تصحيح مفاهيم: الأمة العربية والإسلامية

شاع بين الناس استعمال عبارة «الأمة العربية والإسلامية»، وهذه العبارة فيها فصل لكيانٍ (مفترض) اسمه «الأمة العربية» عن آخر اسمه «الأمة الإسلامية»، وتمييز العرب عن باقي المسلمين، وفيها اعتبارُ شيئ يُسمونه «رابطة العروبة» رابطةً مستقلة عن رابطة الإسلام، قائمة بذاتها، رابطة فوق رابطة الإسلام أو على الأقل على نفس درجة رابطة الإسلام، فإن سقطت رابطة الإسلام بقيت «رابطة العروبة»!

وهذا كله كلام لا وجود له لا شرعا ولا واقعا!

فالمسلمون أمة واحدة لا تُجزَّأ على أساس اللغة أو الأرض أو العرق، بل هي أمة واحدة، أمة الإسلام وكفى، لا أكثر ولا أقل {وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢)} (المؤمنون)، {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢)} (الأنبياء).

فكيف يفضّل مسلمٌ انتمائه لقبيلته أو عرقه أو لهجته أو أرضه، بدلا من الانتماء الذي اختاره الله له وميزه به {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)} (الحج).

والأمة تعني المنهج والطريقة والدين، فالأمة هم أناس اجتمعوا على منهج (طريقة، دين) ينظمون حياتهم على أساسه، فيكون المنهج هو قائدهم في الحياة، ويكونوا بمنهجهم أهل قيادة وسيادة، لا يرضوا أن يسودهم غيرهم ويتحكم في حياتهم وقراراتهم، فالمنهج لا قيمة له إذا لم يكن قائدا، إِمامًا، سيدا. لا قيمة للمبدأ إذا لم يكن أهله قادة وسادة. إذ بافتقادهم للقوة والسيادة تُفرض عليهم طُرُق ومناهج غيرهم في تعاملاتهم وحياتهم وسياساتهم {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} (النساء).

فالأمة ليست تجمعا بشريا وفقط، وليست تجمعا لأناس يتحدثون نفس اللغة أو وُلدوا في نفس الأرض، بل أهم عنصر يجب أن يتوفر في تجمع بشري حتى يكونوا أمة هو منهج شامل متكامل يعطي غاية لوجودهم وينظم على أساسها معاملاتهم.

ولذلك قال الله عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠)} (النحل)، أي إبراهيم كان إماماً صاحب منهج رباني يُعَلِّم الناس كل خير ويقودهم إليه!

وقال الله سبحانه {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (٢٢)} (الزخرف)، أي وجدوا آباءهم على طريقة عيش معينة ومنهج معين فاتبعوهم فيه!

وقال الله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)} (المائدة)، فالأمة هنا هي ذات شرعة ومنهج خاص يميزها عن غيرها من الأمم!

والله ميز أمة الإسلام بسبب الدين والمنهج الذي تحمله، وتنظم حياتها على أساسه، وتحمله رسالة للعالمين وتعلمهم إياه {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (١٤٣)} (البقرة)، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ (١٠٤)} (آل عمران)، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ (١١٠)} (آل عمران)،

فما الذي يميز أناس يجمعهم التحدث باللغة العربية؟ هل لهم دين ومنهج خاص بهم اجتمعوا عليه؟ فإن لم يكن لهم منهج حياة خاص، وهو كذلك، فليسوا إذًا بأمة وليس هناك أمة عربية! وإن كان دينهم هو الإسلام فهم أمة إسلامية، فالإسلام نزله الله وليس من صُنع العرب، بل العرب هم أول من عاد الإسلام وحارب رسوله وأخرجوه من مكة!

فليس هناك “أمة عربية وإسلامية” وإنما “أمة إسلامية” فقط! فندائي للمسلمين أن يدققوا في المصطلحات والتوصيفات التي يستعملونها، وأن لا يستعملوا المصطلحات تقليدا أو لشيوع تداولها، بل يختاروا بعناية المصطلحات والمسميات كما علمهم الله ورسوله!

فاروق الدويس

مسلم مُتابع للأحداث في البلدان الإسلامية خاصة، يحاول المساهمة في معركة الأمة المصيرية بأبحاث ومقالات… المزيد »

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى