
حال الأمم قبل شروق الإسلام (العرب-الفرس-الروم)
إخواني من المسلمين الكرام سنتكلم في موضوعنا هذا عن ثلاث أمم قبل الإسلام عن صفاتهم وحالهم ومكانتهم:
العرب
كان العرب قبل الإسلام لا يعرفون شيئًا اسمه دولة أو حضارة ولا توجد لديهم دولة واحدة ولا نظام، حيث إن العرب طبيعتهم طبيعة خلافية لم يكن لهم حاكم أو قائد واحد، بل كانت السيطرة للروم والفرس. يقول عمر رضي الله عنه [رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح]:
إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله
ولذلك كانت حياة العرب قبل دخول الإسلام إليهم مليئة بالحروب والخلافات والتمزق بين القبائل العربية لا يعرفون شيئًا يسمى القائد أو الملك، لأن العربي لا يحب أن يحكمه أحد ويوجهه ويقول له افعل أو لا تفعل؛ العربي بطبيعته يحب عدم المسئولية والأوامر، وعنده الأنفة من السلطة عليه وهذا هو السبب الحقيقي لعدم توحد العرب قبل الإسلام تحت قائد واحد أو حتى أمة واحدة.
الفرس
وتسمى حاليًا (إيران)، حيث كان هؤلاء القوم قبل الإسلام لهم حضارة، لأنهم أناس منظمون، وكانوا جميعًا تحت قائد واحد بلا تنازع أو اختلاف وليسوا مثل العرب ولقب الحاكم عندهم “كسرى”. وهم أصحاب عزيمة وهمة فى الأمور حيث قال عنهم رسول الله كما ثبت في الصحيحين:
لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس
والثريا النجم المعروف، وإن دل فإنه يدل على علو الهمة عند الفرس وقوة عزيمتهم. وكان تنافس الروم والفرس على أشده، وكان لهم عملاء في المنطقة العربية وعميل الفرس في العراق النعمان بن المنذر وهو من أبناء المنطقة. وهذه هي سياسة أعدائنا حيث أنهم يحكمون البلاد بأشخاص من نفس البلاد، ويكون هؤلاء الأشخاص عملاء لهم ويعملون لصالحهم بالنيابة، وهم محل ثقة من الناس لأنهم من نفس اللون واللغة والنسب. أما (الغساسنة) وهم من أهل الشام فكانوا عملاء للروم يحكمون بالنيابة عنهم ويعملون لخدمة أسيادهم من الروم .
وفي زماننا الحاضر نفس السياسة ترى حاكمًا أو زعيمًا أو رئيسًا من أبناء البلد، نفس لون البشرة والشعر واللغة، يحكم المسلمين وهو في الحقيقة عميلًا لأمريكا أو لروسيا؛ فهذه سياسة الغرب يحكموننا برجل منا يتكلم بلساننا ومن نفس نسبنا!!!
الروم
وهم الغرب حاليًا (أوروبا وأمريكا). فسورة كاملة بالقرآن الكريم باسم الروم. وتَحدثَ الرسول-صلى الله عليه وسلم-عنهم في أحاديث كثيرة وهي أمة صاحبة همة وقوة ومصابرة لهم قيادة واحدة ولا يحبون التفرق قال الله-عز وجل-مخبرًا الصحابة عن هؤلاء القوم على قول بعض المفسرين:
قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ
يعني أنهم أهل قوة وبأس وشجاعة ولم يقل الله عنهم أولي بأس ضعيف بل قال أولي بأس شديد، فينبغي للمسلم أن يكون عادلًا ومنصفًا حال التحدث عن الأعداء.
وأيضًا شهادة (عمرو بن العاص) الذي شارك بمعارك ضد الروم وانتصر عليهم، ورغم ذلك كان عادلًا وصادقًا في شهادته عليهم، هكذا يعلمنا القرءان فقال فيهم [والرواية بصحيح مسلم] أن للروم صفات وخصال خمس وهي:
-
أحلم الناس عند فتنة
أي أعقل الناس عند المصائب والأحداث الضخمة تجد عندهم تفكيرًا وتأنيًا وحكمة بخلاف العربي.
-
أسرعهم إفاقة بعد مصيبة
يعني إذا حصلت مصيبة سريعًا ما يفيقون منها وينظمون أمرهم من جديد، ولنر مثلًا البلاد الأوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا وغيرهم بعد الدمار والخسائر العظيمة في البشر والاقتصاد بعد الحرب العالمية الثانية، إلا إنهم بعد سنوات قليلة جدًا استطاعوا أن يعيدوا الأمور إلى وضعها الطبيعي بل للأحسن.
-
أوشكهم كرة بعد فرة
يعنى إذا فروا منك بالمعركة أسرع الناس في الرجوع والعودة بقوة من جديد، وهذا إن دل يدل على الشجاعة وحسن الترتيب والتنظيم والمكر ونبذ الخلافات الكثيرة بينهم. وللأسف نحن العرب تقتلنا الخلافات والآراء الكثيرة والتنازع وعدم الاجتماع وهذا سببه أننا نتعامل بطبيعتنا وعقليتنا العربية ولم نتعامل بمنهج الإسلام الجميل الذي يجمع ولا يفرق والذي يوسع العقل والصدر للمختلف معك.
-
خير الناس لمسكين ويتيم وضعيف
وهذا نشاهده في منظماتهم لحقوق الإنسان والإغاثة وتعاملهم مع شعوبهم بشكل راقٍ جدًا، حتى إن يوفرون حياة جيدة لأصحاب البطالة وغير القادرين على العمل.
-
وأمنعهم من ظلم الملوك
وهذه صفة قوية جدًا، فعندهم مناعة من ظلم الرؤساء، لا يجرأ الحاكم عندهم أن يذلهم ويأكل حقوقهم مثلما يحدث ببلادنا للأسف من السكوت على الباطل وعدم الصدع بكلمة الحق، حتى المشايخ وطلبة العلم لديهم رهبة وخوف، بل وقوف وتأييد للحكام الظالمين المجرمين إلا من رحم الله وقليل ما هم، لماذا لا يستطيع حاكمهم؟ لأن هؤلاء الروم لا يسكتون بل ينتقدون ويرفعون أصواتهم بالحق والعدل، ولا يخافون بل يثورون عليه ويخلعونه إذا لزم الأمر ولو أصبحت البلاد أنهارًا من الدماء والأشلاء، ولو دام الأمر سنوات، المهم عندهم القضاء على الظلم والطغيان، مثل ما حدث بثوراتهم القديمة، الثورة الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية، وغيرها.
بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المجتمع المسلم
كيف أنشأ النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم؟ وما هي الخطوات نحو هذا الهدف العظيم؟
من يتابع سيرة المصطفى الكريم وحياته الشريفة يرى هذه الخطوات النبوية وهي:
1– الدعوة والتربية
يدعو الناس للتوحيد ونبذ الشرك بالله بتعليمهم ما يحبه الله للعمل به وتحذيرهم مما يكرهه الله للبعد عنه، وتعليمهم المعاملة بالعدل والإحسان وتربية النفس على الأخلاق الحميدة وتطهيرها من أمراض القلوب مثل النفاق والحقد والحسد وحب الدنيا والزعامة والكبر وغيرها، وذلك من أجل إنشاء الجيل الرباني على منهج القرآن والسنة المطهرة.
2– طلب الإيواء والنصرة
وظل نبي الله يبحث عمن ينصره حتى يبلغ رسالة ربه ويحكم شريعة الإسلام بأرض صالحة، فأكرمه الله بالأنصار، أهل المدينة، فهاجر إلى الأرض الجديدة لإقامة الشريعة والدين هناك.
3– إنشاء المجتمع بالمدينة وهي (يثرب سابقًا)
أنشأ فيها مجتمعًا مسلمًا وليس تنظيمًا، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار، وأقام شريعة الله في مختلف ألوان الحياة بالتعاون والمشاركة بين أهل البلد وبين المهاجرين، ولم يحتكر إقامة الدين على الأنصار فقط أو المهاجرين فقط، كما تفعل كثير من التنظيمات والأحزاب. ولم يطرد أحدًا من المسلمين من المدينة بل كان مجتمع الرسول يوجد فيه أصحاب الذنوب والمعاصي ولم يطرد أحدًا منهم، بل كان يؤدبهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويصبر عليهم ويعلمهم، ويعاقب من يستحق العقوبة عملًا بالشريعة العادلة، لأن الذي تطرده سوف يتحول إلى عدو لك فيما بعد.
لذلك لا نستغرب عندما جاء الأعداء ليقاتلوا المسلمين بالمدينة هل كانوا يقاتلون تنظيماً أو فصيلاَ؟ لا بل كانوا يقاتلون مجتمعًا وأمة متماسكة صنعها النبي، على عكس زماننا الآن، حينما يأتي الأعداء لقتال المجاهدين ومحاربة الإسلام من يقاتلون؟ هل يقاتلون المجتمع المسلم؟ لا للأسف، بل يقاتلون تنظيمًا أو جماعةً أو حزبًا منفصلًا عن الناس ولا يقاتلون المجتمع المسلم، لأن الأعداء أو المجاهدون أنفسهم قد انعزلوا عن الأمة، فظهر قتال الأعداء لهم كقتال فئة إرهابية وليس حربًا على الأمة والإسلام، فتلاحظ أن التنظيم يلفظ سريعًا من المجتمع ويتم القضاء عليه من قبل الأعداء.