
قراءة في كتاب هذا الدين لسيد قطب
هذا الدين هو دين الله ومنهجه الذي ارتضاه للبشرية جمعاء، ذلك المنهج الذي لم يتوقف أعدائه عن محاولة طمسه إلى الأبد ولم يتوقف أتباعه عن محاولة تطبيقه والرجوع به إلى مكانه في الصدارة.
فما هي صفات هذا المنهج؟، وهل يتحقق بقوة خارقة وبمعجزة ربانية دون تدخل من العصبة المؤمنة؟، وما هو الفرق بينه وبين المناهج الأخرى وما يملك من نقاط قوة تجعله يصمد أمام الضغوط والمحاربة؟، ما هي العقبات أمام إعادة تطبيقه؟.
منهج للبشر
وضح قطب في بداية هذا الفصل الفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب، وهي أن هناك فكرة بسيطة لطبيعة هذا الدين أو للطريقة التي يعمل بها، ولكن على بساطتها يجهلها أو يتغافل عنها الناس.
وهي أن الإسلام دين للبشر يتفاعل معهم ومع طبيعتهم القائمة على النقص والضعف والشهوانية وبالظروف المادية المحدودة المحيطة بهم، وهو بهذا لا يعمل بطريقة سحرية وغامضة رغم أنه منهج رباني، ولكنه منهج رباني وضع للبشر المحدودين الطاقات، والمتقلبين بين ارتفاع الهمة ودنوها.
وتنتج عن هذه الفكرة الخاطئة سلسلة أخطاء تتمثل في الشعور بخيبة الأمل والشك في واقعية الدين وقابليته للتحقيق وصولا للشك في الدين عموما.
ويتوصل الكاتب هنا أن هذا المنهج أي “الإسلام” لا يتحقق على الأرض بمجرد نزوله ولا بكلمة “كن فيكون” التي يحرك الله الأرض والكون، ولا يتحقق أيضا بمجرد إبلاغه للناس وإيصاله لهم، بل يتحقق في واقع الناس بطريقة واحدة وهي أن تحمله جماعة من البشر تؤمن إيمانا كاملا به وتسعى لإيصاله للناس وتجاهد في سبيل ذلك بكل ما تملك.
منهج متفرد
وهنا يظهر التساؤل التالي إذا كان الإسلام هو المنهج الإلاهي لحياة البشر، ولا يتحقق إلا في حدود الطاقة البشرية، وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية، فما ميزته عن باقي المناهج البشرية الموضوعة، ولماذا يجب أن نحاول تحقيق هذا المنهج الذي لا يتحقق منه شيء بطريقة خارقة للقواعد الأرضية.
في البداية نحن ملزمون في محاولة تحقيق هذا المنهج لنستحق صفة الإسلام، فالإسلام يقوم بشهادة أن لا إله إلا الله، ومعنى هذه الشهادة القريب افراد الله بالألوهية، وعدم إشراك أحد من خلقه معه في خصائصه، وأول هذه الخصائص وأهمها حق الحاكمية المطلقة لله أي حق التشريع للعباد.
وثانيا، نحن ملزمون بمحاولة تحقيق هذا المنهج لأسباب تتعلق في المنهج ذاته، فهو وحده الذي يحقق كرامة الإنسان ويمنحه الحرية الحقيقية، وهو وحده الذي يمنحه التحرر الكامل الشامل المطلق في حدود إنسانيته وعبوديته لله.
ونحن ملزمون بتحقيق هذا المنهج لنرد البشرية إلى إله واحد وإلى غاية وجودها التي تليق بالإنسانية، وإلى القانون الذي يشمل الكون كله.
منهج ميسر
http://gty.im/878549262
ويبدأ هذا الفصل من الكتاب بالتساؤل التالي وهو أنه قد يقول قائل لم تصبر البشرية على هذا المنهج الفريد وقد تركته الجماعة التي حققته واقعا على الأرض يوما ما، وقد اتجهت البشرية بعده إلى مناهج أخرى لا ترتفع إلى ذلك السمو ولكنها غير مجهدة للبشرية؟
ويجيب قطب على هذا التساؤل بأنه يبدو صحيحا في الوهلة الأولى، فقد سعى العديد من الكتاب إلى تثبيت هذه الفكرة في النفوس بأن المنهج الإسلامي غير عملي وغير واقعي.
لكن مبدئيا ليس صحيحا أن هذا المنهج الإلهي يكلف البشرية جهدا أشق من أن تطيقه أو تصبر عليه طويلا، والإسلام إلى جانب أنه منهج سامق هو منهج فطري أيضا ويعرف طريقه إلى النفس البشرية ويصل إليها بلطف، ويعرف مداخلها ومخارجها فيسلك إليها على استقامة.
والإسلام يعتبر أن الأصل في الإنسان الاستعداد للخير، فهو خلق في أحسن تقويم ويفقد صفة الحسن هذه عندما يستسلم لغير منهج الله.
وهذا المنهج يسعى لقيادة هذا العالم والسيطرة عليه ليؤسس للحالة التي يتحرر فيها الإنسان من الانحرافات عن الفطرة.
وعن فترة الخلافة الراشدة وهي الفترة المثالية لتطبيق المنهج الإسلامي يقول قطب أن الله شاء أن تكون هذه الحقبة الأولى قمة ينظر إليها دوما في محاولة محاكاتها، وتبقى تجدد آمال المسلمين في تطبيق المنهج الإسلامي على الواقع.
وفي الحقيقة هذه الفترة لم تكن ناتجة عن معجزة لا يمكن تكرارها وهي نتيجة الجهد البشري الذي بذلته هذه الجماعة المسلمة الأولى، ويمكن تكرارها حين يبذل مثل ذلك الجهد.
منهج مؤثر
بمقدار ما بلغ المنهج الإسلامي من الرفعة والسمو بلغ تأثيره في الحياة البشرية، وهذا يجعل الجيل الحاضر من البشر أقدر على المحاولة من الأجيال السابقة لتطبيق هذا الدين وذلك بمساعدة التيارات والقيم والتي جربتها البشرية على مر تاريخا.
وقد حمل هذا المنهج للبشرية الكثير من الشخصيات التاريخية التي جسدت القيم الإنسانية واقعا على الأرض فقد خرج من قلب الصحراء الفقيرة شخصيات من ذلك الجيل الفريد حملت للعالم الحرية والعدل وبقيت هذه القيم وبقي المنهج الإلهي مصدر هذه القيم في فترة التيه الذي تعانيه البشرية.
رصيد الفطرة
http://gty.im/881800398
أهم مصادر القوة التي يملكها هذا المنهج هو رصيد الفطرة أي التوافق الكامل مع الفطرة البشرية والدخول إليها مباشرة بما تريده وتميل إليه دون مثالية مبالغ فيها لا تناسب طبيعة البشر ولا انحلال يؤدي إلى انحرافهم عن طبيعتهم وبالتالي انهيار مجتمعاتهم.
والدليل على ذلك هو أن تتخيل كيف استطاع ذلك الدين الإسلامي أن يواجه واقعا قبليا ودينيا معقدا يحمل في طياته علاقات اجتماعية ومصالح اقتصادية كبيرة، كيف استطاع هذا الدين الجديد رغم محاربته بعدد أتباعه القليل من تحقيق هذا النصر السريع وإزاحة النظام القائم في الجزيرة العربية وكل الأنظمة والشرائع الوضعية التي وقفت في طريقه فيما بعد؟.
لا يوجد تفسير لذلك سوى أن هذا الدين يرتكز على رصيد كبير من التوافق مع الفطرة الإنسانية وهذا الرصيد يجعله مؤهل للعودة مرة أخرى وفي أي وقت كمنهج للبشرية.
رصيد التجربة
في المرة الأولى التي واجه الإسلام بها البشرية كان لا يملك إلا رصيد الفطرة الذي تحدثنا عنه وبعد تلك الوثبة الكبيرة في حياة البشرية التي كانت نتاج التربية الخاصة التي تلقاها الجيل الفريد لم تعد الفطرة وحدها الرصيد ونقطة القوة.
بعد تلك التجربة التي استمرت ألف عام والتي لم تكن كلها في القمة السامقة ولكن على مستويات متفاوتة كلها أعلى من التجارب والشرائع الأخرى لا يمكن أن تمر هباء، فالتاريخ البشري قطعة واحدة متصلة.
وأصبح من يريدون العمل على المنهج ومحاولة بعثه للمرة الثانية يملكون مثالا لتطبيق هذا المنهج على فترة طويلة من الزمن فأصبح الرصيد الثاني ونقطة قوة أخرى ينطلق منها المنهج، وأصبحت البشرية أكثر قدرة على تصور المنهج وشكله في حال تطبيقه.
خطوط مستقرة
http://gty.im/109262700
عندما انحسرت موجة الإسلام الأولى وعادت الجاهلية للصدارة، وعندما عاد الشيطان ينفض الغبار عن نفسه بعد المعركة، عندما حدث هذا كان الإسلام موجود كان هناك في الصدارة حتى في غيابه عنها.
فعندما ذهب الإسلام بقيت خطوط عريضة من قيمه وأفكاره راسخة في البشرية، ومن هذه القيم التي يوضحها قطب باستفاضة “إنسانية واحدة”، “إنسانية كريمة”، “أمة واحدة”، “ذمة وخلق”.
فرغم بعد الإسلام عن المقدمة ورغم غياب المنهج عن التطبيق لكن بقيت قيمه التحررية والمساوية بين البشر قائمة في حياتهم حتى مع سيطرة الجاهلية.
وبعد!
وكعادته يبعد كاتبنا عن المثالية وعن رفع درجة الآمال الخداعة ولذلك فقد أفرد الجزء الأخير من الكتاب للحديث عن عوائق الطريق والخطوط المضادة للخطوط الداعمة للمنهج الإسلامي، حتى لا يغتر الدعاة بالمنهج وقوته وينسوا الاستعداد لأشواك الطريق وعوائقه.
أولا، البشرية اليوم أبعد عن الفطرة السليمة وليست جاهليتهم اليوم جاهلية سذاجة وفتوة كالجاهلية الأولى، ولكنها جاهلية علم وتعقيد واستهتار، فقادة الجاهلية الحالية يغترون بالإنجازات العلمية الحديثة التي بدأت مع القرن الثامن عشر، وكانت سبيلهم للهروب من الكنيسة ومن كل مقدس.
وكانت الجاهلية الأولى أقرب إلى البداوة والفتوة، وكانت أخلاق الفتوة في الغالب تحكم تصرفات الناس، وعلى قدر ما كانت هذه الفتوة تجعل المعركة بين أصحاب الدعوة وأصحاب الجاهلية قاسية فإنها كانت صريحة ومكشوفة وأقرب للفطرة.
أما اليوم فتعاني البشرية من التمييع والاستهتار بالمذاهب والأديان وتعاني من النفاق ومن الخبث والاحتيال.
وأما الزاد لمواجهة ذلك فهو زاد واحد زاد التقوى، والتعامل المباشر مع الخالق والثقة المطلقة بوعده الأكيد. “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”.
والأمر في النهاية يرجع إلى العصبة المؤمنة التي تمضي في طريق بثقة وثبات، وهذه العصبة التي تتحقق فيها سنة الله لتطبيق منهج الله، ولتخلص البشرية من الجاهلية.
وماذا تقولون في تكفير سيد قطب رحمه الله بالجملة ورميه للخليفة عثمان بن عفان و الصحابي معاوية و غيرهم بصفات كثيرة.لا تنشروا السموم في عقول المسلمين.اتقوا الله.
الأخ الكريم ، بالنسبة لسيد قطب وقضية
سب الصحابة رضي الله عنهم هناك توضيح مهم بخصوصها، هو: ما قاله المستشار عبد الله العقيل
في مجلة “المجتمع” سنة 1972: “إن سيد قد بعث لإخوانه في مصر والعالم
العربي أنه لا يعتمد سوى ستة مؤلفات له وهي: هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، الإسلام
ومشكلات الحضارة، خصائص التصور الإسلامي، في ظلال القرآن، ومعالم في الطريق”.
و هذه شهادة شقيقه “محمد قطب”
بتراجع الشيخ رحمه الله عن تلك الكتب و وصيته بعدم قرائتها:
” الأخ الفاضل عبد الرحمن بن محمد الهرفي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألتني عن كتاب ” العدالة الاجتماعية
” فأخبرك أن هذا أول كتاب ألفه بعد أن كانت اهتماماته في السابق متجهة إلى الأدب
والنقد الأدبي وهذا الكتاب لا يمثل فكره بعد أن نضج تفكيره وصار بحول الله أرسخ قدماً
في الإسلام . وهو لم يوصِ بقراءته إنما الكتب التي أوصى بقراءتها قبيل وفاته هي الظلال
( وبصفة خاصة الأجزاء الإثنا عشرة الأولى المعادة المنقحة وهي آخر ما كتب من الظلال
على وجه التقريب وحرص على أن يودعها فكره كله ) معالم في الطريق ( ومعظمه مأخوذ من
الظلال مع إضافة فصول جديدة ) و”هذا الدين” “والمستقبل”
“لهذا الدين” ، “خصائص التصور الإسلامي” ، ومقومات التصور الإسلامي
( وهو الكتاب الذي نشر بعد وفاته ) “والإسلام ومشكلات الحضارة” ، أما الكتب
التي أوصى بعدم قراءتها فهي كل ما كتبه قبل الظلال ، ومن بينها ” العدالة الاجتماعية
“.
وهذه تكفي لإسقاط هذه التهمة وهنا
رابطين فيهما تفصيل أكثر
https://albanna.life/%D9%87%D9%84-%D8%B3%D9%91%D8%A8-%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D9%82%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D8%A9%D8%9F/
https://www.facebook.com/notes/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D9%82%D8%B7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A8-%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D9%82%D8%B7%D8%A8-%D9%84%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D8%A9-/1606879652871219/