يا خيبة أمتي حين تستبشر خيرا بالقصف الأمريكي لقوات نظام آل الأسد!

منذ أسابيع والثوار المخلصون يثخنون في العدو على أرض الشام، في دمشق وحمص وغيرها من المناطق، ويحققون انتصارات جبارة ويقتلون المئات من الأعداء ويدكُّون عدة مقرات أمنية وعسكرية ويمحوها من الوجود، ومع ذلك لم تنل معاركهم زخمًا إعلاميا يليق وحجم ما حققوه.

بل ومشايخ التوتير المنافقين حاربوا كثيرا من تلك الانتصارات واستصغروها وخَوَّنوا محققيها، لكن لما تقذف أمريكا، الدولة الإرهابية الأولى في العالم والعدو اللدود للمسلمين، ليلاً بضعة صواريخ على قاعدة جوية شبه فارغة من الجنود (قاعدة الشعيرات) تابعة لنظام آل الأسد، قامت الدنيا ولم تقعد بالتهليل والتطبيل!

فجأة نَفْس أمريكا التي تقتل على وتيرة شبه يومية الثوار والمدنيين المسلمين في الشام والعراق، أصبحت الغازي المنقد، الذي يُستبشر به خيرا، المئات من قتلى الموصل الذين قتلتهم مؤخرا قاذفات أمريكا، والآلاف الذين قُتلوا في الشام على مدى ست سنوات على يد سلاح الجو الأمريكي، أصبحوا نسيا منسيا!

حال المسلمين حيال القصف

  • تشاوش أوغلو

مولود تشاوش أوغلو، وزير خارجية أمريكا-عفوا تركيا-، خرج يهلل ويطبل فرحا بأمريكا ويستغل قصفها لقاعدة الشعيرات ليسوغ للحل السياسي المذل الذي تريده أمريكا لثورة الشام، يقول الآن يجب إنشاء حكومة انتقالية!

  • قناة الجزيرة

قناة الجزيرة قامت اليوم كله ودون انقطاع بتغطية “دعائية” لأمريكا ولرئيسها ترمب، وكأن الجزيرة تحولت لِـ”فوكس نيوز” عربية، تروج لسياسات أمريكا وتُزيِّنها لدى العرب! مذيعةٌ في قناة الجزيرة تعلن مستبشرة أن أمريكا تدخلت أخيرا في الشام، وتناست أن أمريكا تدخلت منذ العام الأول للثورة، لكن سلاحها كان طوال الوقت موجه ضد الثوار، ولا زال!

http://gty.im/457151776

صحفيين ومشايخ ومحللين سياسيين، كلهم استبشروا خيرا بأمريكا واعتبروا القصف الأمريكي للشعيرات بداية تحول لصالح الثوار!

لا أدري أين عقولنا نحن المسلمين؟ نتعامل مع أمريكا كالعشيقة مع عشيقها الفاحش الجبار، يهينها ويأخذ مالها ويغتصبها ويضربها ضربا مبرحا ينتهي بها كل مرة في غرفة الإنعاش، لكن بمجرد أن يقول لها العشيق نصف كلمة لَيِّنة نسبيا، أو يضع لها وردة ولو ذابلة، تنسى العشيقة كل ما فعل بها وتعود لأحلامها الوردية، لعل العشيق تغير هذه المرة فِعْلا وسيتزوجها كما وعدها منذ سنين وسينصفها! هكذا حال المسلمين، والعرب منهم على الخصوص، مع أمريكا!

فما لبعض المسلمين وصلوا لهذا الحد من المهزلة والسطحية والعبودية لأمريكا؟ ينتظرون بشغف تدخل العم “سام” ضد نظام الأسد! أَنَّا يُنصر المسلمون وقلوبهم متعلقة بالغرب؟ أَنَّا يتحرر المسلمون وهم يركضون وراء مُستعبِدِهم يمُدُّون إليه أيديهم ليضع عليها الأغلال ويجرهم كالعبيد لأسواق النخاسة!؟

أيتها الأمم المُستعبَدة

وَجَّهَ العلاَّمة المُحَدِّث أحمد محمد شاكر في النصف الأول من القرن العشرين خطاباً إلى الأمة الإسلامية تحت عنوان “أيتها الأمم المُستعبَدة”، جاء فيها:

[يوشك أن تقع الواقعة، وقد تكون هي الحاسمة المدمرة، على رأس الطغاة المستبدين المستكبرين، فحذار أن تُخدعوا عن أنفسكم وعن أممكم كما خُدعتم من قبل.

إنهما فريقان يتناحران (يقصد الغرب-وعلى رأسه أمريكا-، والاتحاد السوفياتي آنذاك)، ليس بهما إلاّ الاستبداد والطغيان، وليس بهما إلا أن يستعبدكم الفريق المنتصر، لا تصدقوا أن واحدًا من هؤلاء أو هؤلاء يريد بكم الخير أو الحرية.

أيتها الأمم المستعبدة، من العرب، من أقصى العراق الى أقصى المغرب، ومن المسلمين وغير المسلمين، فيما يسمونه (الشرق الأوسط) و(الشرق الأقصى) إنكم ضحية هؤلاء الفجرة، وقد لبثتم في إسار الذل والاستبعاد بضع مئات من السنين، ذاق هؤلاء الوحوش الأوربيون طعم الخيرات في بلادكم، ثم طردهم أبطال الإسلام في الحروب الصليبية من بلاد الإسلام وبلاد الشرق، وعرفوا منكم ومن بلادكم معنى الحضارة وحقيقة الحرية فلم يستطيعوا صبراً عن مطامعهم وثاراتهم.

وثقوا بأنه إذا تنَدَّر الناس يوماً ما بأن الإنجليز قالوا في الحرب الماضية (سنقاتل إلى آخر جندي فرنسي) فسيكون حقيقة واقعة أن الأمم التي تسمي نفسها (الديمقراطية) وقد ضموا إليهم أعداءهم السابقين من (النازية) و (الفاشية) ستقول في الصراع القادم:

سنقاتل إلى آخر رجل أو امرأة أو طفل في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، وسيمتصون كل قطرة من دمائكم، وسيأكلون كل ذرة من خيراتكم، فإنهم لا يفقهون إلا أنكم خلقتم رِدْءا ً لهم أولاً ثم غُنْماً لهم أخيرا.

أيها الناس

لا تظنوا أن الروس خير لكم منهم، أو أنهم سينصرونكم أو يدعونكم أحراراً إذا ما ظفروا، فكل هؤلاء (يقصد الروس) وأولئك (يقصد الغرب وعلى رأسه أمريكا) شرٌّ، وكلهم عدو، ولكنا نأبى أن ننصر عدواً على عدو، ونأبى أن نكتب وثيقة استعبادنا بأيدينا، لهؤلاء أو هؤلاء.

بل يجب أن نقاوم هؤلاء وهؤلاء، بما استطعنا من مقاومة سلبية أو إيجابية، فلا نُمَكِّن لواحدٍ منهم في شبر من أرضنا، ولا بِحَبَّة واحدة من قوتنا، فمن فعل ذلك فهو خائن لأمته ولبلاده، ولسائر بلاد الشرق من آسيا وأفريقيا.

واعلموا أيها المسلمون خاصة أن من خاض منكم غمار الحرب القادمة، مع هؤلاء أو هؤلاء، ثم كُتِبَت له الحياة، كان حيًّا كميت، وعاش عبداً ذليلاً، آثماً عاصياً، حتى يُسْلِمَه أَجَله إلى مصيره، وإن كُتِب عليه القتل لم يكن شهيداً، بل مات خارجاً على دينه، مخالفاً عن أمر ربه، عاصياً لرسوله ومصيره إلى النار.

أيها الناس:

اعلموا أن أعرابيا ً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال رسول الله:

«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

وأنه جاء رجل إلى رسول الله فقال أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “لا شيء”، فأعادها ثلاث مرات يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا شيء له”، ثم قال: “إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه”!  أيها الناس: قد أنذرتكم فاحذروا]

(انتهى الاقتباس من كتاب “كلمة الحق”).

نعم، أنذرت يا شيخنا، وجزاك الله عنا كل خير!

فلن أناقش هنا مدى جدية أمريكا في قصفها لقاعدة الشعيرات، ولا هل تريد فعلا معاقبة نظام الأسد أو حتى الإطاحة به، ولا أناقش هل أمريكا تريد بهذا القصف إرسال رسالة إلى روسيا، أو هل يريد ترمب بهذا القصف رفع رصيده داخليا وإشغال الرأي العام عن مشاكله وإخفاقاته في السياسة الداخلية، لا، هذا كله أتركه للمحللين.

http://gty.im/665506442

الموقف الشرعي والعقائدي تجاه أي تدخل لقوى الكفر في بلاد الشام

الذي يهمني هنا هو الموقف الشرعي والعقائدي تجاه أي تدخل لأي قوة كافرة في بلاد الشام، فالمسلمون ثاروا لقلع هيمنة الغرب عنهم، فلا يريدون استبدال نظام آل الأسد بكارزاي جديد ونور مالكي جديد وبشار جديد، تُعَيِّنُهم أمريكا إذا أُعْطِيَت المصداقية والشرعية للتدخل عسكريا في الشام.

 ولذلك لا يجوز للثوار القبول بأي تدخل عسكري لأمريكا ولا لأي دولة كافرة، ولا التطبيل والتصفيق لقصفها لجند آل الأسد، فيجب تجاهل أي قصف أمريكي لقوات آل الأسد عدم تضخيمه ولا التطبيل، فإن ضرب الله ظالما بظالمٍ فلا نقف لا مع هذا ولا ذاك ولا نعمل دعاية لا لهذا الظالم ولا لذاك!

ثم إن أمريكا إن قصفت موقعا لقوات آل الأسد فإنها تقصف مقابل ذلك عشرات المواقع للثوار، وإن قتلت بضع مرتزقة آل الأسد فإنها تقتل المئات والآلاف من الثوار!

كما لا يجوز الطلب من الغرب التدخل لقصف مواقع نظام آل الأسد، فلتكن لكم عبرة في ليبيا وما آلت إليه لما اعتمد الثوار هناك على الغرب لإسقاط نظام القذافي! ورسول الله قال: “لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ”(صحيح مسلم)، قالها لكافر فردٍ ليس له، ولا يُخاف أن يكون له، أي سلطان على المسلمين، فما بال الاستعانة بدول الغرب اليوم وهي عدوة ولها من القوة ما يجعل السلطان والأمر قطعا بيدها إذا استعان بها المسلمون!

فاحذروا يا ثوار، أمريكا عدوتكم الأولى، وقلع هيمنتها عن بلاد الشام هو الهدف الحقيقي، فكيف يُستعان بالمحتل الغاصب الذي يريد المسلمون قلع نفوذه من بلاد المسلمين!؟ استعينوا بالله وتوكلوا عليه، لا على أمريكا ولا تركيا ولا أي قوة في العالم،

{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)} (المائدة).

فاروق الدويس

مسلم مُتابع للأحداث في البلدان الإسلامية خاصة، يحاول المساهمة في معركة الأمة المصيرية بأبحاث ومقالات… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى