قراءة في كتاب العرب والنموذج الأمريكي.. الحلم الأمريكي الزائف عند العرب
ها نحن نرى آثار ما جناه علينا اتباع “الولايات المتحدة الأمريكيَّة” على واقعنا المَعِيش جليَّةً واضحةً. وكلُّها آثار سلبيَّة؛ فعقود من الاتباع الأعمى للنموذج الأمريكيّ في التحضُّر ضيَّعتْ قِيَم المجتمع عند بعضنا، وكادتْ عند البعض الآخر. وما ازددنا إلا فقرًا وتخلُّفًا وتأخُّرًا عن الأُمم. فصرنا نلبس لباسهم، ونتعلَّم على طريقتهم، وتُدار بلادنا على ما يريدون لنا وما أقرُّوه من نُظُم. كلُّ هذا فعله الفاعلون مِنَّا اعتقادًا بمُسلَّمة أنَّ ما يأتي به الغرب هو الصحيح، وما في ضميرنا ووعينا خاطئ بالقطع.
إلى أنْ وصل هذا الأمر بأفواج من الكاتبين والدارسين لا يريدون استبدال المظاهر والإدارة فقط، بل يستبدلون بالعقيدة والفكر والكيان الإسلاميّ تلك النُّظُم الفكريَّة الغربيَّة مهما كانت، وبأيّ ثمن. بل يريد أنْ يفرض هذه الفكرة فرضًا بالإرهاب الفكريّ لأهل البلاد وللمسلمين جميعًا.
ونحن نعرف ما حدث في عقودنا هذه منذ قرون بإخبار الرسول الكريم -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديث الشَّيْخَيْن:
لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ.
وها نحن في مرحلة فارقة أخرى، فما الحديث إلا تحذير للأُمَّة ونهي -بمفهوم المُخالفة- عن الاستمرار في هذا الاتباع، وليس تقريرًا للأمر وإخبارًا وحسب. وقد ناقش الكثيرون مسألة اتباع الغرب والنموذج الأمريكيّ خاصَّةً في العقود الأخيرة حتى اليوم. ومنهم هذا الكتاب وصاحبه الذي نادى منذ عقود وحذَّر من هذه العلاقة.
صاحب هذا الكتاب هو الباحث الفلسفيّ د/ فؤاد زكريا، وهو أستاذ الفلسفة والمفكر العربيّ. كتب الكثير من الكُتُب، وترجَم الكثير غيرها وكان مُترجمًا رصينًا يعرف هذا مَن قرأ ترجماته وله دراية بالكتب المُترجمة. وهو عَلمانيّ وحداثيّ في اتجاهه؛ لكنَّه يختلف كثيرًا في سلوكه وكتابته عن أخلافه العلمانيِّين العرب.
فقد كان رجلًا ذا معرفة، كاتبًا مُجيدًا كلَّ الإجادة، يعرف كيف يدير الحوار وكيف يأتي بالمعاني. يتحدث حديثًا هادئًا -في الغالب- ويناقش دون الإساءة للغير. بل كلامه أقرب للموضوعيَّة منه إلى الشخصنة. وكلّ هذه الملامح نجدها تغيَّرت في أخلافه تغيُّرًا فاحشًا. أقول هذا والحقّ أحقّ أنْ يتبع ويُقال، وقد وجَّه إليه “القرآن الكريم” حينما قال: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) -المائدة 8-.
لمحة عن الكتاب
قبل الدخول في موضوع الكتاب نسوق بعض أهمّ ملامحه المنهجيَّة. فالكتاب مُقسَّم لستة فصول دون مقدمة -لنْ نلتزمها هنا بل بالأدلة التي ساقها-. وهو مُنظَّم جدًّا، مُتراتب الأفكار ومتسلسل المعاني ونظمه فيه تصاعُديّ. وطريقة المُؤلف فيه من أصعب الطرق وأعقدها في الكتابة.
فعندما نُمسك الكتاب نجد أنَّه يخلو من أيّ مرجع أو أيَّة إشارة إلى غيره من الكُتُب؛ هذا بالقطع ليس لضعفه بل لقوَّته الذاتيَّة، ولبيانِ ووضوحِ موضوعِ حديثه الذي يتناوله، ولأنَّه بنى في كتابه بناءً فكريًّا صالحًا لأنْ يمتدّ بنفسه. ومثل هذه الأنظام الكتابيَّة نادرة جدًّا. ويلجأ الكثيرون إلى هذا النوع من النظم لكنَّهم يخطئون كلَّ الخطأ في المنتَج النهائيّ الذي يخرج.
الكتاب غير مُؤرَّخ لكنَّ بعض الاسترشاد بإشارات وردت فيه قد تدلُّنا على تاريخ كتابته، فقد أشار إلى حرب 1973م، وأشار إلى الثورة الإسلاميَّة الإيرانيَّة 1979م. وتحدَّث عن آثار الأحداث بعدها. وبهذا يمكن ترجيح أنَّ الكتاب قد كُتب في النصف الثاني من الثمانينيَّات. ولمْ يبلغ آخر عام فيها وأول عام في التسعينات لأنَّه يتحدث كما لو أنَّ “الاتحاد السوفيتيّ” قائم. فهذا عن تاريخ تأليف الكتاب.
أمَّا سبب تأليفه فهو المدّ الأمريكيّ البالغ الذي ضرب المجتمعات العربيَّة في العقود الأخيرة من القرن العشرين، ويحدِّدها المؤلف بمرحلة ما بعد “الحرب العالَميَّة الثانية” التي خرج منها العرب أمام نموذجَيْن: سُوفيتيّ شيوعيّ وأمريكيّ رأسماليّ. وساعتها وجب عليهم -أو هكذا اعتقدوا- أن يسيروا وفق أحدهما. ومنذ ذلك التاريخ تفرَّقتْ الدول العربيَّة في تحالفاتها بين النموذجَيْن والمُعسكرَيْن. وبعد الحِقبة الناصريَّة في “مصر”، بدأتْ الكفَّة تميل إلى النموذج الأمريكيّ. إلى أنْ وصل هذا المدّ إلى أقصاه مع مرور الزمن وضعف الاتحاد السوفيتيّ، لذا رأى المؤلف أنْ يكتب هذا الكتاب ليناقش تلك المسألة.
يقول شارحًا هذا الطغيان الأمريكيّ: “هناك مَدّ أمريكي يفرض نفسه علينا بقوة متزايدة. والأسلوب الأمريكيّ في الحياة -الذي يرفضه الكثيرون في العلن- يُقابَل في السرِّ بإعجاب مُتزايد، والقوَّة الأمريكيَّة العسكريَّة والاقتصاديَّة والإعلاميَّة تُبهر مزيدًا من العرب. بل إنَّ أجهزة الإعلام في أكبر دولة عربية -وهي مصر- أصبح يسيطر عليها أشخاص لا هدف لهم سوى تجميل صورة أمريكا”.
وفي رأيه الفئاتُ التي تشجع هذا النموذج أربع: الأولى أصحاب المصالح من المسؤولين وأصحاب الشركات والتوكيلات الأمريكيَّة. والثانية أصحاب انحراف الوعي الاجتماعيّ والأخلاقيّ الذين يُقبلون على الترف والقِيَم الاستهلاكيَّة. والثالثة هم بعضٌ مِمَّن لهم علاقة بأمريكا يعيشون فيها أو ذهبوا للتعليم هناك.
وهنا يورد لمحة عميقة من تأثير أمريكا السلبيّ عليهم يقول: “عرفتُ من العرب المقيمين في أمريكا أُناسًا كانوا يُغيِّرون المبنى الذي يقيمون فيه لو سكنه زِنجيّ، حتى لو كان ذا مركز اجتماعيّ محترم. وكان عدد منهم يُردِّد نفس الحجج التي يُردِّدها غُلاة المتعصبين الأمريكيِّين عن المُلوَّنِين”. أمَّا الفئة الرابعة فهم العرب المتأثرون بشدَّة بوسائل الإعلام التي تُلمِّع الحياة الأمريكيَّة.
أمَّا موقفه من القضيَّة كلِّها فهو الرفض لهذا المدّ الأمريكيّ، ولهذا الاتباع للنموذج الذي يقول عنه إنَّه أبعد النماذج عن الاحتذاء، خاصَّةً في الوطن العربيّ. بل إنَّه يرى أنَّ الدعوة إلى هذا الاتباع غريبة غافلة عن عوامل كثيرة تجعل النموذج الأمريكيّ في التقدُّم غير قابل للتطبيق في أيّ مكان من العالم. ويستعين بثلاثة أدلَّة كُبرى ليُبطل هذا الاتباع العربيّ وليردَّ على جميع مَنْ يَدعُون له.
النموذج الأمريكيّ فريد من نوعه لا يقبل التكرار أصلًا
يشرح المؤلف هذا الدليل في ثلاثة مظاهر: الأوَّل أنَّ أمريكا قد نشأت على الأرض الجديدة المُكتَشَفة -يقصد القارَّتَيْن الأمريكيَّتَيْن-. وهذا وحده قد سبَّب لها نوعًا من الخُصوصيَّة بعيد التحقُّق، بل مُحالاً. فأين سنكتشف قارات أخرى على أرضنا؟! وهذا التأسيس على قارَّة بِكر كاملة قد أعطى أمريكا ثروات طبيعيَّة هائلة ساعدتها بشدَّة في صناعة تقدُّمها، وموقعها البعيد أيضًا قد حماها من الحروب وآثارها؛ حيث كلّ الحروب التي خاضتها كانت وما زالت خارج حدودها، ولا يتقدَّم أحدٌ إليها بالحرب بسبب المُحيطَيْن العظيمَيْن اللذيْن يحيطان بها (وهنا نذكر أنَّ هناك حربًا أهليَّة قامتْ بين أهل أمريكا، وهناك حربًا بينها وبين المكسيك التي تجاورها جنوبًا).
ثاني مظاهر التفرُّد هو تخلُّص أمريكا من أهل البلاد الأصليين. فهُم عندما أتوا من أوربا أخلاطًا وأفواجًا لمْ يجدوا هذه القارَّة خلاء فسيحًا بل كان لها أهلها وأصحابها. فماذا فعل الأمريكيُّون الأوربيُّون؟ قتلوهم جميعًا في عمليات إبادة عِرقيَّة جماعيَّة من أكبر الإبادات في التاريخ. وهنا نُلاحظ أنَّ أمريكا -التي تتهم غيرها بالهمجيَّة واستخدام العُنف- قد قامت على الدماء والتقتيل والبحور الغارقة في جماجم الآخرين. وهنا يُلاحظ المؤلف ربطًا طريفًا في علاقة أمريكا بالكيان الصهيونيّ؛ فكلاهما فعل الفعل نفسه؛ استولى على بلاد لها أهل وقتَّل أهلها ووَصَمَهُم بكُلّ السيِّئات كيْ يستطيع أنْ يُبيدهم كما يحلو له. ولهذا يؤكد أنَّ أمريكا لا تستطيع أصلاً أنْ تُدين أيّ فعل للكيان لأنَّها ستطعن نفسها بالخنجر نفسه.
ثالث مظاهر التفرُّد أنَّ تقدُّمها قد انبنى على استعباد ملايين من الأفارقة الذين كانوا يُختطفون من أفريقيا ويُذهب بهم ليُباعوا في تلك الأراضي الأمريكيَّة كأيّ عقار أو جماد يُباع ويُشترى. وهذه الحركة الاستعباديَّة الواسعة جاءت من قلَّة عدد القادمين من أوربا، واتساع الأراضي والموارد الهائل؛ فلَزِم أن يكون هناك مُعاونون، لكنَّ الأوربيّ يرفض رفضًا تامًّا أنْ يتساوى مع غيره من البشر فلا بُدَّ أن يأتي بمُعاون ويُسمِّيه عبدًا، يبني له البلاد ثمَّ يُعامله كالكلب الذليل. والعبيد أصحاب الفضل الرئيس في بناء ما يُسمَّى أمريكا في الحقيقة. فقد كانوا يُستعبدون في الزراعة في ولايات الجنوب وفي الصناعة في ولايات الشَّمال. إلى أنْ قامتْ الحرب الأهليَّة -التي كان العبيد أحد أسباب قيامها بين رفض العبوديَّة من ولايات الشمال وتأييده من ولايات الجنوب- وأُلغيت العبوديَّة، ويشير المؤلف إلى أنَّ إلغاء هذه العبوديَّة في الشمال كان لمصلحة اكتساب عُمَّال في مصانع الشمال، لا من أجل الإنسانيَّة كما يُدَّعى.
النموذج الأمريكيّ الباهر للجميع مليءٌ بالعيوب الذاتيَّة
صورة المجتمع الأمريكيّ لدى العرب أنَّه المُجتمع الذي ينعم بكلّ ما يريد من سلع وخدمات، وأنَّه الشعب الحُرّ فيما يفعل وفيما يقول بلا رادع، وأنَّه المجتمع المُتقدِّم الذي يعدّ نموذج التقدُّم، وأنَّه المجتمع الذي ينتقد المادة والماديَّة في الاتحاد السوفيتيّ لأنَّه يتحلَّى بالإنسانيَّة. هذه هي الصورة البرَّاقة، أمَّا الحقيقة أنَّه مجتمع لا إنسانيّ ولا يمتاز إلا بحُرِّيَّة شكليَّة.
فلنعلمْ أنَّ المجتمع الأمريكيّ به الكثير جدًّا من الفقراء، وبه الكثير من العاطلين رغم كلّ هذه التقدميَّة والصناعة. بل إنَّ العربيّ يستقبل بإعجاب أخبار إعطائهم العاطلَ عن العمل إعانات شهريَّة. ولا يعرف أنَّ الشركات الاحتكاريَّة الضخمة تحافظ على نسب البطالة كيْ تساوم بها العاملين المُطالبين برفع أجورهم نظير العمل، وأنَّ البطالة جُزء من الخريطة السياسيَّة الأمريكيَّة حيث تتلاعب بأقدار هؤلاء العاطلين في حسابات سياسيَّة صرفة. فهذا المجتمع تطغى فيه عناصر النفع على أيّ معيار إنسانيّ.
وهذا المجتمع الناعِم بالاستقرار في نظرنا به أحدُ أكبر نِسَب ارتكاب الجرائم في العالَم. بل إنَّ الجريمة فيه تُرتكب للترفيه أحيانًا لا لضيق المعاش. وهنا يلاحظ المؤلف أنَّنا ننبهر بالمسلسلات الأمريكيَّة التي تبرع في تصوير مدى التكنولوجيا في مُحاربة الجريمة ونحن نجهل أنَّ هذه التكنولوجيا كانت ردًّا على تلك التي يستخدمها المجرمون أنفسهم.
وكذلك هذا المُجتمع مُصاب بمرض عُضال هو التعصُّب العُنصريّ تجاه المُلوَّنين (وهذا فيما نرى الآن يدفع كثيرًا منهم على اعتناق الإسلام كما حدث مع لاعبِي كُرة قدم بالِغِي الشُّهرة وغيرهم من مشاهير). وأيضًا مُصاب بالتفكُّك الأُسريّ (ونلاحظ أنَّ المؤلف ساعتها لمْ يظهر له آثار هذا مِمَّا نراه الآن، ولعلَّنا نبصر ما سبب هذا التفكُّك الأُسريّ والفواجع التي نسمع عنها يوميًّا بيننا الآن، فهي نتيجة للتأثُّر).
وكذلك القانون والحُرِّيَّة مُصابان أيضًا فلا يستطيع أنْ يترشَّح إلى رئاسة أمريكا إلا الأغنياء وحسب، وهؤلاء الذين لهم أصول وعائلات غنيَّة قادرة على حملات الدعاية الضخمة التي تقام ومصاريف الانتخابات، وكذلك مَن لهم علاقة بدوائر الشركات العُظمى (وغالبهم يهود صهاينة) لتتولَّى الإنفاق عليه. وبذلك يكون مَدِينًا لها ولخُططها في أثناء فترة رئاسته، تحت إمرتها وتصرُّفها لا حُرًّا كما نعتقد. وهكذا نرى حقيقة هذا المجتمع الأمريكيّ الباهر.
النموذج الأمريكيّ لا يصلح لأيّ بلد عربيّ خاصَّةً
وهنا يُدرج المُؤلف الكثير من القضايا تحت هذا الدليل. وبالعموم فهو يُحدِّد علاقة أمريكا بالعالَم العربيّ تحت ثلاثة من الروابط: البترول، والكيان الصهيونيّ -الذي يسميه إسرائيل-، والأيدولوجيا.
أمَّا البترول فيرى المؤلف أنَّ علاقة أمريكا بالعرب جميعًا مرتبطة به. حتى الدول غير المالكة له تحدِّد علاقتها بها على أساس هذا العُنصر. ويرى أنَّ أمريكا تستهدف من وراء البترول العربيّ أهدافًا ثلاثة: الربح، واستمرار التدفُّق دون انقطاع -كما حدث في حرب 1973م-، والثالث -وهو الأهمّ- أنْ تَحُوْلَ أمريكا دون أيَّة محاولة عربيَّة مُوفَّقة لبناء نهضة عربيَّة تعتمد على الأموال الضخمة التي تحصل عليها من خلال النفط. ونلاحظ أنَّ المؤلف يؤكد على أنَّ أمريكا تكون هي دائمًا الفائز الوحيد، وتُوهِم الآخرين أنَّهم فائزون معها لكنَّهم سرعان ما يكتشفون أنَّهم لمْ يفوزوا بأيّ شيء أبدًا، ويخرجون صِفْرَ اليدَيْن.
أمَّا عن الكيان فيتعجَّب المؤلف كلّ العَجَب من العرب الذين يتجهون إلى أمريكا لتُخلِّصهم من الكيان! ويتعجَّب أيضًا من العرب الذين يعتقدون أنَّهم سيَستمِيلُونَ أمريكا لهم ضدّ الكيان! .. ويؤكد على أنَّ هذَيْنِ الاعتقادَيْنِ وَهمانِ مُسيطرانِ على الحالِمِينَ من العرب. فالكيان الصهيونيّ جُزء لا يتجزَّأ من أمريكا، وهو ابن بارّ للعالَم الغربيّ أيضًا لا يمكن الفصل بينهما. لأسباب هي: أنَّه ينتمي حضاريًّا إلى الغرب ثُمَّ أُقحِمَ على الأرض العربيَّة، وأنَّ النظام في الكيان يتفق مع الأنظمة الغربيَّة “فإسرائيل دولة رأسماليَّة ذات أهداف توسعيَّة”، وأنّها النظام المُستقرّ الوحيد في المنطقة؛ ويشرح الاستقرار في أنَّ بها نظامًا ينقل السلطة من شخص إلى شخص بأريحيَّة وانتظام، ولا يعني الاستقرار جلوس شخص على الحُكم لعشرات السنين.
وفي النهاية
يبدي المؤلف منتهى عجبه من العرب الذين يستوردون السلاح الأمريكيّ ليحاربوا به الكيان؛ فكيف يعتقدون أنَّ شخصًا سيحارب نفسه؟! .. ويؤكِّد أنَّ الارتباط بأمريكا هو في الأصل تخلٍ عن أحلام الشعب العربيّ وقِيَمه ومصيره.
وعن الأيدولوجيا التي يستخدمها المؤلف على أنَّها “مجموعة الأفكار الأساسيَّة التي تشكِّل نظرة المجتمع إلى نفسه وإلى العالم”. ويؤكد أنَّ هذه الأيدولوجيا مختلفة أشدَّ الاختلاف بين أمريكا وبين البلاد العربيَّة؛ الغنيَّة منها -والتي تعتقد قُربها من النموذج الأمريكيّ- والفقيرة. فكلاهما سواء أمام التجربة الأمريكيَّة. لأسباب أهمُّها أنَّ المجتمع الأمريكيّ يسعى بالأساس إلى تقويض الحضارة العربيَّة. بدليل أنَّه يشتري من البلاد العربيَّة البترول بأموال طائلة ليتحفَّظ على هذه الأموال في بنوكه وفي دوائر شركاته، في عمليَّة تنمية وهميَّة للبلاد العربيَّة.
حتى إذا نفدتْ الموارد البتروليَّة لمْ يبقَ لهذه البلاد من دعامة تستند عليها. وأنَّه يُبعد نظرها عن المشروعات الحضاريَّة الحقيقيَّة التي يجب الاهتمام بها إلى مشاريع لن تفيد العرب شيئًا. ويلاحظ المؤلف أنَّ أمريكا تحاول قدر الإمكان استنزافَ هذه الموارد البتروليَّة في أقصر مدى زمنيّ ممكن لذلك تقف أمام أيَّة محاولة لتخفيض نِسَب إنتاج البترول. ولعلَّنا نرى نتائج هذا واضحًا في سنواتنا هذه.
وأنَّه وضع لهم هذا الكيان السرطانيّ في وسط بلادهم ليُشتِّت شملهم ويبعثرهم، ويبدِّد قواهم. فيبقون مشغولين به ليل نهار في صراع لا نهائيّ يستهلك كلَّ مواردهم، يلجأون فيه إلى رئيس العصابة ليُخلَّصهم من فرد منها. وأنَّها تحرص على أنْ تبُثَّ فيهم سلوكيَّات الاستهلاك حتى يصيروا مجتمعًا استهلاكيًّا تستعبدهم بما تنتجه هي من منتجات تبهر أعينهم بها. كما أنَّ أمريكا قائمة على كفّ يد الدولة في التدخُّل المباشر في البلاد، وهذا لا يمكن تطبيقه على كلّ الدول. وغيرها من أسباب أثبت فيها المؤلف بكُلِّ الطُّرُق أنَّ تطبيق التجربة الأمريكيَّة لا يفيد شيئًا أبدًا في التجربة العربيَّة التي تتعامى عن كُلِّ المُشتركات بينها لتصبح وحدةً متراصَّة وتهرول وراء السراب الأمريكيّ الزائل.