«نيويورك تايمز» تحكي التاريخ المنسي لأسوأ مذبحة عنصرية في أمريكا

هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال: “The Forgotten History of America’s Worst Racial Massacre ” لكاتبه: نان إليزابيث وودراف. الآراء الواردة أدناه تعبر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبر بالضرورة عن تبيان. 

صادف الأسبوع الماضي ذكرى مرور قرن على مقتل مئات المواطنين السود في بلدة إيلين بولاية أركنساس الأمريكية، في واحدة من أسوأ حلقات العنف العنصري في التاريخ الأمريكي. وفي مقال نشرته في صحيفة “نيويورك تايمز”، تحكي المؤرخة الأمريكية نان إليزابيث وودروف- مؤلفة كتاب «الكونغو الأمريكية: كفاح الأمريكي الإفريقي من أجل الحرية في الدلتا»- تفاصيل ما جرى خلال تلك المذبحة التي لا يعلم الكثير من الناس أي معلومات عنها، بسبب منع تغطية وقائعها، وتواطؤ الشرطة المحلية في قتل عدد هائل من الضحايا الأمريكيين الأفارقة.

وذكرت الكاتبة في البداية أن إيلين هي بلدة صغيرة في مقاطعة فيليبس، تقع على أحد الانحناءات العديدة لنهر المسيسيبي، على بعد حوالي 95 ميلا جنوب غرب مدينة ممفيس، في منطقة «الدلتا» التي عُرفت بالعنف والقمع، بولاية أركنساس الجنوبية. وقد وصف أحد الأمريكيين من أصل إفريقي وهو ويليام بيكينز المنطقة بأنها «الكونغو الأمريكية». وكانت إيلين، رغم كونها منطقة زراعية معزولة، جزءا من الاضطرابات الاجتماعية الأوسع نطاقا التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، والتي جاءت على شكل إضرابات ضخمة ومواجهات عنصرية، في الولايات المتحدة وفي الخارج.

السود يطالبون بالعدالة

وأضافت أنه في أوائل خريف عام 1919، كانت إيلين تشهد كفاحا مختلفا من أجل الديمقراطية، فبعد أن شجعتهم خبرتهم في الحرب، عاد المحاربون الأمريكيون من أصول إفريقية إلى الدلتا للمطالبة بالحقوق الكاملة للمواطنة والعدالة، ليس فقط أمام القانون ولكن أيضا في عملهم. وفي مقاطعة فيليبس، تحدى هذا الكفاح هيمنة المزارعين بشكل مباشر.

وشرحت الكاتبة كيف أن النظام في البلدة كان يهدف إلى إبقاء المواطنين السود غارقين في ديونهم، ومعتمدين على المزارعين، فقد كانت إيلين في قلب الاقتصاد المتغير بسرعة للأخشاب والمزارع، المعروف بظروف عمله القاسية. وكان المزارعون يعملون في الأراضي الزراعية مقابل حصة صغيرة من المحصول، وتم إجبارهم على بيع القطن إلى ملاك الأراضي الذين كانوا يدفعون أسعارا أقل من أسعار السوق. كما اضطر العمال أيضا إلى شراء الطعام والملابس والأدوات المنزلية والبذور والأسمدة من المجمع الزراعي، والذي فرض عليهم أسعار فائدة باهظة. هذا إلى جانب الحرمان القانوني للسود من التصويت والقدرة على المشاركة في أي من مزايا المواطنة.

وأوضحت أن الحرب العالمية الأولى تسببت في تغييرات في منطقة الدلتا، كما فعلت في المراكز الحضرية الشمالية، فقد هاجر الرجال والنساء إلى المصانع الشمالية أو انضموا إلى الجيش، ما تسبب في نقص العمالة في حقول القطن ومصانع الخشب. وحصلت النساء على شيكات من الرجال الذين انضموا إلى الجيش، وهو ما منحهن أموالا خارجة عن سيطرة المزارعين. ونتيجة لذلك، كان على أصحاب المزارع ومصانع الخشب أن يدفعوا أجور أعلى حتى يتم جني القطن أو طحن الأخشاب. والأسوأ من ذلك من وجهة نظر المزارعين أن هناك شائعات أن عمال الصناعة المتطرفين في العالم، المعروفين اختصارا باسم Wobblies، والذين يخشونهم كثيرا، كانوا ينظمون أنفسهم في الحقول والمصانع.

ليلة المذبحة

ذكرت نان أن عائلات المزارعين السود تجمعت في وقت متأخر من مساء 30 سبتمبر، في كنيسة هوب سبور بالقرب من إيلين، لمناقشة عضويتهم في منظمة تدعى «الاتحاد التقدمي للمزارعين والأسر المعيشية»، والتي من شأنها أن تساعدهم على تأمين سعر عادل للقطن الذي جنوه، وشراء الأراضي. كان هدفهم استئجار محامي لتمثيلهم أمام ملاك الأراضي. وكان محصول القطن عام 1919 هو الأكثر ربحية في التاريخ، لذا كانوا قادرين على جني قدر كبير من المال.

بدأت المذبحة في الساعة 11 مساء، عندما أطلقت مجموعة من الرجال البيض النار على الكنيسة. فرد الحراس السود على إطلاق النار، ما أسفر عن مقتل أحد العمال البيض، ووصلت أخبار إطلاق النار بسرعة إلى مقر مقاطعة هيلانا. وبعد فترة وجيزة، انتشرت أخبار بأن السود يهاجمون البيض في إيلين. وفي وقت مبكر من صباح 1 أكتوبر، أرسل قائد الشرطة قدامى المحاربين البيض من مركز الفيلق الأمريكي «منظمة لقدامى لمحاربين الأمريكيين» لقمع ما اعتبره عصيانا مسلحا، وتم قطع خطوط الهاتف إلى إيلين.

وحضر على مدار هذا اليوم ما لا يقل عن ألف شخص من “جماعات القصاص الأهلية” «التي تنفذ الأحكام بعيدا عن الدولة دون إذن قانوني» من جميع أنحاء الولاية ومن ولاية ميسيسيبي للانضمام إلى أصحاب المزارع وقدامى المحاربين، لوضع حد لما أسموه بالانتفاضة. وأوضحت الكاتبة أن ما حدث كان غزوا فعليا، وبحلول نهاية اليوم كان قد تم ذبح عدد لا يحصى من النساء والرجال والأطفال السود.

وفي صباح اليوم التالي، اصطحب حاكم ولاية أركنساس تشارلز بروف، وأحد المحاربين القدامى في الحرب العالمية الأولى وهو الكولونيل إيساك جينكس، 583 جنديا، بينهم كتيبة بالرشاشات الآلية، من معسكر بايك الموجود في مدينة «ليتل روك» عاصمة الولاية، إلى إيلين. وأرسل الكولونيل جينكس جميع النساء والأطفال البيض إلى مقاطعة هيلانا بالقطار، وأمر بنزع سلاح الجميع على الفور، وأذن بقتل المتمردين السود الذين فشلوا في نزع سلاحهم. ثم بدأت المذبحة الحقيقية: خلال الأيام الخمسة التالية، قام الكولونيل جينكس وقواته، بمساعدة من جماعات القصاص الأهلية، بمطاردة المواطنين السود في دائرة نصف قطرها 200 ميل، حيث أحرقوا المنازل بالعائلات الموجودة داخلها، كما ذبحوا وعذبوا آخرين.

وفي 7 أكتوبر، أعلن الكولونيل جنكس أن التمرد انتهى، وسحب قواته، وأحضر الرجال والنساء الذين اعتبرهم متمردين إلى سجن مقاطعة فيليبس في هيلينا. وفي 31 أكتوبر وجهت هيئة محلفين كبرى لائحة اتهام إلى 122 رجلا وامرأة سود لعدد من الجرائم منها جرائم القتل. وأدانت هيئة محلفين 12 رجلا أسود في جرائم قتل ثلاثة رجال بيض، على الرغم من أن اثنين منهما قتلا خلال إطلاق بعض الرجال البيض النار على بعضهم البعض خلال نوبة هيجان. وتم الحصول على «اعترافات» الرجال السود من خلال التعذيب. وهكذا تم إلقاء اللوم على السود وحكم عليهم بالسجن، من أجل المذبحة التي وقعت لهم.

توثيق المذبحة وإعادة المحاكمة

أشارت كاتبة المقال إلى أن الرواية الرسمية قدمت صورة تتناقض مع الحقيقة. فوفقا لعدة روايات من شهود بيض، ارتكب أعضاء جماعات القصاص الأهلية والجنود أعمالا بربرية. وقال أحد المعلمين المحليين إنه شاهد «مقتل 28 شخصا أسود ألقيت جثثهم في حفرة وأحُرقت»، بالإضافة إلى «16 أخرين قتلوا وعُلقت جثثهم على جسر خارج هيلانا».

وأوضحت أن أهم عمليات توثيق المذبحة هي تلك التي قامت بها إيدا ويلز بارنيت «صحفية وعالمة اجتماع أمريكية من أصل إفريقي وأحد أهم المدافعات عن حقوق السود في التاريخ الأمريكي» المناهضة لعمليات الإعدام خارج القانون، والتي كانت قد نُقلت من منزلها في مدينة ممفيس إلى شيكاغو بسبب نشاطها. حيث كتب إليها أحد المدانين الـ 12 من السجن طلبا للمساعدة، فانتقلت بشجاعة إلى أركنساس، وقابلت السجناء الـ 12 المتهمين بالقتل وزوجاتهم، والعديد غيرهم، ونشرت نتائجها في كتيب نشر عام 1920، جمعت فيه شهادات مرعبة حول المذبحة من أولئك الذين صمدوا وعاشوا ليرووا قصصهم.

ووصفت العديد من العائلات كيف هربوا إلى الغابة بحثا عن الأمان من الغوغاء المتعطشين للدماء، على أمل أن يسلموا أنفسهم للقوات الفيدرالية للحصول على الأمان. ولكن بدلا من ذلك أطلق عليهم الجنود النار أو ألقوا القبض عليهم. وقد وجد معظم من نجوا أن منازلهم أفُرغت من محتوياتها التي ظهرت بعد ذلك في منازل البيض.

وأضافت الكاتبة أن ويلز بارنيت قدمت دليلا قاطعا على المذبحة، لكن الأمر تطلب أن تعلن المحكمة العليا الحقيقة على الصعيد الوطني. وفي قضية مور ضد ديمبسي عام 1923، ألغت المحكمة إدانة ستةhg من المتهمين الـ 12، لأن اعترافاتهم تم الحصول عليها من خلال التعذيب. وقد ساهم رجلان أبيضان ضالعان في المذبحة، غيرا شهاداتهما السابقة، في اتخاذ هذا القرار، حيث أكدا أن المزارعين ذهبوا إلى كنيسة هوب سبور لتدمير الاتحاد، وأن عناصر من الجنود هم من قتلوا رجالهم، وليس السود الذين تم اتهامهم. كما وصفا المذبحة الجماعية لمئات من السود غير المسلحين والعزل، والتعذيب المستخدم للحصول على الاعترافات. واستمرت عمليات القتل والسرقة والعنف والإرهاب لفترة طويلة بعد رحيل القوات وإطلاق سراح المدانين.

وأوضحت نان أنه من المستحيل تحديد عدد القتلى بدقة، إذ أن التقارير العسكرية كانت مبهمة بشكل متعمد، كما أن السلطات المحلية منعت التغطية الصحفية، وأنكر الكثيرون حدوث المذبحة. إلا أن التقديرات تراوحت بين 25 و853 ضحية. وأشارت إلى أن مؤرخين اثنين على الأقل- هي أحدهما- اتفقا على تقدير منطقي وهو 200 ضحية، مشيرة إلى أن العدد كان على الأرجح أكبر بكثير، معتبرة أن الأمر المؤكد هو أن المذبحة ألقت بظلالها لعقود طويلة، لاسيما وأن الخوف من الانتقام أسكت أولئك الذين شهدوا هذه المذبحة ونجوا.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى