هل كان رسول الله غنيا.. أم فقيرا؟ قراءة في كتاب أموال النبي ﷺ كسبا وإنفاقا وتوريثا

كان تجفيف منابع الدعوة الحل الحاسم لقريش لوأد الدعوة الإسلامية، وهذا ما جعل قريشًا تبدأ بتحالف مع القبائل لتنفيذ الحصار، وما أشبه اليوم بالبارحة.

كفل الله سبحانه نبيه الكريم محمدًا -حتى قبل مولده- في مختلف أمور حياته، وهيأ له من الأمور ما يعينه على نشر الدعوة والرسالة التي خلق لأجلها، وبدى ذلك جليًا في قلبه الذي صُرِف عن عادات الجاهلية وعبادة الأوثان، وملّكه العديد من الصفات والأخلاق حتى عُرف بين قومه وأصبح يوصف بينهم بالصدق والأمانة، حتى أن العديد من كبار قريش كانوا يأخذون برأيه ويطلبون مشورته وحكمه في الخلافات التي تقع بينهم، وكان رأيه ساريًا، وكانت أعظم نعم الله على رسوله اصطفاءه للرسالة ونزول القرآن الكريم عليه، ومن الأمور التي تجلت فيها عناية الله تعالى بنبيه الكريم هي الجانب المالي، فقد أغنى الله نبيه بالعديد من مصادر الدخل المتنوعة التي ساهمت في زيادة رفعته وعلو شأنه بين الناس مما ترتب عليه علو شأن دعوته تباعًا، ولأن العديد من جوانب حياة النبي المالية خفية على العديد من المسلمين ولا يتم تناولها بشكل متكرر كغيرها من جوانب سيرته، جاء كتاب أموال النبي كسبًا وإنفاقًا وتوريثًا موضحًا لأبرزها بشكل تفصيلي يجمع بين السلاسة والمتعة.

عن المؤلف والكتاب

عبد الفتاح السمان صاحب كتاب أموال النبي صلى الله عليه وسلم
د. عبد الفتاح السمان

مؤلف الكتاب هو الدكتور عبد الفتاح محمّد السمّان، سوري الجنسية ولد في العام 1966م، حصل على دكتوراه في الاقتصاد النبوي ودكتوراه في الإعلام وماجستير تنمية في مجال الاهتمام وتميز الإعلام الديني التخصصي والاقتصاد النبوي والأسري، يعمل حاليًا كمستشار تدريبي في جامعة العلوم الإسلامية، وهو مستشار اقتصادي لعدة شركات، ومعد برامج خبرات العمل المهنية، ومدرب للأئمة ومراكز التنمية في الحوار، والإعلام، والاقتصاد، له العديد من المؤلفات والأوراق البحثية منها كتاب أموال النبي صلوات الله عليه الذي ترجم إلى ثلاث لغات، بالإضافة إلى أربعين برنامجًا فضائيًا.

يأتي كتاب أموال النبي كسبًا وإنفاقًا وتوريثًا في 300 صفحة من الحجم المتوسط، يتكون من تمهيد وبابين أساسيين، كل منهما يشمل على عدد من الفصول التي تتناول مجموعة مختلفة من المباحث، أما التمهيد فهو يتناول عشر أسئلة أساسية اعتبرها المؤلف حجر الأساس في توضيح منهج وخطة سير الكتاب، الكتاب تم إصداره من خلال دار الفكر في دمشق.

يستهل المؤلف هذا الكتاب بمقدمة توضح الهدف الأساسي الذي يسعى لتحقيقه من خلال الكتاب وهو إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ثريًا زاهدًا ولم يكن فقيرًا فاقدًا، وذلك كي تكون خير وسيلة للدفاع عن كرامة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يوضح المؤلف الأسباب التي دفعت به لهذا البحث مثل فقدان التأصيل الشرعي المنهجي الذي تحاكم له الأفكار والممارسات في مجال أموال النبي، والتناقض المستمر في إشادة الخطباء بالفقر كميزة للصلاح، وغيرها من الأسباب، وختم المقدمة بتوضيح الصعوبات التي مر بها خلال رحلته لإتمام هذا الكتاب.

الباب الأول: نظرة الإسلام إلى المال والحياة الاقتصادية في مكة

يتكون باب الكتاب الأول من ثلاث فصول أساسية وهي على الترتيب: 

  • نظرة الإسلام إلى المال
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصادية في مكة
  • حياة المجتمع الإسلامي المكي الاقتصادية

وبيان هذه الفصول فيما يلي:

الفصل الأول: المال في الإسلام: مفاهيم أساسية وتحديات انبعاث الدعوة 

يشتمل هذا الفصل على تعريف مجموعة من المصطلحات الأساسية، أولها مصطلح المال وذلك من خلال ثلاثة أوجه مختلفة وهي معنى المال عند أهل اللغة، وبيان المراد بالمال عند الفقهاء الأربعة، وتعريف المال لدى بعض المعاصرين، وهي كالأتي:

أولاً: المال عند أهل اللغة: هو كل ما تملّكه الإنسان وحازه بالفعل من جميع الأشياء، عينًا كان أو منفعة.

ثانيًا: المال عند الفقهاء الأربعة: للمال عند الفقهاء الأربعة العديد من التعريفات من أبرزها:

  • مذهب الحنفية: اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز (السرخسي).
  • مذهب المالكية: كل ما تمتد إليه الأطماع، ويصلح عادة وشرعًا للانتفاع به (ابن العربي).
  • مذهب الشافعية: لا يقع اسم المال إلا على ماله قيمة يباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدنى قيمتها، وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس، وما أشبه ذلك الذي يطرحونه (الإمام الشافعي).
  • مذهب الحنابلة: هو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة (ابن مفلح). 

ثالثًا: تعريف المال لدى بعض المعاصرين (السلع، والشهرة): تلك المجموعة من العوامل المادية، والخدمات، والرموز التي تم تصميمها لإشباع حاجات ورغبات المستهلكين المستهدفين.

كما يتناول الفصل مصطلحات الفقر والغنى، على ثلاث جوانب وهي:  

  • تعريف الفقر عند اللغويين (لغة وفقهًا) 
  • الفقر في القرآن والسنة ومعانيه.
  • وأخيرًا تعريف الغنى (لغة وفقهًا). 

وهي على البيان التالي:

أولاً: تعريف الفقر عند اللغويين:

  • لغة: الفقر ضد الغنى، وقدر ذلك أن يكون له ما يكفي عياله، وقال ابن عرفة الفقير عند العرب المحتاج.
  • فقهًا: الفقر في الشرع يراد به فقر المال، ويراد به فقر المخلوق إلى خالقه (ابن تيمية).

ثانيًا: الفقر في القرآن والسنة ومعانيه: 

  • الفقر في القرآن: وردت كلمة فقر في ثلاثة عشر موضعًا أوضحها المؤلف تفصيلاً.
  • الفقر في السنة: ورد في السنة ذكر الفقر بنفس الألفاظ والمعاني التي وردت في القرآن، كما جاء في السنة الفقر بمعنى فقر النفس والقلب والذي يعود في أصله إلى معنى الفقر الذاتي في الناس إلى الله.

ثالثًا: تعريف الغنى:

  • لغة: الغني من أسماء الله عز وجل، وقال ابن الأثير: هو الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء، وكل أحد محتاج إليه، وهذا هو الغنى المطلق، ولا يشارك الله تعالى فيه غيره (لسان العرب).
  • فقهًا: الغني من ملك نصابًا فيحرم عليه أخذ الزكاة (أبو حنيفة).

ويوضح المؤلف الهدف الأساسي من تفصيل المصطلحات السابقة فقال: «الله عز وجل لم يصف النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر المطلق، لأنه كان يملك مالاً، لكنه يحتاج أكثر مما يملك، خاصة أنه أمره بالتفرغ التام لتبليغ الرسالة، وهذا شأن الله تعالى مع جميع رسله صلوات الله عليهم أجمعين، وعليه فلا يصح وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالفقير مطلقًا، أو القول بأن الفقر كان الغالب على حاله في جميع أوقاته صلى الله عليه وسلم».

وتناول هذا الفصل أيضًا بعض القواعد الاقتصادية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأوضح المؤلف في البداية أن فطرة الإنسان تميل إلى المال وجمعه والتفاخر به، كونه يحقق له رغباته المختلفة ويشبع نهمه، ولذلك جاء الدين الإسلامي حريصًا على تنظيم وتوجيه هذه الميول بما يليق بالإنسان المسلم، ولذلك تم تقسيم المعاملات المالية في الشرع إلى قسمين هما:

  •  الاحتراز من الأموال المحرمة.
  •  عدم التعدي على أموال الغير.

وفي ختام ما سبق يؤكد المؤلف: «إن الإسلام الذي جعل ما في السماوات والأرض مسخرًا للناس أمرهم أن يتبعوا خطوات محددة في الكسب والإنفاق لكي يسعد الناس جميعًا، ويمنع بذلك البغي وطغيان النفس البشرية».

توكيل علي رضي الله عنه بوفاء الديون وأثره من الأمور التي جاء بيانها أيضًا في الفصل الأول، ويشرح المؤلف من خلاله أحوال المسلمين بعد هجرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وكيف أن العديد منهم كان مشغول الفكر بالأمانات والودائع التي كانت معهم وهي في أصلها خاصة بأهل قريش، وكيف أن العديد منهم كان يخطط لإرجاعها من غير علم أهل مكة بخروجه لا لشيء إلا تحاشيًا للاصطدام معهم وتجنبًا لأذيتهم.

ولم يكن هذا الأمر خافيًا على النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فقد طلب من علي رضي الله عنه أن يبيت في فراشه تمويهًا للكفار، وليقوم نيابة عنه بأداء الأمانات إلى أهل مكة وقد فعل رضي الله عنه كلا الأمرين وترك الأمانات عند أم أيمن، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إيصال درس كبير إلى المسلمين وهو عدم النسيان أو الانشغال عن رد الأمانات إلى أهلها حتى في أصعب الظروف.

ويؤكد المؤلف على هذا المعنى البليغ فيقول: «إن رد هذه الأمانات قطع الطريق على كل من حاول أو ظن من قريش أنه يمكن أن يشتري إيقاف الدعوة بالمال، فالموقف الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تكراره، إذ كيف يحيط ببيتك من يريد قتلك ثم بعد ذلك تكلف من يرد له ماله».

آخر ما تناوله الفصل جاء تحت عنوان تعامله صلى الله عليه وسلم المالي مع قريش، ودور أمانته المالية في الدعوة، فمما هو معروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشارك في العديد من المعاملات التجارية التي ترتبط بالبيع والشراء في مكة بحكم كونه واحدًا من أهلها، وقد كان تعامله المالي مع قريش يتسمُ بالصدق والوفاء وعدم المحاباة والمداراة، ومع بداية بعثته صلى الله عليه وسلم أصبح يدخل إلى أسواق مكة لأجل الدعوة إلى الإسلام كأساس بالإضافة إلى إتمام التجارة والمعاملات المالية وقد ثبت من خلال ذلك عدد من الأمور مثل:

  •   ما من نبي جاء إلا وهو صاحب مهنة، ليستغني بمهنته عن قومه.
  •  المال أحد معايير التفاضل بين الناس، وخاصة بين الناس والدعاة إلى الله، فالداعية إذا سقط في أتون الحاجة المالية للناس فقد سقط من أعينهم.
  •  مهما كان الداعية يمتلك من أخلاق فإن الأمانة المالية تصدق ذلك كله أو تكذبه.

الفصل الثاني: حصار الشعب، سلاح المقاطعة وقوة اليقين

يتناول هذا الفصل العديد من القضايا المختلفة التي ترتبط بما قام به كفار قريش مع المسلمين خلال حصارهم في الشعب لثلاث سنوات، فتحت عنوان: التجويع أحد سيوف المشركين، يوضح المؤلف الأسباب الذي دفع الكفار إلى فرض هذا الحصار على المسلمين، وأوضح المؤلف الأسباب في النقاط التالية:

  • رؤيتهم لنزول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الحبشة، وحصولهم على الأمن من قبل النجاشي.
  •  إسلام العديد من كبار رجالهم مثل عمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما·   
  •  إصرار المسلمين على الدعوة لله وانتشار الإسلام في القبائل.

