بتحليل للشركات الربحية حينما تمنح المال لأساتذة القانون الذين يكتبون مقالات لمراجعة القوانين ومن ثم تعود عليهم تلك القوانين بالفائدة. وجه سوارتز طاقته إلى سلسلة مشاريع تهدف إلى الحصول على المعلومات العامة، وبالطبع واجهته العديد من المشاكل واحدة من تلك المشاكل هي نظام الوصول الجماهيري إلى سجلات المحكمة العليا Pacer (Puplic Access to Court Electronic Records)

فالحكومة الرأسمالية لا تتيح لمواطنيها الإطلاع على المواد القانونية مجاناً بل تفرض سنتاً لكل صفحة لتجني في العام الواحد أكثر من مليار دولار، تلك السجلات العامة التي يحتاجها الجميع حق الاطلاع عليها يعطى فقط لأصحاب الأموال، أما إن كنت فقيراً فستواجه صعوبات للإطلاع على ملكية عامة في بلد احترام حقوق الأموال. تمكن سوارتز من تحسين كود لتحميل سجلات المحكمة الفيدرالية ورفعه مجاناً لجميع المواطنين، استطاع الحصول على 2.7 مليون مستند من تلك السجلات ما جعله يتعرض لملاحقة الـFBI.

وكذلك انزعاج آرون من التقسيم الغير عادل للثروات جعلته يتخطى الاهتمام بالتقنية إلى العديد من القضايا السياسية، كان يرى أن الانترنت يتيح للجميع التعبير عن الرأي وأن الحكومات تسعى إلى السيطرة على الطرق التي تستطيع من خلالها إيجاد الأشخاص. عارض تجسس الحكومة على الأجهزة بدعوى الأمن وحالات الطورائ، ففي الماضي كانت تتحكم الأنظمة الديكتاتورية في إعطاء الحق لمن سيتحدث، أما الآن فهي تتحكم في من سيستمع، بينما كان آرون يرى الانترنت حقاً إنسانياً لا يحق للحكومة سلبه وأن الإدعاء بأن الأمن القومي مبرر لغلق الانترنت معارض لمبادئ الحريات والتعبير عن الرأي.

ناقش الكونجرس تطبيق مشروع SOPA بإدعاء حماية حقوق النشر يمكن الشركات الكبرى من غلق مواقع بأسرها بإدعاء واحد لخرق حقوق النشر، مما سيدمر بنية الانترنت لكن المستفيد الوحيد هي كبرى شركات العالم في الانترنت في القضاء على منافسيها الصغار، فشن آرون حملة ضخمة على الانترنت لايقاف المشروع أيده ملايين ممن عبروا عن رفضهم لمشروع القانون وقاموا بالاضراب حتى أجبر البيت الأبيض على إصدار تصريح أنه لم يعد يدعم مشرع القرار. اهتم آرون بالمؤسسات التي تنشر مقالات أكاديمية محكمة فجميع جامعات الولايات الأمريكية تدفع مبالغ ضخمة كرسوم تراخيص لتلك المؤسسات للوصول الى المجلات والأبحاث العلمية، تلك المجلات والأبحاث هي بالأساس ثورة كاملة من المعرفة الانسانية على الانترنت وتمول الكثير منها من أموال الضرائب أو عبر المنح الحكومية، ولكن في كثير من الأحيان لتستطيع قراءتها يجب عليك الدفع مرة أخرى هذه الرسوم كبيرة جداً لدرجة أن الطلاب والباحثين الغير منتمين للجامعات الأمريكية في الدول الأخرى لا يستطيعون الاطلاع على كل هذه الأبحاث العلمية، بعض هذه المقالات العلمية تعود إلى عصور التنوير كل ورقة بحثية تكتب يتم مسحها ضوئيا و ترقيمها ضمن هذه المجموعات و وجب عليك الدفع لتستطيع الاطلاع عليها بدلا من جعل حق الاطلاع على كل تلك الثروات العلمية مشاع مشترك يتم غلقها و وضعها على الانترنت بأيادي الشركات الربحية الرأسمالية التي تحاول أن تحصل من هذا التراث على أقصى قدر ممكن من الربح انه اقتصاد كامل مبني على عمل تطوعي فالباحث تموله الجامعة من الضرائب التي يدفعها الشعب بعد كل ما يقوم به من عمل جاد وبحث أصيل وتفكير عميق وتجارب علمية. في نهاية المطاف عليه أن يسلم حقوق نشر ورقته البحثية إلى تلك الشركات صاحبة المليارات، أحد الناشرين ربح في عام واحد 3 مليارات دولار.

سأل آرون أحد موظفي موقع جيستور –أحد تلك المؤسسات الربحية- كم سيكلف فتح موقع جستور إلى الأبد؟ فأجابه 2 مليار دولار، ما اعتبره آرون سرقة للثقافة العامة، ذهب آرون إلى إحدى الجامعات الممنوحة حق الدخول إلى موقع جيستور MITوبواسطة الأكواد البرمجية استطاع الحصول على تلك المقالات العلمية، وهنا كشرت الحكومة عن أنيابها، لاحقه رجال الشرطة قاموا بالاعتداء عليه وضربه وتفتيشه عاريا ووضعوه في الحبس الانفرادي، تولى قضيته مجموعة الخدمة السرية التي انشأها بوش بعد 11 سبتمبر، هذه المجموعة معينة بالجرائم ذات الأثر الاقتصادي، اعتبرت المجموعة أن آرون سارق مستحق للعقوبة على رغم من عدم وجود أي تهمة قانونية فهو لم ينشر المقالات بعد، في الوقت نفسه كان نوع من نشاط الاختراق يحدث. ضمت فرق المحتجين على القضايا السياسية والاجتماعية كـالأنونيموس الكثير من الهاكرز، نشرت ويكيليكس مجموعة من البرقيات الدبلوماسية التي أحرجت الحكومة الأمريكية. أرادت الحكومة أن تجعل من آرون عبرة للآخرين، وجه لسوارتز عقوبة سجن 35 عام، يعاقبها 3 سنوات مراقبة وغرامة مليون دولار، تنازلت شركة جيستور عن القضية، ولكن الحكومة تمسكت بها وصرحت بالسبب وهو أن تجعل القضية قضية ردع؛ فالعلاقة بين آرون والحكومة والشركات الربحية لم تكن جيدة قط.
أرادت الحكومة الأمريكية توجية رسالة لفئة من مواطنيها تعتبرهم تهديداً سياسياً مواجهين لسياستها الرأسمالية الجشعة. وقد عثر على آرون ميت في شقته قالت الشرطة أنه انتحر، تباينت أراء الناس في تصديق رواية الشرطة لكنهم اتفقوا أن الحكومة قتلته سواء قتل أم انتحر.

من أقواله

المعلومات قوة، وككل قوة، ثمة من يريد الاستئثار بها لنفسه. إن الميراث العلمي والثقافي للعالم أجمع الذي نُشر طوال القرون الماضية عبر الكتب والمجلات ترقمنه بضع شركات خاصة وتحجر عليه

ما أعظم شيء في العالم يمكن لي أن أعمل عليه الآن؟ وإذا لم تكن تعمل عليه، فلماذا؟

بقلم: جهاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى