
نقد الذات بين العلم والجهل والفرقة والاجتماع
معلوم بالحقائق أن الجسم المريض والذي ينازع خطر الموت لا يستطيع أن يَفِق بدون الرعاية الطبية الكاملة والعلاج اللازم والناجع والقوة النفسية لدي المريض بالأمل والنجاة من المرض فعلينا نحن الشعوب أن نعرف أننا في خطر وفي مشاكل تحيط بنا وفي أزمة لابد أن نجد منها المخرج وإلا كان الإفلاس والموت مصيرنا كأفراد وكمجتمعات.
ومعلوم أيضا أن لكل مشكلة ولها حل بل حلول ولكن كيف نستخلص الحلول ما دمنا لا نحسن توصيف المشاكل بله لا نعترف ظاهريا بوجودها ؟!
يجب علينا أن نتكاتف سويا في وجه كل معتد ظالم معتد على أملاك غيره ظالم للآخرين ولشعبه فقد خُلقنا متساوين فمن الواجب علينا أن يكون التساوي في الأمور الضرورية من مأكل وملبس ومشرب ومسكن وعلم من باب أولي ثم الاختلاف فيما بعد الضروريات لا بأس فهكذا المجتمعات وهذه هي الحياة وهذه من الواضحات.
من يُسجن في قضايا بلده لا يعني ذاته وحدها لأنه لم يسجن لمصلحته بل لمصلحة الملايين من أمثالنا فكان لزاما علينا نحن الشعب أن نقف بجانبه وأن نسانده بكل الإمكانيات المتاحة ما دام علي الحق وبالحق اقتنعنا ولأن سجنه من أمور تعاسته المؤقتة فعلينا ألا نفرح بتعاسة الآخرين أننا كجسد واحد داخل وطن واحد أو ملة واحدة علينا التكاتف يدا بجانب يد وفكرًا بجانب فكر وقوة بجانب قوة.

من العوائق في سبيل اجتماعنا والوحدة لدينا صفة الأنانية وحب الذات وعدم الشعور والاعتراف بما يقدمه لنا المُخلصون ونمرر هذه المكافحات وهذه التضحيات مرور الهواء في الأرض الجرداء وانتشار الجهل بين الشعوب في معرفة حقوقها وواجباتها وسُبُل تقدمها.
وضع الخطط والنظم ليس فقط كفيلا بالاستقرار والتنمية فهي من باب الأقوال ولابد من أن يتبع القول العمل لكي يظهر وتُعْطَي ثماره ولو بعد حين، إن العمل الجيد لابد وأن يسبقه خُطة جيدة لكي يكتمل البناء وما لم يسبقها ذاك فهو من قبيل الأمل البَرَّاق والجميل وليس بالعمل الجميل وحده يقوم البيت والتنظيم الجيد بدون عمل صالح فهو من باب اللهو الفكري السفسطائي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ما دام لم يتبعه عمل جيد وفَعَّال.
تفكيرنا مقتصر على ما نعيشه في حياتنا اليومية ولا ننظر إلى المستقبل القريب والبعيد وهذا قِصَر فكر وعيب عقل فلإن كانت حياتنا ما نحياه في يومنا فكيف نحيي غدنا وان لم يكن لنا أفليس لأبنائنا علينا حق العلم وواجب التعليم وان لم يكن من قبيل الواجب فهو من قبيل المروءة ومكارم الأفعال بل الفرض وهذا مما تحثنا عليه الشريعة الغرّاء والدين القويم والإنسان الذي خُلق في أحسن تقويم.
إن الجهلَ في هذا التقدم الواسع والتقنيات الحديثة لهو مَسَبَّة في من يرتضيه وفي من لا يتجاوزه فماذا يريد القوم بعد ذلك من وسائل للتحصيل والعلم والبحث والتنقيب ، وكما قيل بان العلم يؤْتَي ولا يأتي فكذلك الثقافة (الأخذ من كل علم بطرف ) والإلمام بمجريات الأحداث والأقوال وماذا يرمي المصلحون من قولهم وفعلهم غير الإصلاح والعيش السعيد والآخرة السعيدة وماذا يرمي المفسدون في الأرض من فسادهم وتشتيت الآمال وبعثرة الحقوق في كل طريق غير الأنانية والجشع والتكبر ثم كثيرا ما يكونوا بذلك عن طريق العلم وهذه الثقافة فما بالك بالأفكار .
فمن الخطر المحدق لدينا هؤلاء المنظرين للظلم والتحكم البغيض لدي السلطة الجائرة وهو بَيَّن الذين لا ينأوا عن القول والفعل والتقرير العلني والاستمرار في رفع شعار الأمة الواهم وهم في الأصل أول من يمهد الطرق لتكسير بنيانها ووضع العقبات وتعريج الطرق الفرعية في طريقها المستقيم الوسط الحق.
فان كانوا يفكرون ففي مقابلهم فئة أخري يفكرون وعلى النهج الصحيح ينصحون وهم كُثُر ولكن الوسائل لا تساعدهم وقليل ما يسمع واقل القليل من يقف مع الصف ويساند.
إن التفكير ليس آفة وإن الفكرة ليست رذيلة يخذل منها مبدعِها أو خالقها فكم تُرْهَق الأجسام من اجل فكرة وكم تُنبت الفكرة الكثير من الأجسام وما أحسن وأجمل وأعظم الظفْر بالفكرة وما أكثر سعادة المرء بها، لهي أغلي لديه من مُرَفَّهَات يَظُنُ أصحابها انهم قد حازوا النعيم وما هم بشيء بالمقارنة بمبدع الفكرة ونشائها ولكن قومي لا يعلمون، وليتهم علموا لما وقفوا في طريقها ولمهدوا سُبُلَها وقدسوا آثارها ورعوها حق رعايتها.
إنني أناشد القوم بالتفكير المجتمعي وسرعة الاتفاق والوحدة ونبذ الفرقة والتعصب والرجعية السياسية التي لا تثمر لنا إلا كل شر وكل اضمحلال وخسران أرواح وأجسام وأملاك في جسد الشعوب والأمم.
ومحاولة المقاربة بين الجميع لئلا تطغي فئة على أختها وتستبد قوم على قوم وما الخاسر فيهم إلا هم مجتمعين ومتفرقين وما دخلت الفرقة في قوم إلا أحدثت الدمار والهلاك والطغيان والاستبداد والعلو والغلو بغير حق ولا هادية طريق.
إن النصوصَ كَثُرَت وإن العقل البشري لأبدع والنصحاء في الأمة موجودون في كل عصر ومَصر فلا نامت أعين الجهلاء الذين لم يستفيقوا بعد.