بل عبودية الله هي الحرية
التحرر.. كلمة يُحبّها الإنسان ويميل إليها بفطرته، فنحن نكره أن نُستعبد! نعشق الحرية، حتى بعيدًا عن كونك مسلمًا أو لا، أنت تُحِب أن تكون حُرًا، وتسعى لذلك -مادامت فطرتك سليمة-، وببساطة.. لذلك رأينا كفارًا يدافعون عن حريتهم وحرية شعوبهم -كما يرونها- حتى أنهم يموتون دفاعًا عنها! ولكنّ كونك مسلمًا يعني أنك مختلفًا في إعتقادك عن أي كافر! فلا يستوي أبدًا فكر المسلم والكافر، ولا هدف مسلم وكافر، وإن حدث ذلك فلابد أنه هناك مشكلة -كبيرة جدًا- في عقيدة ذاك المسلم.
مفهوم الحرية.. يختلف!
هناك من يموت دفاعًا عن فكر معين يعتقد أن فيه الحرية، كالعلمانيين مثلًا، هم يرون أن الحرية هي أن يكون هوى الإنسان هو الحاكم، فلا دخل للدين في حياة الإنسان، أما عن كونك تريد أن تصلي فتلك حرية شخصية، إعتقد ماشئت، تعبّد كما شئت، لكن لا تتدخل في حياة الآخرين، فلا تأمر بمعروف، ولا تنهى عن منكر، ولا تتدخل في نظام الحكم في مجتمعك، هذه هي الحرية من وجهة نظرهم، وبذلك تنقض توحيدك لله -سبحانه وتعالى- لأنه قال في كتابه: ((إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)). أما نحن -المسلمين- فيجب علينا أن نعلم ما هي الحرية في ديننا؛ لأن شهادتنا بأنه لا إله إلا الله تُحتّم علينا أن نتخذ الله -وحده- إلهًا، ومن أكثر الأشياء بداهةً أن الإله من يأمُر والعبد من يُطيع أمر إلهه -دون إعتراض أو تفكير حتى-. ذلك الإنقياد والتسليم لله، هو ما يثبت حقًا أنك مؤمن بالله، مسلمًا له.
فأنت ما دمت تشهد بأنه “لا إله إلا الله” يجب عليك أن تأتمر بأمر إلهك الذي تُقِر بألوهيته في اليوم أكثر من سبع مرات -في التشهد-، وتنتهي عمّا نهى عنه. ولكن كيف سيحدث ذلك بدون العلم -أصلًا- بما أمر به وبما نهى عنه؟ هُنا يجب عليك البحث والتعلُّم، على الأقل الفروض العينية أي: التي يجب على المسلم أن يعلمها، والتي لا يصح إسلامه إلا بالعلم بها، كالعلم عن الله وصفاته، والعلم بشروط كلمة التوحيد ومعناها ومقتضياتها ونواقضها، وفقه ما وجب على المسلم كالصلاة، والصيام، وإذا كنت تاجرًا أو تتعرّض للبيع والشراء فأن تتعلم فقه البيوع، وجهاد الدفع إذا وجد سببه -وهو حادث- وهكذا.
الحرية في الإسلام
فكِّر معي، أليس الإسلام دين كامل! إذن فبالطبع لا ينقصه هذه القيمة -الحرية- التي فطر اللهُ الإنسانَ على حبها والميل لها، ولكن ماهي؟ ما معناها في الإسلام؟ هل معناها أن يفعل كل مرء ما شاء مادام لا يتعدّى على “حرية” الآخرين كما يقول مُقدّسي الحرية الشخصية! ما حقيقة كل ذلك في ديننا وما وضعه؟
ببساطة؛ إن الحرية هي عبادة الله! نعم، صدقًا.. هي عبادة الله. هل تفكّرت يومًا في معنى هذه الكلمة التي تقولها ليلًا نهارًا! كلمة التوحيد.. “لا إله إلا الله”، إذا تفكّرنا فيها سنجد أن أولها نفي، نفي صفة الألوهية عن كل شيء وشخص! ثم يأتي الإثبات ليكتمل معنى الحرية: إلا الله؛ فالله وحده هو المستحق للعبادة، ومن البديهي أن يخضع العبيد للإله ويقصدون وجهه ورضاه بالطاعة والإنقياد والتذلل والتحاكم والاستسلام. إذن فالحرية هي أن تعبد الله وحده لا شريك له، تعبده فلا تشرك معه هوى، فتطيعه كما أمر، وتستقيم كما أُمِرت، لا كما أردت ورغبت.
آفة عظيمة
أسفًا نسمع من المسلمات من يقلن لمن يرونها ترتدي جلبابًا فضفاضًا، ليس زينة في نفسه: “ما هذا الذي ترتدين؟ لم تشددين على نفسك إلى هذه الدرجة؟ أما رأيتِ الأخت فلانة ترتدي ما أرادت وتتبع الموضة وأحدث الموديلات وتلتزم أيضًا بالحجاب!” وهُنا نسأل، أي حجاب! الحجاب الذي أرادته هي، أم الذي أمرها الله به؟
أولًا نقول أننا لدينا مشكلة، مشكلة حقيقية، وهي أننا نأخذ الدين بالتوارث (كما الكفار.. لسان حالنا يقول: هذا ماوجدنا عليه أجدادنا الأولين!)، ولا نأخذه من العلماء فيه، فنَضِلّ! إذا أردتِ النجاة بحق أخيتي، إبحثي في كتب أهل العلم، وسَلي أهل الذكر، وتعلّمي دينك، وإجعلي سلاحك علمك بالله وبدينه في وجه كل الفتن، إن الحرب على دينك شديدة -والله- يا أخية، فانصريه، ولو بحجابك!
الحجاب.. الحجاب الذي أمر الله به
الحجاب أمر إلزامي، وليس إختياري
كان أمر الله بالحجاب: (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ … )) في سورة النور، (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )) في سورة الأحزاب.
حسنًا، هذا دليل على كونه فرض من الله -عز وجل-، ولكن هل له شروط؟ أم أن أي غطاء للرأس يكون حجابًا!
لحظة، معنى أنه فرض من الله -عز وجل- أنه أمر توقيفي! لأن العبادات توقيفية، وهو بذلك عبادة، أي: نقف فيها عند النص، لا نبتدع فيها أمر. إذن؛ لا نسمع لمن يقول أن هذا حجاب متشدد، ولكن هذا حجاب جميل، وهذا حجاب وسطي، أما هذا فهو حجاب غير جيد. ويحكم! من هو ليقول ويبدي رأيه؟ إن الله قد أمر، ونحن نقول “سمعنا، وأطعنا” لأننا مؤمنين بالله -عز وجل-. انظروا ماذا يقول ربّكم: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )).
إذن؛ هل الحجاب حرية؟ أحدّثكم كمسلمين، هل هو حرية؟ لا -والله- ليس بحرية! لأن الله قد أمر به، فهو أمر إلزامي إذن، وليس إختياري.
شروط الحجاب:
كما أن للوضوء شروطًا لا يصح بدونها، وللصلاة شروطًا لا تصح بدونها، للحجاب شروطًا لا يصح بدونها!
لأن العبادات توقيفية، ليس لنا شأن التدخل فيها، لسنا الله لكي نقرر أن البنطال شكله جميل ويسهّل علينا ركوب العربات والسير في الطرقات وغير ذلك، فيمكننا تسمية أنفسنا بالمحجبات ونحن نرتديه، ومثلًا نحن لا نسأل أو نعترض على: لماذا نمسح ظاهر الخُف ولا نمسح باطنه! فهو أمر تعبُّدِي توقيفي.
شروطه؛ أن يكون فضفاضًا، لا يصف، ولا يشف (غير رقيق)، وليس زينة في نفسه، غير ملفت للنظر.
إذن: فالبنطال لا يصح، والعباءة الضيّقة لا تصح، والقماشة القصيرة التي يضعنها على رؤوسهن لا تصح لأن الكتفين ضمن مايجب ستره وعدم وصفه، والألوان الملفتة لا تصح (كالأحمر، والأصفر..).
هذا ولن نقول أكثر!
عندما سقطت الخلافة، قدمت أوروبا حفل إنتصارها على الإسلام والخلافة بأن عقدت مسابقة لاختيار ملكة جمال أوربا.. في عاصمة الخلافة أنقرة!، ليس ذلك هو الموجع أبدًا، وإنما هو أنه كان من ضمن الفتيات المتسابقات.. فتاة مسلمة! تقدّمت تلك الفتاة تمثّل تركيا العثمانية، تقدّمت على خشبة المسرح واستعرضت مفاتنها بلباس البحر. تقدّمت هي مفتخرة بتعرية جسدها أمامهم، وتأخرت أشد التأخر خذلانًا في فكرها وعقلها، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا!
انظري يا إبنة الإسلام ماذا قال عدو دينك عن هذه الفتاة. قال رئيس لجنة التحكيم: “أيها السادة، أعضاء اللجنة، إن أوروبا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية، لقد انتهى الإسلام الذي ظل يسيطر على العالم منذ 1400م، إن “كريمان خالص” ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة.. ها هي “كريمان خالص” حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا “بالمايوه”، ولا بد لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا.. ذات يوم من أيام التاريخ انزعج السلطان العثماني”سليمان القانوني” من فن الرقص الذي ظهر في فرنسا، عندما جاورت الدولة العثمانية حدود فرنسا، فتدخل لإيقافه خشية أن يسري في بلاده، ها هي حفيدة السلطان المسلم، تقف بيننا، ولا ترتدي غير “المايوه”، وتطلب منا أن نُعجب بها، ونحن نعلن لها بالتالي: إننا أُعجبنا بها مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد، فلتُرفع الأقداح تكريماً لانتصار أوربا”.
يا إبنة الإسلام.. فكِّري فقط، فكِّري قليلًا، ولن تحتاجي غير القليل لأن الحق واضح بيِّن، بالتبرج من ترضين؟ باتباعك “للموضة” من ترضين؟ فكِّري أخيتي.. هل أنتِ مسلمة لله حقًا؟!
بقلم: الخنساء