نعم إننا نسعى بوضوح إلى إقامة نظام جديد على كوكب الأرض!
طُلب مني أن أصيغ بوضوح الفارق الرئيسي بين ما نقدمه وبين ما يقدمه ما يُسمى تيار الإسلام السياسي كمشروع ورؤية للتغيير بعيدًا عن الخلاف في آلية التحرك أو عن الخلاف الثوري والشخصي مع بعض أفراده، خاصة والذي يظهر هو نفس الشعارات أحيانًا، وفي ذلك أقول:-
إن الفارق الرئيسي بين ما نقدمه وبين ما يقدمه تيار “الإسلام السياسي” هو أن تيار “الإسلام السياسي” يسعى – كما يُعلن هو – إلى “”تطبيق”” الشريعة في هذا الواقع القائم، فهو يطرح مثلًا البنوك الإسلامية كحل إسلامي للاقتصاد داخل نفس المنظومة النقدية والاقتصادية القائمة عالميًا ومحليًا، فالدولار هو المرجع والعملات بلا غطاء من الذهب والرأسمالية هي المذهب الاقتصادي المعتمد دون تغيير، فقط هو يريد بنكًا لا يتعامل بالرّبا المُباشر لكن يظل قابعًا تحت حكم نفس المنظومة الاقتصادية والنقدية (الربوية أيضًا بالمناسبة)!
بينما نرى نحن أن الشريعة لا يمكن أن تتصالح مع هذا الواقع نفسه، وإن إقامة الشريعة كنظام سياسي يتطلب بوضوح تام هدم هذا الواقع وبناء واقع جديد ينبع من قيم هذه الشريعة الراقية وعلى أسسها لا على قيم وأسس منظومة الاحتلال الدولي التي نقبع تحت حكمها، إن تفرقة الشريعة وتجزئتها وأخذ بعض جوانبها دون بعض في محاولة لترقيع هذا الواقع الفاسد لن يخرج إلا مسخًا سياسيًا وشرعيًا بل وإنسانيًا!
وماذا أضاف النظام السياسي في “السعودية” المحسوب على أنظمة “تطبيق الشريعة” إلا صورة ممسوخة من الدين والعقل، فأي شريعة يمكن أن تتوافق مع منظومة احتلال إمبريالية كافرة غاشمة ترسي قواعدها العسكرية على أرضنا وتعيش على أقواتنا وتعبث بديننا وتدعم سائر أعدائنا وعلى رأسهم اليهود المغتصبين لأقصانا …. مقابل قطع أيدي بعض الناس وأرجلهم!!
وأي شريعة يمكن أن تُقام متوافقة مع قيم الرأسمالية الجائرة الناهبة ومع مواثيق الأمم المتحدة وقوانين سائر المنظمات الدولية “المستعمرة”…. مقابل جلد بعض الظهور!!
إن التيارات السياسية بشكل عام تطرح صورًا مختلفة من التكيف مع الواقع المريض، وليست هذه هي الأزمة الكبرى، الأزمة الكبرى هي أنهم يطرحون التكيف مع المرض على أنه علاج وشفاء، رغم أن التكيف مع المرض ليس دليل صحة، وتزداد الأزمة سوادًا حينما يُلبس هذا التكيّف مع المرض ثوب الدين والشرع، فيُطرح الإسلام على أنه فقط مصحح لبعض التفاصيل السلوكية لهذا الواقع الفاسد دون التطرق لأصل الواقع الذي يناقضه الإسلام ويهدمه، ودون التطرق إلى أن إقامة الإسلام لا تعني إلا مسح هذا الواقع الذي رسمه غيرنا والبدء في رسم واقع جديد ينبع بالأساس من قيم ديننا.
إذن ما نطرحه يختلف تمامًا عن أطروحات “السياسيين” كلهم أفرادًا وكيانات، وذلك لأن “السياسيين” يطرحون حلولًا داخل هذا الواقع، يطرحون صورًا للتغيير لكنها تظل كلها في نفس المنظومة، إن لم تكن المنظومة المحلية فالمنظومة الدولية القائمة، بينما نحن تكمن مشكلتنا بالأساس مع هذه المنظومة القائمة محليًا ودوليًا، تكمن مع الواقع نفسه لا مع بعض تفاصيله، نحن نطرح استقلالًا تامًا عن هذه المنظومة وانقطاعًا تامًا عن قيمها والبدء في بناء منظومتنا نحن، والتي لا تجعلنا عبيدًا عند أحد، ولا تجعل ثرواتنا منهبًا للخارج، ولا تجعل قيم ديننا شيئا هامشيًا لصالح قيم أخرى مستوردة، ولا تجعل مصالح الشعوب آخر ما تفكر به الأنظمة!
نحنُ بصدد هدم قيم تربى الناس على تقديسها ورسم غيرها، ولذلك ما نقوله لا يشبه بأي حال من الأحوال ما عاشه الناس ولا ما اعتادوا على سماعه ومستعدون لتحمل عقبات ذلك فجميع الأفكار التي تعلن القطيعة مع ما اعتاده الناس وألفوه تبدأ دورتها التاريخية بالرفض والسخرية والتشغيب عليها، ولكنها تنتهي للسيادة الكاملة في ظل سؤال عام حينها: لماذا لم نفكر في هذه الأفكار منذ زمن بعيد؟!
نعم إننا نسعى بوضوح إلى إقامة نظام جديد على كوكب الأرض – جديد الآن – ولا نرى في ذلك غرابة ولا نستحي من إعلان ذلك، وإذا أردت أن أصيغ مشروعنا في جملة واحدة فسأقول: (الاستقلال عن منظومة الاحتلال الدولي والانقطاع التام عن قيمها ثم بناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي جديد ينبع بالأساس من قيم ديننا).
ومن هنا.. تفهم الرابط بين طرحنا للتحرر وطرحنا للشريعة، وتفهم أيضًا أن التغيير الثوري هو عملية وليس حدثًا (process not event) وأن المشوار يبدأ من تغيير التصورات ومقاومة الفساد على كل المستويات (الوعي والمقاومة) وينتهي بالسلطة لا العكس!
بهذا .. أردت فقط الجواب على السؤال العميق الذي تم طرحه علي دون أن أتخطاه لغيره.