نتيجة لذلك اجتمع صناديد قريش وكتبوا تعهدًا بمقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب، وزادوا على ذلك القيام بحصار مادي ومعنوي للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن عطف عليهم أو تضامن معهم.

ثم ينتقل المؤلف لبيان الكيفية التي تم من خلالها فرض الحصار على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد كان تجفيف منابع الدعوة الحل الحاسم لقريش لوأد الدعوة الإسلامية، وهذا ما جعل قريشًا تبدأ بتحالف مع القبائل لتنفيذ الحصار، وذلك من خلال عدد من الخطوات هي على الترتيب كما يلي:

  • كتابة وثيقة بإنهاء التعاملات المالية وغيرها، ثم تعليقها على باب الكعبة.
  • منع التجار من البيع للمحاصرين وشراء قريش هذه السلع بأضعاف قيمتها.

وقد تم لهم ما أرادوا واستمر حصار المسلمين في الشعب لثلاث سنوات، زاد فيها عليهم البلاء والجهد، ولم يبقَ لهم طعام يُقدم في مكة، حتى وصل بهم الحال إلى أكل أوراق الشجر كما فعل الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وعلى الرغم من شدة هذه المحنة على المسلمين، إلا أنها كانت سبيلاً لمنحة، وخير كثير لهم فيما بعد.

وعلى الرغم من ذلك كفلت عناية الله بنبيه توفير عدد من مصادر الدخل للنبي صلى الله عليه وسلم داخل الشعب، ويمكن تقسيمها إلى مصادر الدخل الداخلية، والتي تمثلت في ثلاث مصادر وهي:

  •   مال النبي صلى الله عليه وسلم الشخصي والذي قام بإنفاقه كله.
  •  مال عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب.
  • مال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها والذي قدمته للرسول وقبله منها في أواخر أيام الحصار.

ومصادر الدخل الخارجية والتي تم بيانها في المطلب الثاني فقد تمثلت في كل من:

  • حكيم بن حزام، ابن أخ السيدة خديجة حتى منعه أبو جهل.
  • هاشم بن عمرو بن الحارث العامري رضي الله عنه، الذي أدخل عليهم في ليلة ثلاث أجمال من الطعام، حتى علمت قريش بذلك فأغلظت له القول وهمت به فمنعهم عنه سفيان بن حرب.
  •  المطعم بن عدي الذي بعث للمسلمين في الشعب بأربع ناقات محملة بالطعام رغبة منه في بر أقربائه الذين كانوا في الشعب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ويتنقل المؤلف بعد ذلك لبيان الكيفية التي تم بها إنهاء الحصار بالعقل والمعجزة، حيث رفض بعض الأشراف العقلاء الظلم الواقع على المسلمين، فبعد مرور ثلاث سنوات على الحصار سخّر الله سبحانه وتعالى للمسلمين هشام بن عمرو الذي ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي -وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- والمطعم بن عدي، وكلًّ من أبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، يستحثهم على دعمه والسعي معه لرفع الحصار، فوافقوا، وأجمعوا أمرهم على القيام على صحيفة العهد حتى ينقضوها وهو ما كان، ولم يمنعهم عنها إلا أبو جهل.

خلال ذلك أيدت معجزة السماء العقل السليم، فقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب في الشعب وأخبره أن الله قد سلط على صحيفة قريش الأرضة فأكلتها ولم تترك منها إلا اسم الله، فخرج عبد المطلب إلى قريش ونادى فيهم وأخبرهم بذلك، وأقام معهم عهدًا إن كان قول النبي صلى الله عليه وسلم صادقًا فهذه نهاية القطيعة والخصام والحصار، وإن كان غير ذلك دفع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من قريش غير القبول، ولما نظروا إلى الصحيفة وجدوها كما أخبر، فخرج المسلمون من الشعب في السنة العاشرة من البعثة، ومات عم النبي أبو طالب بعدها بستة أشهر.

