لماذا يفشل الكثير من المبدعين والأذكياء دراسيًا – الجزء الأول
إديسون لم يكن غبيا ولكنه فشل في الدراسة. وفي هذا المقال جهد متواضع لاكتشاف تلك المعضلة التي يعاني منها الكثير من المبدعين.
سؤال يستحق التفكير
إنسان ذكي في مجالات الحياة والعمل لديه آراء في غاية الدهاء ومواقف وإنجازات ومواهب ربما متعددة. تسأله متوقعا له مستقبلا زاهرا: ما تحصيلك الدراسي؟
قد يقول لك: لا تحصيل أساسًا.
وقد تسأل نفسك. كأن الحياة والدراسة أمران مختلفان. وبلا شك أن الحياة غالبا ما تمنحك مساحة أكبر للتعلم والفهم فتجارب الحياة ملحقة بزخم من المشاعر الحرة والمشاركة الأحداث والأماكن والأزمان. بينما الدراسة جافة مختصرة ورموز وأرقام ومصطلحات تحمل خلفها مفاهيمًا واسعة جدا فبذلك قد تكون قابلة للنسيان. وقد تكون الدراسة هي حياة ولكنها حياة كثيرة وتجارب متراكمة وضعت لنا كنتاج مختصر لخبرات أعمار طوال وتجارب أمم لتختصر علينا الزمن في كتاب يعلمنا لنبدأ حيث انتهى إليه المجربون والعلماء والعباقرة من مسيرة حياة فخلف كل إنجاز أو اكتشاف قصة طويلة تختصرها الدراسة.
وقد يتساءل بعض المبدعين والأذكياء عن جذور وقصة وولادة كل معلومة لكي يسهل عليه استيعاب ما يتعلمه وحفظه فهو لا يتقبل المعلومة بشكل مباشر دون أسئلة مشككة وقد يكون هذا الأسلوب القصصي والجذري له منافع أخرى بالنسبة لهم لان هذا الأسلوب يأخذ مساحة أكبر في الذاكرة فلا يضيع كما تضيع الإبرة في كومة قش. والبعض كان يختلق قصصا خيالية مدهشة مع المعلومة لكي تأخذ في ذاكرته ذلك الحيز.
شخصيات ذكية يتحول ذكاءها ضدها:
هكذا مثلًا يتحول ذكاءنا ضدنا أحيانا. فشخصياتنا الذكية التي نرتديها لها عظيم الأثر في ذلك إذا ما وضعت نفسها في غير محلها وتريد التطويع. فنكون عندئذٍ كأفلاطون في مدرسة المشاغبين. ومن هذه الشخصيات الذكية التي ينقلب ذكاءها ضدها:
-
الفيلسوف
المبدعين بطبيعتهم يحاولون اكتشاف جذور تلك المعرفة وذلك يكلف الوقت رغم أن ذلك ينفع جدا في اكتشاف الحقيقة والأسرار وإعادة تأهيل المعلومة. إلا أن هذا قد يؤثر على حساب تقدمنا دراسيا أو على حساب استيعابنا لما هو خارج قناعاتنا. خاصة أن الدراسة لا تهتم كثيرًا بإقناعك بل بطاعتك.
أصحاب التفكير الجذري يريدون جعل تلك المعلومات وهذا الأسلوب قصصي طويل ويحتاج زمن طويل. وقد تمر بنا مواد أخرى نجدها لا تستحق العناء فنميل إلى نقدها لأنها لم تصل إلى الكمال.
-
الأفلاطوني الكمالي
ويميل صاحب الفكر الكمالي إلى النقد في التعامل مع الحياة فيميل إلى إعادة صياغة كل شيء بكل ما هو أسهل أو أجمل أو أكثر اختصارا.
وقد لفت انتباهي قول الأستاذ أنس خلف الدعر في أحد منشوراته (إن المبدع كسول يفكر باختصار كل شيء). وهذه الجملة تعطينا مفتاحين في كلمة كسول وكلمة يختصر. رغم أن هذا لا يشمل كل المبدعين ولكن يخص من نريد من المبدعين لعلاجهم من الكسل والكمال لكن هل هذا الكسل يتحول أحيانا إلى منفعة؟
وهذا يفسر قول المعمارية المبدعة زها حديد (أن الابتكارات تجعل الحياة أسهل). إذن المبدع يتعب نفسه ليجعل الحياة أسهل بالنسبة لنا أو أنه يتاجر في سوق المحبين للراحة.
على العموم فالمبدعين أصحاب التفكير المختلف يفكرون بطريقة مختلفة تميل إلى الأفضل أو الكمال أو الجمال في الوقت الذي يوجد هناك الكثير من أمور الحياة تحتاج منا إلى أن نكون فيها تقليديين جدا جدا.
الدراسة:
أمثال تلك الأمور وأبرزها هي الدراسة وهو الأمر الذي لا تمنحك أحقية التغيير فيها مع ضرورة فهم المواد وترسيخها في الذاكرة. وهذه الاعتراضات الفكرية لدى الطالب حول المواد وان كانت سليمة ستصبح مشكلة أن كانت متلازمة معه.
-
الحالم الرومانسي
الروح المزاجية تريد مواقف معينة وطريقة ما لكي تبدع أو تدرس وأشياء أخرى ربما لا يمكن توفرها لا شكلا ولا مضمونا. ولمواجهة ذلك يحتاج الطالب إلى:
-تحرير عقله المبدع من قيود المزاجية والطموحات المستحيلة والتعامل مع الحال والدقيقة والثانية والممكن وكأنه في مهمة النجاة في صحراء قاحلة بعث إليها أو تورط بها. ويمكننا أن نطلع على بعض التقارير حول النجاة من الصحراء كيف يستثمرون أي فرصة تصل إلى إعادة تقطير بولهم لكي يصنعوا منه ماء بقطعة كيس نايلون وحرارة الشمس.
-بناء شخصية دراسية تفصل بين مزاجه وبين الدراسة والتعامل مع الدراسة كعمل يجب أداءه بعيدا عن المشاعر واستخدام العقل بمفرده دون العاطفة وهو بناء شخصية مجندة تلبي الأوامر بعيدة كل البعد عن الطبيعة المتمردة للمبدع إلى حد ما.
-بناء الإرادة وبناء القناعات التي تتحكم بالعاطفة في تحبيب النفس في مهماتك الصعبة بالتحدي أو بالمشاركة أو بالاكتشاف بتمرين العقل أو بتقليد الأذكياء دراسيًا فالأذكياء دراسيًا لديهم استراتيجية داخلية تساعدهم على الإبداع في الدراسة.
-ربما تكون مناهجنا دون المستوى ولنقر أنها عقبة وعلينا تجاوزها للوصول إلى أهدافنا.
-الدراسة تحتاج إلى تكرار المعلومات والتكرار ممل لذلك لابد من أساليب إمتاع.
-الدراسة فيها الكثير من المهام الصغيرة التي تنهك بعض المبدعين أصحاب الأفكار والطموحات الكبيرة ولابد أن يفهم المبدع انه لا بد من تخصيص مكان في عقله للاهتمام بالمهام الصغيرة. كما أن إهمال التفاصيل الصغيرة تصنع خللًا معرفيا كبيرا في الدراسة وكذلك خلط الطموحات الكبيرة بالإنجازات أمر في غاية الخطأ. فالصروح العظيمة بنيت من التفاصيل الصغيرة اجتمعت في هيكل واحد.
-
السندباد
صاحب شخصية السندباد يعيش في الخيال ويتحكم فيه خياله. كثير الشرود، المسافر في مخيلته إلى مخيلته بعيدا بعيدا. وما أن يمسك الكتاب المدرسي مثلا حتى يغيب عن الدنيا وعن الكتاب. وهو يعيش عصفا ذهنيا طويلا في بحر متاهاته النفسية حتى لا يكاد يرسو بسفينته ولو قليلا إلى أي ميناء. وقد يكون هذا الترحال البعيد في النفس والعقل ناتج عن نبوغ وعبقرية لم تتضح بعد تعيشان عسر ولادة. أحيانا يكون ذلك التشتت الذهني ناتج عن صراع نفسي، وكفى بالمشاكل النفسية أن تكون عقبة حقيقية تشغل الأذكياء وعامة الناس بأفكار وذكريات جانبية تسحب كل طاقتهم وتعيق تقدمهم في أي مسار.
لا بد للسندباد أن يأخذ استراحة ويصلح بوصلته ويرقع ما تضرر من سفينته لكيلا يبتلعها قاع البحر.
وان كيفية ذلك تكمن في:
1- حل المشاكل الصغيرة والسهلة العالقة في الذهن أولا، وستجد أنك تخفف من أثقالك فعلا لان القشة التي قسمت ظهر البعير كانت هي الأخيرة ولم تكن الوحيدة بل كانت من بين كومة قش هائلة جدا خلفت وزنا كان قاصما لظهر الجمل مع تلك القشة. تجمعت كمشاكل صغيرة لا أهمية لها لكنها بلغت عظمتها شيئا فشيئا. وهذه المشاكل الصغيرة أشد فتكا من المشكلة الكبيرة التي يعلم شكلها ويحدد حلها. لذا:
- اصنع جدولا لتلك المشاكل
- ابدأ بأيسرها.
- جرب نفسك في حلها.
- كن شجاعا في فعل ذلك.
- استشر غيرك فيها
2- تعامل مع المشاكل عسيرة الحل بالمسكنات وحارب أصغرها وكأنك تتدرب وتحشد القوى لأجل نزالها في وقت لاحق.
3- بعض المشاكل تحتاج إلى عاطفة وصلح مع الذات وغفران ذنوبها بعد توبتها من ذلك الذنب فلا داعي بعد ذلك إلى تقريع الذات كما لو كنا نريد للزمن أن يعود بنا لكي نصحح المسار.
4- لنتقبل بعض المشاكل على أنها مزمنة ويجب التعامل معها بما يخفف أضرارها فمواجهتها شبيهة بمناطحة وعل لجبل لكن الوعل بمقدوره صعود ذلك الجبل وكذلك أنت.
-
الأرنب الكسول:
وكما في القصة المشهورة، الأرنب سريع جدًا ولكن كسله كان حليفا لفوز السلحفاة البطيئة جدًا في سباقها معه. فقدراتنا لا تعني شيئًا دون استثمارها بطريقة صحيحة.
قد تكون تلك الروح الكسولة التي تتلبسنا نابعة من مزاجينا وقد يكون لها أسباب فكرية غريبة. فشعور التميز الفكري الذي يتمتع به المبدع في مجال ما لا يشمل بالضرورة كل المجالات. فقد ترتفع نفسه عاليا عن المحيط لكنه قد يتفاجأ أحيانًا أن الأمور التي يتقنها الناس قد تكون صعبة عليه وتحتاج إلى مجهود وهذا ما يجعله يتجاهلها لأنه لا يريد أن يقف في صف واحد مع عامة الناس فيتظاهر بالذكاء بتجاهلها فيخسر.
لابد للمبدع أن يعي أن الذكاءات متنوعة وانه أقل من غيره ببعض الأمور. لا بتقليد غيرنا لكي نتعلم. وكون أننا نريد أن نتميز فالاختلاف لمجرد الاختلاف لا يأتي بالذكاء والإبداع وإن أتى بلفت الانتباه.
لم تنتهي هذه السلسلة بعد، تابعوا القادم ففيه حلول أكثر.
جميييييييلة المقالة ☝??