
ثلاثية الفشل المجتمعي وكيف يمكن علاجها؟
ليس من المعتاد طرح عناوين تحمل الفشل كحكم سابق، وليس من العدل أن ننساق خلف عناوين شكلية لا وازع لها سوى النثر والبلاغة، والمزيد من الالتباس اللغوي المفروغ منه. كما أن واقعًا كالذي وجدنا فيه أنفسنا، لا طاقة له بعكس المتغيرات، ولا قِبل لمن هم فيه بالاستجابة لها وتطويعها بما تُجنى ثماره، وتُلْمَسُ آثاره.
إلى ما لا نهاية من الاستثناءات الحاصلة اليوم والتي تَعُمُّ مجتمعاتنا الإسلامية، حيث تنعدمُ طاقةُ عكسِ المتغيراتِ، وتغيب همّة الاستجابة لها، وهو ما يشكل خطرًا أكمل نحو الانصياع غير المنطقي لمستجدات لا يمكن استساغتها وجوديًا ولا حتى دينيًا… كفيلٌ ما تنجرُّ إليه مجتمعاتنا اليوم بطمس المعالم الزاهية، ونزع القيم الراسية، وصناعة هوّة أخلاقية وتربوية وتفكيرية لن تكترث بإزالتنا من قائمة التواجد الحضاري وإركاننا في زاوية معتمة إيذانًا بالزوال.
حين نخوض في التفاصيل، فإن الأوجاع تترا، معيدةً إلينا أسباب ما يحدث من باب الشعور بالذنب وسرعة التوبة والندم بترميم مجتمعاتنا أخلاقيًا وتربويًا وتفكيريًا وذلك باستخدام الوسائل والطرق الحديثة تعليميًا وثقافيًا وفكريًا باستخلاص مجملات جمالها وعكس استخداماتها بما يعود إيجابًا على الأمة جمعاء.
لِم علينا الإسراع بعملية التغير والانقلاب على الواقع؟
إن عملية الانغماس غير المبررة في شكليات اليوم الانتهازية، من إنترنت، وتكنولوجيا رقمية، وأفكار مستوردة، تزيد من إرادتنا لتحقيق المنشود بالانقلاب الحقيقي، والتمرد الفعلي على ما جِيئَت من أجله، وإعادة تدوير محتوياتها وفحواها بما يتناسب مع العقلية الإسلامية الحقيقية القادرة على التفاعل المنطقي مع كل ذلك بما يحقق الهدف الأهم وهو تحوير تلك المحتويات بما يعود بالنفع والفائدة على مجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا.
فتحويل الإنترنت وكافة المواقع الافتراضية إلى منصات تعليمية متنوعة، ذات كمية كبيرة من المعلومات الموثوق بها، جدير بصنع مرجعيات مستخلصة للقدرة على صناعة جيل واعٍ، منفتح على الآخر، لا سبيل للتصدع إليه، كما أن استخدام الأجهزة الرقمية بصورة إيجابية في بث روح التجدد المرغوب، لانتشال الأمة من حضيض ما هي فيه كفيل بالتحقق والتحوّل إلى واقع معايش ومدروس الخطى للوصول إلى الغد الإسلامي المأمول، وفي ذلك إرادة وعزم للانقضاض على أية أفكار سلبية تُسوِّق للانحطاط والإسفاف بصورة أو بأخرى وهو ما يدعو للمزيد من التماسك والتعاضد..
لكن، إلى أي مدى بات المجتمع الإسلامي عرضة للفشل، وما السبب في ذلك؟؟
من وحي الأحداث المتسارعة، نستنتج أن الفشل يحاصر مجتمعاتنا من كل الجهات، لأسباب مهترئة، يمكن التغلّب عليها بقليل من الوعي بالاحتياجات الآنية، وقليل من المسؤولية تجاه تلك المجتمعات، وفي ذلك دعوة مُلزمة للعودة، للالتفات إلى المصاعب الجمّة المتسببة في مراوحة أمتنا لمكانها دون أدنى مؤشر للانطلاق أو حتى التخلص مما هي فيه.
هناك ثلاثة عناوين مثقلة بمسببات الفشل للمجتمع الإسلامي، وهي تستلزم منا تدخلاً عاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والحد من تفاقم الوضع، وفوق ذلك صنع إرادة فعّالة لإعادة مجتمعاتنا إلى روحها وكنهها المتمثل في القيم الراسية، والمعالم الزاهية، والأخلاق الحميدة، والتربية الحسنة، والأفكار البنّاءة المحمودة.
1- التمرد على الفطرة
إن التمرد على السجايا الفطرية في الإنسان سبب أوفى للتحول إلى آلة ابتزازية لا تعرف إلا الفساد قولاً وفعلاً، كما أنه أم الآفات التي صنعت من كثير من البشر أدوات مستساغة لنشر الابتذال، والتصنع المعرفي المبتذل، والتشويش الواقعي لصنع المزيد من التقهقر الأخلاقي تحت عدة عناوين جوفاء ظاهرها التميز والريادة وباطنها الخنوع والسقامة، والإنسان دون فطرة الله التي فطره عليها لا يساوي شيئاً، وتصبح قابليته للحيونة والوحوشية أكثر، وأكبر من ذلك عبئه اللا محدود على أسرته ومجتمعه بل إنه يصبح على الحياة زيادة.
2- التملص من الأخلاق الإسلامية
لا يختلف الوضع كثيراً إذا ما تملّص المسلم عن الأخلاق الإسلامية المكمّلة لتكوينه الروحي والجسدي والمعاملاتي وفي ذلك يجد نفسه من حيث الفاعلية المجتمعية وبدونها لا معنى له ولا قيمة، وتلك مشكلة الكثير من المجتمعات التي تملّص ذووها عن قيم الإسلام الحميدة، واكتفوا بما يعينهم على الكفاية الذاتية من باب المصلحة الدنيوية دون اعتبار قيمي لمكانة المجتمع في الإسلام ومدى أهميته وفي ذلك سبب رئيسي للتوجه نحو الفشل الذي يُخشى حدوثه في مجتمعاتنا الإسلامية.
3- الانجذاب للأفكار المستوردة
أما السبب الثالث الذي تمكن من مجتمعاتنا وقادها للاقتراب كثيراً من الفشل فهو الانصياع التام للأفكار الدخيلة، وعدم التعامل معها لصقلها وتهذيبها والاستفادة من وجهها الإيجابي وجذبها لصناعة قوة اجتماعية يعود نفعها على الأسرة والمجتمع والوطن.
ثلاثية الفشل
ثلاثية الفشل التي يمكن استخلاصها في التمرد على السجايا الفطرية الإنسانية، والتملّص عن الأخلاق الإسلامية المكمّلة للروح والجسد، والانجذاب اللا محدود للأفكار المستوردة، بحاجة ماسة إلى العودة الفورية عنها، سعياً في استمرار القيمة الوجودية والكونية للضمير الإنساني المتكامل الذي يعد منبع الخيرية في عالمنا الفسيح حيث فطرة الله الحسنة، وتأكيداً على أخلاق الإسلام القيّمة، التي بعث الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لإكمالها وتوجيهها بما يعود بالنفع والفائدة على يوميات الناس وحياتهم العملية والمعاملاتية والعلمية، ودرءًا لشواذ الأفكار التي تنخر في جسد مجتمعاتنا، صانعةً الزيغ والتفكك والتفرقة، في مؤشر خطير لتحقيق الفشل المجتمعي حيث وهدف الغرب الأسمى أن نواكب تطوراتهم المزعومة بالتبعية العمياء دون الرجوع لمراجعنا الوجودية والدينية والفكرية.
قليل من العودة، قليل من الوعي، قليل من التفكير الإيجابي، قليل من الإبداع والتميز.. كفيل بمجتمعات ناجحة لا سبيل للفشل إليها، وهو ما نتطلع إليه، وما يجب علينا تصويب الجهود وتكثيفها نحوه.