قيمة الوقت بمنظور الشريعة

عن عمره فيما أفناه

المتأمل في أحوال الناس في عصرنا يدرك ولا شك أن مشاغلهم متفاقمة، مما جعل بعضهم يركض ليل نهار من عمل إلى آخر ومن مشغلة إلى أخرى فإذا ما انقضى النهار رأيته منهكا خائر القوى لا ينشد غير الراحة ثم الراحة.

ولكن إذا دققنا أكثر في حياة كل شخص ستجد أن هذا الانشغال ناتج عن عدم تنظيم في الأولويات وعدم ضبط المسار الزمني الذي سيعمل عليه، فتراه يتخبط هنا وهناك مستنزفا لطاقاته وأوقاته في أمور ثانوية بينما أولوياته متروكة تنتظر غير آبه بها، أو غير مدرك لأهميتها، هذا عدا فئة كبيرة من المجتمع يدَّعون الانشغال ولكن في حقيقة الأمر تراهم يمارسون الفراغ، فهم ينفقون الساعات الطوال في حديث غير ذي أهمية، أو في لهْوٍ زائد، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن إذا طلب منهم عمل جاد منتج يقول أحدهم “أنا مشغول”.

http://gty.im/498439293

من هنا وجب التذكير بأهمية الأوقات المهدورة في حياتنا، وضرورة وضع خطط سواء قصيرة أو طويلة المدى للانتفاع بساعات عمرنا التي كلما تقدم بنا العمر كلما تناقصت فنحن مخلوقون لغاية سامية تندرج تحتها كل الأعمال الصالحة وهي قوله تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” فلا يعتقدن أحد أننا جئنا للدنيا هملا وسنصبح عدمًا فهذا منافٍ لحكمة الله عز وجل القائل: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ”

لنبدأ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:

«لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ».

أي أن كل إنسان في موقف الحساب يوم القيامة سيسأل عن هذه الأربعة، وأولها عمره فيما أفناه، أي مدة أجله وساعات عمره فيما أنفقها وقضاها، هل في نافع مفيد قوَّى به إيمانه ونفع به نفسه وأمته أم في تفاهات ما أنزل الله بها من سلطان لم تزد فاعلها إلا تأخرا وتقهقرا.

وعلى كل إنسان مؤمن عاقل إعداد الجواب لهذا السؤال، بعمله قبل كلامه فجوارحه هي الشاهد عليه يومها، والله عالم بأفعاله كلها ولكن هو موقف ليتذكر العبد مشوار حياته فيسعد إن وفقه ربه للصالحات ويتحسر إن أسرف على نفسه من المهلكات ولسان حاله يقول ” رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ” ولا رجوع يومئذ.

http://gty.im/106819511

حديث آخر تظهر من خلاله قيمة الوقت في الشريعة الإسلامية وهو “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ” يشرحه الشيخ ابن باز كالآتي:

«يعني كثيرٌ من الناس تضيع صحته، وفراغه بغير فائدة، صحيح الجسم معافى في بدنه، وعنده فراغ، ولكن لا يستعمل ذلك فيما ينفعه، وفيما يقربه من الله، وفيما ينفعه في الدنيا، فهذا مغبون في هاتين النعمتين، وإنما ينبغي للمؤمن أن يستغل هذه النعمة فيما يرضي الله، وفيما ينفعه كالتجارة، وأنواع الكسب الحلال، والاستكثار من الصوم والصلاة، والذكر والطاعات، وعيادة المرضى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله-عز وجل-إلى غير هذا من وجوه الخير.

فالمؤمن يشغلهما-أي الوقت والصحة-بما يرضي الله، وبما ينفعه في دنياه من الحلال، فإذا ترك هاتين النعمتين، لم يستعملها فيما ينفعه فقد غبن، وهذا الغبن قد يكون محرمًا، وقد يكون لا يضره، فإذا لم يستعملها في معاصي الله، وأدى الواجب، لم يضره هذا الغبن، أما إذا كانت الصحة مستعملة في معاصي الله؛ ضره ذلك، أو الفراغ مستعمل في معاصي الله ضره ذلك، أما إذا كان، لا، لم يستعمل ذلك في معاصي الله، ولكن لم يستكثر في الحسنات المستحبة، ولم يستعمل هذا الفراغ والصحة فيما ينفعه في دنياه، ولكنه عنده ما يقوم بحاله ويقوم بحال عائلته وليس مضطرًا إلى الكسب ونحو ذلك، فإن ذلك لا يضره ولكنه نوع من الغبن، لو استعمل الصحة فيما ينفعه، من الذكر والطاعة، وأنواع الطاعات المشروعة، وفي المكاسب الحلال الطيبة يتصدق منها، لكان خيرا له.»

خطوات عملية لتنظيم الوقت

ولكيلا يبقى الأمر حكرا على الجانب النظري فهذه بعض الخطوات العملة التي تمكن من تنظيم الأوقات واستغلالها استغلالا جيدا:

  • تحديد الأولويات وتقديمها على غيرها.
  • عمل جدول أوقات شخصي يلتزم به الفرد.
  • تقييد الأعمال اليومية في ورقة صغيرة والاحتفاظ بها في الجيب كي يطلع عليها الفرد كلما ينهي عملا وينتقل لما بعده.
  • كتابة الأهداف طويلة المدى وتعليقها في مكان بحيث يراها الشخص يوميا فلا ينساها ويحاول كل يوم التقدم خطوة في الطريق لتحقيقها.
  • المراوحة بين الأعمال الهامة والأعمال الثانوية كي لا يشعر الفرد بالضغط والملل.
  • الاطلاع على بعض المراجع التي تعاونه في إدارة وقته، مثل كتاب “قيمة الزمن عند العلماء ” للشيخ عبد الفتاح أبو غدة وكتاب “إدارة الوقت” للدكتور إبراهيم الفقي.
  • العمل بأسباب البركة في الوقت: كتجنب الفتن والمعاصي، والمحافظة على الأذكار، والدعاء.

بارك الله لنا ف أوقاتنا وأعمرها بطاعته ولا جعلها حسرة علينا يوم الحساب.

إسلام نصيب

شابة ذات أربعة وعشرين عاما، خريجة كلية العلوم-تخصص بيولوجيا جزئية وخلوية وبيوتكنولوجيا- أعمل مدرسة في… More »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى