من سجلات البطولات الليبية: المعلم المقاتل سليمان باشا الباروني
من سجلات البطولات الليبية في آخر أيام الخلافة العثمانية: المعلم المقاتل سليمان باشا الباروني (1870-1940)
1- من ألمع قادة الجهاد في ليبيا أثناء الغزو الإيطالي وكان له شأن في توجيه سياستها في ذلك الزمان، ومن أشد أنصار الجامعة الإسلامية حماساً وهو على شاكلة مصطفى كامل باشا في مصر والأمير شكيب أرسلان في الشام، وتبرز سيرته جانباً مضيئاً من الوحدة الإسلامية زمن الدولة العثمانية ومن صمود الخلافة في وجه العدوان الأوروبي رغم الضعف والتراجع وقلة الإمكانات في آخر أيامها، وهذه هي خطوط عريضة من سيرته العطرة من مرجع قومي منصف ضمن سلسلة “تتناول قصص حياة ونضال وإنجازات رجالات الأمة العربية” أعدها “مجموعة من خيرة الأساتذة والباحثين والمبدعين العرب”.
2- ولد سليمان الباروني في مدينة جادو جنوب طرابلس الغرب سنة 1870 لأسرة إباضية تعود أصولها إلى عُمان.
3- درس لمدة عشر سنوات في تونس (جامع الزيتونة) ومصر (الأزهر) والجزائر (وادي ميزاب).
4- كان إعجابه بالغاً بالدولة العثمانية وحصل على عدة نياشين منها تقديراً لبطولاته.
5- تعرض للوشاية فحكم عليه بالسجن إلا أنه أفرج عنه رغم أن الأدلة كانت كفيلة أن تودي به إلى حبل المشنقة لو أنها حدثت في أجواء الدس والتجسس التي حفلت بها بلادنا في عهد التجزئة.
6- أسس سنة 1904 مدرسة في “يفرن” بليبيا سماها المدرسة البارونية وأنشأ إلى جوارها “المكتبة البارونية”.
7- رحل إلى مصر سنة 1906 حيث أسس مطبعة الأزهار البارونية وطبع فيها من كتب الحديث والتاريخ الإباضية بالإضافة إلى صحيفة “الأسد الإسلامي” ابتداء من 1908 والتي صدر منها ثلاثة أعداد.
8- انتخب نائباً في مجلس المبعوثان العثماني عن ولاية طرابلس بعد إعادة العمل بالدستور سنة 1908.
9- لما وجهت إيطاليا إنذارها للحامية العثمانية سنة 1911 للتخلي عن طرابلس والاستسلام رفضت الحامية ذلك وأبدت مع المجاهدين بزعامة سليمان الباروني “استبسالاً نادراً كاد يغطي الإهمال الطويل الذي عاملت به دولة آل عثمان (في عهد جمعية الاتحاد والترقي ذات النزعة الطورانية، ص 35) هذا القطر الفقير بموارده”، فأذهلت الحامية المعتدين الذين ظنوا أنفسهم في نزهة بحرية (ص 44).
10- كان المعتدون الإيطاليون “يقتلون الأهالي جزافاً، من شيوخ وعجائز وأطفال في بيوتهم، ويقتلون الأطفال على مشهد من والديهم، ويتركون القتلى في الشوارع حتى تتعفن أجسامهم، ويدعون الجرحى حيث هم يئنون، وعلى مرأى من رجال الصليب الأحمر، حتى تفيض أرواحهم إلى خالقها.
11- حاولت الدولة العثمانية أن تتماسك وألا تنجر إلى مفاوضات تنتهي بالتخلي عن حقوقها ولكن لهيب الثورة في البلقان أرغمها على عقد معاهدة أوشي (أكتوبر 1912) ولكن ذلك تم بالتنازل عن طرابلس وبرقة لأهاليهما وعدم الانتقاص من استقلالهم.
12- واصل المجاهدون بقيادة الباروني جهادهم وأقاموا سلطة جبت الزكاة من نواحيها ولكن بعد نفاذ الذخيرة التجأ الباروني إلى تونس حيث صادرت السلطات الاستعمارية الفرنسية سلاحه وطالبته بالرحيل .
13- سافر الباروني إلى الآستانة (1913) حيث أكرمه السلطان محمد رشاد وأنعم عليه بالباشوية ولما قامت الحرب الكبرى عملت الدولة العثمانية على استعادة طرابلس وأصدر السلطان رشاد فرماناً بتعيين سليمان باشا الباروني والياً عليها (1916) فغادر العاصمة في غواصة إلى مصراتة حيث رفع العلم العثماني “في يوم مشهود بين دوي المدافع وإنشاد القصائد وهتاف الهاتفين” وكان الناس ما زالوا قريبي عهد بدولة الخلافة، ونفوسهم متأثرة بتابعيتهم لدولة مسلمة تدين بدينهم وتعتقد ما يعتقدون، فلم يجدوا غضاضة من إلحاق بلادهم بدولة الخلافة مرة ثانية، بل وجدوا في ذلك راحة لهم وقوة على ما هم في سبيله من الجهاد.
14- قام الباروني باشا بتنظيم القوة الطرابلسية من حدود مصراتة شرقاً إلى زوارة على حدود تونس فقطعت الطرق على الأعداء وشنت الغارات المنظمة على القوات الإيطالية.
15- بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب الكبرى (1919) اعتذر الباروني باشا عن الدخول في مجلس حكومة القطر الطرابلسي رغم الإلحاح عليه وذلك بسبب رغبته الاحتفاظ بعثمانيته، وغادر إلى الآستانة فوجد الانقلاب الكمالي فخابت آماله وعاد إلى طرابلس.
16- طالبته السلطات الإيطالية بمغادرة ليبيا (1922) فحاول السفر إلى الآستانة ولكن آماله ازدادت إحباطاً من الانقلاب الكمالي، ولم تقبل به السلطات الاستعمارية البريطانية والفرنسية في الشام ومصر وتونس.
17- وصل باريس ووجد نفسه أسيراً فيها فتسلل إلى تونس (1923) ولكن السلطات الفرنسية منعت الاتصال به فعاد إلى باريس محاولاً دخول أي بلد عربي ولكن السلطات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والإيطالية ظلت تمنعه من ذلك وهو يرفض العيش في تركيا الكمالية.
18- كتب إلى الشريف حسين (1924) يطلب السفر للحج وأرسل إليه نسخة من مقال ينتقد فيه المعاهدة مع بريطانيا لكي لا يكون متملقاً إياه، فرحب به الحسين، ومنعته السلطات البريطانية من النزول إلى بر الاسكندرية في الطريق إلى الحجاز ولما وصل فضل الثبات على مبادئه ولم يبايع الشريف حسيناً بالخلافة كما بايع غيره.
19- غادر إلى مسقط حيث أصوله البعيدة ففوض له الإمام الإباضي محمد بن عبد الله الخليلي أمر تنظيم المملكة.
20- تنقل بين بلاد الخليج وكتب مدافعاً عن قضية فلسطين.
21- لم يحلق شعره منذ وقوع بلاده تحت الاحتلال وكان مظهره يسبب له متاعب في بعض المواقف.
22- توظف في القصر الملكي في العراق (1934) ليتاح له دراسة الحقوق في جامعة بغداد.
23- غادر إلى الهند (1940) مع السلطان العثماني سعيد بن تيمور حيث اشتدت عليه حمى الملاريا وتوفي رحمه الله بعد رحلة من النفي عن وطنه استغرقت عامين في فرنسا و16 عاما في الجزيرة العربية.
24- وهكذا انطفأت حياة رجل كان مثالاً حياً للتقى والورع، وحب الوطن، وكراهية الأعداء، والثبات على المبدأ، والعناد في سبيل الحق، والاعتزاز بالنفس، والصبر على المكاره، والجرأة، والشجاعة، فضلاً عن تغنيه بالوحدة الإسلامية.
المرجع الرئيس: كتاب سليمان الباروني (سلسلة نوابغ العرب-13) من منشورات دار العودة بيروت.