
قواعد في طريق بناء جيل فريد.. ملخص كتاب إلى الجيل الصاعد
لا هوية للإنسان إلا باتساقه مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فطرة العبودية لله تعالى، ولنتذكر دائمًا، أن الإنسان إذا لم يعرف ربه لم يعرف نفسه، وإذا فقد ربه فسيفقد المعنى في كل شيء.
في زمنٍ تسارعت فيه الأحداث وتشابكت فيه المفاهيم، باتت الرحلة نحو الحقيقة معركة يومية، يتخللها كثيرٌ من الضياع والخذلان، تخيّل مثلًا شابًا يقف على مفترق طرق، تتجاذبه أصواتٌ متباينة، كل منها يدّعي أن لديه الإجابة الشافية لأسئلته الحائرة، في وسط هذا الضجيج يكون في أمس الحاجة إلى منارة، لا تكتفي بإضاءة الطريق له، بل تمنحه خريطة تُرشِد خُطاه وتبث فيه عزيمة لا تخبو.. هذا ما يسعى كتاب (إلى الجيل الصاعد) لتحقيقه.
هذا الكتاب ليس مجرد نصائح عابرة أو مواعظ تقليدية، بل هو دعوة إلى ثورة فكرية هادئة، تنطلق من إعادة اكتشاف الذات وفهم معركة الهوية التي تُخاض في الخفاء والعلن، بأسلوبٍ يجمع بين العمق والبساطة، من خلال رحلة تظهر فيها معالم الفكر المستنير والتربية الراشدة، التي تجيب عن أسئلة هذا الجيل بصدق ووضوح، دون تكلّف أو ادعاء.
إنه حديث الصديق إلى صديقه، ليس فيه وصاية أو استعلاء، بل روحٌ حانية تخشى على هذا الجيل من التيه، وتؤمن بقدرته على النهوض من جديد، فبين صفحاته، سيجد الشباب ما يلامس شغاف قلوبهم، ويُعمل عقولهم، ويلامس هموم واقعهم، ويعينهم على مواجهة تحديات العصر، من خلال نصوص تخاطب الفطرة السليمة، وتنير العقل بنور الإيمان والحكمة.
عن المؤلف والكتاب
مؤلف كتاب (إلى الجيل الصاعد) هو الشيخ أحمد بن يوسف السيد وهو داعية سعودي، بدأ طلب العلم الشرعي منذ صغره، فحفظ القرآن الكريم والأربعين النووية ونظم عُبيد ربه في النحو في مرحلة مبكرة، تتلمذ على يد عدد من العلماء، يشرف على أكاديمية الجيل الصاعد والبناء المنهجي، وله العديد من المؤلفات والأبحاث المطبوعة، تتركز أهداف الشيخ على كيفية تحصين الشباب فكريًا وإيمانيًا والعمل على صناعة الدعاة المصلحين.
وكتاب (إلى الجيل الصاعد) هو أحد أبرز مؤلفاته، وصدر في العام 2019م، ويقع في 128 صفحة من الحجم الصغير موزعة على ستة فصول، تم نشره بدايةً من قِبَل مركز تكوين للدراسات والأبحاث، ثم نشرته دار منار الفكر وطبع ست طبعات آخرها عام 2023م، يركز الكتاب على فحص المفاهيم الفكرية الحديثة في ضوء الوحي، ويسعى إلى تقديم رؤى شرعية حول القضايا الفكرية المعاصرة.
يستهدف الكتاب الشباب الذين نشأوا في ظل الثورة الرقمية، ويسلط الضوء على التحديات الفكرية والإيمانية التي يواجهونها، وجاءت فكرته استجابةً لرسالة من أحد الشباب عبّر فيها عن قلقه كفرد من أفراد الجيل الحاضر تجاه عدد من القضايا مثل الاهتمامات، وطريقة التفكير، وطبيعة التدين، والخلفيات المؤثرة في النظر للقضايا، وذلك عند مقارنتها مع الجيل السابق، وهو ما دفع المؤلف إلى تقديم سلسلة من المقاطع المرئية، والتي تم تحويلها لاحقًا إلى هذا الكتاب الذي تناول عددًا من القضايا الجوهرية مثل الهوية، والإيمان، والثبات، والتفكير النقدي، وأزمة القدوات، والفوضى المعرفية، مقدمًا حلولًا تعزز وعي الشباب وتساعدهم على الثبات في مواجهة هذه التحديات.
لا تخش الفشل
(لا تخش الفشل) هو عنوان فصل الكتاب الأول، وتناول فيه المؤلف واحدة من أهم القضايا التي يعاني منها شباب هذا الجيل، فالخوف من الفشل يعتبر من أكبر العوائق التي تمنع الشباب من الانطلاق في مسارات النجاح والتطور، على الرغم من أنه ليس نهاية المطاف، بل هو فرصة للتعلم والتطوير، فكل الناجحين مروا بإخفاقات كثيرة قبل أن يصلوا إلى القمة، وقد أورد المؤلف خمس خطوات للتمكن من التغلب على هذا الخوف:
1- إعادة تعريف الفشل: لا يعتبر الفشل خسارة دائمة، بل هو مرحلة من مراحل التعلم، وفي العديد من الأحيان يكون مجرد تجربة خاطئة تقود إلى القرار الصائب في وقت لاحق.
2- التهوين من أثر الإخفاق: عندما يواجه الإنسان الفشل يجب ألا يعتبره كارثة، بل فرصة لإعادة التفكير والتعديل على المسار الذي سبق له سلوكه.
3- توسيع دائرة الاهتمامات والنظر إلى الآخرة مع الدنيا: لا تعتبر الحياة سباقًا لتحقيق إنجازات دنيوية فقط بالنسبة للفرد المؤمن، بل يجب أن يكون لديه أهداف ترتبط بالآخرة أيضًا ليحقق كل فرد مكاسب الدارين ما استطاع منهما.
4- السعي لتحقيق نتائج جيدة بدلًا من الكمال التام: السعي إلى الكمال المطلق قد يؤدي إلى الإحباط، وهذه حقيقة يجب أن يدركها الشباب ويَعوها، ومن الأفضل لهم السعي لتحقيق نتائج جيدة بشكل متواصل ومستمر.
5- رسم خطة شخصية تحدد مؤشرات النجاح: العمل على وضع أهداف واقعية قابلة للقياس والتقييم، من الأمور التي يجب أن يحرص عليها الشباب في مختلف مجالات سعيهم وذلك حتى يكون التقدم واضح النتيجة، وملموس الأثر.
سؤال الهوية
يعتبر السؤال عن الهوية من القضايا الجوهرية التي تؤثر بشكل مباشر على نظرة الإنسان لنفسه وللعالم من حوله، والشباب اليوم يواجهون تشويشًا فكريًا وثقافيًا بليغ الأثر، بسبب الانفتاح الكبير على الثقافات المختلفة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضياع الهوية الشخصية والدينية، ومن خلال هذا الفصل يوضح المؤلف خمس محددات أساسية لهوية الشاب المسلم:
- الانتماء إلى الأمة الإسلامية: من الضروري أن يشعر المسلم بأنه جزء من أمة عظيمة ذات تاريخ وثقافة غنية.
- الانتماء للأسرة والعائلة: العائلة تشكل جزءًا مهمًا من هوية الإنسان، إذ يتعلم منها القيم والمبادئ الأساسية التي تستمر معه جُل حياته.
- الدور الأسري كزوج وأب أو زوجة وأم: يشير فيه المؤلف إلى أن بناء الأسرة واستقرارها، هو عامل أساسي في تكوين هوية الفرد.
- دور الصداقة الصالحة في بناء الشخصية: الصحبة الجيدة تؤثر بشكل كبير على شخصية الإنسان وتوجهاته.
- التعلم المستمر وبث العلم للآخرين: المعرفة هي عنصر أساسي في تشكيل الهوية، كما أنها العماد الأساسي الذي يمكن من خلاله الوصول للفهم العميق لمختلف الأمور والإسهام في بناء المجتمع.
تحدي الإيمان والثبات

تناول هذا الفصل ظاهرة الشبهات الفكرية التي أصبحت تنتشر بين الشباب المسلم، خاصة مع ازدياد الطعن في الثوابت الدينية نتيجة انتشار عدد كبير من التيارات الفكرية الحديثة التي تحاول زعزعة اليقين الديني، وقد سعى المؤلف للتركيز على أهمية تعزيز الإيمان والعمل على بناء عقيدة قوية تستند إلى الأدلة الشرعية والعقلية، وتساعد في الثبات أمام التيارات الفكرية المضادة، وذلك من خلال مجموعة من الحلول وهي:
- قراءة الكتب التي تعزز اليقين: من المهم أن يطلع الإنسان على الكتب التي تعالج المسائل الإيمانية وتعزز العقيدة مثل كتاب (النبأ العظيم) للشيخ محمد دراز رحمه الله.
- دراسة العلوم الشرعية بشكل ممنهج: التكوين العلمي الشرعي يُحصّن الشباب من الشبهات الفكرية.
- فهم القرآن والتدبر فيه: القرآن هو المصدر الأساسي للهداية والتوجيه، والتدبر فيه يقوي الإيمان.
- الابتعاد عن الشبهات غير الموثوقة: الكثير من الشكوك التي يواجهها الشباب تأتي من مصادر غير موثوقة، ويجب عدم الانجرار وراءها دون تثبت، فالانشغال بالشبهات دون أساس علمي قد يزعزع العقيدة ويؤدي إلى الحيرة.
التفكير بين النقد والشك
التفكير النقدي مهارة أساسية للتمييز بين الحقائق والمغالطات، والإسلام يعزز التفكير النقدي القائم على البحث عن الأدلة والبراهين، ويحث على التثبت قبل تَبَنّي أي فكرة والابتعاد عن الوقوع في الشك المطلق، وهذا التفكير يساعد شباب هذا الجيل على بناء رؤية سليمة، تجمع بين الواقعية والاتزان، وتحقيق ذلك يتطلب فهم الفرق بين التفكير النقدي والشك المطلق، فالأول يسعى للوصول إلى الحقيقة من خلال التمحيص والموازنة بين الأدلة، والثاني ما هو إلا موقف عبثي يؤدي إلى التيه والإنكار المستمر دون الوصول إلى يقين، والإسلام يذم الشك المتعنت، كما في طلب الكفار رؤية الله جهرة كشرط للإيمان.
ولكي يكون التفكير النقدي فعالًا، يجب أن تتوفر فيه ستة معايير أساسية:
- اشتراط الدليل لقبول أي دعوى.
- التأكد من صحة الدليل.
- وجود علاقة منطقية بين الدليل والنتيجة.
- عدم قبول ما يناقض الحقائق القطعية.
- رفض التناقض.
- التفريق بين المعارف القطعية والظنية.
مشكلة القدوات
يتناول هذا الفصل قضية مؤثرة في تشكيل وعي الجيل الصاعد، وهي مشكلة ضبابية الرؤية تجاه القدوات، حيث يتساءل الشباب: بمن نقتدي؟ وعمن نأخذ العلم والتوجيه؟ وإلى من نستمع؟
والسبب الأساسي وراء هذه المشكلة هو تصدر غير الأكفاء، وسوء تمثيل بعض العلماء للدين، وضعف الوعي النقدي لدى الشباب. وللتغلب عليها ينبغي العمل على تقديم المبادئ على الأشخاص، والتأكد من توفر صفات القدوة الصالحة، مع فهم أن الاقتداء ليس مطلقًا، بل يكون وفق الضوابط الصحيحة.
وصفات القدوة الصالحة التي يجب أن يحرص عليها الشباب أوردها المؤلف في ثمان نقاط:
- الانطلاق من المحكمات الشرعية.
- التوازن بين النصوص الشرعية والمقاصد.
- الوعي بالواقع.
- تقديم مصلحة الأمة على المصالح الشخصية.
- تصديق القول بالعمل.
- التوازن والاعتدال.
- عدم مخالفة الثوابت الشرعية.
- التنوع المعرفي.
أما عن ضوابط الاقتداء الصحيحة:
- القدوة ليست معصومة عن الخطأ: وقوع الخطأ من القدوة لا يعني إسقاطه بالكامل، إلا إذا كان مجاهرًا به ومصرًا عليه.
- الاقتداء يكون بالأعمال الجيدة لا بشخصية القدوة بالكامل: فقد يكون عالمًا متميزًا في جانب معين لكنه ضعيف في جانب آخر.
- عدم حصر القدوات في المعاصرين: بل يجب الاستفادة من الشخصيات التاريخية العظيمة في الإسلام.
- التفريق بين الاقتداء الكامل (كما في النبي ﷺ) والاقتداء الجزئي: فيمكن الاقتداء بشخص ما في علمه فقط، دون اتباعه في كل تفاصيل حياته.
- التوسع في مجالات الاقتداء: بحيث تشمل الجوانب الإيمانية والأخلاقية، وليس النواحي الفكرية والمعرفية فقط.
- طلب الاسترشاد من القدوات: تحقيق ذلك يتطلب سؤالهم واستشارتهم بشكل مباشر، لا الاكتفاء بالاستماع العام لمحاضراتهم أو قراءة كتبهم.
- تحديد مستوى الاقتداء وفق صفات المقتدى به: سواء كان اقتداء جزئي، أو اقتداء منهجي في الفكر والسلوك العام، أو اقتداء كامل وشامل في كافة الأمور وهذا ينحصر في النبي ﷺ.
رباعية التميز للنخبة

يوضح المؤلف في هذا الفصل الركائز الأربع التي تُشكل الأساس لنهضة الجيل الصاعد، وتساعدهم على تحقيق أهدافهم والارتقاء بأنفسهم، وبناء أمتهم، وهي كما يلي:
أولًا: العلم
العلم هو الركيزة الأساسية للتميز، ولا بد أن يكون مبنيًا على منهجية صحيحة، والتميز العلمي يتطلب الجمع بين ثلاثة عناصر: المنهجية، والحفظ، والفهم؛ فالمنهجية تُنظم عملية التعلم، بينما الحفظ يُمثل المادة الخام للعلم، والفهم يُعين على استخراج المعاني العميقة.
ومن الوسائل التي تعزز الفهم: دراسة أصول الفقه وعلوم اللغة العربية، والاطلاع على كتب العلماء الكبار مثل تفسير الطبري والقرطبي، وكتب الفقه الموسعة كـ(المغني) لابن قدامة.
ثانيًا: العبادة
أصبح الالتزام بالعبادة تحديًا حقيقيًا في ظل انتشار وسائل الترفيه والتسلية في العصر الحديث، وتحقيق التميز يتطلب المواظبة على الفرائض والنوافل، والتقرب إلى الله بالذكر والطاعات؛ فالذكر من أعظم العبادات، التي تعين على الثبات والطمأنينة، وهو سهل على اللسان ثقيل في الميزان.
ثالثًا: التفكير
التفكير هو عنصر جوهري في تحقيق التميز، خاصة في ظل انتشار التفاهة والمغالطات الفكرية في العصر الحالي، والعقل المتزن هو الذي يكون قادرًا على التحليل والنقد، مع الابتعاد عن السطحية والانقياد الأعمى، وامتلاك الفرد منهجية صحيحة في التفكير تساعده على التعامل مع الأفكار والمعلومات بحكمة، ويمكّنه من التمييز بين الحقائق والأوهام، ويجعله أكثر قدرة على التأثير والإبداع في مجاله، والدين الإسلامي يعزز منهجية التفكير القائم على البراهين والأدلة، حيث يُطلب من الإنسان أن يستخدم عقله في فهم الواقع واتخاذ القرارات، بدلًا من الاستسلام للعشوائية أو التقليد غير الواعي.
رابعًا: الدعوة إلى الله
الدعوة كانت نهج المرسلين، وهي مسؤولية يجب على النخبة من الجيل الصاعد أن يتحملوها، وعلى الرغم من أن الجو العام السائد في هذه الأيام قد يعوق الدعوة، لكن لا ينبغي أن يقصر الشباب في تبليغ رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فالدعوة ليست مجرد قول، بل يجب أن تكون مصحوبة بالعمل والقدوة الحسنة.
الفوضى المعرفية وترتيب المنهجية العلمية
يتناول هذا الفصل مشكلة الفوضى في التعلم والقراءة، فالكثير من الشباب يعاني من التنقل العشوائي بين الكتب والبرامج العلمية دون تحقيق نتائج ملموسة الأثر، مما يؤدي إلى ضياع الجهد والشعور بعدم الاستفادة.
والفوضى المعرفية لها العديد من المظاهر منها:
- الانتقال من كتاب لآخر دون إتمام القراءة أو الفهم العميق.
- نسيان معظم المعلومات المقروءة بعد فترة قصيرة.
- الشعور بالقلق والاضطراب بدلًا من الحصول على بناء معرفي متكامل الأركان وذلك نتيجة لدخول عدد كبير من المعلومات إلى الذهن بشكل عشوائي يغيب عنه الترتيب.
- شعور البعض بأنهم “مثقفون” لمجرد القراءة، رغم افتقارهم إلى الأسس المنهجية في الفهم والتحليل.
ويوضح المؤلف أن تجاوز القارئ لمشكلة الفوضى المعرفية، يتحقق من خلال اتباع مجموعة من القواعد، أهمها:
تصنيف الكتب والمواد إلى مستويات
- كتب تأسيسية: تبني القواعد الأساسية للفهم.
- كتب متوسطة: تعزز الفهم وتوسع المدارك.
- كتب متقدمة: موجهة للمتخصصين في المجال.
- كتب التخصص: تتناول مسائل أو موضوعات معينة بدراسة خاصة ولا ينبغي البدء بها قبل إتمام ما قبلها بشكل جيد.
- المطولات والكتب الموسوعية: ليس بالضرورة أن يقرها المتخصص بشكل كامل، ولكنها تكون مرجعًا عند البحث والتحضير والتحليل.
التركيز على بناء الأسس قبل التوسع
فلا فائدة ترجى من قراءة الكتب المعقدة قبل فهم المبادئ الأولية، ولذلك يجب البدء بالعلوم الضرورية، مثل التفسير، الحديث، الفقه، وأصول الفقه، ثم التوسع في الفروع والتخصصات.
التدرج في القراءة وفق خطة واضحة
في البداية يتم وضع خطة قد تكون سنوية أو فصلية يتحدد من خلالها تصنيف الكتب التي سيتم قراءتها خلال المدة الزمنية المقررة، يلي ذلك العمل على تحديد الأهداف المعرفية لكل مرحلة، على سبيل المثال: إتمام ثلاثة كتب في العقيدة خلال ثلاثة أشهر، والحرص على تحقيق الموازنة بين القراءة السريعة والقراءة التحليلية المتأنية.
الربط بين القراءة والتطبيق العملي
الحصول على المعرفة الحقيقية لا يكون بالقراءة فقط، بل بالممارسة والتأمل والنقاش، والمشاركة في الحوارات العلمية مع أهل العلم والمختصين، كما يجب أن يحرص القارئ على تدوين كل أمر ذي منفعة، حيث أن ذلك يساعد على ثبات المعلومات وسهولة الرجوع إليها عند الحاجة.
عدم الوقوع في فخ القراءات العشوائية
ينبغي تجنب الانسياق وراء كل كتاب جديد أو موضة فكرية دون وعي، والحذر من قراءة كتب صعبة أو مثيرة للشكوك قبل بناء قاعدة معرفية قوية تساعد في فهم بواطن الأمور وتجنب الوقوع في الشبهات.
أهمية إدراك الجيل الصاعد للسياق التاريخي الحديث
هنا يؤكد المؤلف على ضرورة فهم الشباب الصاعد للسياق التاريخي الحديث، وذلك للتمكن من التعامل بوعي كامل مع التحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية، فالجهل بالتاريخ هو الوسيلة الأسرع، لتزييف الحقائق والتأثير على الرأي العام، كما أن فهم التاريخ يجنب أبناء الحاضر تكرار الأخطاء التاريخية التي وقع فيها من سبقهم.
ويمكن للجيل الصاعد اكتساب الوعي التاريخي من خلال اتباع ما يلي:
- قراءة المصادر التاريخية الموثوقة وعدم الاكتفاء بالسرديات الإعلامية أو الروايات المنتقاة.
- التعرف على أبرز الأحداث التي شكلت القرن الماضي مثل سقوط الخلافة العثمانية، والاستعمار، والنكبات الكبرى، وصعود الأيديولوجيات الحديثة.
- دراسة الشخصيات التاريخية المؤثرة سواء كانت إيجابية أو سلبية، لفهم طبيعة التغيرات السياسية والاجتماعية.
- متابعة التحليلات التاريخية المعاصرة لفهم الأحداث الجارية ضمن سياقها الأشمل.
ومن المصادر الغنية التي يمكن الرجوع إليها للاستزادة في هذا السياق سلسلة (جرعة وعي للجيل الصاعد) وسلسلة (تاريخ الفكر العربي والإسلامي).
تحدي الشهوة والحب والزواج
يسعى المؤلف في هذا الفصل لتقديم نموذج متكامل للتعامل مع قضايا الشهوة، الحب، والزواج من خلال تشجيع الشباب على التحلي بالعفة والتعقل في مرحلة ما قبل الزواج، ثم التركيز على أسس اختيار شريك الحياة وفق ضوابط أخلاقية ودينية وتشجيع الشباب على الإقدام عليه في وقت مناسب، مع توضيح الكيفية الصحيحة في التعامل مع الحياة الزوجية وفقًا للتوجيهات النبوية، ومن ذلك يمكن تقسيم محتوى الفصل إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الزواج (مواجهة الشهوات والضغوط الاجتماعية)
يواجه شباب اليوم طوفانًا من الشهوات والفتن التي تُغريهم باتباعها، فمن جهة، انتشرت وسائل الإعلام التي تروج للمحتوى الفاحش وتُسهم في انتشار الشذوذ والممارسات غير الشرعية، من جهة أخرى أصبح الزواج أمرًا معقدًا وصعبًا بسبب العوائق المالية والاجتماعية، ما يزيد من تحديات الشباب في اتخاذ القرار الصحيح.
وقد شدد المؤلف على أهمية الوعي بعواقب الانخراط في العلاقات المحرمة، وما تؤدي إليه مشاهدة المحتويات الإباحية من مشاكل نفسية وروحية، موردًا بعد النصائح التي تساعد على تحقيق ذلك مثل:
- العزة والكرامة، لا تقبل أن تكون أسيرًا.
- الصحبة الصالحة.
- الزواج عند القدرة.
- الصوم.
- تذكر الآخرة ودوام استحضار لقاء الله سبحانه وتعالى.
المرحلة الثانية: مرحلة السعي نحو الزواج (الاختيار السليم والتخطيط الجاد)
ركز المؤلف في هذه الجزئية على ضرورة اتخاذ قرار الزواج على أساس ديني وأخلاقي، وليس على الطموحات الدنيوية أو الضغوط الاجتماعية، مؤكدًا على أن الزواج ليس عائقًا لتحقيق الأهداف الشخصية بل يمكن أن يكون محفزًا لتحقيقها، كونه يساعد في توجيه الطاقات بشكل صحيح، ناصحًا الشباب بضرورة السعي إلى العلم والفهم الكامل لمتطلبات الحياة الزوجية قبل الإقدام على هذه الخطوة، مُشيرًا إلى أهمية وجود موجهين أو دورات تعليمية تعزز من قدرة الزوجين على التفاهم، ويطالب من خلال سطور الفصل المجتمعات بتيسير الزواج على الشباب، وتخفيف العبء المالي الذي أصبح يشكل حاجزًا للكثير من الشباب الراغبين في العفاف في وقتنا الحاضر.
وهناك مجموعة من الصفات ينبغي أن يقوم عليها الاختيار:
- الالتزام بالفرائض وخاصة الصلاة.
- بر الوالدين.
- اجتناب الكبائر والبعد عن الفواحش في القول والعمل.
- الخلق الحسن.
المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد الزواج (مسؤوليات وتحديات الحياة الزوجية)
الحياة الزوجية لا تكون خالية من التحديات، والتأقلم مع الشريك يتطلب صبرًا وفهمًا متبادلًا وهي أمور يؤكد عليها المؤلف في هذا الجزء، كما يحث على ضرورة العودة إلى تعاليم الإسلام والنصوص النبوية التي تَفِي بتوجيهات واضحة لكيفية إدارة الحياة الزوجية، بما في ذلك حقوق الزوجين وواجباتهما تجاه بعضهما البعض، مركزًا على أهمية التواصل الفعّال بين الزوجين لمواجهة الصعوبات التي قد تنشأ، والتحلي بالصبر واللجوء للحوار المستمر لحل أي خلافات.
الهداية والاستقامة
يؤكد المؤلف في الفصل الأخير من كتابه على أن الهداية نعمة عظيمة لا تُمنح للجميع، وهي أعظم ما يسعى إليه الإنسان، لا يكفي أن يكون الفرد منا على هداية مؤقتة، بل يجب الثبات على الاستقامة على طريق الحق، وهي ليست مجرد إحساس عابر، بل التزام دائم يتطلب الاجتهاد والمجاهدة، ومن أهم الوسائل التي تعين على ذلك:
- تعزيز العلاقة بالله من خلال الصلاة والذكر والدعاء، والحرص على قراءة القرآن بتدبر.
- مجاهدة النفس، وعدم الاستسلام للهوى، والعمل على تقوية الإرادة والصبر.
- الحرص على الصحبة الصالحة التي تعين على الاستقامة وتدفع الإنسان إلى الخير.
- الاستمرار في العمل الصالح بانتظام ولا في مواسم العبادات فحسب.
- التفكر في عواقب المعصية، وتذكر أن الانحراف قد يؤدي إلى الضياع في الدنيا والخسران في الآخرة.
- الحرص على الابتعاد عن كافة معوقات الاستقامة والثبات، مثل الفتن والشبهات والشهوات والملذات، وضعف الصحبة الصالحة، والكسل والتسويف وتأجيل التوبة.
أخيرًا.. يمكن اعتبار كتاب (إلى الجيل الصاعد) بوصلة فكرية وتربوية توجه الشباب نحو الوعي الراسخ، والتفكير الناقد، والهوية المتجذرة في قيم الإسلام، وذلك من خلال أسلوب يجمع بين العمق والبساطة؛ فالكتاب يعالج أهم التحديات المعرفية والإيمانية والأخلاقية التي تواجه الجيل الحالي، مقدمًا الحلول برؤية متزنة تستند إلى العلم والعمل، ويمكن اعتباره دعوة إلى التميز لا التشتت، والاستقامة لا الحيرة، والفاعلية لا السلبية، فهو كتاب يصنع القادة لا التابعين، ويؤسس لجيل واعٍ يسير بثقة نحو مستقبله، مستضيئًا بنور الحق، بعيدًا عن غوغائية الفكر وتيه الانفتاح الفج، ولا ينبغي لقارئه أن ينظر له بعين المتصفح، بل بروح الباحث المتعمق الساعي للتغيير.