وأخيرًا يتناول المؤلف الغنائم التي نالها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من حصار الشعب، والتي تمثلت في ثلاثة أمور، أولها رحلة الإسراء والمعراج والتمهيد لبناء الدولة، فرحلة الإسراء والمعراج كانت عزاء للنبي صلى الله عليه وسلم بعد عام الحزن -وفاة السيدة خديجة، وعم النبي صلى الله عليه وسلم-، وكانت الأعوام التي قضاها النبي وأصحابه في الشعب دليلاً على أهمية بناء دولة خاصة بهم، فسعى النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق ذلك من خلال البدء في إرساء قواعدها  في المدينة المنورة، ومن المنح الأخرى التي كانت من نصيب المسلمين جزاء صبرهم على هذا الحصار هو ما نال كفار قريش في مكة من سخط قبائل العرب عليهم، وبدْءِ تعاطفهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فزاد الإقبال للدخول في الإسلام، وانتشر أمر الدعوة في مختلف بلاد العرب.

وثانيها التعاطف الدولي وإثبات إنسانية الرسالة، وهو الأمر الذي ظهر جليًا في قدوم أول وفد للرسول صلى الله عليه وسلم من خارج مكة من أجل فهم المزيد عن الإسلام، وقد كان بضعة وثلاثين رجلاً من نصارى الحبشة، جاؤوا مع جعفر بن أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم خلال فترة حصاره في الشعب، وقد جلسوا إلى النبي واطلعوا على صفاته وأحواله، وتلا عليهم بعض آياته فسكنت صدورهم وتأثروا بها فخرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين.

وثالثًا بيان الكيفية التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم لإكرام من والاه في الحصار وكان ذلك كما يلي:

  • بنو عبد المطلب: جعلهم من ذوي القربى وشاركهم في سهم الخمس.
  • أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام رضي الله عنه من ماله الخاص مائة جمل في يوم حنين.
  • كان نصيب أبو البختري من كرم النبي هو الحماية، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عن قتله في يوم بدر.

وينهي المؤلف هذا الفصل بقوله: «حصار النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب كان مناسبة فريدة لتعلم ثقافة الولاء والبراء لبناء علاقات صحيحة مع العالم على أساس السلوك والعمل وليس على أساس اللاهوت والجدل، وكان درسًا في التاريخ على الوفاء ورد المعروف».

الباب الثاني: كسب النبي صلى الله عليه وسلم

يتكون الباب الثاني من هذا الكتاب من ثلاث فصول أساسية هي على الترتيب مرحلة الاصطفاء (من قبل الولادة وحتى اليتم)، مرحلة الإيواء (من اليتم إلى الزواج)، مرحلة الإغناء (من الزواج إلى الوفاة).

الفصل الأول: مرحلة الاصطفاء (من قبل الولادة وحتى اليتم)

يتناول الجزء الأول من الفصل قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم وعائلته، فقد نشأ النبي صلى الله عليه وسلم في قبيلة ثرية ذات سيادة في بلدة ثرية، ويكمن تفاصيل هذه الأسرة كما يلي:

  • عبد مناف بن قصي: سار على نهج والده، وهو أول من عقد المعاهدات التجارية.
  • هاشم بن عبد مناف: كان يتولى أمور السقاية والرفادة، وهو أول من أسس رحلتي الصيف والشتاء.
  • عبد المطلب بن هاشم: جد النبي صلى الله عليه وسلم وقد سار على خطى أبيه وجده.  
  • عبد الله بن عبد المطلب: والد النبي صلى الله عليه وسلم وكان تاجرًا معروفًا وتوفي أثناء عمله التجاري.  
  • أبو طالب بن عبد المطلب: عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعمل بالتجارة.     
  • العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أيسر أهل قريش حالاً.

كما يتناول هذا الجزء نعم الله سبحانه على بلد النبي صلى الله عليه وسلم -مكة المكرمة- التي هيأ الله ظروفها الاقتصادية للنبي وعائلته وكان عددها خمسة وهي:

  • رد جيش أبرهة عنهم.
  • أغناهم طوال العام رحلتي الصيف والشتاء.
  •  جعل قلوب الناس تهفو إليهم بسبب وجود البيت الحرام.
  •  ضمن الله لهم الرزق من دعاء سيدنا إبراهيم.
  •   اشتهروا بالثراء والسيادة ولم يخفَ ذلك حتى على الغلمان.

وفي نهاية ما سبق يعلق المؤلف قائلاً: «إن الله عز وجل تخير نبيه صلى الله عليه وسلم، وتخير له عائلته التي تكون خير رافد مالي حتى لا يحتاج لأحد من الناس، فاليد العليا خير وأقدر على أداء الرسالة والإقناع بالدين الجديد».

الفصل الثاني: مرحلة الإيواء (من اليتم إلى الزواج)

الفصل الثاني في هذا الباب يتناول حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الولادة وحتى الطفولة، من حيث الميراث الذي حصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم من والده، والذي تمثل في أم أيمن الحبشية، وخمس من الجمال، وبعض الغنم، كما ورث مولى والده شقران وابنه صالح، ويقال أنه قد ورث منه أيضًا سيفه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ورث من أمه آمنة بنت وهب بعد وفاتها دارها التي كانت في مكة والتي ولد فيها صلى الله عليه وسلم.

ثم يتم الانتقال إلى إنفاق جده عليه مولودًا، والذي استبشر بولادته، فعمد إلى إطعام الناس والحيوانات لثلاثة أيام، وكان هذا دليلاً آخرًا على مدى ثرائه.

أما طفولة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى بلوغه الفتوة، فقد ظهر فيها جليًا كرم الله سبحانه وتعالى على نبيه، بأن كفل له من يرضعه ويحتضنه للرعاية وقد تمثل ذلك في أربع ذكرهن المؤلف وما حل عليهن من فضل جزاء رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل مفصل، وهن على ترتيب الذكر كما يلي:

  • مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم ثويبة الأسلمية.
  • مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية.
  • حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم بركة الحبشية.
  • راعية النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت أسد.

أما ما يتعلق برعاية النبي صلى الله عليه وسلم فقد ظهرت في دور عمه أبي طالب، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم خلال تواجده معه في رعي الغنم، ثم انتقل للعمل في التجارة، وأخيرًا أصبح يضارب بمال السيدة خديجة رضي الله عنها، وتمثلت أرباح النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذه المرحلة في رعيه صلى الله عليه وسلم للأغنام، ونصيبه صلى الله عليه وسلم من بعض الحروب.

وحياة النبي صلى الله عليه وسلم من الشباب حتى المبعث، بدأت من عمله في التجارة وهو في عمر الثانية عشر (وهناك بعض الأقوال أنها كانت منذ التاسعة)، وذلك من خلال خروجه مع عمه أبي طالب في تجارته للشام، وحين شب النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل في التجارة مع التاجر المعروف السائب بن أبي السائب المخزومي. 

وآخر ما جاء في هذا الجزء تمثل في زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة التي كانت خير معين له، وكان ذلك من تمام إيواء الله سبحانه لنبيه، وقد طلبت السيدة خديجة الزواج منه بعد أن وجدت فيه التاجر الماهر، وقد أصدقها النبي صلى الله عليه وسلم ما يناسبها، وكان زواجه منها بعد قدومه من الشام بشهرين وخمسة وعشرين يومًا في شهر صفر.

الفصل الثالث: مرحلة الإغناء (من الزواج إلى الوفاة)

هذه المرحلة بدأت مع بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فالإسلام كما بين الكاتب لم يأتِ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور فحسب بل جاء ليخرجهم كذلك من الفقر والذلة إلى الثراء والعزة، وفي المبحث الأول لهذا الفصل يوضح المؤلف وعد الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم بالغنى المالي، ويظهر ذلك في سورة الضحى، وذلك من إكرام الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته، ويؤكد المؤلف أن هدف النظام الإسلامي من وراء الغنى ورغد العيش أن يسمو الناس بأرواحهم إلى ربهم، وألا يشغلهم الهم في طلب الرغيف، والانشغال بمعركة الخبز عن معرفة الله وحسن الصلة به والتطلع إلى حياة أخرى هي خير وأبقى.

أما الجزء الأخير في هذا الفصل فقد تناول فيه المؤلف مصادر دخل النبي صلى الله عليه وسلم المختلفة بالشرح والتفصيل كل منهما في مطلب منفصل، وهي عشرة مصادر أساسية جاءت على البيان التالي:

  • تكسبه صلى الله عليه وسلم من مزاولة التجارة قبل البعثة وبعدها.
  • ميراثه صلى الله عليه وسلم من والديه.
  • ميراثه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها.
  • الأنفال والغنائم التي حصل عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوات والسرايا، وكان نصيبه منها الخمس ودل على ذلك قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}. [الأنفال: 41]
  • أموال بني النضير التي حصل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بعد مغادرتهم للمدينة وهي: الأموال، والدروع والسلاح، وخمسون درعًا وخوذة، وثلاث مائة وأربعون سيفًا، كانت جميعها للنبي ينفق منها على أهله.
  • حصون خيبر، وكانت ثلاث وهي: (الكتيبة، والوطيح، والسلالم)، أصبحت من فيء الرسول صلى الله عليه وسلم مع خُمس الغنائم، وتصدق بها النبي.
  •   فيء الرسول صلى الله عليه وسلم من مال البحرين، وكانت قيمته مائة ألف وثمانون درهما.
  •   الصفي: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المغنم الصفي، وهو شيء يختاره من المغنم قبل القسمة، كالجارية والعبد والثوب والسيف ونحوه، ومنه بعض نسائه وهي (السيدة ريحانة بنت عمرو من نساء بني قريظة).
  •   الهدايا من الملوك والصحابة وغيرهم، ومنها: أموال مخيريق اليهودي بالمدينة وكان عددها سبعة حوائط (البساتين)، وبعض أرض الأنصار مما لا يبلغه الماء، بينما هدايا الملوك كانت مثل (السيدة مارية) التي أهداه إياها المقوقس، والبغلة التي قبلها النبي صلى الله عليه وسلم من النجاشي، وغيرها.
  • سهمه صلى الله عليه وسلم مجاهدًا، ودل على ذلك قول ابن عون (عبد الله بن عون راوي للحديث النبوي من البصرة) قال سألت محمدًا (محمد بن سيرين) عن الصفي وسهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب له بسهم في الغنيمة وإن لم يشهدها، وكان يصطفي له رأسًا قبل الخمس، وقبل كل شيء)).
  •   مصادر من دخله صلى الله عليه وسلم التي لم يستخدمها، مثل جبال الذهب التي عرضت عليه صلى الله عليه وسلم من الملائكة، وداره صلى الله عليه وسلم من ملك تُبع، ونصيب العاملين على الزكاة وغيرها.

في خاتمة الكتاب أوضح المؤلف ما نتج عن الجهل وعدم المعرفة بالثراء في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن ما سعى إليه كان بيان مراحل حياة النبي صلى الله عليه وسلم المالية، وأنه لم يكن عالة على أمته بل كان من أكثرهم غنى، وكان ذلك من نعم الله تعالى على نبيه وتكريمه له.

وفي النهاية فإن هذا الكتاب هو مرجع مفيد ونافع لجانب من جوانب السيرة النبوية غير المتعارف عليها، والتي قد تخفى على كثير من المسلمين، كما أن الاطلاع على محتواه يساعد الإنسان المسلم في التعرف على جوانب رعاية الله تعالى لنبيه محمد في مختلف مراحل حياته، حتى قبل مولده، كما تساعد مواضيع الكتاب المختلفة الإنسان المسلم في الدفاع عن نبيه ورد الشبهات التي تتهمه بأنه كان فقيرًا أو عالة على من حوله.

رابط الكتاب للتحميل: من هنا

محاضرة الكتاب للمؤلف الدكتور عبد الفتاح محمد السمان:

رضوى التركي

كاتبة، آخذة بعنان قلمي في سبيل الله، تخصص تربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى