حرب الأفكار وتجفيف مولدات المقاومة، هل بدأت تؤتي ثمارها؟!

لماذا نخشى على الغنم القاصية الذئب ونحن نعلم أن القطيع سينتهي به المطاف إلى الذبح؟!

إن كنت أنت الراعي فلا عجب فأنت تخشى على حظك من الغنم لا على حياة الغنم، فبالتأكيد لا تود أن يضيع الذئب كل مجهودك في رعاية تلك الأغنام ويضيع معها فرصتك في الاستفادة منها واستغلالها. لعل هذا هو السبب الحقيقي وراء فرض الحصار الفكري و حرب الأفكار من قبل حكومتنا وأسيادها من أصحاب القرار في أمريكا.

في مقالنا هذا سنجاوب على ثلاثة أسئلة:

  1. على من يفرض الحصار ولماذا يفرض؟
  2. من ماذا يفرض الحصار؟
  3. هل نجحت خطة العدو؟

على من يفرض الحصار ولماذا يفرض؟

الحصار الفكري

للإجابة عن هذا السؤال، دعونا نتفق على أن الحروب والصراعات هي نتيجة لصراع الأفكار، أو العقائد، أو الرؤى التي تعكس مصالح ورغبات أصحابها. وإذ أن النظام العالمي اليوم بعقيدته الرأسمالية لا يسعى إلا لمزيد من الهيمنة فإن الإسلام يقف له بالمرصاد ويحث معتنقيه على مقاومة ذلك النظام، بل يحرم على من في قلبه ذرة إيمان أن يتجاهل اعتداء هذا النظام المعتد الصائل. يقول ابن تيمية:

العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه

بداية حرب الأفكار

حرب الأفكار

من هذا المنطلق بدأت الحرب بين شعوب لا تستسلم لأنها ترى في الحرب عقيدة، وترى نعيم الجنة يبدأ مع الموت، وبين العدو الذي تحركه مصالحه الدنيوية ومطامع قادته الشخصية. فكانت الهزيمة النتيجة الحتمية. ولما فشل العدو في المواجهة على الأرض، استخدم حيلة جديدة في المعركة، وهي تجفيف موارد جيش الخصم ووقوده الذي يمنحه كل القوة والثبات في أرض المعركة. فتوجه للدين! ولكنه لا يستطيع أن يعلنها صريحة وإلا سيزيد الخصم غيظًا وحنقًا عليه.

اتبع العدو أساليب عدة واستعمل وسائل كثيرة من أجل تحقيق غايته، وهي غسل أدمغة المسلمين وإخراجهم بهدوء من دين الله إلى دين الطاغوت، دون إثارة ضجة ولا صخب ولا ضوضاء. وتولت الأجهزة الغربية تربية طبقة بديلة لهم -بعد أن انتصرت عليهم المقاومة الإسلامية والثورات الجهادية وأخرجتهم مهزومين من بلادها- في جميع المجالات وسلمت مقاليد الأمور لهم وأبعدت الصادقين عن أجهزة التوجيه والبناء وأصبحت دوائر التعليم والإعلام -الصحافة والراديو ومن ثم التلفزيون- بأيدي الطبقة المنسلخة عن الشرق المعلنة لولائها للغرب.

اقرأ أيضاً: بين الروم والمسلمين لمن الغلبة اليوم الجزء الثاني

الإسلام هدف الحصار

اسلاموفوبيا

وبهذا نخلص إلى إجابة السؤال الأول وهي أن الحصار يفرض على البلاد الإسلامية وبدأ منذ القرون الثلاثة الأخيرة (مع بداية الحملة الفرنسية). بدأ بطيئا ثم أخذ يشتد تدريجيًا حتى إذا بدأ النصف الأول من القرن العشرين بلغ ذروته. ويفرض على عقول المسلمين وعلى مصادر ثقافتهم وإعلامهم، والغرض من ذلك هو أن العدو يريد شعوبا هادئة مستكينة لا يوجد لديها أي دافع للمواجهة، ولا أي حمية لرفض عدوانه، وهذا ما يرفضه الإسلام!

ولهذا سيظل الإسلام وأفكاره محل عدائهم ولا يخدعك إظهار البعض منهم احترام الإسلام، وأنهم فقط يحاربون ويواجهون الإرهاب فهذا جزء من الحرب الفكرية، بينما هم في الحقيقة لا يفرقون بين الإسلام والإرهاب، وهم في تناولهم لهذه المسألة داخل تقاريرهم يتحدثون عن نصوص الإسلام نفسها وما تنتجه هذه النصوص من أفكار داخل عقول المسلمين.

بالعودة إلى الغنم والذئب

نجد أن جهود العدو -الراعي- أتت ثمارها بعد عقود من تجريف الهوية وزرع التبعية، ليتحول السواد الأعظم من الشعوب الإسلامية إلى قطعان يسمنها العدو ليذبحها في هدوء لاحقاً وهي مستسلمة له مادة رقبتها لسكينه، وكأنه قدرها ومصيرها الأبدي. وأصحبت الفزاعة التي يخوف بها العدو وكلاب حراسته تلك القطعان هي الذئب، والذئب هنا هو من صنع وسائل الوهم والتضليل وشيوخ السلطان؛ فالحرية أصبحت خروجاً على الحاكم وإلقاء بالنفس إلى التهلكة، والذل والرضى بالدنية أصبح صلح الحديبية. وليس أدل على ذلك من  دعم كافة حكومات الدول العربية والإسلامية لأمريكا في حرب عاصفة الصحراء التي خاضتها من أجل سلب النفط. وتمثلت كلاب الراعي في الحملة الإعلامية المشرعة لهذه الحملات الصليبية وقد انضم إليها معظم من يسمون علماء أهل السنة ليسبغوا عليها الشرعية ويجوزوها! بل اعتبر كبار المنافقين منهم أن قدوم الأمريكان إلى جزيرة العرب من أكبر نعم الله على هذه الأمة وأنه يستأهل سجود الشكر.!! كما عبر عن ذلك (الشيخ أبو بكر الجزائري).

كلاب الراعي تشرعن له

كلاب الراعي

مسخوا حقيقة الصورة ليحولوها من صورة احتلال صليبي يهودي للمسلمين (سكين الراعي) إلى صورة نصرة مشروعة من دول صديقة إسلامية وغير إسلامية (لحماية الغنم من الذئب) وبهذا صدر البيان الختامي لما سمي مؤتمر مكة (1991م) والذي دعت إليه الحكومة السعودية نحو 400 عالمًا من كبار علماء العالم الإسلامي مؤيداً لهذا الفقه الاستعماري الأمريكي!! ولم يشذ عن هذا البلاء إلا نوادر من رموز الصحوة ممن عصمهم الله (الغنم القاصية) وكان من تبعات ذلك أن انتفضت كلاب الراعي لحراسته من تلك القلة المتمردة فصدرت الكثير من الفتاوي التي تحرم الاعتداء على هذه القوات الغازية لنا! واعتبارهم مستأمنين شرعاً، واعتبار كل من يجاهدهم معتدين على ذمة المسلمين، مفسدين في الأرض عقابهم في الدنيا: (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ)!  بل زعموا أن المعتدي على هؤلاء المعصومين شرعاً (القوات الأمريكية) لا يروح رائحة الجنة. !!!

الإسلام الأمريكي

جون-كيري

هذا هو الإسلام الأمريكي أو الشرق أوربي الذي يريده المستعمر، فهو لا يريد سوى أن يسلب منا ديننا الحقيقي ويحرف معانيه بداخلنا حتى نجد أنفسنا في النهاية جزء من منظومته الفكرية والسياسية، وترساً داخل ماكينة مصالحه. ولا يصبح الإسلام أكثر من خانة في البطاقة توجه حامليه القيم الأمريكية بدلاً من أفكار ومبادئ الإسلام كما صرحت كونداليزا رايس:

إن المهمة الأساسية في حرب الأفكار، تتعلق بالترويج للقيم الأمريكية المتمثلة في الحرية والديموقراطية ونظام السوق الحر

لجنة التحقيق في 11 سبتمبر

نص تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م على ذلك التوجه، حيث جاء فيه:

إن العدو الرئيسي لأمريكا هو تيار إسلامي راديكالي متطرف، تعود مرجعتيه إلى أفكار ابن تيمية وسيد قطب… ولا يوجد مجال للتصالح مع هذا التيار، ولا بد من عزله وتصفيته تماماً، لكن لا بد أولاً من منازلته في ميدان حرب الأفكار من أجل كسب الغالبية المحايدة التي يمكن أن تتحول إلى متعاطفة معه

تقارير راند

وحتــى لا يتـبــادر إلى أذهــان البعض أن مقصدهم بـ (التيار الإسلامي الراديكالي) هو التيار القتالي أو المــقاوم للهيمــنة الغــربية والــذي يوصم دومــاً بـ (الإرهاب)، فإن على من يتوهم ذلك أن يطالع تقرير مؤسسة الأبحاث الأمريكية (راند) الخاص بإنشاء توجهات أو تجمعات تُمثل (الإسلام المعتدل) حيث وضع ذلك التقرير المعايير التي يحدد من خلالها الفرق بين المعتدلين والمتطرفين.

من ماذا يفرض الحصار؟!

الحصار الفكري

أما الحصار الذي يفرضه العدو على ما شوه من عقول قام بمسخها فكريًا وثقافيًا وسياسيًا، لتكون في خندقه، فهو يفرضه ليمنع تلك العقول من معرفة الإسلام الحقيقي لأنه يعلم جيداً أن الإسلام دين له مخالب يوقظ روح العزة فيمن يحمله ويضع بذور المقاومة والإباء ضد كل معتدٍ عليه أو على حامليه، دين يجعل بداية الحياة الحقيقية يوم يموت المرء في سبيل الله، قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). دين يصوغ منظومة القيم في قلوب أبنائه ليصبح الموت أهون من ضياع الدين والعرض.

جوائز مالية وتضييقات وتنكيل

ومن أمثلة هذا الحصار ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي (كولن بَوْلْ) في العشرين من نوفمبر 2004م، من أن حكومته قد رصدت لمن يدلي بمعلومات للقبض على الشيخ المجدد أبو مصعب السوري عدة ملايين من الدولارات بسبب نشاطه الفكري والأدبي والعسكري والسياسي في عدة ساحات ضد العدو،  وغيره الكثير من العلماء والمفكرين الذين غردوا خارج السرب فنكلت بهم حكوماتهم أشد تنكيل وألقت بمعظمهم في غياهب السجون حتى نسيهم المجتمع ونجى من رسائلهم التي أرادت إيقاظ الأمة المخدرة النائمة المغيبة عن ساحة المواجهة.

وبهذا نخلص إلى إجابة السؤال الثاني وهي أن الحصار فُرض على المسلمين مسلوبي الإرادة معدومي الهوية لضمان بقائهم خاضعين منهزمين.

اقرأ أيضاً: بين الروم والمسلمين لمن الغلبة اليوم .

هل نجحت خطة العدو؟

هذا ما سعى العدو إليه ولكن الواقع يخبرنا غير ذلك قد تكون خطة العدو نجحت جزئياً لكنها لم تنجح كلياً وما ينبغي لها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

  لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك (البخاري 3641)

الحروب المباشرة أم حرب الأفكار، أيهما أجدى؟

mind-maze

مع استمرار تعرض بعض البلاد الإسلامية للانتهاكات والحروب الميدانية المباشرة زادت أعداد الصحوة الإسلامية، وبعد تجمع الأفغان العرب وإعلانهم الحرب البعيدة ضد أمريكا، أدركت أمريكا أن الحرب العسكرية لا تصلح مع الصحوات الإسلامية لأن حربهم ليست حرب ميادين للقتال يظهر فيها كل خصم قوته، ولكنها حرب عصابات يضرب الخصم في أماكن متفرقة في الجسد حتى ينهكه.كما أن الحرب العسكرية قد تقلب الأغلبية المغيبة من المسلمين إلى متعاطفين مع ذويهم ومن ثم إزالة الغشاوة من على أعينهم واستيقاظ الأمة، وهو الشبح الذي تخشاه  أمريكا.

لذلك تكاثرت  نداءات المخططين والمنظرين والمتنفذين في الغرب بضرورة توسيع وتطوير (حرب الأفكار) ضد العالم الإسلام. لكن كان أول من أطلق شرارة (حرب الأفكار) ضمن ما أسمته أمريكا (الحرب على الإرهاب) هو وزير الحرب الأمريكي (دونالد رامسفيلد):حيث يقول:

نخوض حرب أفكار، مثلما نخوض حرباً عسكرية، ونؤمن إيماناً قوياً بأن أفكارنا لا مثيل لها، تلك الحرب تستهدف تغيير المدارك، وإن من المحتم الفوز فيها وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها

وقد نصت الورقة الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة على أن أحد أهم أدوات أمريكا في نشر مبادئها في الشرق الأوسط هو (شن حرب أفكار) مع اللجوء للخيار العسكري عند الحاجة إليه.

اقرأ أيضًا: تعرف على الاستراتيجية الأمريكة لسنة 2010 ونقاط التحول فيها

مراكز الفكر الأمريكي تتولى مواجهة الإسلام بالفكر

war_brain

وبعد هذا التقرير نشطت مراكز الأبحاث ومعاهد التفكير مثل (معهد راند للأبحاث) حيث أصدر ذلك المعهد عدداً من التقارير الخاصة بتحديد الأهداف والوسائل الخاصة بمواجهة المد الإسلامي عموماً، والتوجه السني المقاوم خصوصاً، وأمريكان أنترابرايز الذي يهيمن عليه المحافظون اليهود الجدد، ومعهد بروكنجر، ومعهد كارنيجي، ومعهد الشرق الأوسط، وغيرهم. أيضًا كشف تقرير البنتاجون أن الحرب ضد (الإرهاب) بشِقَّيْها: الفكري والعسكري هي حرب طويلة، وأنها يمكن أن تستمر لثلاثين عاماً أخرى، وأنها تمثل المرتكز الأكبر في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنوات عديدة قادمة، وأكَّد التقرير على أن العالم كله هو ساحة تلك الحرب، وليس بلداً واحداً.

وبهذا نخلص إلى إجابة السؤال الثالث وهي أن الحرب سجال الغلبة فيها الآن للعدو لكن معركة الأفكار تلك لم تحسم بعد، بل إن العولمة والثورة المعلوماتية الناتجة عن شيوع استخدام الإنترنت في السنوات الأخيرة باتت تهدد حلم القرن الأمريكي في السيطرة والهيمنة وتغييب وتضليل الشعوب.

ختامـــا: لمن الغلبة اليوم؟

حرب الأفكار

كل هذا يحثنا على استشعار خطر تلك الحرب، والاستمرار في تطوير الأساليب للتصدي لها بوضع برامج عمل ومناهج فكرية لتنشيط النشاط الإعلامي الذي يغذي الوجود الفكري والثقافي للأمة الإسلامية، باعتبارها أدقَّ وأخطر من الحرب العسكرية؛ لأن حرب الأفكار بالمعنى الذي سبق استعراضه، هي حرب باردة جديدة، وهي أخطر من الحروب الساخنة؛ لأنها تستهدف ما في العقول والقلوب، بينما تستهدف الأُخـرى ما تحت الأيدي والأرجل، ولأن الحروب الساخنة يمكن أن تتوقف أو تبرد، ولكن صراع الفكر والمناهج، يظل مستعراً.

بدخول العالم عصر الإنترنت تعددت وسائل الإعلام وتوفرت المزيد من الحريات مما يمثل كسر للحصار الفكري، في الماضي كانت الأنظمة الديكتاتورية تتحكم فيمن يحق له الحديث، أما الآن فهي لن تستطيع أن تمنع أحدا من الحديث. ربما تحاول التحكم فيمن يستمع، وتخترق أمن الأفراد وتتجسس عليهم بغية ملاحقتهم وتكميم أفواههم وأقلامهم في إطار الحصار الفكري، ولكن هيهات أن تقضي على كل تلك المنابر التي أتاحها الإنترنت.

المصادر

  • خط التحول التاريخي، عبد الله عزام.
  • حرب الأفكار بين بأس الأمريكان ويأسهم للدكتور عبد العزيز بن مصطفى كامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى