لماذا اغتال الصهاينة باسل الأعرج؟

الشهيد المثقف، والصيدلاني الباحث، والمؤرخ والإنسان، لن نختلف في ذلك، فكل التسميات السابقة تليق بالشهيد-نحسبه كذلك-الفلسطيني الشاب باسل الأعرج، الذي قضى نحبه، في مدينة البيرة، قرب رام الله في الضفة الغربية، بعد ساعتين من الاشتباك المسلح مع جنود الاحتلال، في معركة غير متكافئة انتهت بنفاذ الرصاصة الأخيرة من بندقية باسل، واقتحام الجنود الصهاينة لمنزله، وتصفيته فورًا، ليرحل إلى المكان الذي يليق بإنسان بذل حياته للدفاع عن دينه ووطنه، قليلون من هم على شاكلته في زمن التطبيع، والتنسيق الأمني.

ساعتان من الزمن، من أجمل اللحظات في عمر الشاب الثلاثيني، لقد نال شرف مواجهة كيان غاصب، محتل، ولم يكن الجنود الذين واجههم يمثلون أفرادًا، إنما دولًا في صورة أفراد، خاض باسل المعركة متسلحًا بقوة الإيمان، ويقينه بعدالة قضيته، وبحقه في أرضه التي لا تقبل حل الدولتين المزعوم، ولا يمكن المساومة عليها بأي ثمن.

قد يتبادر إلى ذهن البعض السؤال التالي: لماذا لم يعتقل الجنود الصهاينة الشهيد باسل الأعرج، بعد نفاد ذخيرته، ويحاكموه مثلًا؟ والجواب الذي ربما يتبادر إلى ذهن البعض هو أن العملية التي حدثت فجرًا تشير لوجود أوامر بتصفيته لا اعتقاله، ومعهم حق في ذلك، لكن السؤال الأهم لماذا قرروا اغتياله؟

إسرائيل لا تريد مواطنًا فلسطينيًا يولد في أرض تحتلها، ولا يتعاون معها، فضلًا عن قيامه بمقاومتها، والتحريض عليها، من خلال حشد الشارع الفلسطيني ضد الجرائم الصهيونية بحق الأرض، والإنسان.

إسرائيل تريد مواطنًا فلسطينيًا يحمل هويتها المزوّرة، لا مواطنًا يزور المناطق المحتلة ليوثق تاريخها، ونضالها، تريد مواطنًا ينسّق معها، ويتعاون معها لاحتلال أرضه، لا مواطنًا يفكر في مواجهتها، أو استهداف جنودها، والمستوطنين الذين لاحق لهم في شبر واحد من أرض فلسطين، تريد مواطنًا خاضعًا لا رافعًا رأسه، لهذا كان باسل، ولهذا كان السؤال: لماذا باسل؟

في مارس2016 أعتقلت السلطة الفلسطينية باسل الأعرج،  وخمسة من رفاقه، بتهمة التخطيط لعملية عسكرية ضد جنود الاحتلال، وأفرجت عنهم بعد اعتقال دام خمسة أشهر، تحت ضغط الإضراب عن الطعام، الذي نفذه الأعرج، ورفاقه، وعقب خروجهم من سجون السلطة، تعرضوا للملاحقة من قبول جنود الاحتلال، حيث اعتقل بعضهم، بينما استطاع باسل التواري عن الأنظار، ولعل هدف الصهاينة من مطاردته كان اعتقاله، نظرًا لنشاطه البارز في الحراك الشعبي، والمظاهرات الرافضة للاستيطان، والداعمة لمقاطعة المحتل.

الشهيد المثقف باسل الأعرج خاض معارك مع الاحتلال، بالوسائل المتاحة، قبل أن يخوض المعركة الأخيرة، فقد عمل على توثيق مراحل الثورة الفلسطينية ضد بريطانيا، في ثلاثينات القرن الماضي، وصولًا للاحتلال الصهيوني، فضلًا عن زياراته الميدانية لعدد من القرى الفلسطينية، لتوثيق تفاصيل عدد من العمليات الفدائية ضد المحتل خلال السنوات الماضية.

ومثلما قارع الشهيد باسل الاحتلال، فإنه قارع فساد السلطة، وتعاونها الأمني مع المحتل، الأمر الذي عرّضه لسطوة واعتداءات الأمن أكثر من مرة، ومع ذلك أصر على خوض الحرب طالما لم يهزم عقله، كما يقول في إحدى تدويناته التي نشرها عام2012

الحرب تنتهي عندما يهزم العقل،  فإذا دخلت الهزيمة العقل فأعلن انتهاء الحرب.

عقلية بحجم باسل لا ينبغي أن تبقى حية، لتشكل خطرًا على الاحتلال، لهذا يتوجب تصفيتها، كما يعتقد المحتل، لكنه أخطأ في ذلك، فالشهيد ذاع صيت اسمه، وأصبح بطلًا في زمن الأقزام، حيًا في الأرض، وشهيدًا في السماء، وما أجمل العبارات التي تركها لنا الشهيد باسل الأعرج في وصيته الأخيرة التي عثر عليها في المكان الذي استشهد فيه.

ويقول فيها:” لكم من الصعب أن تكتب وصيتك،  ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها،  لطالما حيرتني تلك الوصايا،  مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة. وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيا مقتنعا وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني! وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد. وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهورٍ طويلة،  إلا أن ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء،  فلماذا أجيب أنا عنكم،  فلتبحثوا أنتم… أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله”.

منذر فؤاد

كاتب ومُدوِّن يمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى