كيف تستعد لرمضان: رحلة في كتاب 90 يوم ثورة
ها هو رمضان يطرق الأبواب ليُعلنها ريح عاصفة، ثورة عارمة. فما آن لك أن تسبح مع التيار، وتلحق بركب الثوار؟! هل تدرك معنى أنك تظل تطوف حول ذاتك ولذاتك، تسكن الظلمة وتغرق بالأوزار في الأوزار، وتعصف بك همومك الدنيوية حتى ينالك غبار الثورة، فتصير فجأة منبع النور وصانع النهار، ويقذف في قلبك حب الخير والعمل والبذل شوقًا إلى الجنة، فزعًا من النار؟!
لا بأس، إذا كنت طوال أعوامك السابقة عاجزًا عن تغيير نفسك، فقد واتتك الفرصة اليوم، ونزلت بك هذه الثورة؛ لتمنحك الأمل! فقد يأخذنا هذا الكتاب في رحلة ال90 يومًا، حاملين شعار «استعد، انطلق، استمر».
استعد، انطلق، استمر!
هذه هي تمامًا خارطة طريق الثورة ووصفة التغيير الثلاثية التي قام عليها هذا الكتاب، والتي تستمر معنا لثلاثة أشهر؛ ففي شعبان، نقوم بالاستعداد الروحى وتهيئة النفس وتزكيتها، ونقوم شيئًا فشيئًا بالانتقال من حالة الفوضى والركود، إلى حالة التغيير والإصلاح والثورة، من خلال الاستعداد وشحذ الهمم.
وفي رمضان، حيث التغيير الجذري المراد والمُضي قُدمًا في ثورتك، فتستنشق عبير الثوار، وتتسلّم زمام القيادة، فتكون أنت قائد انقلابك.. ومهندس تغييرك.. ورائد إحيائك!
وهل يقبل عاقل أن يُقبل على أبواب الخير حين تزدحم ويزهد فيها حين تكون خاوية!
ويبقى شوال، بعد نجاح ثورتك الرمضانية المباركة، يتبقى لك مهمة الاستمرار وتعويد النفس على هذا الإصلاح والتغيير!
استعد في شعبان
يتحدث الكاتب في هذا الجزء عن الاستعداد لمواسم الخيرات بشكل جديد يهدف إلى إصلاح النفس، وتزكيتها، والثورة على ملذّاتها وهممها.
ويقدم لنا في بداية الفصل فوائد ذلك الاستعداد، ويذكر منها:
- التعود خيرًا؛ فمن شعبان الانطلاقة، فيتعود الإنسان فعل الخيرات وهجر المنكرات، فتتكون بذرة الانقلاب المنشود، والتغير المحمود.
- السبق للخيرات؛ من نهض قبل غيره سبق إلى نيل الأرباح، وقد يسبق العبد غيره في الآخرةِ بفارق عمل يوم واحد، بل عمل ساعة، بل عمل لحظة.
- رفع أفضل الأعمال؛ ففي هذا الشهر المبارك تُرفع الأعمال، فهو كشف حساب ختامي، ونهاية سباق أخروي، فليكن الختام مسكًا والنهاية أروع.
- الانسحاب من حزب الغافلين؛ لتكن من أوائل من يخرق هذه الغفلة، ويسبح عكس التيار؛ فالقوم كلهم نيام وأنت وحدك منتبه، بل وتنبه من نام حولك أو كسل.
ويأبى كاتبنا المُبجّل أن يتركنا إلا ولدينا خطوات عملية لذلك الاستعداد:
-
الفرائض أساس والنوافل حراس
ينبهنا هنا الكاتب على الفرائض؛ فهي الأساس الذي تبني عليه استعدادك لرمضان، وفرض عين عليك أن تضعه في رأس أولوياتك في شعبان.
-
صيام شعبان
فلا يدخل صوم رمضان بمشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن عليه، ووجد به حلاوة الصيام ولذته؛ فيدخل في رمضان بحماسة وشوق لاستكمال ما بدأ.
-
قراءة القرآن
ليكن من نواياك لقراءة القرآن هذا العام أن تصلح نفسك وغيرك، لأن نور الوحي إذا بزغ من القلب عمّ الجوارح.
وقد قال أحد السلف قديمًا:
لو صلح أهل القرآن، لصلح الناس!
-
سلامة الصدر
وهل من نعيم أجمل من سلامة الصدر؟! تقضي يومك وليلتك وأنت في راحة بال، بينما غيرك تغلي قلوبهم حنقًا على غيرهم. فاحرص على دخولك رمضان وقد فرّغت قلبك للانشغال بالخالق دون الخلق.
انطلق في رمضان
وفي هذا الجزء ينبهنا الكاتب إلى حقيقة يغفل عنها الكثيرون منّا، وهي أن رمضان فرصة ذهبية لانطلاق ثورتك، وإحداث التغيير المنشود، وقد سرد لنا أسباب ذلك؛
طول فترة التغيير
يُعَد رمضان لون من ألوان التربية الربانية المباركة؛ ففيه يلتزم الصائم ثلاثين يومًا بالانقطاع عن الطعام والشراب والشهوة طواعيةً وبإرادته، وهي مدة طويلة كافية لإحداث التغيير المنشود -إذا صدقت النوايا-.
السباحة في اتجاه التيار
فأنت في شهر الصوم، تصوم مع الجموع الغفيرة، تذهب إلى صلاة التراويح وسط أمواج المؤمنين الهادرة، تشهد ختمات القرآن وسط ألوف من الطامعين في المغفرة. لذا، لا تستوحش الطريق من قلة السالكين، بل تتشجّع ويقوى قلبك، وتتحمس لفعل الخير، وإن كنت في الأصل كسولًا فاترًا.
شمولية التغيير
فيأتي رمضان كثورة عارمة؛ يتجاوز تغييرها القشرة إلى الثمرة، والمظهر إلى الجوهر. تغيير لا يشمل العبادات وحسب، بل يطول أيضًا العادات، والقلبيات، والعلاقات، وكذلك القناعات! فيتضح لنا أنه إذا أردنا تغيير الواقع المرير، فلا بد من عمل كبير وصبر طويل.
وكعادة كاتبنا، يأبى أن يتركنا دون خطوات عملية ترشدنا لطريق الثورة، فيسرد إلينا في تلك الجزئية وصايا التغيير الإثنا عشر، وهي:
-
حتى يغيروا ما بأنفسهم
تغيير أي شيء ولو كان الكون بأسره ينبع من داخل نفسك لا من خارجها. ما رأيك أن تجعل من نواياك هذه العام أنك بتغيير نفسك اليوم تُغيّر الأمة من حولك، فتكون إيجابيًا تحمل هموم أمتك لا أنانيًا تفكر في نفسك وحسب؟.
-
لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر
فعجلة التغيير دائرة شئت أم أبيت، إما أن تقود عملية التغيير بنفسك لتصعد إلى أعلى، وإلا سيمسك الشيطان بزمام الأمر، ويهوي بك نحو الأسفل.
-
خطّط جيدًا
لا يمكنك أن تعوّل على حدوث التغيير والتقدم من تلقاء ذاته، فلن يهبط عليك الإصلاح من السماء دون تخطيط مسبق! بل خطّط له، وسائل نفسك في جد: ماذا سأغير أثناء رمضان هذا العام؟ أي عادة؟! أي عبادة؟! أي قناعة؟! أي علاقة؟! هكذا تحديدًا دون تمييع أو تسويف.
-
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
الجهاد هو بذل غاية الجهد، وهو وحده شرط بلوغ الهداية. وفي الآية بشارة أن كل خطوة منك يرُدها الله عليك بآثار عظيمات من الهداية وتغير القلب نحو الأسمى والأطهر، إنه وعد الله الذي لا يتخلف.
-
ويلٌ لمن أدرك رمضان ولم يغفر له
إنه الزمان المضاعف، ولعل ساعة في رمضان تعدل في بركتها شهرًا فيما سواه… ولم لا؟! أليست ليلة القدر فيه وهي خيرٌ من ألف شهر؟ أليس هو شهرٌ يُعتق فيه من النار ما لا يُعتق في غيره؟ أليس رمضان كفارة إلى رمضان الذي يليه؟
-
أول رمضان في حياتك
صُم رمضان هذا العام وكأنك تصومه لأول مرة، وصلِّ وكأنك تقف بين يدي الله لأول مرة، وتتلو القرآن غضًا طريًا كما أُنزل؛ فتفتح بذلك صفحةً جديدةً مع الله، وكأنك لم تولد إلا الآن، ولم يصلك التكليف الإلهي إلا الآن.
-
آخر رمضان
الشباب يلاحقه الهرم، والصحة يعقبها السقم، والقوة آيلة للسقوط تحت وطأة الضعف. فبادر وأدرك نفسك واستشعر أنك لن تدرك رمضان المقبل؛ فتصوم صيام مودع، وتقوم قيام مودع، وتعمل عمل من يسافر إلى محطة القبر عند ختام الشهر!
-
ابدأ بالأسهل
البداية السهلة دائمًا ما تُغري بالمزيد وتبُث الثقة في النفوس، فاعرف نفسك وميولك، وابدأ بما سهل عليك، لتقوى بعدها على بلوغ ما صعب وظننته مستحيلًا.
-
ابدأ بالأهم
حين تضع خطتك وتنوي التغيير بحق، فابدأ بالأهم ثم المهم؛ والأهم هنا هو فرائض الله، والفرائض قسمان؛ أوامر أمرنا الله بها، أو نواهي نهانا الله بها. ففتش عما فرّطت فيه، وابدأ به.
-
لا بالقمة ولا بالقاع
يقول عبد الله بن عمرو:
إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغّضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
ابدأ حيث أنت لا حيث الآخرين، فكثيرًا من حالات الفشل في التغيير تنبع من هذه الجزئية، فلا بد أن يحترم الإنسان طبيعته البشرية بالتدرج في التغيير.
-
شحن الوقت
إن الفراغ إن لم يشغله شيء يؤدي حتمًا إلى ترهل الأداء، وتسلل الكسل، وغزو الشيطان، وإصابة الإيمان في مقتل.
-
تنفس الهواء النقي
وينصحك الكاتب هنا أنه إذا كانت البيئة من حولك تدفعك لما يضرك أو تصدك عما ينفعك، فسارع في الإفلات من هذه البيئة والتخلص منها.
وفي نهاية هذا الجزء، يقدم لنا الدكتور خالد أبو شادي مفاتيح التغيير وأبوابه، فقد بدأ ببرنامج يومي يدوم معنا طوال شهر رمضان؛ وهو يمدنا بطاقة روحية تجدد النية بداخلنا في كل يوم رمضاني، ويركز ذلك البرنامج على: (العبادات، القلبيات، العادات، الطاعات، العلاقات، النفسيات).
استمر بعد رمضان
في هذا الجزء -الأخير- من الكتاب يحفزنا فيه الكاتب على الاستمرار بعد رمضان، ويكرر علينا نصيحته الدائمة وهي: الزم الصالحين، احذر الغافلين، وفرّ من العصاة. وبالطبع، لا ينسى الكاتب -كعادته- أن يضع لنا خطوات عملية للاستمرار!
حوافز الاستمرار
- اطرق الحديد وهو ساخن؛ أعظم المنافسة وأنفعها أن ينافس الإنسان نفسه، نفسه التي عرفها في رمضان، فتتنافس أيامه مع بعضها، وتتبارى ساعاته كل ساعة مع أختها.
- فهم رسالة رمضان
لا تعامل ربك معاملة التجار، فتنشط في مواسم الأرباح وحسب!
كثير من الناس يتعامل مع رمضان خارج إطار الزمن؛ فلا يصلونه بإخوانه من شهور العام، فينظرون إليه باعتباره فرصة لاكتناز الثواب والحسنات وحسب.
- موسم اكتشاف المرض؛ أخي القادم عبر رمضان، الآن، عرفت عيبك، علمت من أين أتيت، ومن أي باب هجم عليك العدو، فهلّا أعدت تحصين دفاعاتك!
- أجدى في الشفاء؛ وينصحنا الكاتب هنا أن نُنشّط صيامنا من خلال صيام الست من شوال، فهو بمثابة جرعة تنشيطية لازمة تطيل أثره، وتجعله أقوى مفعولًا في تطهير القلب وإحداث التقوى.
- قبول رمضان متوقف على ما بعده؛ من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بغيرها، وعلامة ردّها أن يُتبعها بمعصية.
- إغاظة الشيطان؛ وهنا يوجه الكاتب رسالة:
أيها المتراجعون الهاربون.. يا من لا يثبتون على العهد وينكثون.. غفر الله لكم.. أدخلتم السرور على قلب عدوكم، وملأتم بالحسرة قلب نبيكم.. هنيئًا لكم.. الصفقة خاسرة!
وفي النهاية، يذكرنا الكاتب أن الدعاء هو أقوى سلاح لدينا للاستمرار والتغيير.