إرشاد الحيارى إلى حكم اليهود والنصارى
أرسل الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، للناس كافة بشيرا ونذيرا، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28]، وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158]، قال الإمام ابن باز: (أمة محمد صلى الله عليه وسلم جميع الثقلين الجن والإنس هم أمته، لكن يقال له أمة الدعوة، كلهم مدعوون، كلهم مكلفون مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ومأمورون بتوحيد الله وطاعته، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى عنه كلهم مكلفون جنهم وإنسهم).
وجعله الله خاتم النبيين وسيد المرسلين، إذ لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 40]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء تكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقّهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) [رواه مسلم].
قال عليه الصلاة والسلام: (وإنه سيكون في أمتي كذّابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) [رواه أبو داوود]، وقال عليه الصلاة والسلام: (فُضّلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) [رواه مسلم]، قال العلامة ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: (ثم ختم الرّسالة والنّذارة والنّبوّة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم، فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وأنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دينه القويم، وهدى به الصراط المستقيم)[1].
إن الدين عند الله الإسلام
ما من رسول أرسله الله إلا ودعا قومه إلى الإسلام وإلى توحيد الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [النحل: 36]. وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة، قالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : الأنبياء إخوة من علات ، وأمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، وليس بيننا نبي) [رواه مسلم].
الأنبياء متفقون في أصول التوحيد، وأما شرائعهم تختلف، فمثلا في شريعة يعقوب صلى الله عليه وسلم يمكن الجمع بين الأختين ولكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يجوز ذلك، وسبب ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل من الشرائع لأنبيائه ما يناسب أقوامهم بحكمة من الله العليم الحكيم.
شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها
ولما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم نسخت شريعته جميع الشرائع السابقة، فكانت شريعته صلى الله عليه وسلم الأنسب والأقوام والأصلح لكل الناس وفي كل زمان ومكان، عن جابر بن عبد الله: (أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب وقال: أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب ؟! و الذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيّا، ما وسعه إلا أن يتبعني) [رواه أحمد].
فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يجب على الناس أن يتبعوه ولا سبيل للفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بالإسلام، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19]، وقال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 03]، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]، قال الإمام الطبري: (يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطلب دينا غير دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل الله منه، (وهو في الأخرة من الخاسرين). يقول: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله)[2].
بين أمة الدعوة والمسلمين
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (و الذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النّار) [رواه مسلم]، والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (من هذه الأمة)، أمة الدعوة، فإن أمة الدعوة تشمل كل الناس من يهودي ونصراني ومشرك بالله وموحد لله إنسيهم وجنيهم كما أوضحناه بالأدلة من قبل، أما أمة الإجابة فهم المسلمون الذين آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام النووي في شرحه للحديث:
(أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيها على من سواهما، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى)[3].
اليهود والنصارى بعضهم يكفر بعضًا
أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن اليهود والنصارى قد كفّروا بعضهم بعضا، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فاليهود كذبوا بدين النصارى، وقالوا: ليسوا على شيء، والنصارى كذبوا بجميع ما تميز به اليهود عنهم، حتى في شرائع التوراة التي لم ينسخها المسيح، بل أمرهم بالعمل بها، وكذبوا بكثير من الذين تميزوا به عنهم، حتى كذبوا بما جاء به عيسى عليه السلام من الحق[4]).
من جانب اليهود:
يقول الدكتور جوزيف باركلي إن الطبعات الأولى من التلمود شملت كثيرًا من كلمات السب والشتم ضد سيدنا المسيح عليه السلام والمسيحية، ولكن الطبعات الأخيرة لا تشمل إلا القليل جدا بعد أن طهرتها الكنيسة. ومن طبعات التلمود التي كانت تسب وتشتم سيدنا المسيح طبعة أمستردام لسنة 1645، وقد نعت فيها المسيح وأتباعه بأوصاف مذمومة:
- يقول التلمود أن المسيح عليه السلام رمي بالأحجار ثم صلب مساء عيد الفصح.
- المعجزات التي قام بها المسيح كانت بقوة السحر، وأنه تعلم السحر أثناء وجوده في مصر.
- العهد الجديد (الإنجيل) يسمى بكتاب مملوء بالإثم[5].
ويقول التلمود عن المسيح: (إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أُمَّه مريم أتت به من العسكري ”باندارا” عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات، والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة، وإن قتل المسيحي من الأمور المأمور بها، وإن العهد مع المسيحي لا يكون عهدًا صحيحًا يلتزم اليهودي القيام به، وإن من الواجب أن يَلعَن اليهودي ثلاث مرات رؤساءَ المذهب النصراني، وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة لبني إسرائيل)[6].
من جانب النصارى:
لقد جاء في كتاب المسيح مشتهى الأجيال: (وقال السيد المسيح عن موقف اليهود الرافضين له: “هذه هي الدينونة إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة” (يو3: 19). أي أن رفض اليهود لرسالة السيد المسيح كان نابعًا أساسًا من محبتهم للمال أو محبتهم للعالم، أو محبتهم لذواتهم، أو محبتهم للشهوات الجسدية، أو لغرورهم أو لكبرياء قلوبهم، أو لمحبتهم للسلطة، أو محبتهم للمجد العالمي، أو لرغبتهم في إثبات بر أنفسهم، أو لرغبتهم في مملكة أرضية ترضى تطلعاتهم الزمنية، أو لعدم اكتراثهم بحاجتهم للخلاص من عبودية الشيطان والخطية، أو لعدم إيمانهم بالقيامة من الأموات أو بالحياة الأبدية، أو من بعض أو كل هذه الأسباب مجتمعة.
لهذا قال السيد المسيح لليهود: “أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالًا للناس من البدء” (يو8: 44). وقد رد السيد المسيح على كل هذه الأشياء موضحًا لهم أنها كلها كان المفروض أن تقودهم إلى الإيمان به وبرسالته، ولهذا فأنها ستشهد ضدهم لأنهم لم يؤمنوا به).
قال الدكتور جوزيف باركلي وهو من المعاصرين أيضا: (وبعض أقوال التلمود مغال، وبعضها كريه، وبعضها الآخر كفر. ولكنها تشكل في صورتها المخلوطة أثرًا غير عادي للجهد الإنساني، وللعقل الإنساني، وللحماقة الإنسانية)[7].
فالشاهد أنه كما كفر بعضهم بعضا قديما، ها هم حاليا أيضا يكفر بعضهم بعضا، ولكن شغلهم أمر يهمهم أكثر عن ذلك وهو معاداة الإسلام وأهله.
قال الله تعالى: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة: 105]، وقال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109].
اليهود والنّصارى كفار بنص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة
-
حكم النصارى وافتراءاتهم
قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). وقال الله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة: 73].
-
حكم اليهود وافتراءاتهم
وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 30-31].
وقال الله تعالى: (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [آل عمران: 72]، وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) [آل عمران: 70]، فهذه أدلة صريحة في كفر أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وشركهم وقد نسب الله إليهم الكفر والشرك كما هو واضح من خلال الآيات المذكورة وضوح الشمس للناظرين.
الإسلام دين الفطرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه، ويمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء؟) [رواه مسلم]، قال الإمام النووي في شرحه لمعنى يهودانه وينصرانه ويمجسانه: (أي يحكم له بحكمهما في الدنيا فإن بلغ استمر عليه حكم الكفر ودينهما فإن كانت سبقت له سعادة أسلم وإلا مات على كفره)[8]. وقال عمر رضي الله عنه: (لا تعلَّموا رَطَانَة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإنَّ السَّخطة تنزل عليهم) [رواه البيهقي وعبد الرزاق].
إجماع أهل السنة على كفر اليهود والنصارى
-
قول بن حزم وابن تيمية
قال ابن حزم في كتابه “مراتب الإجماع”: (واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا)[9]، فأهل السنة كلهم مجمعون على كفر اليهود والنصارى، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه: من حكم على اليهود والنصارى بالإيمان وأنهم ليسوا كفارا واتبع بذلك منهج الجهمية والمرجئة المحضة، فقد كذّب القرآن والسنة النبوية وأنكر إجماع السلف الصالح والأئمة الهداة، فيكون بذلك كافرا بالله رب العالمين، وإن مات على ذلك فهو مثلهم مخلد في النار لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
-
قول ابن باز
وقد سئل الإمام ابن باز “ما حكم من لم يكفر اليهود والنصارى”؟ فأجاب: «من لم يكفر الكفار فهو مثلهم، الإيـمان بالله هو تكفير من كفر به، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم مـاله ودمـه وحسابه على الله) [رواه مسلم]، ويقول جـل وعـلا: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256]. فلا بد من الإيـمان بالله، وتوحيده والإخلاص له، والإيـمان بإيـمان المؤمنين، ولا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا كاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيين وغيرهم، ممن يوجد اليوم وقبل اليوم، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية»[10].
قلت: وإن فرضنا أن قوما منهم لم تبلغهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا به مع أن هذا مستبعد، فإننا نحكم عليهم في الدنيا بالكفر لأنهم أشركوا بالله، ويوم القيامة يمتحنون، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا كنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: 15].
وللعلم فإن التكفير مسألة عظيمة جدا وخطيرة، وتحتاج إلى علم غزير وبصيرة بالشريعة الإسلامية، ولهذا وُجد من الجهّال من أهلكه التفريط فأصبح لا يكفر من كفره الله ورسوله، ووجد من أهلكه الإفراط حتى كفر المسلمين، خاصة وقد تجرأ الشباب على تكفير بعضهم بعضا، والله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [الأحزاب: 70]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) [رواه مسلم].
رد على بعض الشبهات.
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وكما قيل الرجوع إلى الحق فضيلة، ولهذا وجب على هؤلاء الذين ينشرون الشبه ليفتنوا المؤمنين أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إلى الحق المبين والصراط المستقيم، خاصة أولئك الذين يظهرون في الإعلام ويتكلمون في كل شيء وفي كل المسائل ما صغر منها وما عظم.
عدم تكفير اليهود والنصارى
فأصبحوا يتكلمون في الإسلام وفي علوم لا يجيدونها، ففسروا القرآن بأهوائهم لينشروا الفتن والقلاقل والمحن، وقد استدل بعضهم على عدم كفر النصارى بقوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة: 82].
ولكن الآية حجة عليهم لا لهم لأن الله سبحانه يقول بعدها: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ، وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) [المائدة: 83-84]، جاء في تفسير الجلالين: قال تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) من القرآن (ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا) صدقنا بنبيك وكتابك (فاكتبنا مع الشاهدين) المقربين بتصديقهم[11] .
أن الله سيجازي جميع اليهود والنصارى يوم القيامة
ويستدلون بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 62]، فيقولون أنظر كيف أن الله سيجازي جميع اليهود والنصارى يوم القيامة، ولكن هذا من الجهل والكذب على الله سبحانه، قال الإمام السعدي: (والصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف، من حيث هم، لا بالنسبة إلى الإيمان بمحمد، فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وأن هذا مضمون أحوالهم، وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام، فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم، لأنه تنزيل من يعلم الأشياء قبل وجودها، ومن رحمته وسعت كل شيء.
وذلك- والله أعلم -أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمهم، وذكر معاصيهم وقبائحهم ، ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم، ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها، ليتضح الحق، ويزول التوهم والإشكال، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين)[12].
ولم يقل أحد من المفسرين المعتبرين مثل كلامهم الآثم، كيف لا يكون كذلك وهم يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، قال الله تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) [الأنعام: 116]. وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين.
المصادر
- عبد الله بن أبي زيد القيرواني، رسالة ابن أبي زيد القيرواني، دار الفضيلة، القاهرة، ص.19
- – ابن جرير الطبري، تفسير الطبري، الطبعة الأولى، الجزء الخامس، دار هجر، القاهرة، 2001م، ص.555. [2]
- أبو زكريا يحيى النووي، المنهاج، بيت الأفكار الدولية، ص.190.[3]
- أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، الجواب الصحيح، الطبعة الثانية، المجلد الأول، دار العاصمة، الرياض، 1999م، ص.115. [4]
- ظفر الإسلام خان، التلمود تاريخه وتعاليمه، الطبعة الثانية، دار النفائس، بيروت، 1972م، ص.61-62-63. (بتصرف).
- أحمد شلبي، اليهودية، الطبعة الثامنة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1988، ص.271.
- ظفر الإسلام خان، التلمود تاريخه وتعاليمه، مرجع سابق، ص.7. [7]
- أبو زكريا يحيى النووي، المنهاج، بيت الأفكار الدولية، ص.1574.
- ابن حزم الظاهري، مراتب الإجماع، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، بيروت، 1998م، ص.202.
- عبد العزيز بن باز، سبل السلام شرح نواقض الإسلام، الطبعة الأولى، 2011م، ص.105-106.
- جلال الدين المحلي، جلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين، الطبعة الثالثة، دار الحديث، القاهرة، 2001م، ص.153. [11]
- عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، بيروت، 2003م، ص.39-40.