أيدي الأمم المتحدة ملطخة بدماء أجيال من الفلسطينيين

على الرغم من أنه غالباً ما ينظر إليها على أنها تستهدف العدوان الإسرائيلي، إلا أن الأمم المتحدة لعبت دائمًا دورًا حاسمًا في قمع الفلسطينيين.

زينة طحان – ذا نيشن (الأمة) 3 ديسمبر، 2024

في ظل استمرار المذبحة الإنسانية في غزة، حيث يُذبح الأبرياء وتُسلب الأرض والكرامة، يبرز سؤال محوري: من المسؤول عن هذا الظلم الذي يمتد لأجيال؟ ورغم أن الأمم المتحدة تُعتبر في كثير من الأحيان ضحيةً للعدوان الإسرائيلي، فإن تاريخها مع القضية الفلسطينية يكشف عن دور أكثر تعقيدًا.

منذ أن أُسست هذه المنظمة الدولية، تلاعبت القوى الكبرى بمصير الفلسطينيين، فبينما كانت تدّعي الحفاظ على السلام وحقوق الإنسان، سعت في واقع الأمر إلى فرض تسويات استعمارية ودعم سياسات استيطانية لم تترك للفلسطينيين سوى معاناة مستمرة.

في هذا المقال الذي نشر في مجلة (ذا نيشن) الأمريكية، تستعرض الكاتبة زينة طحان الدور الذي لعبته الأمم المتحدة ليس كحامية للسلام، بل كأداة للمصالح الإمبريالية التي فاقمت من معاناة الشعب الفلسطيني، وتُسلط الضوء على الفجوة بين الخطاب السياسي الدولي والواقع الملموس على الأرض، حيث ما يزال الفلسطينيون يقاتلون من أجل البقاء والعدالة في عالم يتجاهل مطالبهم.

نص المقال

“في أكثر الفترات وحشية بالنسبة للفلسطينيين، حيث تم ذبح ما لا يقل عن 44,000 شخص، من بينهم 17,000 طفل، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى التعمق في مسألة من يتحمل المسؤولية التاريخية والحالية عن الوضع الذي تعيشه فلسطين اليوم. ويمكن أن نبدأ من مكان واحد: (الأمم المتحدة).

تفخر الأمم المتحدة بكونها أكبر منظمة في العالم، مدعية أن هدفها هو “الحفاظ على السلم والأمن الدوليين” وتُعتبر عالميًا سلطة في مجال حقوق الإنسان، وهي، نظريًا، الآلية التي يتم من خلالها إنشاء القانون الدولي وتنفيذه (على البعض أكثر من غيرهم بطبيعة الحال!!).

أيدي الأمم المتحدة ملطخة بدماء أجيال من الفلسطينيين

لكن في حالة فلسطين، كان دور الأمم المتحدة، خلافًا لما يعتقده الكثيرون، كارثيًا. فعلى الرغم من أنها تُعتبر عالميًا ضحية للقيود الإسرائيلية، خاصة مع التخفيضات الشديدة في تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإنها في الواقع عملت تاريخيًا كأداة لتحقيق الطموحات الإمبريالية والاستعمارية للقوى العالمية التي أنشأتها.

ربما كان المثال الأكثر رعبًا لهذا الدور هو ما حدث في 29 نوفمبر 1947م، عندما وافقت الأمم المتحدة رسميًا على خطة تقسيم فلسطين، مما أعطى الضوء الأخضر للميليشيات الصهيونية لتفتيت دولة فلسطين ضد إرادة شعبها والعالم العربي.

بعض القوى ذاتها التي أنشأت الأمم المتحدة لـ “مراقبة العالم” في نهاية الحرب العالمية الثانية تشارك الآن في الإبادة الجماعية المرعبة التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، وساعدت في تنظيم سبعة عقود من المحو والتطهير العرقي وسرقة الأراضي والقتل وتدمير شعب بأكمله.

إذا أعلمتنا أحداث الأشهر الاثني عشر الماضية أي شيء، فهو أن الفلسطينيين لا يقاتلون فقط أقوى الأنظمة في العالم أو حلفاءهم العرب القساة في المنطقة، بل يقاتلون من أجل بقائهم ضد النظام السياسي العالمي بالكامل بعد الحرب العالمية الثانية.

الأمم المتحدة.. أداة القوى العظمى

كانت الأمم المتحدة فكرة الولايات المتحدة كوسيلة لتأمين مصالحها ومصالح حلفائها، المملكة المتحدة وروسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) والصين، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “أربعة شرطيي العالم”1.

مع إضافة فرنسا، تُشكل هذه القوى العالمية اليوم الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكأهم هيئة داخل الأمم المتحدة، عمل مجلس الأمن كمشرف رئيسي على الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الذي عاث فسادًا في حياة ملايين الفلسطينيين والعالم العربي الأكبر.

قرار التقسيم: نقطة التحول الكارثية

في حين أنه لا ينبغي اعتبار الأمم المتحدة نقطة البداية للاستعمار الصهيوني، فإن خطة تقسيم فلسطين التي أصدرتها الأمم المتحدة -والمعروفة بالقرار 181- ما تزال مركزية في رسم خارطة فلسطين وواقعها اليوم، فقد كانت الحافز الذي أدى إلى التطهير العرقي المنظم والعنيف لفلسطين بين عامي 1947م و1949م، ومهدت الطريق لسبعة عقود من السياسات ذاتها.

كان التقسيم هو السبب وراء إنشاء وكالة الأونروا في المقام الأول، مما كرس الفلسطينيين كلاجئين يعتمدون على المساعدات الأجنبية، كما أنه السبب في أن فلسطين تعاني من “أطول أزمة لاجئين غير محلولة في العالم”.

في الأشهر الستة التي تلت إقرار خطة التقسيم في 29 نوفمبر 1947م وحتى 15 مايو 1948م، ارتكبت الميليشيات الصهيونية بعض أبشع المجازر، وطردت نصف العدد الإجمالي من الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم خلال النكبة في نهاية المطاف. ورغم أن الاعتراضات الفلسطينية والدولية على الخطة كانت واضحة وصريحة، فإن القوى العالمية فرضتها رغم ذلك.

الاعتراضات على قرار التقسيم

قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة
إعلان الأمم المتحدة عن قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر من عام 1947م

قالت لجنة فرعية تضم أفغانستان وكولومبيا والعراق ولبنان وباكستان والسعودية وسوريا واليمن في المناقشات التي سبقت التصويت على خطة التقسيم:
«يشمل التقسيم انتزاع الأراضي وتدمير سلامة دولة فلسطين، لا تستطيع الأمم المتحدة أن تتصرف بشكل ينطوي على نقل الأراضي أو حرمان أغلبية سكان فلسطين من أراضيهم وتحويلها للاستخدام الحصري للأقلية في البلاد.»

وأضافت اللجنة: «تسوية مستقبل حكومة فلسطين هي مسألة تخص شعب فلسطين وحده.»

وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الباكستاني آنذاك، “سير تشودري ظفر الله خان” في الأمم المتحدة، قال: «ما هي السلطة التي تمتلكها الأمم المتحدة لفعل ذلك؟ ما هي السلطة القانونية أو القضائية التي تُخولها لفعل هذا، لجعل دولة مستقلة خاضعة للأمم المتحدة إلى الأبد؟»

وأضاف ظفر الله خان: «بعد أن قسمنا فلسطين بهذه الطريقة، سنضع جسدها النازف على الصليب إلى الأبد، لن يكون هذا مؤقتًا؛ سيكون دائمًا، لن تنتمي فلسطين أبدًا لشعبها؛ ستكون دائمًا ممتدة على هذا الصليب.»

وواجه المندوب السوري في الأمم المتحدة الجهود الغربية لحل أزمة أراضيها -أي الإبادة الجماعية واضطهاد اليهود في جميع أنحاء أوروبا- بتدمير وطن شعب آخر.

قال المندوب السوري: «إن مسألة فلسطين مستقلة تمامًا ومنفصلة عن مسألة الأشخاص المضطهدين في أوروبا، العرب في فلسطين ليسوا مسؤولين بأي شكل عن اضطهاد اليهود في أوروبا.»

وقال السفير الهندي لدى الولايات المتحدة آنذاك “آصف علي” في 15 مايو 1947م، قبل عام من النكبة: «أصبحت قضية فلسطين اختبارًا لضمير البشرية، ستجد الأمم المتحدة أن قرارها سيحدد مستقبل البشرية، سواء كانت ستسير بوسائل سلمية أم أنها ستُمزَّق إربًا، إذا نتج عن هذا التجمع قرار خاطئ، يمكنك أن تأخذ مني أن العالم سينقسم ولن يكون هناك سلام على الأرض.»

استمرارية القمع الإسرائيلي بدعم أممي

رغم الظلم الجسيم الذي أُنشئت إسرائيل بناءً عليه، أضافت الأمم المتحدة مزيدًا من الجراح عندما مررت قرارًا يمنح إسرائيل عضوية في المنظمة، واصفة إياها بأنها “دولة محبة للسلام”، مما أضفى فعليًا الشرعية على الاستعمار الاستيطاني والعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف.

منذ إعلانها كدولة، استمرت إسرائيل في ممارسة القتل والنهب وتهجير الفلسطينيين، وهو ما يفسر لماذا لم يتمكن الفلسطينيون حتى اليوم من تحقيق العدالة. ورغم الدعوات العالمية المستمرة لوقف إطلاق النار في غزة، لم تجد مطالبهم آذانًا صاغية.

ذلك لأن الأنظمة الغربية التي أنشأت وتُسيطر على الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن هي نفسها التي دعمت إنشاء إسرائيل، ولا تزال هذه الأنظمة مستثمرة في بقاء إسرائيل كقاعدة عسكرية واستيطانية لحماية مصالحها في المنطقة، بغض النظر عن الأذى الذي يلحق بالفلسطينيين.

نظرًا لأن وجود إسرائيل قائم على التطهير العرقي وتدمير فلسطين، فإن الأمم المتحدة مرتبطة بشكل لا ينفصل باستمرار قتل الفلسطينيين. فمن تقسيم فلسطين إلى إضفاء الشرعية على المستعمرات الاستيطانية والمساعدة في الحفاظ عليها على مدار 76 عامًا، بينما تنتهك كل قانون دولي تم إنشاؤه، لعب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والدول المشاركة، مثل ألمانيا وأستراليا، دورًا رئيسيًا في تمكين إسرائيل من انتهاك القانون الدولي.

في هذا السياق، فإن هذه الأطراف تتحمل مسؤولية الإبادة الجماعية الجارية تمامًا مثل إسرائيل، حيث تسعى حملتها الإقصائية في غزة إلى القضاء على ثلث إجمالي السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 6 ملايين نسمة بين النهر والبحر.

ينبغي محاكمة صانعي القرار في حكومات الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بدءًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ليس فقط بسبب الدماء على أيديهم اليوم ولكن أيضًا لدورهم التاريخي في تقسيم فلسطين ونتائجه المدمرة.

دعوات لإصلاح النظام الأممي

في الأشهر الأخيرة، دعت مجموعات مثل منظمة (أوكسفام) إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن «تستغل صلاحياتها الحصرية في التصويت والتفاوض لخدمة مصالحها الجيوسياسية الخاصة.»

وقالت المنظمة: إن «التناقضات بين كونهم القضاة والمحلفين على تحالفاتهم العسكرية ومصالحهم ومغامراتهم تتعارض مع عالم يسعى لتحقيق السلام والعدالة للجميع»، وأوضحت أن القوى الخمس أعاقت التقدم في سوريا وأوكرانيا وفلسطين أكثر من أي مكان آخر.

فلسطين: واقع غير مسبوق .. ودعوة للإنقاذ

على مدار العام الماضي، أصبحت الأمور أكثر صعوبة من أي وقت مضى بالنسبة للفلسطينيين، ليس فقط في غزة ولكن عبر جميع الأراضي المحتلة عسكريًا في الضفة الغربية والقدس. يتضمن ذلك هجمات المستوطنين والجيش المنظمة والمميتة التي تؤدي إلى القتل والإصابات بشكل منهجي، وسرقة الأراضي الجماعية والتطهير العرقي، وحصار المدن والقرى الفلسطينية، والاعتقالات، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والحرمان الشديد من حرية الحركة، وغير ذلك الكثير.

الشعب الفلسطيني يواجه خطر الإبادة، ليس فقط على يد إسرائيل، ولكن أيضًا على يد القوى التي تدعم النظام العالمي. إذا لم تُوقَف هذه الأنظمة من داخلها من خلال التعبئة الشعبية، فإن الإبادة الجماعية في غزة لن تكون سوى البداية.”

هامش

  1. وصف “أربعة شرطيي العالم” (The Four Policemen) مفهوم استخدمه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية لوصف الدول الأربع الكبرى التي كانت من المتوقع أن تلعب دورًا رئيسيًا في ضمان الأمن العالمي بعد الحرب وهي: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي (روسيا اليوم) والمملكة المتحدة، والصين.
    روزفلت تصور أن هذه القوى الأربع ستعمل بمثابة “الشرطة الدولية” التي تمنع الحروب والصراعات الكبرى، وتضمن النظام العالمي. هذا المفهوم كان مقدمة لفكرة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث أصبحت هذه الدول (مع انضمام فرنسا لاحقًا) الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو). ↩︎

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى