5 أمور يجب أن تراعيها لتُأسس أسرة مسلمة مثالية

عندما نتحدث عن مشروع فإننا نشير إلى وضع موارد وإمكانيات كاستثمار قصد إنشاء ما يعود علينا بالربح المادي أو المعنوي، وعندما نتحدث عن الأسرة، فإننا نتحدث عن أساس المجتمع ولبنته التي يقوم عليها صرح الأمة، فكيف لنا أن ننجح في إنشائها بشكل يخول لها الاضطلاع بوظيفتها التي خصها الله بها؟ و هل هنالك خصائص من الضروري أن تتوفر عليها و فيها لتقوم بالمنتظر منها ؟

لإنشاء أسرة ناجحة قائمة بواجبها على أحسن وجه، من الضروري طبعا أن نبدأ من الأساس الذي هو متعلق بالزوجين ؛ فإن علما بما ينتظرهما من وظائف و كانا مستعدين لها وراضيين القيام بها، عندها يمكننا الانتقال إلى الحديث عن خصائص الأسرة الناجحة ، أما إن كان كل طرف يرى دوره بشكل مستقل شبه أناني يستهدف الراحة فقط أو الربح المادي الخاص، فالمشروع فاشل قبل انطلاقه، لأن الأساس هنا هو النظرة الموحدة والتصور المشترك الذي تبنى عليه خطة واضحة الأهداف والمحطات لزوجين متفقين. بعد توفر هذا التصور المشترك يمكننا الحديث عن خصائص خمسة، أرى أنها الأهم والأنسب لإنشاء تلك الأسرة التي يمكنها النهوض بالأمة، و هذه الخصائص مرتبة بشكل يجعل كل خاصية متوقفة على التي قبلها، و هي كالآتي:

1- مبنية على رضى الله والخضوع له

وهذه النقطة ضرورية وهي حجر الزاوية ؛ فالأسرة التي تخضع لله تعالى وتبتغي رضاه لن تحيد عن هدفها رغم ما قد تواجهه من صعوبات، وكل عضو من الأسرة يعلم ما له وما عليه، و يتخلق بأخلاق الإسلام ، فحتى الزوجة التي يفرض عليها الإسلام طاعة زوجها يربط هذه الطاعة بعدم مساسها بأوامر الله تعالى فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، و هي إن علمت وعملت بذلك، كانت كالبوصلة التي توجه الأسرة إن عميت بصيرة ” الربان “.

وهذا الخضوع لأوامر الله تعالى يستلزم معه الرضا بقدره و قضائه؛ فعند حدوث مصيبة تبقى الأسرة متماسكة غير متصدعة، ثابتة غير متزحزحة ولا تحيد عن هدفها الأساسي الذي هو رضا ربها، فلا تستهدف شراء آخر الأجهزة الإلكترونية وهي تعلم بوجود محتاج لمأكل، و لا تضع كل أموالها في رحلة حول العالم عوض أن تدفعها لمستحقيها من الفقراء والمساكين، بل قد يبلغ بها الحال أن يكون دخلها محترما ومظهرها لا يشير إلى ذلك ، فغايتها رضا الله أساسا وليس إرضاء النفس أولًا.

إقرأ أيضًا: أُمهات خالدات في التاريخ الإسلامي بآلاف الرجال

2- مستقلة أيديولوجيًا عن المجتمع

أسرة مستقلة

فلا تكون أسرة كباقي الأسر، يعمل فيها الزوجان من أجل التحصل على راتب ينفقانه في أداء مبالغ قروض ربوية أخذاها لشراء شقة يسكنانها و ابنهما الذي يريانه في الصباح قبل عملهما و المساء قبل نومهما، يمضي هو بقية الوقت مع مربية مجهولة الأيديولوجية أو مع جديه الذين يتكلفان برعايته لحين عودة والديه.

فمن الضروري أن تكون الأسرة مستقلة عن تصورات المجتمع فلا تماشيهم فيها بغية الإندماج، و لا تقبل بالخاطئ لاتقاء غضب المقاطعين ونظرات الناس، بل تكون غايتها صنع عالم مواز حيث يكبر الأبناء غير متأثرين بالتصورات الجاهلية الحديثة فينهلون من العلم والثقافة السليمة قبل أن يواجهوا العالم وهم أصحاب عقيدة ثابتة وتصور سليم للحياة منبثق من الإسلام فيصعب تحييدهم أو التأثير عليهم ، و لا يكونون عرضة للإعلام الذي كثيرًا ما يناقض نفسه في سبيل تمرير واقع مراد له أن يكون حقيقة، و العمل على استقلال الأسرة أيديولوجيا لابد له من العمل على 4 نقاط مهمة وهي:

أ- الإسلام كما هو

فيلقن الأطفال دينهم كما هو منزل من عند الله ، لا كما يريده كل نظام معين ( الإسلام الفرنسي -الإسلام المغربي – الإسلام على الطريقة المصرية) فيتعلمون أساسياته وفرعياته حتى يبلغوا أن يكونوا قادرين على مواجهة الحجة بالحجة والدليل بالدليل إن التقى الجمعان و كانت المواجهة .

إضافة إلى ما سبق، يكون هؤلاء الأطفال ” موازين ” يقيس بهم المجتمع درجة انحرافه ؛ فينظر لهم كصالحين يريد بلوغ صلاحهم و يتذكر عبرهم الأخلاق النبيلة والمواقف الصائبة فيظهر من بين أفراده من يقرر تغيير أوضاعه هو الآخر.

أسرة مسلمة

ب- الثقافة السليمة

فيكتسب الأطفال أساسا ثقافيا غير متأثر بمادية الرأسماليين ولا روحانية المتصوفين، بل يكون ذا أساس إسلامي له تصوره الخاص للحياة، رؤيته المستقلة للأمور وأهدافه التي عليه بلوغها.

و تكون منفتحة على العالم فيتعلم الطفل أنه جزء من عالم أكبر بثقافات مختلفة عديدة عليه التعامل والتفاعل معها دون أن تؤثر على عقيدته هو .

إقرأ أيضًا: لا تدعهم يغتالون طفلك فكريًا !

ج- التعليم المنزلي

الهدف الأساسي من هذه النقطة هو أن تكون الأسرة خارج المنظومة المجتمعية بكل تصوراتها الجاهلية ، ولعل أحد أبرز الطرق الممكن استخدامها هي التعليم المنزلي بالأساس حيث تتكلف الأم خصوصا بتربية أبنائها وتعليمهم على قدر علمها وتستعمل الأنترنيت مثلا لتعريفهم بمجالات أخرى كثيرة مهمة ومفيدة لم يكونوا ليتعرفوا عليها في المدارس الحكومية أو الخاصة كالبرمجة التقنية مثلا، فالتعليم المنزلي يحقق استقلالا أيديولوجيا للأبناء الذين يكتسبون أدوات ومعارف غير متأثرة بتوجيهات الأنظمة الحاكمة ، و بذلك يكونون مستقلين فكريا ، كما يتسنى للأبوين أن يوجها أبنائهما للطريق القويم ويكسبوهم مهارات حياتية وفكرية ما كانوا ليظفروا بها في المدارس الرسمية، و قد تكون أكبر نقاط ضعف هذا الاختيار هو ما يتعلق بالشواهد المدرسية التي تسمح للشخص الالتحاق بوظيفة أو الحصول على عمل لكن لحسن الحظ أن هنالك مؤسسات مستقلة يكفي تجاوز امتحاناتها لنيل شواهد معترف بها على المستوى العالمي وليس المحلي فقط ، فمن كانت تلك النقطة مخيفة له فإن الحل موجود .

د- الإعلام النزيه

و المقصود به جميع وسائل نقل المعلومة بشكل لا يجعلها سلاحا تدفع الشخص لتكوين رأي معين حول واقعة أو جماعة أو شخص، خدمة لأجندات طرف معين، فمن الضروري توعية الأبناء بخصوص الإعلام وتثقيفهم بدوره حتى لا يكونوا كالماء في طبق، أينما مال الطبق مالت معه المياه، ولبلوغ هذه الغاية من اللازم انتقاء المصادر الإعلامية وتنويعها مجالا، لغة و مصدرا .

3 – مكتفية ذاتيا لأقصى درجة ممكنة و لا تحتاج للغير

ليس من الضروري أن تتوفر فيها كل الشروط التالية، لكن الهدف المبتغى من هذه النقطة هو ألا تجد الأسرة نفسها مضطرة أن تسأل لسد حاجاتها و يبلغ بها الأمر أن تقدم تنازلات في سبيل ذلك.

زوجين

أ – أن لا تكون مرتبطة بأرض

فلا تكون مقيدة بالبقاء في مكان معين قد لا يناسبها ويشكل خطرًا عليها، بل تكون مستعدة للفرار بدينها أو بحثا عن لقمة عيشها عند الضرورة ، و في ذلك فرصة لأفراد الأسرة – خاصة الأطفال – للتعلم من التجارب الجديدة التي قد يصادفونها .

ب – الزراعة العضوية

و هي للأسف من أكثر ما يغفل عنه الناس كثيرا خاصة المسلمين ، فالزراعة العضوية في المنزل مثلا أو في حديقته يمكنها أن تبعد ثقلا عن ظهر ولي أمر الأسرة، فعوض تخصيص ميزانية محددة لشراء الخضر والفواكه كل أسبوع ، يمكن تقليص تلك الفاتورة عبر زراعة أكبر قدر ممكن منها في المنزل (على السطح مثلا، في الشرفة ، على جنبات النوافذ أو في حديقة المنزل … ) فيتعلم الأبناء قيمة طعامهم و لا يصبحون مستهلكين فقط، كبقية المجتمع بل يتعلمون أن ينتجوا ما يحتاجونه و لا يشتروا إلا ما لا يمتلكونه مما يحتاجون .

ج – نظام كهربائي ومائي مستقل

ما سيمنح الأسرة تحكما أكبر في ما تستهلكه من طاقة و ماء، إضافة إلى تعليم الأبناء قيمتهما فلا يبذرونهما ويحسون بالمسؤولية عند كل استعمال .

ومن جهة أخرى، تمكن هذه النقطة الأسرة من إزاحة مصاريف عديدة من فواتيرهم الشهرية وضخها في ميادين أخرى .

د – القدرة على إعادة استعمال الأشياء المختلفة

فكثيرة هي الأشياء التي نرميها اعتقادا منا أنها لن تنفعنا من جديد لانعدام قدرتها على أداء مهمتها الأصلية في حين أنه كان بإمكاننا إعادة استعمالها في مجالات أخرى ، و هذا التصرف كذلك يقلص من حجم الفواتير الشهرية .

هـ – القدرة على الدفاع عن النفس

بسبب ما يؤول إليه المجتمع وكثرة حوادث الاعتداءات المختلفة، وانشغال رجال الأمن بقمع الإسلاميين وكل من قد يشكل خطرًا على النظام القائم، فمن الضروري أن تفكر الأسرة في تعلم مهارات الدفاع عن النفس للزود عن حياتها و صحتها.

و – امتلاك سيارة عائلية

لا يضر امتلاك سيارة عائلية يتم استخدامها لتلبية مختلف احتياجات الأسرة أساسا، و الذهاب في رحلات مختلفة إن أمكن ذلك ، و طبعا صلة الرحم .

4 – أسرة فاعلة و منتجة

أ – تخدم ضعاف المجتمع

و كل تلك المصاريف التي اقتصدتها، يمكنها استثمارها في هذه النقطة؛ فتساعد المعوزين وتنظم لهم أنشطة مفيدة على المستوى الفكري والاقتصادي، تضع لهم خططا يلتزمون بها لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، و كذا أوضاعهم الاجتماعية .

و يمكنها مستقبلا الدخول في شراكات مع أسر أخرى لها النظرة ذاتها من أجل تأسيس جمعية مثلا أو مؤسسة تنقل هذه التجربة لمستوى أعلى و بقدرات أضخم .

ب – تعد أفرادًا آخرين للسير على خطاها

و طبعا ، ما دامت هذه الطريقة ناجحة فمن الضروري ألا تكتم بل أن يتم تعميمها بين أفراد المجتمع المالكين للنظرة ذاتها والراغبين في بلوغ الغاية ذاتها ، أي رضى الله و رسوله .

5 – تُربي جيلًا  قادمًا سليمًا من أمراض المجتمع

وما الغرض من الأسرة إن لم يكن-بعد إحصان الزوجين-الإتيان بذرية صالحة تساهم في بناء المجتمع وتحقيق خلافة الله على الأرض؟!

فغاية الأسرة لابد أن تكون تربية الأطفال تربية صحيحة تضمن أن يكون في الجيل اللاحق من يحاول إصلاحه، فلا تموت فكرة الإصلاح وتبقى حية تؤثر في المجتمع، و كلما كثر عدد الصالحين المصلحين قل عدد الفاسدين المفسدين .

– لكن ، لماذا أكثر من طفلين؟

لأن العدد لو كان واحدًا ، لكان جيله قد نقص منه شخص صالح، فإن كان عدد الأطفال اثنين، يكونان قد عوضا أبويهما الصالحين، فإن زاد العدد على الإثنين كان عدد الصالحين قد ازداد في جيل هؤلاء الأطفال؛ فكل طفل يعوض أحد أبويه .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى