اختيارات المحرر

الشيخ سيدي الكبير.. كيف تحولت الرمزية الإسلامية إلى أداة لصنع السلم؟

في كلّ مجتمعٍ مضطربٍ يبحث عن توازنه، تولد سلطةٌ من نوعٍ آخر، لا تستند إلى السيف ولا إلى الديوان، بل إلى المعنى. إنها السلطة الرمزية التي تنبع من الهيبة التي تنتجها التمثلات عن العلم وسموّ الخلق في الأذهان، وتغدو حين تضعف الدولةُ آخر حصون الاجتماع الإنساني.

هكذا كان المشهد في بلاد المغرب الكبير والصحراء منذ القرون الماضية، حين تعاقبت الانقسامات وتصدّعت الولاءات، فبرز العلماء والصلحاء ليعيدوا نسج الخيوط الممزقة، ويمارسوا ما يشبه “السياسة الأخلاقية” التي تحفظ المجتمع من التفكك. وفي قلب هذا التاريخ، تتوهج تجربةٌ موريتانيةٌ فريدةٌ تمثلت في سيرة الشيخ سيديّ الكبير، الذي لم يكن مجرد عالم ومرجع إسلامي، بل مشروعًا إصلاحيًا قائمًا بذاته، تجاوز حدود البناءات التقليدية إلى بناء منظومةٍ كاملةٍ من السلم الاجتماعي والقيادة الروحية.

إن تأمل مسار هذه الشخصية، في ضوء المقاربات الأنثروبولوجية والفكرية الحديثة، لا يمنحنا فقط فهمًا لتاريخٍ منسيٍّ في جنوب الصحراء، بل يكشف كيف استطاع الفكر الديني، حين اتصل بالفعل الإصلاحي، أن يُعيد للمجتمع توازنه من الداخل دون أن يرفع شعار الثورة ولا سلاحها.

من الانقسام إلى الضبط الرمزي بين المغرب وموريتانيا

الشيخ سيديّ الكبير
الشيخ سيديّ الكبير

حين حاول عالم الأنثروبولوجيا البريطاني “أرنست غيلنر” في خمسينيات القرن الماضي فهم طبيعة التنظيم الاجتماعي في المجتمعات المغاربية، اكتشف أن هذه المجتمعات ليست محكومة بهرم سلطةٍ واحد، بل بمنظومتين متكاملتين ومتوترتين في آنٍ واحد: المخزن الذي يجسّد السلطة المركزية، والقبائل الأمازيغية التي حافظت على استقلالها النسبي عن الدولة.1 وفي الفضاء الفاصل بين الطرفين، برزت الزوايا بوصفها قوةً رمزيةً ضابطة، استطاعت أن تخفّف من حدة هذا الانقسام، وأن تؤمّن التوازن بين المركز وأطرافه من خلال مكانتها الدينية والاجتماعية.

لقد كان غيلنر يرى أن غياب الدولة القوية في الأطراف لم يؤدِّ إلى الفوضى، لأن المجتمع أوجد في “الصلحاء” نظامًا بديلًا يقوم على المرجعية الدينية والأخلاقية. فـ”الصلحاء” و”الأولياء” مارسوا وظيفة السلم الأهلي عبر وساطاتهم.2 وهو ما أطلق عليه لاحقًا “النظرية الانقسامية”، التي تفسّر كيف يمكن لمجتمعٍ بلا دولةٍ حديثة أن ينتج توازنًا داخليًا بوسائل رمزية.

وقد أعاد الباحث المغربي عبد العاطي أوحسين قراءة هذا النموذج موضحًا أن الزاوية لم تكن واجهة دينية فحسب، بل وسيلة سلمية لضبط المجال القبلي حين يغيب “المخزن”، وإن ظلّ يعتبرها في موقع التبعية للسلطة السياسية.3

أما في الضفة الجنوبية من الصحراء، فقد عاشت موريتانيا تجربةً موازيةً لكنها أكثر هشاشةً من حيث المركز السياسي. فمنذ القرن السابع عشر نشأت إمارات قبلية مسلّحة، دون أن تتوحد في كيانٍ دولانيٍّ واحد، فغابت الدولة المركزية وتفشّت الحروب والمجاعات، وتبددت موارد الزوايا.4 وهكذا نشأت الحاجة إلى سلطةٍ رمزيةٍ جديدة تملأ فراغ السلطة الأميرية وتعيد توازن العلاقات القبلية.

وفي هذا السياق، قدّم “بيير بونت” في كتابه (أصول المجتمعات البيضانية) قراءةً مختلفة عمّا ذهب إليه غيلنر وأوحسين؛ فبينما رأى هذان الأخيران الزاوية جهازًا مكملاً للدولة، اعتبر بونت أن المرجعيات الروحية في المجتمع الموريتاني كانت نظامًا اجتماعيا قائمًا بذاته، يمارس سلطةً موازيةً للسلطة الأميرية.5 فقد تحوّل العلماء والصلحاء من وسطاء دينيين إلى فاعلين اجتماعيين يملكون القدرة على إدارة التوازنات السياسية والاقتصادية عبر شبكاتهم الروحية والعلمية.

ولم يقدّم بونت تحليله في صيغةٍ عامة فحسب، بل أرفقه بأمثلة واقعية توضّح كيف تجسّدت تلك السلطة الرمزية في الممارسة، فإلى جانب الشيخ سيديّ الكبير، عرض بونت أدوار كلٍّ من الشيخ سيدي المختار الكنتي في أزواد (شمال مالي حاليًا) وعلى مستوى إمارة تگانت في الشرق. والشيخ ماء العينين في الصحراء الغربية،6 وقد أردف في حديثه عن الشيخ سيديّ الكبير، الذي اعتبره -إلى جانب المرجعيات السابقة- من أبرز من جسّدوا دور المرجعية الدينية في إدارة التوازن الاجتماعي والسياسي داخل فضاءٍ منقسم، حيث يقول: «يتجلى النفوذ الديني لهؤلاء الزعماء في قدرتهم على التحكيم وفض النزاعات الناجمة عن الصراعات الطائفية أو تلك التي تحصل بين القبائل… ومن جهته تدخل الشيخ سيديّ الكبير في فض النزاعات بين القبائل وفي النزاعات الطائفية على مستوى إمارتي “الترارزة” و”البراكنة”، حتى أنه بدا في نهاية حياته وكأنه صانع أمراء حقيقي».7

هذه المرجعيات التي ظهرت في هذا السياق مثلت استجابةً طبيعية لتلك الظروف التاريخية، إذ لم تكن مجرد ظاهرة دينية، بل كانت محاولةً اجتماعيةً لإعادة وصل ما انقطع بين سلطتي العلماء والأمراء، من خلال نموذج جديد للقيادة الروحية والاجتماعية.

وقد عبّر الدكتور محمدُّو ولد أحظانا في ورقة بحثية له بعنوان: (منهج التأليف التوفيقي عند الشيخ سيديّ الكبير: من خلال كاتبه الطي والنشر في الرد على المسائل العشب)، عن هذه المرحلة بدقة حين قال: «ظهر خلال القرن 13هـ وقُبيله بقليل عدد كبير من الرجال الذين اعتبروا من قبل الوسط الاجتماعي حلًا مقبولًا على نطاق واسع لكل أو لبعض الخلفيات التي ذكرناها آنفًا، فجاء رجال يقدمون حلًا عمليًا لأزمة القطيعة أو الحساسية بين سلطة الأمراء وسلطة العلماء، فوقع انكسار تاريخي معتبر للتوازي الحاصل بين قبائل “الشوكة” (القبائل الحاملة للسلاح) و”الزوايا” (القبائل المنشغلة بالعلم) وهذا الانكسار أدى لتنازل كل من الطرفين عن جزء مما يعتبره حقًا. ولذا أزعم أنه نشأ مجال تشاركي سياسي اجتماعي أحدث قطيعة مع الوضع السابق».8

الدكتور محمدُّو ولد أحظانا
الدكتور محمدُّو ولد أحظانا

ويواصل ولد أحظانا حديثه مستحضرًا نموذج الشيخ سيديّ الكبير وأدواره في هذا السياق بقوله: «ومن أبرز هؤلاء الشيخ سيديَّ بن المختار بن الهيبه، إذ قام بمزاوجة العلوم الفقهية ولواحقها مع معارج الإشراق، ومد جسور التواصل مع أمراء عصره، وأنشأ الحمى الاستقطابي في حوزته، وقدم حلولًا بارزة بخصوص الضغوط الجانبية من طرف السلع الأوروبية، ودخل في حلف ضد تجارة الصمغ مع محمد الحبيب وولد أحمدو أثناء حرب الصمغ العربي المشهورة، ووسع من الدائرة الإنتاجية واعتمد البذل يمينًا ويسارًا والرفادة المتميزة. لهذا لم يكن التقدير الذي ناله الشيخ سيديَّ مجانيًا، بل كانت له سياقاته ومبرراته الموضوعية».9

وقد جاءت أبحاث الأنثروبولوجي الأمريكي “تشارلز ستيوارت” التي تترجمت في أطروحته في دراسته (Islam and Social Order in Mauritania) في سبعينيات القرن الماضي لتؤكد هذه الفرضية. فبعد إقامته الطويلة في البلاد واطّلاعه على مرويات أسرة الشيخ سيديّ، خلص إلى أن النظرية الانقسامية لا تنطبق في السياق الموريتاني إلا في نموذج الشيخ سيديّ الكبير، الذي استطاع -من دون أدوات القهر- أن يعيد بناء النظام الاجتماعي عبر الإصلاح والمصالحة. يقول ستيوارت: «لا يوجد شكٌّ عند دارسي التاريخ الموريتاني في اعتبار الشيخ سيديّ الكبير مركزًا مسيطرًا بين الزعماء السياسيين والدينيين لهذه البلاد في القرن التاسع عشر… لقد كانت حياته السياسية هي التي أرست الأساس الذي يمكن أن تُرجع إليه أغلب التحالفات السياسية السابقة للاستقلال».10

وتُظهر هذه المقاربات، من غيلنر إلى ستيوارت، أن التجربة الموريتانية لم تكن صدىً للنموذج المغربي، بل مختبرًا فريدًا لفهم حدود السلطة الرمزية في المجتمعات التقليدية. فبينما اكتفت الزاوية المغربية بوظيفةٍ مكمّلةٍ للمخزن، أسست الزاوية الموريتانية نفسها كـ”دولة رمزية” في غياب الدولة الفعلية، حيث شكّلت المرجعيات الروحية استجابةً طبيعيةً لحالة الانقسام، ومحاولةً لإعادة وصل ما انقطع بين سلطتي العلماء والأمراء، عبر نموذجٍ جديدٍ من القيادة يجمع بين العلم والورع والسياسة.

