سباق الرئاسة الأمريكي..ترامب أم كلينتون؟

يترقب العالم والأمريكيون تحديدًا نتائج الانتخابات الجارية لاختيار رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية خلفًا للرئيس الحالي باراك أوباما بعد انقضاء فترته الرئاسية. السباق كان على أشده منذ البداية ووصل اليوم إلى المرحلة ما قبل الأخيرة التي سيضخ فيها كلا المتنافسين المنتخبين من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة جهودهما للفوز بلقب الرئيس الأمريكي الجديد.

وكما جرت العادة فإن التنافس بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري يركز على درجة التأثير في الرأي العام وكسب الأصوات التي تدعم مشاريعهم الانتخابية، وعلى عكس التوقعات في بداية انطلاق هذه المنافسة، فقد صعد الملياردير الأمريكي دونالد ترامب بقوة، ليصل اليوم رسميًا للمرحلة النهائية كمرشح أخير للحزب الجمهوري، فيما اختار الحزب الديمقراطي مرشحته هيلاري كلينتون.

وفي آخر استطلاعات للرأي تم إجراءها لمعرفة نسبة التصويت المرتقبة لكلا المتنافسين، أظهر استطلاع أجرته السي أن أن ومؤسسة “أو أر سى”،  تقدم ترامب على كلينتون بـ 44% مقابل 39%، بينما تقدم في استطلاع لوس انجلوس تايمز بـ 45% مقابل 41%  لكينتون، وذلك للمرة الأولى منذ شهر سبتمبر ٢٠١٥.  ما يعكس درجة التنافس الحاد بين المرشحين اللذين يحملان سياسات مختلفة تماما عن بعضهما البعض، وأفكارا متعارضة في طريقة تناول الأزمات وحل مشاكل الشعب الأمريكي.

دونالد ترامب

لم يكن وصول ترامب لمرحلة الترشيح النهائي للانتخابات الرئاسية الأمريكية من فراغ، فهو يتقدم بقناعات الشعب الذي يدعمه على حساب الحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون. ويعتمد دونالد ترامب في رسالته للشعب الأمريكي على ترسيخ قضية الأزمة التي تعيشها  الولايات المتحدة على أنه الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يعالج تلك الأزمة. ويشمل كلام ترامب تخويف الأمريكيين من الوضع الأمني داخليًا وخارجيًا وضرورة تغيير الطريقة التي دأبت الحكومة الديمقراطية على اعتمادها، ولم تقدم نتائج حقيقية تعكس الأمن والاستقرار المرغوب فيهما. وقال ترامب:

إن أميركا أقل أمنًا والعالم أقل استقرارًا مما كان عليه عندما اتخذ أوباما قراره بتعيين هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية الأميركية، مشيرا إلى أن “إرث هيلاري كلينتون هو الموت والدمار والإرهاب والضعف”.

استطلاعات الرأي في صالح ترامب

وقد  تفاخر ترامب على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، باستطلاعات الرأي الأخيرة التي كانت في صالحه، قائلا: “الناس لا يريدون أربع سنوات أخرى من حكم باراك أوباما، علمًا بأنه وفي حال فوز “الغشاشة” هيلاري كلينتون فالأمور ستكون أسوأ أيضا”. كما أنه نشر صورة على حسابه على تويتر لأرقام  معلق: “هناك أخبار جديدة ولكن سيئة لكلينتون”. وفي استطلاع آخر، أشار ترامب إلى أن 53 % يفضلونه على كلينتون في موضوع التعامل مع الإرهاب، مقابل تفضيل 42% لكلينتون.

ويواجه ترامب انتقادات لاذعة من الحزب الديموقراطي تصنفه في خانة غير المؤهل لقيادة الولايات المتحدة، وقد دعا بيرني ساندرز، المرشح الخاسر في الانتخابات التمهيدية الديموقراطية،  إلى التصويت لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية لقطع الطريق على ترامب، واصفًا إياه بأنه “ديماغوجي”. وكذلك وافقه سناتور ولاية فرمونت على هامش مؤتمر الحزب الديموقراطي في فيلادلفيا قائلًا بأن “ترامب فظ وديماغوجي.. علينا أن نهزم دونالد ترامب، علينا أن ننتخب هيلاري كلينتون”.

زيادة شعبية ترامب لدى المستقلين

زيادة شعبية ترامب حسب الاستطلاعات الأخيرة ترجع إلى تزايد تأييد المستقلين له حيث أوضحت النتائج بأن ٤٦٪‏ممن شملهم الاستطلاع أصبحوا أكثر دعمًا لترامب في ختام أعمال المؤتمر العام للحزب الجمهوري في مدينة كليفلاند، بينما انخفضت نسبة تأييد المستقلين للمرشحة الديموقراطية من ٣٤٪‏ إلى ٢٨٪‏. وحسب رؤية الناخبين الذين شاركوا في هذا  الاستطلاع فإن ترامب أكثر قدرة من منافسته كلينتون على التعامل مع قضايا الاقتصاد والإرهاب وهما الملفين الرئيسيين في الانتخابات الأمريكية هذا العام. من جهة أخرى أظهرت نتائج الاستطلاع أن ٦٨٪‏ من الأمريكيين يرون أن كلينتون ليست جديرة بالثقة. بينما يرى غالبية الناخبين أن ترامب يخوض انتخابات الرئاسة لصالح البلاد وليس لمكاسب شخصية.

ترامب يفوز بمؤازرة روسية

ويجدر الإشارة إلى أن ترامب يحظى بمؤازرة روسية ظهرت في تصريحات الساسة الروس في عدة مناسبات تؤكد أنهم يفضلون فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مؤازرة قد اتخذت شكلا آخر أكثر تأثيرًا حين توجهت أصابع الاتهام للروس على أنهم خلف فضيحة التسريبات لرسائل الحزب الديمقراطي التي كشفت التلاعب داخل الحزب لأجل أن تفوز هيلاري كلينتون. وقد أعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة سيفتح فرصا جديدة في العلاقات الروسية الأمريكية. وأشار كوساتشوف إلى أن مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمريكية، يبدو كأنه لم يحدد مواقفه الاستراتيجية ويتخذ قرارات بشكل عشوائي بسبب قلة خبرته السياسية، مؤكدا في ذات الوقت أن صفة ترامب هذه بالعكس تجذب إليه العديد من الناخبين الأمريكيين.

واشنطن بوست ترى في ترامب خطرًا على الديموقراطية

واشنطن بوست  الصحيفة الأمريكية الشهيرة وصفت ترامب بأنه “خطر فريد على الديمقراطية الأميركية”، وأشارت إلى أنه وبعد أن كان يمثل مشكلة للحزب الجمهوري فقط أصبح بعد المؤتمر الوطني الأخير للحزب تحديًا يجب على جميع الأميركيين مواجهته. وأضافت الصحيفة أن ترامب غير مؤهل لمنصب الرئيس لا من حيث الخبرة ولا الطبع، وأنه يقود حملة من السخرية والزمجرة فارغة المحتوى، وعندما تكون لديه أفكار محددة تكون في الأغلب خاطئة وخطرة. وقالت أيضًا إنه في عالم خطر مثل عالمنا الحالي يتحدث ترامب بابتهاج عن التخلي عن حلف الناتو، وتشجيع المزيد من الدول على الحصول على أسلحة نووية، ويتملق الدكتاتوريين الراغبين في الإضرار بأميركا.

هيلاري كلينتون

كلينتون تحظى بدعم أوباما وزوجته

تحظى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بدعم الرئيس الحالي باراك أوباما وزوجته ميشيل أوباما في الانتخابات الجارية  باعتبارها الوحيدة التي تحمل”المؤهلات” لرئاسة الولايات المتحدة. وقالت ميشيل أوباما أنه:

بفضل هيلاري كلينتون، باتت ابنتاي تعرفان وكذلك كل بناتنا وأبنائنا أن امرأة يمكن أن تنتخب رئيسة للولايات المتحدة

وأضافت:

لا تسمحوا لأحد بالقول أن بلدنا ليس عظيمة وأنه يجب أن تعيد إليه عظمته، لأن هذا البلد هو الأعظم اليوم في العالم

وقال أوباما، في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” التلفزيونية إن لديه رؤية واضحة حول مكامن القوة والضعف لدى كلينتون، “لكن ليس هناك أحد في العصر الحديث أكثر استعدادا لتولي الرئاسة منها”. وأضاف أوباما “أنها ليست دائما براقة، وهناك من يلقي خطابات أفضل منها، لكنها تعرف أدواتها، وهذا هو المطلوب في نهاية المطاف من أجل القيام بعمل جيد، في هذا المنصب”

تيم كاين هو نائب الرئيس حال فوزها

وقد واجهت كلينتون في مؤتمر الحزب الديموقراطي لتزكية المرشح للرئاسة الأميركية، خلال أربعة أيام بحضور نحو خمسة آلاف مندوب، منافسة شديدة وغير متوقعة من سناتور ولاية فيرمونت بيرني ساندرز. وفي القاعة الكبيرة في مركز ويلس فارغو، التي تستضيف المؤتمر  أعرب بعض المندوبين بوضوح عن التزامهم بخيار “بيرني” عبر ارتدائهم قمصانا تحمل صورته. كلينتون اختارت تيم كاين في منصب نائب الرئيس إذا فازت في الانتخابات المقبلة وكاين نائب في الكونغرس الأمريكي منذ عام 2012 وتم انتخابه بعدما كان يتولى منصب حاكم ولاية فيرجينيا لمدة 4 سنوات.

حادثة غش

من جهة أخرى نشر موقع ويكيليكس حوالي 20 ألف رسالة داخلية لمسؤولين كبار في الحزب الديمقراطي، كشفت جهودًا داخلية لعرقلة حملة ساندرز الانتخابية أثناء منافسته كلينتون، وهو ما أكده أنصاره باستمرار. مما أجبر الحزب في افتتاح مؤتمره لتقديم اعتذاراته لساندرز على الملاحظات التي وردت في الرسائل. وجاء في بيان الإعتذار:

نريد أن نقدم اعتذاراتنا الصادقة للسناتور ساندرز وداعميه وللحزب الديموقراطي بأكمله على الملاحظات التي لا تغتفر

وقد وصف أوباما قرار استخدام كلينتون للبريد الإلكتروني الخاص الذي كان ضحية التسريبات، بـ “الخطأ”، مؤكدا في نفس الوقت أن أي شخصية عامة، ومنهم كلينتون، قد ترتكب بعض الأخطاء على مر السنين. إلا أن الحدث فتح شهية ترامب لمزيد من النقد اللاذع والطعن في كتلة الحزب الديمقراطي وكشف الاضطراب في وحدتها والغش في طريقة اختيار مرشحيها والكيفية التي تآمر فيها قادتها من أجل دعم كلينتون ضد منافسها بيرني ساندرز. وكتب ترامب، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”:

فضيحة أخرى لكلينتون، ورسائل جديدة، الآن يمكن التصديق، هيلاري الفاسدة تعرف كيف تتحايل، لكنها لا تملك فرصة

وفي تغريدة أخرى، كتب ترامب أن “هيلاري الفاسدة كانت تعرف شيئا حيال الرسائل الإلكترونية المسربة، وتم الكشف عن كل شيء، لقد ضحكوا على بيرني”. الحدث دفع بأنصار بيرني ساندرز للنزول في شوارع فيلادلفيا ليعلنوا معارضتهم ترشيح كلينتون. وقد أوقف 54 منهم ثم أطلق سراحهم بعدما دفعوا غرامات مالية.

مستقبل الولايات المتحدة مع كلينتون وترامب

هلاري لن تكون عنصر مفاجأة

ترى مؤسسة “غلوبال ريسيرتش” الفكرية أن سياسة هيلاري لن تحظى بعنصر المفاجأة وأنها لكن تكون جديدة فهي ستواصل العمل على منهج الرئيس السابق جورج بوش عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، كما ستواصل في الوقت ذاته سياسة الإدارة الأميركية في عهد أوباما.

فهيلاري صوتت لصالح الحرب على العراق وقامت بالترويج لأسلحة الدمار الشامل لدى النظام العراقي، ودعمت فكرة الوجود العسكري الأميركي في العراق ودفعت نحو التدخل الغربي العسكري في ليبيا، وترى التدخل العسكري في سوريا دون الحاجة إلى تفويض من المنظمة الدولية، ولم تتعاطف يوما مع معاناة الشعب الفلسطيني على حساب مناصرة حملات إسرائيل. كما أنها لم تكن  من المناصرات للاتفاق بين إيران والقوى الدولية. وحين كانت السيدة الأمريكية الأولى، دفعت هيلاري زوجها بيل كلينتون لقصف العاصمة بلغراد في أواخر التسعينيات. وبالتالي فإن سجلها في التعاطي مع القضايا الدولية يظهر غالبا من خلال الحل العسكري.

12 هي درجة الخطر التي يمثلها فوز ترامب

من جهته استطاع ترامب من خلال رؤيته في أن-سياسة الولايات المتحدة اللامتناهية عسكريًا في الشرق الأوسط ما هي إلا استنزاف للدم الأميركي وثروات البلد-أن يفوز بالدعم داخل أوساط الحزب الجمهوري بالإضافة إلى الدعم الشعبي الساخط على الدوائر السياسية الأميركية. بينما رصدت “وحدة الأبحاث الاقتصادية” التابعة لمجلة “الإيكونوميست” 10 مخاطر رئيسية تهدد العالم، واعتبرت فوز المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” في انتخابات الرئاسة الأمريكية أحد هذه المخاطر ويتراوح مقياس المخاطر بين 1 إلى 25 درجة. وقد حصل “ترامب” على 12 درجة وهي نفس درجة الخطر التي يمثلها صعود الجماعات الإرهابية حسب التصنيف الأمريكي. بل وتتجاوز مخاطر خروج “بريطانيا” من الاتحاد الأوروبي أو نشوب نزاع مسلح في بحر “الصين الجنوبي”. كما ترى بأن في حالة فوزه ستؤدي سياساته  لإشعال حرب تجارية وتدمير اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة و11 دولة أمريكية وآسيوية.

رؤية ترامب الهرمجدونية تثير هواجس الأمريكيين

وفي حين قد يفوز ترامب لفرط صراحته مع المجتمع الأمريكي ولاستغلاله سقطات كلينتون غير المشجعة، تبقى خبرته الضعيفة بكواليس السياسة الخارجية ورؤيته الهرمجدونية لمستقبل الأحداث سببًا معقولًا لإثارة هواجس الأمريكيين، وقد ظهر وصف هرمجدون لانتخابات ترامب من قبل بعض الأصوات المحللة في الشؤون الأمريكية للأفكار التي يعكسها خطابه السياسي، وهرمجدون هي الرواية اليمينية الإنجيلية البروتستانتية التي ظهرت خلال حكم بوش سابقًا. وهي فكرة تتلخص في حرب كونية لابد أن تحدث بين جيوش الشر القادمة من الشرق وجيوش الخير القادمة من الغرب تلتقي كلاها في المدينة المقدسة “القدس”، وهي فكرة روج لها سابقا رونالد ريغان، وطرح عقبها مشروعه المعروف بحرب النجوم، وبسببها حرك بوش الجيوش “الصليبية” إلى أفغانستان والعراق، وسماها بالحرب الصليبية، على طريقة صامويل هنتنغتون الذي قسم العالم لمعسكر إسلامي شرقي في مواجهة مع عالم مسيحي يهودي غربي.

وبانتظار

من سيدخل البيت الأبيض في يناير المقبل، فإن الأوساط السياسية تتنبأ بأوضاع كارثية وكابوس على الصعيدين الداخلي والخارجي مع توتر العالم وتهديدات الحروب، فهل ستستمر الولايات المتحدة في ريادة العالم أم ستسقط كما سقطت منافستها الاتحاد السوفياتي يومًا بسبب الإفراط في الحروب والسخط الداخلي، الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى