شيبٌ في الخامسة: المجزرة غيرت مجرى حياتي ودمرتني
في متابعة لأحداث من ذاكرة الإرهاب الدولي: ومتابعة مذبحة صبرا وشاتيلا
صارت كلمة «الإرهاب» تلوكها الألسن وتصوغها الأفكار، وبرع الجلادون في توظيفها أحسن التوظيف، بل وحصروها في منطقة الشرق الإسلامي، وبالإسلاميين تحديدًا، وعملت روافد إعلامهم الجبارة على إيهامنا أننا إرهابيون، وأنهم هم الأبرياء وأصحاب مواثيق حقوق الإنسان والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. وعملوا أيضا على التلاعب بذاكرة الأمة المسلمة، وطمس تاريخهم الدموي. حتى باتت مجازر الغرب نسيًا منسيًا.
فإذا جاء ذكرها مروا عليها مرور الكرام، لكن الخطير أننا أيضًا جهلنا هذا التاريخ الدموي، مما يتحتم علينا رصده وتدوينه وتذكير الأجيال به دومًا، لكيلا تهتز ثقتنا بأنفسنا، ونعلم علم اليقين من هو الإرهابي الحقيقي، وحتى لو وجد فينا بعض الإرهاب فإنما هو ردٌ على تاريخهم الأليم وتصرفاتهم الوحشية.
شهيرة أبو ردينة: انقضوا على الرجال بالبلطات
شهيرة أبو ردينة التي ترفض التكلم عن المجزرة عادة، تكلمت وأخبرت ماذا حدث. قالت: “كنا في الغرفة الداخلية نختبئ من القصف لأنها أكثر أمانًا وبعيدة عن الشارع-يقع بيتها في الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الأساسية-كنا كثرًا في المنزل.” قالت: “بقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع أثناء الليل صراخًا وإطلاق رصاص. عرفنا حينها أنهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الأزقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت أختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري.
ما إن أصبحت في الخارج حتى صرخت “بابا” بصوت مرعب ثم سمعنا إطلاق الرصاص. خرج والدي وراءها فقتل أيضا.
وُجِدت جثة أخت شهيرة فيما بعد-مربوطة إلى النافذة وكانت منتفخة جدا. كان عمر أختي 17 عاما، أخي كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، أما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا، جاءوا صباحا وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال أمام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات. وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا إلى الشارع الرئيسي وكنا نساءً وأطفالًا فقط. وضعونا أمام الحائط، وما إن هموا بقتلنا حتى سمعنا إسرائيليًا يصرخ بالعبرية.
لم نفهم ما يقول، لكنهم هم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها أخذونا إلى المدينة الرياضية وحبسونا عند الإسرائيليين في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، أخبرنا الإسرائيليين ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا.
بقينا هناك، إلى أن بدأت الانفجارات. بدأت الألغام المزروعة في المدنية الرياضية تنفجر، فهرب الإسرائيليون إلى ملالاتهم، وهربنا نحن باتجاه الكولا”.
محمد أبو ردينه: حاولوا ذبحنا على الطريق:
محمد أبو ردينة-ابن عم شهيرة-. كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة، قتل يومها والده وأخته وصهره. أَخبَر محمد كيف قتلوا أخته. قال: “كانت حاملًا عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين واخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل أمام بيت شهيرة ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. أنا وأمي وأختي. اقتادونا مع الباقين من نساء والعائلة وأطفالها إلى المدينة الرياضية وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيرًا ولم أعِ ما يحدث لنا. لم أعِ، إلا أني كنت خائفًا جدًا، وعيت المجزرة عندما كبرت بسبب الظروف الصعبة التي عشناها بعد ذلك.
تدمر بيتنا في حرب المخيمات وأصبحنا بلا مأوى. ننتقل من مكان إلى آخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض أمي. في عام 1992 جاء أحدهم وأحضر لها شريط فيديو عن المجزرة فرأيت والدي وأختي.
عندها أصيبت بجلطة في الدماغ، تحولت بعدها إلى مجرد صورة. كانت تتوه في الطرقات فأذهب للبحث عنها. كنت في حوالي الرابعة عشرة من عمري وليس لي أحد. وجدت نفسي مضطرًا للاهتمام بها بدل أن تهتم هي بي، إلى أن ماتت عام 1995.
اضطررت للعمل وأنا صغير جدًا. والدتي عملت لبعض الوقت في تنظيف مكتب علي أبو طوق أثناء حرب المخيمات. كان علي يعطف علينا وساعدنا في ترميم بيتنا. أنا الآن وحيد وليس لي أحد. المجزرة غيرت مجرى حياتي ودمرتني”.
محمد الآن -في العشرين من عمرة. أبيض شعره بعد المجزرة مباشرة وهو في الخامسة من عمره، والمأساة حفرت عميقا في قسمات وجهه. يبدوا الآن أكبر من عمره بعشر سنوات على الأقل. قال إنه يسعى حاليًا للهجرة. إذ لم يعد يحتمل الحياة هنا.
القتل ذبحًا أو بكواتم الصوت منع الفلسطينيين من معرفة ما يجري في المخيم. كثيرون لم يصدقوا أن مذبحة تجري في مخيمهم. روى العديد من أهالي المخيم كيف كانوا يتجمعون في بعض المساحات يتسامرون ويتناقشون ويشربون القهوة. بينما تجري على بعد أمتار منهم عمليات ذبح وقتل.
في ساحة الجامع، أخبر بعض المسنين كيف لم يصدقوا أن مجزرة تحدث في المخيم إلا بعد قدوم نساء وأطفال تغطيهم الدماء.
قال أبو محمد: إنه كان ضمن وفد الرجال الذي تشكل لمقابلة الإسرائيليين وتسليم المخيم لهم كي تتوقف المجزرة. كان أبو محمد «الوحيد» الذي نجا من الوفد، إذ تخلف عنهم وذهب لإحضار بطاقة هويته من المنزل. سرعان ما قتل أعضاء الوفد رغم خروجهم حاملين شرشفًا أبيض.
أخبر أحد الرجال أن: “المخيم كان محاصراً بالجيش الإسرائيلي من جميع مداخله، عندما علمنا بالمجزرة أردنا أن نخرج لكننا خفنا أن يقتلونا. عند ذلك قام أحد الشباب بإشعال قنينة غاز ورميها في مخزن للأسلحة في المخيم. بدأ المخزن يتفجر فهرب الإسرائيليون والكتائب بعيدا عن مكان الانفجار. عندها تمكنا من الخروج من طريق على مقربة من المخزن المنفجر.”
إسرائيل تحاكم نفسها!!
لم يقم المجتمع الدولي أو دولة لبنان أو إسرائيل بتحقيق رسمي في تفاصيل المجزرة إلا بعد أن خرج 400 ألف إسرائيلي ليتظاهروا عند سماع خبر المجزرة من مصادر الإعلام الدولية، فأمر الكنيست الإسرائيلي بتشكيل لجنة تحقيق خاصة. وقرر رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية إسحاق كاهن، أن يرأس تلك اللجنة بنفسه، وسميت «لجنة كاهن».
ورغم تقليص صلاحيات هذه اللجنة التي أخذت طابعا سياسيا وليس قانونيا كونها همشت أصوات الضحايا، توصلت بعد عام (1983) إلى نتائج التحقيق.
حيث خلصت اللجنة إلى أن المسئول المباشر عن قيادة هذه المذابح هو إيلي حبيقة، مسئول مليشيات حزب الكتائب بلبنان آنذاك.
وأقرت اللجنة في تقريرها، أن وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة، إذ لم يسع للحيلولة دون وقوعها. كما انتقد تقرير اللجنة، رئيس الوزراء آنذاك مناحم بيجين، ووزير الخارجية إسحاق شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان، وقادة المخابرات، موضحًا، أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون وقوع المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت.
واعتبرت اللجنة أنها لم تجد إثباتات على أن الجيش الإسرائيلي كان ضالعًا بصورة مباشرة في المجزرة، لكن اللجنة أكدت أن ضباط الجيش علموا في مرحلة معينة بالمجزرة التي كانت لا تزال جارية ولم يفعلوا شيئًا من أجل وقفها.
وأوصت اللجنة بإقالة وزير الدفاع في حينه آرئيل شارون -وهو ما تم فعلًا-بعد إصرار اللجنة، وعلى أثر المظاهرات الحاشدة، استقال شارون من منصبه كوزير دفاع ولكنه بقي في الحكومة كوزير دون ملف، لكن بعد عشرين عامًا تم انتخاب شارون رئيسا للوزراء.
نتائج المجزرة: دعاوى لم تصل بعد
ولم تصل كل الدعاوى القضائية التي رفعت ضد شارون في لبنان وبلجيكا إلى خواتيمها لمحاسبته على هذه الجريمة، كما بقية المشاركين فيها، وظل يتبوأ مناصب رفيعة مستمرًا بسياسة قتل الفلسطينيين إلى أن أصيب بجلطة دماغية في عام 2005 ودخل في حالة غيبوبة موت دماغي انتهت بوفاته عام 2014.
ورغم فظاعة المذبحة كوفئ مرتكبوها بمناصب وزارية، ومنها تعيين حبيقة وزيرا في حكومة الرئيس رفيق الحريري، وانضم بعدها إلى فريق سياسي موالٍ لسوريا، وبات بطلا كأنه لم يقتل 3500 مدني أعزل.
ثم قُتل إيلي حبيقة بتفجير سيارة مفخخة في بيروت 24 يناير عام 2002، عندما قرر الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في هولندا لفضح دور إسرائيل في هذه المذبحة، وأما سمير جعجع فقد تم سجنه عام 1994 بسبب تعدد جرائمه السياسية، وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم للمؤبد، ثم العفو النيابي سنة 2005 ليعود إلى ممارسة السياسة كأن شيئا لم يحدث.
كما تمت عدد من مبادرات التحقيق غير الرسمية، ومنها تحقيق شون ماكبرايد واللجنة الاسكندينافية، والتي اعتمدت أغلبيتها على شهادات مستقاة من شهود العيان الغربيون بالإضافة إلى أعمال صحفية وأبحاث تاريخية جمعت كمية من المعلومات المهمة عن المجزرة.
مقال كُتب بطريقة سيئة، لا يدري القارئ مثلا عن أي مذبحة ومجزرة يتكلم ومتى! غالب القرّاء لم يكونوا ولدوا في تلك الفترة أو كانوا أطفالا، كما أن هناك كثير من المجازر ارتُكبت ضد المسلمين ومخيماتهم، فعن أي مجزرة تتكلم وفي اي سنة ومن ارتكبها؟؟ فمن أراد التحدث عن ارهاب العدو وإثباته يجب ان يأتي بأرقام وتفاصيل جغرافية وزمنية الخ! لكن أسلوب الكاتب هنا هنا وكأنه يروي رواية قد تكون واقعية أو خيالية!
ثم كتبت الكاتب: “تدمر بيتنا في حرب المخيمات وأصبحنا بلا مأوى. ننتقل من مكان إلى آخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض أمي. في عام 1992 جاء أحدهم وأحضر لها شريط فيديو عن المجزرة (فرأيت) والدي وأختي. عندها أصيبت بجلطة في الدماغ”(ا.هـ)، الكاتب يقصد (فرأت) وليس (فرأيت)!! احتجت قراءة الفقرة ثلاث مرات حتى أفهم المقصود، إذ تسائلتُ كيف يرى الشاب الفيلم وأمه هي من تصيبها جلطة، كما ظننت أن الذي اصابته الجلطة هو الشاب لانه هو الذي رأى الفيلم لكن هذا الفهم لم يستقم مع قوله “عندها أصيبت بجلطة” والتي تدل على أنثى، فلما تابعت قراءة الموضوع تأكدت أن الام هي من اصابتها الجلطة!!