كيف أصبحنا أسواقًا رابحة ينهبها الاستعمار الغربي؟
من المعايير الأساسية لقياس قوة دولة ما النظر إلى قوتها الاقتصادية، فالقوة الاقتصادية يترتب عليها القوة العسكرية؛ ومن ثم السياسية؛ وعليه قوة الدولة في جميع أركانها. في قرننا هذا المتحكم في السوق العالمي هو الاستعمار الغربي بسلطانه الاقتصادي العظيم، والمتأمل في جغرافية الدول القوية اقتصاديًا يجدها دول تفتقر إلى المادة الخام في المجمل العام. والمادة الخام أحد عوامل مقومات الصناعة صغيرة كانت أو كبيرة استهلاكية هي أو منتجة.
يقال بأن الخريطة السياسية للدولة أو للقارة تُبنى على الخريطة الطبيعية، فالخريطة الطبيعية بمثابة الأساس الذي سيُبنى عليه صرح الدولة، والخريطة الطبيعية لمعظم الدول المتقدمة اقتصاديًا تنم عن دول فقيرة في الموارد لعدم ملائمة الطقس أو قلة التعرجات والأرخبيلات اللهم إلا أوروبا التي تتمتع بقوة بحرية هائلة.
من أين أتى الغرب بالمادة الخام رغم فقره؟
بدأت الحركات الاستعمارية قديما مع بداية الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر، حيث كان قاصرًا في أول الأمر على سواحل قارة أفريقيا الغربية في نقاط متباعدة ومبعثرة، بهدف خدمة السفن المتجهة من أوروبا، لتدور مع سواحلها الغربية وتتجه شرقا نحو قارة آسيا في الجنوب والشرق.
ولم يكن هناك مجال للتوسع داخل قارة أفريقيا إلا بقدر ما تحتاجه التجارة الأوروبية، والحصول على بعض المواد الأولية من النطاق الساحلي، مثل: التوابل والعاج والذهب وإنشاء مراكز لتجارة الرقيق. وفي أواخر القرن الخامس عشر كانت أول مرة للدوران حول قارة أفريقيا من جهة الجنوب؛ وهذا ما دفع القوى الأوروبية بعد ذلك لتنشيط تجارتها من خلال هذا المسار الجديد، وإنشاء المراكز الخادمة للسفن التجارية في الساحل الغربي لقارة أفريقيا.
بعد ذلك سكنت الحركات الاستعمارية لمدة أربعة قرون، بسبب اكتشاف قارات العالم الجديد “الأمريكتين”؛ مما وجه أنظار القوى الاستعمارية الأوروبية إلى ثروات جديدة وموارد أخرى، وبقيت الأمور كما هي عليه في الساحل الجنوبي والغربي لقارة أفريقيا من إبقاء مراكز خدمة السفن وقليل من التجارة.
ما الدافع وراء استغلال العالم الجديد
- ملائمة مناخ الأمريكتين لسكان أوروبا
- التكدس السكاني في قارة أوروبا الذي خفّ بهجرة السكان إلى الأمريكتين
- فقر الموارد في القارة الأوروبية
- إيجاد موارد جديدة لم تستغل بعد مع ضمان موارد القارة الأفريقية حيث أن أفريقيا تعتبر قارة مفعول فيها وليست فاعلة.
وبعدما فرغت أوروبا من ضخ مواردها البشرية إلى العالم الجديد، واستغلال موارده الخام، اتجهت للثروات الكامنة غير المستعملة في إفريقيا مرة أخرى. وكانت في هذا الوقت في بداية ثورتها الصناعية وبحاجة لموارد أكثر، فعادت الحركات الاستعمارية تتغلغل إلى أعماق أفريقيا، ودارت حول القارة بشكل كامل، وتم استعمار القارة بشكل كلي من الشمال للجنوب ومن الغرب للشرق.
الاستعمار الأوروبي
1-الاستعمار الاستيطاني
فالاستعمار الاستيطاني يعني تملك الأرض، وهو أقل عمرًا وذلك لأن: النفوس البشرية السوية تأبى الذل، وتجابه المحتل، وتسعى على تحرير الأرض، ولو ذهبت الروح في سبيل ذلك.
2-الاستعمار الاستغلالي
أما الاستعمار الاستغلالي فهو الأطول عمرًا، والأبقى أثرًا: لأنه يعنى الهيمنة بلا احتلال للأرض، واستنزاف ثروات الأرض مع إبقائها كتراب في يد صاحبها، وهذا النوع هو ما انتهجته القوى الأوروبية إلى يومنا هذا، وهو ما اتفق عليه الأوربيون مع النوع الأول في مؤتمر برلين عام 1884، ونالت القوى الأقوى الأقاليم والمناطق التي تتميز بموقع استراتيجي، مواد خام وخبرة وسوق استهلاكية لمنتجات المصانع الأوروبية.
وكان هدف الاستعمار الاستغلالي الحصول على المواد الخام الزراعية والمعدنية وهي رخيصة في أثمانها ثمينة في قيمتها وكذلك ضمان سوقًا رائجًا للتصريف بالرغم من ضعف قدرتها الشرائية إلا أنه يعوض ذلك ضخامة حجمها. وكنتائج مترتبة على كون أفريقيا سوق مفتوح للأيدي المستغلة الأوروبية.
حقائق حول الاقتصاد الإفريقي
1-تعد قارة إفريقيا الأقل نموًا في مجال التنمية البشرية: فنصف دولها ذات تنمية بشرية منخفضة، والنصف الآخر ذات تنمية بشرية متوسطة، كما أن مستوى الدخل للفرد منخفض جدا إذا ما قيس بالمتوسط العالمي.
2-يدخل معظم الاقتصاد الأفريقي ضمن الأنشطة الأولية، وقليل من الصناعة في دول محدودة: كجنوب أفريقيا ومصر والجزائر، بل إن معظم الموارد الأولية تصدر كمادة خام دون تصنيع، وتعود إلى السوق الإفريقية بأضعاف أسعارها الأولية “سوق مفتوح للسوق العالمي“
3-العولمة الاقتصادية سيف مسلط على الأفارقة، فلا يوجد بحوزتهم ما ينافسون به السوق العالمية، كما أن اتفاقيات الجات تفرض عليهم فتح أسواقهم للمنتج الأجنبي؛ مما يؤدي إلى المزيد من التهميش والفقر
دولة أفريقية أغنى ما تكون بمواردها أفقر ما تكون اقتصاديًا
ونختم بمثال على ما سبق ذكره بدولة أفريقية أغنى ما تكون بمواردها أفقر ما تكون اقتصاديًا وهي دولة سيراليون وعاصمتها فيراتون. تقع سيراليون على الساحل الغربي للقارة الأفريقية، وتتمتع بمناظر طبيعية خلابة من شواطئ وشلالات، وبها كمية كبيرة من الماس والذهب الخام، لدرجة أن الناس يجدون الذهب والماس في حديقة المنزل بشكل متكرر، هذا غير المعادن الأخرى من فوسفات وحديد ومنجنيز، إلا أنه يتم الاستيلاء على جميع هذه الثروات ومن ثم تصديرها للقارة مرة أخرى بأضعاف مضاعفة!!
قالت الكاتبة: [من المعايير الأساسية لقياس قوة دولة ما النظر إلى قوتها الاقتصادية، فالقوة الاقتصادية يترتب عليها القوة العسكرية؛ ومن ثم السياسية؛ وعليه قوة الدولة في جميع أركانها.](ا.هـ). هذا كلام غير صحيح، بل قياس قوة الدولة بالنظر للعقيدة والمبدأ الذي تحمله، ومدى صحة وقوة المبدأ ومدى التزامها به، فقوة المبدأ والالتزام به يترتب عليه القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية! وخذي مثلا دول الخليج رغم غناها المادي (الاقتصادي) فلا تعدوا كونها دويلات وظيفية عميلة للغرب لأنها لا تحمل أي مبدأ، ونفس الشيء ينطبق على تركيا! بل حتى اليابان وألمانيا، من أقوى الدول اقتصاديا في العالم، ليس لهما أي ثقل سياسي وعسكري دولي ولا زالتا يرضخان تحت الوصاية والتبعية الأمريكية!