محمد الأمين الشنقيطي.. صاحب تفسير أضواء البيان
«إن الله إذا أعطى أدهش وإذا أنعم أذهل». جملة بسيطة لكنها تمثلت في حياة شيخ يتيم الأب يعيش في أقصى الغرب، حيث تفضل الله عليه فرزقه العلم والفهم، فجعله سيد علماء زمانه، فأخرجه من بلده وجعله يقيم في مسجد المصطفى يدرّس ويعلم، فكيف لا يكون هذا العطاء مدهش وهذا الفضل مذهل! فمن هو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب هذه القصة؟ وما هو نسبه؟ وكيف نال علمه؟
اسم الشيخ ونسبه
اسم الشيخ رحمه الله
هو الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر بن محمد بن أحمد نوح بن محمد بن سيدي أحمد بن المختار من أولاد الطالب أوبك، وهذا من أولاد أولاد كرير بن الموافي بن يعقوب بن جاكن الأبر، جد القبيلة الكبيرة المشهورة المعروفة بالجكنيين، ويعرفون بـ “تجكانت”.
نسبه رحمه الله
يعود نسب الشيخ محمد الأمين إلى قبيلة تجكانت، والتي يرجع نسبها إلى صنهاجة، واحدة من أكبر القبائل الأمازيغية.
مولده رحمه الله
ولد الشيخ محمد الأمين في عام 1325هـ حوالي 17 فبراير 1905م في مدينة تنبه في موريتانيا.
نشأته
ومَن أحسن إخبارًا لنا عن نشأة الشيخ من الشيخ نفسه، إذ قال مرة: «توفي والدي وأنا صغير أقرأ في جزء عم، وترك لي ثروة من الحيوان والمال، وكانت سكناي في بيت أخوالي وأمي ابنة عم أبي، وحفظت القرآن على خالي عبد الله بن محمد المختار بن إبراهيم بن أحمد نوح جد الأب المتقدم».
طلبه للعلم
كانت همته رحمه الله تعالى عاليةً في طلب العلم، فقد حفظ القرآن وهو ابن عشر سنوات، وتعلّم بعدها رسم المصحف العثماني، والتجويد في مقرأ نافع برواية ورش وأخذ سندًا بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر سنة.
وكان رحمه الله قد درس بعض المختصرات في فقه مالك كرجز الشيخ ابن عاشر، ودرس دراسة واسعة في الأدب، ولا ننسى دراسته الواسعة في أنساب العرب وأيامهم، والسيرة النبوية، ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي.
شيوخ محمد الأمين
قد تلقى الشيخ محمد الأمين علمه على يد كبار شيوخ الجكنيين في ذلك الوقت، فدرس عليهم النحو والصرف والأصول والبلاغة وبعض التفسير والحديث، ونذكر منهم:
- الشيخ محمد بن صالح المشهور بابن أحمد الأفرم.
- الشيخ أحمد الأفرم بن محمد المختار.
- الشيخ العلامة أحمد بن عمر.
- الفقيه محمد النعمة بن زيدان.
- الفقيه الكبير أحمد بن مود.
- العلامة المتبحر في الفنون أحمد فال بن آده.
أعماله في موريتانيا
عمل الشيخ محمد الأمين في مورتيانيا بالتدريس والفتيا، وكان قد اشتهر بالقضاء والفراسة فيه، ورغم وجود الحاكم الفرنسي إلا أن المواطنين كانوا عظيمي الثقة فيه يأتونه للقضاء بينهم ويفدون إليه من أماكن بعيدة.
خروجه من بلاده رحمه الله
خرج الشيخ محمد الأمين من مورتيانيا برًا بنية التوجه للحج عازمًا بالعودة بعد أداء الحج، وقد كانت رحلته رحلة علمية بكل معاني الكلمة لذا ينصح بالإطلاع عليها والاستفادة مما حوته من أسئلة وأجوبة جليلة، وقد كان من جميل الأمور أن يجمع الشيخ محمد الأمين جميع المواقف التي حدثت معه أثناء رحلته في كتاب سماه (رحلة الحج إلى بيت الله الحرام)، ذكر في مقدمته: «فليكن في علم ناظره أنَّا أردنا تقييد خبر رحلتنا هذه إلى بيت الله الحرام، ثم إلى مدينة خير الأنام -عليه أفضل الصلاة والسلام- ليستفاد بما تضمنته من المذاكرة والأحكام، وأخبار البلاد والرجال، وما تجول فيه الأدباء من المجال، والغرض الأكبر من ذلك تقييد ما أجبنا عليه عن كل سؤال علمي سُئلنا عنه في جميع رحلاتنا».
وقد انتهت رحلته بصدفة غيرت خطط الشيخ، حيث كتب الله له أن ينزل رحمه الله بجوار خيمة الأمير خالد السديري ويجالسه في مجالسه، فعجب الأمير من مدى عمق علم الشيخ، فأوصاه أن يزور الشيخين عبد الله الزاحم وعبد العزيز بن صالح، وبعد لقائه بهما تغيرت نظرته حول علماء المملكة، فعزم البقاء في البلاد والتدريس في المسجد النبوي.
رابط كتاب(رحلة إلى بيت الله الحرام) من هنا
منهجه في درس التفسير
كان منهج الشيخ رحمه الله في درس التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن، وكان منهجه يعتمد على الشمولية، فكان يبدأ بالمفردات ثم الإعراب والتصريف ثم البلاغة مع إيراد الشواهد ثم يذكر الأحكام الفقهية من الآية، كما أنه كان يذكر الأقوال والترجيحات المذكورة في الأحكام مع تدعيم ذلك كله بالأصول وعلوم القرآن وأسباب النزول وغيره الكثير.
مثال في تفسيره رحمه الله
تفسير قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} في سورة الفاتحة:
«لم يذكر لحمده هنا ظرفًا مكانيًا ولا زمانيًا، وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية السماوات والأرض في قوله: {وله الحمد في السماوات والأرض}، وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله: {وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة}، وقال في أول سورة سبأ: {وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير}، والألف واللام في «الحمد» لاستغراق جميع المحامد، وهو ثناء أثنى به تعالى على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه به».
تدريسه في المعاهد والكليات الشرعية
كان رحمه الله تعالى واسع الاطلاع متمكنا من العلم، وقد درّس رحمه الله في الكثير من المعاهد والكليات الشرعية، نذكر منها:
- الجامعة الإسلامية بالمدينة، وقد تولى تدريس التفسير والأصول فيها.
- معهد القضاء العالي بالرياض، وكان رحمه الله يذهب لإلقاء المحاضرات المطلوبة في التفسير والأصول.
نشاطه خارج المملكة
قد كان الشيخ محمد الأمين على رأس البعثة التي شكلتها الجامعة الإسلامية للبلاد الإسلامية، وقد امتدت البعثة إلى عشر دول إفريقية بدأت بالسودان، وانتهت بموريتانيا.
الشيخ في الهيئة والرابطة
كان الشيخ محمد الأمين أحد الأعضاء في هيئة كبار العلماء ورابطة العالم الإسلامي، وقد ترأس إحدى دورات هيئة كبار العلماء مرة، وقد وصفوه عندها بأن له «سياسة رشيدة ونتائج حميدة».
مؤلفاته رحمه الله
رحم الله الشيخ محمد الأمين فقد ترك من العلم الكثير، وقد ترك في كل بستانٍ زهرة، فألف في مجالات عديدة، ونذكر من تأليفاته:
- رجز في فروع مذهب مالك يختص بالعقود في البيوع والرهون.
- ألفية في المنطق.
- نظم في الفرائض.
- منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز.
- دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب.
- مذكرة الأصول على روضة الناظر.
- آداب البحث والمناظرة.
وقد ترك رحمه الله العديد من المحاضرات ذات المواضيع المستقلة، وهي:
- آيات الصفات.
- حكمة التشريع.
- المثل العليا.
- المصالح المرسلة.
- حول شبهة الرقيق.
خلقه وزهده رحمه الله
امتلك الشيخ محمد الأمين من مكارم الأخلاق والصفات الحسنة الكثير، فلم يكن يغتاب أو يسمح لأحد أن يغتاب أمامه، وكان رحمه الله مراعيًا لحال جلسائه، فلا يعاتب أحدًا في شيء يمكن تداركه، وكان كثير التغاضي في الأمور التي تتعلق به.
وأما زهده فكان جليًا للعام والخاص، إذ لم تكن الدنيا تساوي لديه شيئًا، فلم يطلب عطاءً أو راتبًا أو حظوة أثناء فترة وجوده في المملكة السعودية، حتى إنه مات ولم يخلف درهمًا ولا دينارًا.
قال عنه تلميذه الشيخ عطية سالم: «وسمعته يقول: لقد جئت معي من البلاد بكنز عظيم يكفيني مدى الحياة، وأخشى عليه الضياع. فقلت له: وما هو؟ قال: القناعة. وكان شعاره في ذلك قول الشاعر:
الجوع يطرد بالرغيف اليابس
فعلام تكثر حسرتي ووساوسي».
وفاة الشيخ محمد الأمين
توفي رحمه الله تعالى في صباح يوم الخميس من 17 ذي الحجة 1393 هـ الموافق للعاشر من يناير/كانون الثاني 1974م، وكان ذلك في مكة المكرمة، ودفن في مقبرة المعلاة، وصلى عليه الشيخ عبد العزيز بن باز في الحرم المكي، وصلى عليه الشيخ عبد العزيز بن صالح صلاة الغائب في المسجد النبوي.
الخاتمة
في الختام، كان الشيخ محمد الأمين رحمه الله قدوة حسنة، وقامة شامخة، فكان لديه من العلم الكثير ومن الاطلاع الوفير، وقد خلف رحمه الله من الأدب والنحو والأصول والتفسير ما لا يعلمه إلا الله، فرحمه الله وجزاه خيرًا عما خلف من العلم.
المصادر