بيت مسلم.. ناجح وسعيد
ترددت كثيرا في إدراج عنوان ضخم كهذا لزاوية من كتاب موجه للمرأة المسلمة، ذلك أن الحديث عن مملكة الزوجية وأسرار السعادة فيها يستحق سفرا منفردا بذاته يتناول هذه القضية بكل أبعادها وتفاصيلها المختلفة. ولكن لأن مقام الحديث هنا يخص درة الإسلام تلك المرأة الشمّاء وكل ما يحيط بها، وجب أن أعرج على الزواج الذي يعد سنام أمور حياتها إن كانت متزوجة، لعلي أنثر لك بعضا من أسرارها لتهنئي بحياة ماتعة وسكينة دائمة بإذن الله.
البداية
أول ما يجب أن نتحدث عنه هو اختيار الزوج، اختيار شريك الحياة الذي ستمضين معه بقية عمرك وتركبين معه الأمواج العاتية وتنزلين معه المنحدرات الحادة وتسكنين معه وتحزنين وإياه، إنه باختصار اختيار يحكمه القدر مهما حاولت أن تبدعي فيه أو تتحكمي في اختياره، فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف واختار الله لك الاسم الذي سيكون زوجك في الدنيا والآخرة.
لهذا لا أجد أفضل نصيحة لك من إخلاص الدعاء لله أن يهبك قرة عين تسكنين إليه ، يحبه الله ورسوله صالح مجتهد، وألحي في الطلب حتى يوفقك الله في لقاء فارس أحلامك المنتظر عبدا طيبا مباركا فيبارك الله زواجكما.
ثم لا تفكري كثيرا كيف وأين تجديه لأن قدرك ونصيبك سيصيبك لا محالة، وإنما اجتهدي في صالح الأعمال والدعاء لعل وعسى يمن الله عليك بالزوج الموفق.
مملكة الزواج
ثم ما إن تتزوجي فقد دخلت لا أقول القفص الذهبي كما يصفه البعض بل أقول دخلت مملكتك أنت! مملكة الزواج والمودة والرحمة، هذا عنوانها، فكيف يجب أن تكون، وكيف يجب أن تكوني أنت كي تكون !
لقد تأملت في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم فوجدتها تلخص سر السعادة الزوجية بطريقة مدهشة، أهم ما فيها، أن تكوني المرأة الأنثى التي تتقن دورها كما خلقها الله سبحانه، أن تكوني طيبة وسكينة لزوجها، أن تتوددي إليه وتتقربي إليه منبسطة، أن تحسني تبعلك وتظهري له بخير مظهر فلا يرين منك ما ينفره ولا يشمن منك ما يقززه.
إن الزوجة العاقلة تحاول أن تمتلك قلب زوجها بحبها وعطائها وحسن اهتمامها وكذلك بصدقها وأدبها وحسن خلقها، لا تثقلي عليه بالشكوى ولا بالنقد اللاذع ولا بكثرة المطالب ، كوني المتفهمة لا تقيسي حجم محبته بالأموال والماديات بل بالمشاعر والوفاء!
لا زال أسعد الأزواج هم أولئك الذين ارتقوا فوق ماديات الأرض، فلا تحسبي كثيرا أو تحصي مرارا، ذلك أن المال والرزق من عند الله كما لا تتقوقعي في حفر الدنيا تمضين أجمل سنين عمرك في التأسف والقهر والتذمر، بل الحياة سهلة لمن أخذها بهون، وجعل جلّ همه في كسب رضا الله، لقد رأيت الأزواج الذين انشغلوا بالدنيا وركضوا خلفها خسروا أروع شيء بينهما إنه الحب، لقد أعمتهم غريزة حب البقاء وتطوير سبل الرفاهية والعيش وجمع الأموال، فشغلت كل جميل في حياتهما ليفرّ الحب ويحل محله السخط! فلا تقعي في هذا الفخ.
الحب
أتقني فن الحب، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، أتقنيه بإعطاء الرجل مساحته ومكانته التي خلقه الله لها، أشعريه برجولته وبقوامته، لا تتعاملي كأنك ند له بل سكن! لا تخاطبيه بالاستعلاء بل بخفض الجناح والود، لا تصرخي في وجهه بل أفهميه بأدب وخلق! لا أعتقد أن رجلا عاقلا تعامله زوجته بعقلها وأنوثتها وجمال أخلاقها سيختلف معها، بل إن الرجل لا يستغني عنك أبدا إن سكن إليك! فلا تفسدي أجمل ما في حياته بحماقة أو نصيحة فاسدة أو وهم أو طمع فيما لا ينفع!
احفظي ما بينكما من كل شيء، من كل غريب أو حتى قريب، لا يعلم أسراركما أحد، احفظي حتى ذكرياتك الرائعة معه ولا تسربيها إن شئت إلا لمن تثقين أنهم يحبونك ويصدقونك القول، ذلك أن النفس البشرية الأمارة بالسوء إن رأتك في بحبوحة من العيش مع زوجك قد تتسلل في نفسها بواعث الشر والحسد وتحاول أن تجرك إلى الفشل والتخاصم لترى حزنك وألمك فلا تعطيها هذه الفرصة.
تحسسي مواطن راحته فأشبعيها، اطبخي ما يحب واختاري الألوان التي تروق له، احرصي على أن يكون عشّكما مكان راحة وسكن له، يدخله فينسى هموم الدنيا ليس فقط برحابة الاستقبال الحميم ولا لمساتك الدافئة في ترتيب البيت ولا لذة أطباقك التي تفانيت في تقديمها بأجمل صورة ممكنة وإن كانت بسيطة، بل أيضا في أجوائك الإيمانية التي تذكرينه من خلالها بالله وتصلي روحك وروحه بخالقكما، فكلما يراك تذكر الله وكلما لمحك تراءت له نعمة الإسلام، هنا تحققين سبقا لا يقدر بثمن!
النصيحة الأمينة
إن لكل رجل ساعات وهن أو إرهاق أو ملل أو غضب حاولي أن تمتصيها بحسن إنصاتك وحكمتك وبصيرتك، لا تقاطعيه ولا تحرفي حديثه لما يخصك أو يخرج عن إطار حديثكما، حسسّيه أنك يده اليمنى لا يستغنى عن نصائحك ولا محبتك ثم كوني الناصحة الأمينة برجاحة عقل وفراسة المؤمنة ثم إياك والغضب فهو يهدم البيوت في ثواني ويحقق أماني الشيطاني بلاتفاني!.
المعادلة المتوازنة
قد يقول قائل ولكنك توصينها هي ولا توصينه هو، فكيف سينجح الزواج بالتركيز على واجباتها هي أكثر من هو! قلت إن الزواج يعتمد معادلة متوازنة كلما قدمته هو بين مصيرين اثنين إما (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) فستنالين مقابله حبا واهتماما ووفاء من صاحب الكرم والمروءة والذوق وإما فقد سجلت عند الله عطاء جزاءه إن شاء الله الحسنات والرفعة في المرتبة، فنحن مهما بذلنا في علاقتنا مع من حولنا، إنما نريد بها في النهاية رضا الله، وكذلك الحياة الزوجية إنما نبتغي منها رضا الله والقرب منه! فتأملي كم يصبح العطاء سهلا سلسا حينما يكون حبا في الله!
التجديد
ثم أنصحك بالتجديد في طلتك وفي معرفتك، أشعريه باهتماماتك المفيدة كي يستفيد هو منك أيضا، فالنفس مجبولة على التعلم والتعلق بكل مفيد وجديد، وهذا من خلال تلخيص فوائد مطالعاتك ومشاهداتك خلال اليوم، إن الأرواح لتبتهج حينما تتقاسم المعرفة، هذا أحد أسرار الاتصال الدائم .
أحسني الظن به
أحسني الظن دوما بزوجك لا تجعلي عواطف الغيرة تحطم حصن بيتك، إن وسوس لك الشيطان في هذه فصديه بذكراك الجميلة الأخرى التي طواها الحنق والغضب في زاوية النسيان وأغرقك في ظلام الجحود والحزن، لابد أنك ستجدين مواقف جميلة له ستعدل مزاجك وشعورك فيستقيمان، وما رأيت أحسن من إحسان الظن لتعيشي بسلام ذلك أن الشك والريبة والتخوين إذا ما دخلت ساحة بيت من البيوت لن تخرج منه إلا بتحطيم جزء منه إن لم تدهمه بالكلية.
ألبوم الذكريات
اسرقي اللحظات لحفر الذكريات الرائعة، لا تستثقلي أن تقري له بحبك ولا بشوقك بأي طريقة ترينها ملهمة، لا يهمك كيف ينظر لكما الناس بل ما تعيشانه أنتما تحديدا، لا يهم كم من العمر الذي انقضى أو بقي إنما المهم ما تتقاسمانه الآن ، إن السعادة التي تجدينها في كنف زوج مؤمن محب لهي أثمن ثروة قد تحوز عليها امرأة من متاع الدنيا، ذلك أنكما خلقتما من نفس واحدة وحينما تتبادلان مشاعر المحبة والثقة والإحسان ستكون حياتكما أسهل بكثير وسيسهل لقاربكما الإبحار لأهدافه النبيلة بأمان وثقة، ثم لم أر أصلب لبنيان الزوجية من تقوى الله وحسن شكره وعبادته، فإذا ما رأيت بيتك يتصدع فانظري في ذنوبك وفي ما اقترفتيه من باطل أو ظلم أو شر، لقد كان الصالحون السابقون ليعرفون الذنب من تغير معاملة الزوج أو الزوجة.!
على ما تعودتي
إنك في رحلة الزواج بحاجة لأن تفهما بعض وترضيا بعض ، هدفكما إسعاد بعض! فإن أنت جعلت جلّ همك هذا الهدف سيكسو بيتك الهدوء والسكينة والفرح ولن تشعري بوحشة أو غربة، ثم لا تكترثي بحال غيرك من صديقات وارضي بما قسمه الله لك، إنما العبرة في الصدق وفي الخواتيم الطيبة ليست في المظاهر التي قد تكون غالبا كاذبة مضللة، ولو انشغلت الزوجة بما منّ الله عليها من فضائل ونعم بدل مراقبة غيرها، لما شعرت بالنقص ولا ازدرت ما عندها وهذه هي النفس البشرية على ما عودّتها فعوديها على الاستقامة والقناعة والرضا بما آتاها الله من فضل فتطأ قدمك ثريا السعادة.
كوني ذكية في بحث اهتمامات زوجك من مواضيع للنقاش أو للإثراء، في مجال عمله أو في هواياته، حاولي أن تطلعي على العلوم النافعة له فإنك بهذا تتقربين أكثر منه وسيشعر بأن الدافع لهذا الاطلاع إنما هو دليل حب واهتمام، ولا أخال عاقلا سيقابل هذا الخير إلا بخير مثله إن لم يكن أكثر منه.
نصرة الإسلام أولوية
حينما تجمعكما الأهداف السامية والتي لاشك أن نصرة الإسلام أهمها مع ما تمر به الأمة من مخاض عسير، فاعلمي أن الله سيكفيكما هموم الدنيا الكثيرة، وقد رأيت من انشغل بهم أمته فكفاه الله همّه ووجد سعادة في نفسه تعينه على تخطي الصعاب إن لم أقل ثقة! وهذا سر من أسرار السعادة في الدنيا، فليكن لك ولزوجك سهم سبق في عودة مجد هذه الأمة، ولن أدلك الآن على أبواب المسابقة في هذا المضمار ولكنك معه هو فقط تستطيعين أن تحددي أي باب تطرقانه وأي خير تسابقان لنيله، وإن شاء االله لن يضيع صدقكما وإخلاصكما إن حرصتما على ذلك.
اجعلي تجربتك الأفضل
قد تجدين الكثير من النصائح الثمينة عن الزواج في كتابات ومقالات تنثر بين الحين والآخر في صفحات الأنترنت والمكتبات ولكنني لم أر أفضل من التجربة الشخصية في بناء البيت السعيد، فاجعلي تجربتك الأفضل والأرقى والأمثل، لا تبالي بمقارنات البشر بل بحساب ربّ البشر، هنا فقط يكون إنجازك وعطاؤك الأسري مثالا يحتذى به، وهذا ما يليق بحفيدة الصحابة وبسليلة المجد العتيد وبمسلمة مؤمنة موقنة تعلم أن مساكننا الأولى هناك في فردوس أعلى سيمسح فيها عن جبينها كل آثار الكلل والتعب وسيرسم على ثغرها إشراقة الفوز العظيم إن هي صدقت، فلأجل هذا كله سابقي ولا تسوّفي جعلك الله قرة عين زوجك وقرة عيون الموحدين!