
حقيقة الاستعمال والاستبدال
منذ سقوط الأندلس منذ أكثر من خمسُمِئة سنة أو يزيد، والأمة ما زالت تترقب ظهور المجدِّد لأمر دينها ودنياها، لا نشكك في المقادير الإلهية، لكن جزء كبيرا جدا من الشباب المسلم بدأ يفقد الأمل في السعي، والحماسة على التغيير، فهل حقا أن الأمة صارت محل استبدال؟! ومن ذلك المجدد المرتقب وما هي سماته؟ وهل تحولت قبلة المسلمين إلى البيت الأبيض؟! وما هي الأندلس الثانية؟! وكيف تكون فاتحا لها؟
الآيات الربانية لا تتغير، والسنن الكونية لا تتبدل، وكما يقول المفكر الإسلامي مالك بن نبي “كما أن الشمس تشرق من جهة الشرق، وتغرب من جهة الغرب، بشكل متتابع، فإن التاريخ يعيد نفسه” في دورات أشبه بالشروق والغروب، في تمثيل لفترات قوة الأمة أو ضعفها.
لكن يكاد يصعب علينا المقارنة بين الواقع اليوم والأندلس القديمة، لسببين:
- الأول: زوال الخلافة الإسلامية
- الثاني: غياب تطبيق الشريعة الإسلامية
وبالتالي لم تعد للأمة الإسلامية كعبة تلتف حول أستارها، صار الشتات هو السمة السائدة في بلاد المسلمين، وعن انتهاك المقدسات حدث ولا حرج، وعن الدين فصار شعارات بالية، والمصدر التشريعي للدولة دستور علماني!
لكن دائما ما يأتي شروق الشمس بعد عتمة ليل داكن شديد السواد، فالإسلام انتشر في شبه الجزيرة العربية بعد تفشي الجهل والشرك بها، وعمر بن الخطاب أسلم في مشهد عجيب، بعد أن قيل عنه “لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر بن الخطاب”، وفي ذات الوقت الذي اشترى فيه ملوك غرناطة الدنيا، استعاد العثمانيون القسطنطينية.
الأمة الإسلامية لا ولن تستبدل، ربما تمر بمرحلة من الضعف والانحطاط، لكن كلمة الله هي الغالبة في نهاية الأمر، فقد أقسم الله تعالى في سورة المجادلة “كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ”
وسنة الاستبدال في واقعنا الحالي ترتكز على استبدال الأشخاص، وليس الأمم! كما استُبدِل قوم موسى عليه السلام، لأن رسالتنا هي الخاتمة، ورسولنا للناس كافة، ومن هذا المنطلق إذا صلح الإنسان، صارت رسالته معروضة للعالم بشكل أقوى، وأكثر جذبا، لذلك سنة الاستبدال في هذه الأمة تجري على أبنائها، وليس على بِنائها.
روى أبو هريرة أن رسول الله تلا قوله تعالى: “هَا أَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَلى نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”
فقالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب رسول الله على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه، والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس!
متى يتحقق الاستعمال؟
وعلى الرغم مما نعيشه اليوم من استبدال يجري أمام أعين الناس لا ريب فيه، هناك من يعد العدة ليكون هو المجدد المرتقب؛ ليخرج تلك الأمة من عتمتها، ولتتخلى الأمة عن فارس أحلامها المنتظر، ومحرر أقصاها المرتقب، وصلاح دينها القادم، ولينهض كل منا يشق طريق مجد أمته يضئ ظلام الليل بركعتين يدع الله فيهما أن يستعمله لإعادة مجد الأمة، وما إن تشرق الشمس يأخذ بالأسباب ويعمل على بناء نهضتها.
المجدد المرتقب ربما يكون أنت أيها القارئ إذا أحسنت النية وأخلصت العمل، فعبد الرحمن الناصر تولى مقاليد الأندلس وهو صاحب العشرين عاما، وبن مراد الثاني فتح القسطنطينية وهو في عمر الثانية والعشرين من عمره، كما أنّ رَكب الفاتحين لم يقتصر على ذوي الأعمار الصغيرة، فهذا موسى بن النصير عمره فوق الخامسة والخمسين قاد الجيوش في فتح الأندلس وبعض مدن أوروبا.
الفتح والتجديد لا يقتصر على شخص بعينه، وإنما ننصر بجهود المجموع، بعد الإيمان بأن الجميع يحمل مسؤولية الفتح، ورسالة التجديد، فلنصوب ذلك العمل لإرجاع الخلافة إلى مجراها الصحيح في دولة الإسلام.
إن ما يحدث تلك الأيام من سيطرة الخليفة الأمريكي على الساحة، لم تعتد عليه أمتنا، لم نعتد على سقيا كأس الذل في صمت، نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أورثنا ذلا.
وفي تلك المحنة التي نمر بها يجب أن ندرك أن سيناريو ضياع الأندلس القديمة، يتكرر الآن وبنفس الإيقاع، في فلسطين المحتلة!، فالاحتلال الاستيطاني على فلسطين يطبق نفس الخطوط التي اتبعها الأسبان لاحتلال الأندلس، من إبادة الشعب الفلسطيني بالقتل والطرد والتشريد، وإصرارهم على عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم، ثم الإكثار من بناء المستعمرات، كل ذلك وغيره ما هو إلا خطوة من خطوات إحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطيني.
أما الآن فالذي يجب أن يشغلنا هو أن يعرف كل منا دوره في الحياة؛ ومن ثَمّ يقوم عليه بأحسن ما يكون، وليعلم كلنا إنما هو على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام، فليحذر وليحرص كل الحرص على ألا يؤتى الإسلام من قبله.
وقد قال الله تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”.