الشيخ سيديّ الكبير: من العالم المصلح إلى المرجع الضابط

بعد استعراض الأطروحات التي تناولت فاعلية الرمزية الدينية في المجتمعات المغاربية، يتبيّن أن الشيخ سيديّ الكبير يمثّل أبرز تجلياتها في التاريخ الموريتاني، إذ لم يكن مجرد عالمٍ زاهد، بل فاعلاً اجتماعيًا أسّس من خلال حضوره العلمي والأخلاقي لنمطٍ من “الضبط الرمزي” المتجاوز لحدود القبيلة والإمارة. ونجد في تعبير الشيخ أباه ولد عبد الله في ورقة له تحت عنوان (الشيخ سيديّ بابه، ترجمة علمية): «يُعتبر أكبر مصلح بما لكلمة “الإصلاح” من معنى: إصلاحِ ذات البين بين الأمراء فيما بينهم إن تشاجروا وقامت الحرب بينهم على ساق، والإصلاحِ بين القبائل المتناحرة، والإصلاحِ بين الأفراد المتنافرة، وإصلاحِ النفوس ورياضتها لتنقاد لأمر ربها امتثالًا واجتنابًا، إلى نشر العلم والفتوى في النوازل النازلة والتآليف البديعة والنصائح القيِّمة، إلى دماثة خُلق وتحمُّلِ مشقة عُرفَ بهما في رحلته الطويلة في طلب العلم، إلى نُصرة المظلوم وإعانة المنكوب والصبر على جفاء الجافي ودفعه بالتي هي أحسن، بحيث صار حرَمًا آمنًا يلجأ إليه الخائف ويفرُّ إليه الجاني، متعززًا بتقوى الله مكتفيًا به عما سواه. ويقال: “من خاف الله خافه كلُّ شيء”، حتى صارت سِمَتُهُ على المواشي أَمانًا لها من اللصوص الناهبين، فصار بعض الناس يضعها على مواشيه خوفًا عليها».11

وليس من نافلة القول أن التقديم لشخصية متعددة الأدوار كشخصية الشيخ من الصعوبة بمكان، إذ تتشابك في سيرته محطاتٌ علمية وروحية وسياسية، وفي هذا الإطار، يشير الباحث الموريتاني محمد المختار ولد السعد في كتابه (رسائل الشيخ سيديّ الكبير إلى الكيانات السياسية والمجموعات القبلية) إلى أن الشيخ سيديّ الكبير: «يتبوأ مكانة سامقة في المخيال الجمعي الموريتاني، مما يجعل الحديث عنه يتشعب تبعًا للزاوية التي يُنظر إليه منها، بحكم ما لشخصيته من أبعادٍ متعددة. فقد كان عالِمًا متبحّرًا، وشيخًا ذا عمقٍ روحيٍّ نادر، ورجلَ إصلاحٍ ذي إرادةٍ سياسيةٍ صلبة ورؤيةٍ نافذة لواقع مجتمعه».12

هذه الملامح المتعددة تجعل الحديث عنه ممكنًا عبر ثلاثة مستويات أساسية: البعد العلمي، والبعد الأخلاقي، ثم البعد الاجتماعي/الإصلاحي.

أولًا: المستوى التكويني والعلمي

ولد الشيخ سيديّ بن المختار بن الهيبة سنة 1776م في بيئةٍ علميةٍ زاخرةٍ بالمحاظر وحلقات التعليم، حيث شكّلت المعرفة المصدر الأهم للوجاهة والسلطة المعنوية. وقد كان لذلك السياق الثقافي أثرٌ بالغ في تكوينه، إذ عرفت بلاد شنقيط في تلك الفترة نقلةً في أساليب إنتاج المعرفة، وانتشارًا واسعًا للمحاظر التي صارت الإطار المؤسسي للتعليم، ومجالًا لتلاقح العلوم الشرعية واللغوية والفكرية.

ولعل من المفيد الاستعانة ببعض ما دوّنه من جاؤوا بعده بزمنٍ يسير، كأحمد بن الأمين الشنقيطي في كتابه (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط)، إذ يقول واصفًا الشيخ سيديّ الكبير: «هو العَلَمُ الذي رفع على قطره، واستظل به أهل دهره، وماذا أقول في رجلٍ اتفق على أنه لم يظهر مثله في تلك البلاد… ولم تزل فضائله تبدو حتى أذعنت له الزوايا وحسّان، وصار مثل الملك بينهم فلا يُعقّب حكمه. وكان أهلاً لذلك كرمًا وحلمًا وعلمًا، ولم تزل الدنيا تنهال عليه ويفرّقها بين الناس، وكانت شنقيط تجعله حرَمًا آمنًا يضم عنده آلاف الناس، يطعمهم ويسقيهم ويقضي جميع مآربهم حتى لقي الله، ولا يسأله أحد حاجةً إلا أعطاها إياه بالغةً ما بلغت، أما فضائله فأكثر من أن تُعدّ».13

بدأ رحلته بإتقان حفظ القرآن الكريم وعلومه على يد الشيخ حُرمة بن عبد الجليل (وهو من أكبر شيوخ المنطقة آنذاك). وعن مكانة الشيخ سيديّ العلمية أثناء دراسته على الشيخ حُرمه أورد صاحب الوسيط في ترجمة له عن حُرمة بقوله: «ولم يبلغ أحد من تلامذته مبلغ الشيخ سيدي ومحنض بن سيدي عبد الله الشقروي».14 

مدينة تيشيت الموريتانية
مدينة تيشيت الموريتانية

ثم واصل طلب العلم في مدن العلم الموريتانية حتى وصل إلى “تيشيت”، التي كانت آنذاك مركزًا للمخطوطات والمعارف. وهناك حطّ رحاله وجال بين خزائنها، ينهل منها بنهمٍ قلّ نظيره، حتى صار يُشار إليه بشغفه النادر بالمعرفة. ويكفي للدلالة على ذلك ما أورده الروائي والشاعر أحمد ولد عبد القادر في حديثه عن إحدى البعثات الميدانية لإحصاء المخطوطات في مدينة تيشيت خلال سبعينيات القرن الماضي، حين رافقه الباحث داداه بن أيده المسلمي، فكان يشير إليه -من كتابٍ إلى آخر- إلى ملاحظاتٍ وتعليقاتٍ بخط الشيخ سيديّ في هوامشها. وقد نقل أحمد ولد عبد القادر تعليقًا طريفًا وجّهَه إليه داداه المسلمي بقوله: «يبدو أنّ الشيخ سيديّ قام بإحصاء المكتبات قبلكم، فلعلكم لم تجدوا نسخته أو لعله لم يثبتها كتابةً»؛15 في إشارةٍ بليغةٍ إلى أن هذا العالم قد سبق الباحثين المحدثين إلى فكرة الفهرسة الميدانية وحصر الذخائر المخطوطة بدافعٍ ذاتيٍّ وعلميٍّ خالص.

وبعد هذه المرحلة، واصل رحلته العلمية التي امتدت نحو أربعين سنة، متنقلًا بين المحاظر ومجالس العلماء في البلاد وخارجها، حتى بلغ إقليم “أزواد” في شمال مالي حاليًا، حيث أقام ردحًا من الزمن في الحضرة الكنتية. أدرك خلال إقامته فيها بعضًا من حاية الشيخ سيدي المختار الكنتي وهو من هو قدرًا وعلمًا وزعامة اجتماعية. وفي معرض حديثه عن الشيخ سيدي المختار الكنتي ربط صاحب كتاب الوسيط فضله بالشيخ سيديّ الكبير بقوله: «ويكفيه أن الشيخ سيديّ المتقدم، حسنة من حسناته».16 وقد أشار الأستاذ عبد الله السلام ولد محمد المصطفى، إلى أن أحد أحفاد الشيخ سيدي المختار الكنتي قال: بأنهم «لم ينتفع منهم أحد بعد ذهاب الشيخ سيديّ عنهم»؛17 في إشارةٍ إلى عمق أثره العلمي هناك.

وبعد عودته، بدأت ملامح سلطته الرمزية تتبلور حوله، إذ أحس الناس كما أن «مرجعية جديدة للفضل قد فرضت سلطانها على القلوب، حتى أطبقوا على تلقيبه بـ”كمال الدين”».18

ومن يطّلع على ما دوّن عنه من أخبارٍ، أو ما قيل فيه من شعرٍ، في تلك المرحلة، يدرك أن المكانة التي بلغها كانت ثمرة قدرته الفائقة على جمع الناس تحت لوائه وتوحيدهم حول قيمٍ جامعةٍ في زمن الانقسام. وتحوّل حضوره إلى ما يشبه ما وصفه إرنست گلينر في دراسته لصلحاء الأطلس الكبير بوظيفة “خلق التوازن الاجتماعي في الأطراف”، أو “الحمى الاستقطابي” الذي نسج توازنًا يتجاوز الانتماء القبلي كما عبّر ولد أحظانٓ، في معرض حديثه عن أدوار الشيخ سيديّ في هذا الجانب.

وبعد تأسيسه لبدته “بوتلميت” -التي تقع على بُعد نحو مائةٍ وخمسين كيلومترًا شرق العاصمة الموريتانية- تحولت إلى مركزٍ دينيٍّ واجتماعيٍّ يقصده الناس من مختلف الأرجاء، يلجأون إليه في الخصومات كما في الحاجات، حتى أصبحت ملجأ يأوي إليه الخائف، ويطمئن فيه الجاني من الثأر.19

ثانيًا: المستوى الأخلاقي والسلوكي

وإذا كان نبوغ الشيخ سيديّ العلمي قد شكّل أحد وجوه تميّزه، فإنّ الوجه الآخر الذي لا يقلّ عمقًا هو تساميه في مكارم الأخلاق. فقد كانت شيم الكرم والنجدة والحلم والسماحة هي التي صنعت حوله تلك الهالة الروحية. وقد أورد حفيده المؤرخ الشيخ هارون في كتابه الأخبار أنّه: «كان جوادًا إلى الغاية… رحيمًا بالضعيف والفقير والمسكين والغريب، يجمع المتقاتلين على مائدة واحدة».20

ويتضح أن الإنفاق العام كان سمة متجذرة في سلوكه وفي هذا الإطار أورد الشيخ محمد سالم بن عدود في تعليقٍ له على حادثةٍ مشهورة وردت في الشعر الحساني، حيث يشير الشاعر إلى أن إحدى حلل العرب أُغير عليها، ولم يبق عندها سوى حصانٍ ورمكة، فلجأ أهلها إلى الشيخ سيديّ وهو في انتجاع، فجمع الشيخ بين الأسر المتقاربة في الأعمار في بيتٍ واحد، ثم أفرد كل أسرةٍ ببيتٍ في مرحلةٍ تالية، ولما قالوا له: إننا لا نملك راعيةً لترعى ماشيتنا، عيّن لكل أسرة حلائب وركائب تكفيها، حتى صار لكل بيتٍ من المواشي ما يسد حاجته.21

وقد أورد محمد بن الأمين حادثة طريفةٌ لكنها دالّة في هذا السياق، فقد ذكر صاحب الوسيط أن تلاميذ الشيخ ومحبيه حاولوا أن يقللوا من إنفاقه خشية نفاد ما عنده، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. ويورد أن أحدهم سأله يومًا حمارًا، فأمر أن يُعطى الحمار الفلاني، فقيل له إنه غائب، فقال: أعطوه الجمل الفلاني، فقالوا: إن الحمار قد حضر، فقال: أعطوه إياهما معًا.22

ورغم طرافتها، فإن استحضار هذه الرواية يفيد في إدراك البنية الأخلاقية التي حكمت سلوكه، إذ لا يظهر الكرم هنا كخصلة فردية أو ترفٍ زاهد، بل كآليةٍ رمزيةٍ لإعادة التوازن الاجتماعي وترسيخ قيمة العطاء كأداةٍ لحماية السلم الأهلي، وهي الصفة التي جعلت من الشيخ سيديّ الكبير مركزًا أخلاقيًا تُدار حوله علاقات المجتمع المحلي وتتماسك بفضله.

وإلى جانب سلوكه العملي، يمكن التماس بعده الأخلاقي الإصلاحي أيضًا من خلال إنتاجه الأدبي، إذ كان من أبرز شعراء جيله، ومن القلائل الذين جعلوا من الشعر وسيلةً للتقويم والدعوة إلى مكارم الأخلاق.

ثالثًا: المستوى الاجتماعية والإصلاحي

وعلى الصعيد الاجتماعي، اتخذ الشيخ مسارًا إصلاحيًا متميزًا، إذ تجاوز الفقه النظري إلى الفعل الاجتماعي المباشر، فكان يصلح بين القبائل، ويفض النزاعات، ويتحمّل تبعات الإصلاح بنفسه.

وفي هذا الإطار أيضًا تتجلّى طريقة الشيخ الفريدة في التقاضي، وقد أورد الباحث ولد عبد القادر، أن منهج الشيخ في القضاء كان يقوم على السعي إلى إعادة التوازن بين الخصمين بالرضا المتبادل قبل أن يُنطق بحكمٍ نهائيٍّ، موثقًا قصة تحمل دلالتها في هذا السياق وهي أن زوجين اختصما عنده، إذ سأل الشيخ عن ممتلكاتهما، فقيل له إن أحدهما يملك مقدارًا من الغنم والأشياء دون أن يشارك الآخر في شيء، فأمر بأن يُعطى المعدم نصف ما يملك صاحبه (من مال الشيخ) فتراضيا بعد ذلك، وانتهى الخلاف.23

تجليات الإصلاح والقيادة عند الشيخ سيديّ الكبير

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الصورة الأوضح لفكره الإصلاحي العملي تتجلّى في رسائله السياسية والاجتماعية، التي تمثّل شهادةً مكتوبةً على تجربته في إدارة السلم الأهلي، وتجسيدًا عمليًا لرؤيته في إصلاح المجتمع من الداخل.

وقد وصفه الباحث محمد المختار بن السعد في مقدمة كتابه (رسائل الشيخ سيديّ الكبير إلى الكيانات السياسية والمجموعات القبلية) بأن هذه الرسائل تعبر أكثر من أيّ مؤلَّفٍ آخر عن شخصيته المركبة وما اضطلعت به من دورٍ إصلاحيٍّ كبيرٍ في مجتمعه، موضحًا أنّ المدونة التي اشتغل عليها في تحقيقه بلغت مائةً وستًّا وستين رسالة موجّهة إلى الكيانات السياسية والمجموعات القبلية،24 تضمّ دعواتٍ إلى الصلح، ومقترحاتٍ لتقاسم الموارد، وتحذيراتٍ من الغزو والاحتراب، وتنبيهاتٍ إلى المسؤولية الشرعية للأمراء في حفظ العدل والسلم الأهلي. وهو ما يجعلها وثائق حيّة لقراءة الفكر الإصلاحي في الغرب الإسلامي.

ومن بين الرسائل التي تكشف ملامح هذه المدرسة الإصلاحية رسالته إلى تلميذه بازيد بن محمد بن الفاللِّي، التي كتبها في سياق سعيه للصلح بينه وبين أخيه المذكور، وقد كان بينهما خلافٌ أزعج الشيخ لما عرفه عنهما من صلاحٍ وتقوى: «هذا وإنه من عبد ربه الغنيّ به سيديّ بن المختار بن الهيبه إلى الأخ الصادق بازيد بن محمد بن الفاللِّي حفظه الله ورعاه وحمد مسعانا ومسعاه، … أما بعد، فاعلم أن الإنصاف من شيم الأشراف، وأن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وأن الخرق، أي العنف، ما دخل في شيء إلا شانه، وأن زلة الكبير كبيرة وإن صغرت، وزلة الصغير صغيرة وإن كبرت؛ لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وأن المرء يحصد ما زرع. قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (العبد مجزيٌّ بعمله: إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر). فإذا علمت هذا كله، فانصف أخاك سيدى الفاللِّي، والقِ يدك من ورائه، وأعطه كل حقٍّ يطالبك به دون مرافعةٍ إن أمكن ذلك، وإلا فبها. وأصلحا معًا أمركما، واجتمعا على ما ينوبكما من النوائب، وتعاونا على البر والتقوى.

واعلم أنا كتبنا لمحمد الحبيب، أمير الترارزة، بالاجتهاد في إصلاح ذات بينكم وذات بين غيركم من المسلمين، فاسمع حفظك الله ما أمرناك به وامتثله ولا تخالفه».25

ومن السمات اللافتة التي تتكرّر بشكلٍ كبيرٍ في رسائله، حرصه الشديد على مباشرة الأدوار الإصلاحية بنفسه، وتحمله عناء الوفادة وتكاليف الجسد، وما يترتب عن ذلك من إنهاكٍ للبدن رغم تقدّمه في السنّ.

ويتجلى ذلك النهج بشكل أوضح في إحدى رسائله الموجّهة إلى الأمير محمد الحبيب بن أعمر بن المختار، التي كتبها للصلح بينه وبين أبناء عمومته، يقول فيها: «أما بعد، فإنا نريد منك ونأمرك أن تقوم على ساق الجد والاجتهاد، وتشمر عن ساعد بذل الوسع والاستعداد في إصلاح ذات بين المسلمين وإطفاء نار الحرب الموقدة بين أهل هذه الأراضين، واجعل ذلك قربةً تتقرب بها لمولاك الذي أنعم عليك (…) ونحن نعينك إن شاء الله ونقوى ظهرك ونشدّ بجند الدعاء وعضد الهمة أزرك.

فإذا توجهت لما نريده منك ونأمرك به وتعلقت همتك كل التعلق بسببه، فاقدم بنفسك إلينا مع حاملي الكتاب حتى تنيخ راحلتك بالباب، أو تكون بمحل لا يشق وصوله علينا ولا يتوجه التعب في مسافته إلينا، فحينئذ نلتقي معك ونشتغل كلنا بما يصلح بينك وبين أبناء عمك الذين هم عندنا قد حبسناهم وأمسكناهم عن الجهة التي كانوا ذاهبين إليها رجاء أن يمن الله علينا بالإصلاح بينك وبينهم».26

ومن خلال تتبّع هذا المسار الإصلاحي، يتبيّن أن جهوده تجاوزت الإطار الداخلي للقبائل والإمارات، واتخذت بعدًا وطنيًا عامًا تمثّل في سعيه إلى توحيد الكلمة وجمع الفرقاء السياسيين تحت رؤيةٍ جامعة.

وقد تمخضت تلك المساعي عن عقد مؤتمر القمة في منطقة “تندوجه” قرب بوتلميت، وهو حدثٌ فريد في تاريخه السياسي والاجتماعي، حضره معظم أمراء البلاد وشخصياتها السلطوية البارزة آنذاك، وكان أول اجتماعٍ من نوعه تعرفه المنطقة. وقد شكّل هذا المؤتمر تجسيدًا عمليًا لرؤية الشيخ الجامعة، التي هدفت إلى بناء صيغةٍ توافقيةٍ بين القوى المحلية في مواجهة الانقسامات الداخلية والخطر الخارجي الزاحف.

وكان بمثابة نواةٍ أولى لتولّد فكرة الكيان السياسي الواحد، ونجد هذا في ما أشار إليه الباحث إزيد بيه ولد محمد محمود بقوله: «فالشيخ بما عُرف عنه من علو الهمة وسعة المعارف، قارع الاستعمار الفرنسي عبر جهوده الماثلة في الوثائق التاريخية وعبر مراسلاته، بل إنه أكثر من ذلك، حاول جمع كلمة البلاد وتوحيد الإمارات في وجه هذا الخطر. وقد عمل جهد المستطاع من أجل محاربة النزاعات والاقتتال بين قبائل ساكنة هذه البلاد».27

وقد شن الحلف الذي جمعه الشيخ هجومًا على مدينة سان لوي (المطلة على نهار السنغال) سنة 1856، وأسّس محلةً مشتركة قرب منطقة متاخمة هناك. وقد أثار هذا التحرك حفيظة الحاكم العام الفرنسي للسنغال الجنرال “لوي فيديرب”، الذي بعث برسالةٍ إلى الشيخ سيديّ الكبير يتوعده فيها ويتهمه بالتحريض على العداء ضد الفرنسيين، معتبرًا أن نفوذ الشيخ هو الذي يقف وراء ذلك التلاحم بين الإمارات.

وجاء رد الشيخ سيديّ الكبير، عليه برسالة تعكس نبرة حازمة، وصلابة على الموقف والمسعى: «بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، الملك الحق العلي العظيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيّه ورسوله الكريم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على دينهم القويم.

هذا، وإنه من عبد ربه الغنيّ به سيديّ بن المختار بن الهيبَة، طهّر الله منه الجيب، وستَر منه العيب، وأصلح الشهادة والغيب، إلى “فضرب” أمير اندر، الذي خفي عليه كثيرٌ من حقيقة الوبر. سلامٌ على من اتبع الهدى، وخاف مقام ربّه، ونهى النفس عن الهوى.

أما بعد، فاعلم يا “فضرب” أن مكتوبك وصل إلينا، وقدم به حامله علينا، فنظرنا فيه، فإذا هو مشتملٌ على أسلوبٍ من الكلام لم يواجهنا بمثله أحدٌ من الأنام، لما فيه من الجرأة والتوعّد بالانتقام(…) فاعلم أننا ندعوك إلى الإسلام، ونأمرك به أمرَ إجارةٍ، لتنجو به من النار، وتخلُد به في الجنة خلودًا ملازمًا، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فأسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، وتفز بما فيه لك قرة عين، وانبذ عنك شهاب الكفر بدخانه، واستضئ بضياء دين الله تعالى وإسلامه وإيمانه وإحسانه، تتحف بمغفرته سبحانه لجميع ما مضى من ذنوبك، لأن الإسلام يجبّ ما قبله، وينشر الله به على العبد رحمته ونعمته وفضله».28

وقد ورد ذكر هذه الواقعة في عددٍ من الدراسات الأجنبية التي تناولت تاريخ المواجهة بين القوى المحلية والإدارة الفرنسية في السنغال، ومن أبرزها ما أوردته الباحثة “جينفييف ديزيري فيليمين” التي تولت ترجمة مذكرات الحاكم الفرنسي، سابق الذكر “لوي فيديرب”. مشيرة إلى مفاجأته بهذا المؤتمر الذي عقده الشيخ، بقولها: «كانت مفاجأة الجنرال فيديرب كبيرة عندما علم أن مصالحة قد تمت في أبي تلميت سنة 1856 بين أمراء البراكنة والترارزة وآدرار، معتبرًا أن في ذلك نجاحًا كبيرًا للأمير محمد الحبيب ضد السنغال، بل هو جهادٌ يقوم به الشيخ سيديَ الكبير. والحق أن هذه المصالحة كانت من عمل أكبرِ شخصية في جنوب غربي الصحراء، الشيخ سيديَ الكبير، الذي ما فتئ منذ عدة أعوام يبذل قصارى جهده من أجل المصالحة بين الأعداء، الذين غالبًا ما يكونون مقربين منه أو تلامذة له، بوصفه شيخًا كبيرًا، وزعيمًا روحياً وعلميًا في مجتمع فوضوي في طريقه إلى التفكك والتشرذم، فكان هذا الشيخ عامِلَ وحدته الأوحد».29

وقد أعقبت تلك المراسلات والمواجهات سلسلةٌ من المناوشات بين الحلف والقوات الفرنسية، انتهت إلى اتفاقٍ يقضي بتحديد موانئ للتبادل التجاري  مع تلك الإمارات، على أن يتعهد الحاكم الفرنسي من طرفه بأن يحذر التجار الفرنسيين من المتاجرة خارج الموانئ المذكورة. وأن يتقاضى الأمراء نسبة مئوية من محصول بيع الصمغ الذى يتم تبادله على الضفة اليمنى لنهر السنغال.

الخاتمة

موريتانيا القديمة

ليست تجربة الشيخ سيديّ الكبير مجرّد فصلٍ في تاريخ المرجعيات الإسلامية الموريتانية، بل هي برهانٌ على أن السلطة الأخلاقية يمكن أن تعيد تعريف السياسة حين تفقد الأخيرة معناها. فقد كان الرجل يجمع الناس بالحجة لا بالرهبة، وبالكرم لا بالجباية، فحوّل العلم إلى عقدٍ اجتماعي جديدٍ يُلزم القلوب قبل الأجساد. ومن خلاله يمكن فهم أن المجتمعات التقليدية، التي تبدو من الخارج منقسمةً وضعيفة، قد تُخفي في داخلها آلياتٍ رمزيةً دقيقةً تضمن استمرارها حين تنهار الدولة وتتهاوى القبيلة. ولعلّ هذه هي الرسالة الأعمق لتجربته: أن البناء الحقيقي للأمة يبدأ من إحياء الضمير قبل إقامة السلطان.

المراجع

  1. نور الدين الزاهي. “المدخل لعلم الاجتماع المغربي”. دار؛ دفاتر وجهة نظر. الطبعة الأولى. ص 132-133. ↩︎
  2. نور الدين الزاهي. المرجع نفسه. ↩︎
  3. عبد العاطي أوحسين. «الوظيفة السلمية للزاوية في النظام القبائلي، من خلال عمل Ernest Gellner: قبائل ايت عطا وعلاقتها بالزاوية الحنصالية». موقع؛ “أنفاس”. ↩︎
  4. حماه الله بن السالم. تاريخ بلاد شنگيطي «مورينانيا حاليا». دار الكتب العلمية. ص 324-325. ↩︎
  5. بيير بونت. “أصول المجتمعات البيظانية، مساهمة في دراسة ماضي غرب الصحراء، ترجمة محمد ولد بوعليبة. دار جسور للنشر. ص 476. ↩︎
  6. بيير بونت. المرجع نفسه. ↩︎
  7. المرجع نفسه. ↩︎
  8. محمد بن أحظان. «منهج التأليف التوفيقي عند الشيخ سيديّ الكبير: من خلال كاتبه الطي والنشر في الرد على المسائل العشب». “أعمال ندوة أبوتلميت” 2006. ص 46. ↩︎
  9. محمد بن أحظان. المرجع نفسه. ص 47. ↩︎
  10. C. C. Stewart with E. K. Stewart, Islam and Social Order in Mauritania: a case study from the nineteenth century, Clarendon Press, Oxford, African Affairs, Vol. 73, issue 293, p 489. ↩︎
  11. أباه بن عبد الله في ورقة له تحت عنوان «الشيخ سيديّ بابه، ترجمة علمية». من “أعمال ندوة أبوتلميت” 2006. ص 108. ↩︎
  12. محمد المختار بن السعد “رسائل الشيخ سيديّ الكبير إلى الكيانات السياسية والمجموعات القبلية”. دار الإسراء. ص 5. ↩︎
  13. أحمد بن الأمين الشنقيطي. “الوسيط، في تراجم أدباء شنقيط”. الشركة الدولية للطباعة. 243-244. ↩︎
  14. أحمد بن الأمين الشنقيطي. المرجع نفسه. ص 25. ↩︎
  15. أحمد بن عبد القادر. «الشيخ سيديّ.. وتأثيراتها». أعمال ندوة أبوتلميت 2006. ص 34. ↩︎
  16. أحمد بن الأمين الشنقيطي. المرجع السابق. ص 361. ↩︎
  17. عبد الله السالم، بن محمد بن المصطفى. «الشيخ سديّ.. البعد الروحي». أعمال ندوة أبوتلميت 2006. ص 67. ↩︎
  18. أحمد ولد عبد القادر. المرجع السابق. ص 35. ↩︎
  19. أحمد بن الأمين الشنقيطي. المرجع السابق. ص 244. ↩︎
  20. هارون بن الشيخ سيديّ بابه. “كتاب الأخبار” الجزء الأول. ص 59. ↩︎
  21. محمد سالم بن عدود. «الشيخ سيديّ.. التأثير والإبداع». أعمال ندوة أبوتلميت 2006. ص 21. ↩︎
  22. أحمد بن الأمين الشنقيطي. المرجع السابق. ص 244. ↩︎
  23. أحمد بن عبد القادر. المرجع السابق. 37. ↩︎
  24. محمد المختار بن السعد “رسائل الشيخ سيديّ الكبير إلى الكيانات السياسية والمجموعات القبلية”. المرجع السابق. ↩︎
  25. المرجع نفسه. ص 112-113. ↩︎
  26. المرجع نفسه. ص 101. ↩︎
  27. إزيد بيه بن محمد محمود. «الشيخ سيديّ بابٓ.. الوزن الاجتماعي والسياسي، وهمّ السلطة المركزية». أعمال ندوة أبوتلميت 2006. ص 126. ↩︎
  28. محمد المختار بن السعد. المرجع السابق. ص 245-246. ↩︎
  29. Geneviève Désiré-Vuillemin, Aperçu historique de la Mauritanie du xixe siècle à l’indépendance, in Introduction à la Mauritanie, collection “Connaissance du Monde”, p 77 ↩︎

إبراهيم أحمد الشيخ سيديا

باحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا مهتم بالقضايا الفكرية، وطالب ماستر في مسلك التنمية والتحولات الاجتماعية.… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى