لويس بوسادا عنوانًا للوقاحة الأمريكية!

إن من يؤوى إرهابيين مذنب كالإرهابيين سواء بسواء

أردت أن أبدأ المقال بكلمات أمريكية صدرَتْ من السفاحِ الإجرامي بوش، حتى تكون حجةً عليهم، وذلك عندما طلبت حكومة أفغانستان موافاتها بأدلة دامغة قبل تسليمها الولايات المتحدة أناساً متهمين لديها بالإرهاب (بدون قرائن أو أدلة مقنعة، اتهام هكذا، كما اعترف بذلك روبرت مولر فيما بعد) [1].

ووفقا لهذا المبدأ الذي أصدره بوش والذي اصبح مبدأ دولياً فيما بعد بل اصبح أداة دولية للولايات المتحدة الأمريكية تلغى بها سيادة الدول، بل يصل إلى حد عدم الاعتراف بتلك السيادة نهائيا في حال إيواء إرهابيين. [2]

http://gty.im/119881847

فإن ما أريد أن أؤكده أن قضية الإرهاب التي أصبحت الآن الشغل الشاغل للعالمِ أجمع وإن كان على أصعدة مختلفة، فعلى الصعيد الإسلامي يُنْظَرُ اليهم أنهم المتهم الأول والمسئول الأوحد عن الإرهاب العالمي حاليا، بينما على المستوى الغربي ينظر إلى نفسه كونه الضحية، في حين أن الوقائع معكوسة إلى أقاصي الدرجات فالغرب الصليبي وهو المجرم الأول في العالم حاليا، والمسلم أصبح مضطهد لمجرد كونه مسلماً، ولكن الفرق أن الغرب لدية آله إعلامية تستطيع أن تقلب الحقائق وتُظهرُها كونها نوراً وضاءً ولو كانت ظلاماً دامساً، ولدينا أُناساٌ قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب، فصار ما يقوله الغرب هو المقدس ولو خالف كل مقدس.

المأزق الأمريكي

ففي عام 2005 أفادت الصحف الأمريكية أن إدارة بوش في مأزق كبير، وذلك عندما طلبت إدارة فنزويلا استرداد أحد اكبر وأعتى الإرهابين في العالم اجمع وهو لويس بوسادا [3] وآخرين [4] وذلك جراء ارتكاب جريمة إرهاب كبرى بتفجير طائرة تابعة لشركة كوبانا مات فيها عدد كبير من المواطنين الأبرياء.

ولكن يا ترى ما هو سر هذا المأزق الكبير؟ بل لماذا يوجد مأزق؟ وما هي علاقة الولايات المتحدة الامريكية بمجرم كبير عتيد مثل لويس بوسادا ورفاقة؟

إن التهم التي يُتهمُ بها بوسادا موثوقةٌ ومؤكدةٌ، وذلك بعد أن تم تهريبه من سجنهِ في فنزويلا، فحدث الأمر الرهيب وهو الاتصال الأمريكي ببوسادا للعمل تابعاً للمخابرات الأمريكية، بعد أن كان يعمل لديها بطريق غير مباشر، بل انه تم إدخاله أمريكا مهرباً، وأصبح يسير في شوارعها حرا طليقا، على الرغم من كونه أرتكب قتل وتفجير، فأصبح من المحمين في أمريكا التي تقول أنها تعادى الإرهاب في العالم وتصدر الآن قانون جاستا للعدالة ضد الإرهاب.

قانون جاستا

وبالقطع لا تستطيع أمريكا أن تسلمه إلى فنزيلا ذلك لأنه يعلم مجموعة من الأسرار وخصوصا التعاون المشترك سواء في الإطار الرسمي أو الغير رسمي بينه وبين المخابرات المركزية الأمريكة.[5] بل أنه اصبح معلوماً للكافة سواء في أمريكيا أو غيرها أنه يعمل بصفة مباشرة لدى المخابرات الأمريكية.

إضافةٌ إلى أن تسليم بوسادا سوف يرسل إشارة إلي العملاء السريين في أنحاء العالم انه لا يمكن الاعتماد على أمريكيا في حمايتهم في حال وقوعهم[6]، لذلك كان لابد من الحكومة أن تتمسك ببوسادا، وخصوصا وانه في ذلك الوقت يتم الاستعداد لما نحياه الآن من ضرب الدول العربية في مقتل، تمهيدا لما نراه حربا صليبية جديدة.

وفى الوقت الذي كانت تلح فنزيلا بطلب بوسادا، أقر مجلس الشيوخ والنواب، بأغلبيتين ساحقتان قانوناً مفاده أنه يحظر على الولايات المتحدة مساعدة الدول التي ترفض طلبات الاسترداد.[7] ففي ذلك إشارة خطيرة وهى أن مجلس النواب والشيوخ ليس بمنأى كما يظن البعض عن الضغوط الحكومية، مثله مثل ما يحدث فى البلدان المسماة دول العالم الثالث، حيث يتم السيطرة على المجالس النيابية من قبل الحكومة فتصدر القوانين كيفما تريد الحكومة وبالآلية التي تتمناه، بل تفصل القوانين وفقا لهوى الإرادة السياسية تفصيلاً.

ففور صدور هذا القانون تمنعت أمريكا برد لويس بوسادا، بل وتذرعت بحجة في غاية الإنسانية أيضاً أتعلمون ما هي؟، قالت إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسلم بوسادا خشية أن يعذب في سجون فنزويلا، فالسؤال الذي يثار هنا هل نجد مهزلة تضحك اكثر من ذلك؟

فأمريكا تخشى على الإرهابي الذي قتل أعداد كبيرة من البشر وبث الرعب في النفوس بعلمها وتحت وصايتها واصبح يعمل معها وبطريقة علنية، تخشى أن يعذب، فأمريكا ذاتها التي قتلت الملايين من البشر منذ بداية تأسيسها حيث قتل ملايين الهنود الحمر[8]، وملايين البشر في العراق والشيشان وفيتنام ودمرت الإكوادور اقتصاديا، ودعمت الانقلاب في الأرجنتين وإيران وتشيلي، فأمريكا صاحبة معتقل غوانتانمو وسجن أبو غريب الذي أقيمت فيه المذابح والمشانق وابشع أنواع التعذيب، وغير ذلك من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى، فبعد هذا كله تخشى أن يعذب مجرم إرهابي سفاح قاتل، فأى وقاحة بعد هذه الوقاحة.

اقرأ أيضًا: صرخات السجينة 650 في سجن باغرام المروع، الذي لم يتحمل أهواله الرجال!

بل يزيد الأمر وقاحة فوق هذه الوقاحة، انه فور هذا القانون الذي فصل تفصيلا لأجل مجرم إرهابي، تعلن الحكومة قلقها وكذلك بعض الشخصيات سواء من مجلس النواب والشيوخ أو من السياسيين من هذا القانون ولكن أتعلمون لماذا كان هذا القلق؟

http://gty.im/175938149

ذلك لأن إسرائيل كانت من قبل قد رفضت تسليم أحد المجرمين الذي قام بجريمة وحشية في الماريلاند عام 1997 وفر هاربا إلى إسرائيل طالباً الجنسية نسبة لأبية، فرفضت إسرائيل تسليمه لأمريكا، فلذلك يخشون من تأذى إسرائيل من هذا القانون.

ولكن بأي حال قد حلت مشكلة بوسادا ولو مؤقتا ولم يتم تسليمه إلى فنزويلا  على الرغم من وجود اتفاقيات دولية بين البلدين، وعلى الرغم من وجود ميثاق الأمم المتحدة، ولكن رغم هذا أرادت أمريكا أن تعصف به في لحظة واحدة دون اعتبار لأي شئ مما ذكر، وذلك خشية كشف أمور كثيرة وفضح أمريكا اكثر مما هو معلوم للجميع.

بل ما يزيد المشهد بجاحة اكثر انه بعد هذا كله بيوم واحد يصدر روبرت مولر رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI  بيانان إلى دول أوروبا يحثهم فيه إلى” تلبية طلبات الولايات المتحدة الأمريكية بتسليم المجرمين والإسراع في ذلك، حتى يمكننا جعل عملية الاسترداد تسير بوتيرة اسرع، أظن أننا مدينون لضحايا الإرهاب بأن نسهر على تحقيق العدالة بنجاعة وبفاعلية”، وإني أتسائل أي عدالة تريدونها؟، أهي التي تقتلون فيها المسلمين وغير المسلمين أيضا، ثم ببساطة تأخذون القاتل لديكم تحمونه وتدعون أنكم رعاة الحق والعدل، بل وإنكم تسهرون على أخذ حق من الذي تأذى بالإرهاب الذي تصنعونه انتم وبأيديكم.

وحتى نفهم الصورة أكثر فالغرب الصليبي يخشى من أمريكا أيضا، ففي القمة الإيبيرية – الأميركية التي عقدت بعد ذلك بفترة وجيزة أعرب قادة أسبانيا ودول أميركا اللاتينية عن دعمهم لجهود فنزويلا الرامية إلى تسليم بوسادا من الولايات المتحدة كي يقدم إلى المحكمة لتفجيره طائرة وقتل أعداد كبيرة، إلا انهم سرعان ما تراجعوا عن ذلك بعدما احتجت السفارة الأميريكة من هذا الموقف.[9]

http://gty.im/51221376

ولكن هل موقف الولايات المتحدة غريبا أو انه جديد، فأمريكا التي يظنها البعض محاربة للإرهاب في حين كونها الراعي الأول للإرهاب تقوم بحماية بوسادا وإصدار قوانين لأجل حماية ورعاية إرهابي، بل وتفعل اكثر من ذلك فيقوم بوش الأول بإصدار عفو رئاسى لأورلاندو بوسك الارهابى الدولي السيئ السمعة وشريك بوسادا،[10] رغم اعتراض وزارة العدل التي ألحت على ترحيله عن البلاد لكونه يشكل تهديدا للأمن القومى، وبوسك يقيم آمنا في الولايات المتحدة الأمريكية مطمئنا إلى أقصي درجه فهو حر طليق[11] مثله مثل بوسادا، الذي اصبح يحضر مؤتمرات صحفية بأريحية تامة.

ولكن لان أمريكا دولة العدل والحق، فكان لابد من محاكمة بوسادا محاكمة عادلة، وبالفعل تم القبض عليه بعد ذلك، ولكن أتعلمون ما هي التهم الموجهة إليه؟

إنها تهمة الدخول بطريقة غير شرعية إلى البلاد، ثم بعد ذلك سقطت عنه التهمة في 2007، وقد يتسائل البعض ما هو سر هذه التهمة؟

فأقول لكم حتى لا يتمكن احد من المطالبة به فهو على ذمة قضية في الولايات المتحدة الأمريكية ويحاكم لأجلها، وبالتالي يتعذر إخراجه من أمريكا، ولكن فور هدوء الوضع اصبح بريء وسجله خالي لدى الحكومة الأمريكية، واختتم بان الوقاحة لها أناس، إن سألت عنهم ظنا منك انك لا تعلمهم فهذه طامة وان كنت تعلمهم ولا تستطيع ذكرهم فهذه طامة اكبر، وهذا غيض من فيض مما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية في العالم.


المصادر

[1] – Indria A.R. Lakshmanan, Boston Globe,13 June 2005

[2] – وذلك كما يقول غراهام اليسون خبير العلاقات الدولية بجامعة هارفارد

[3] -هو من اخطر ارهابيين العالم وهو من كوبا ولد في سينفويغوس.

[4] – وهم :غاسبار خيمينيز إيسكوبيدو وغيجيرمو نوفو سامبول وبيدرو ريمون رودريغيز

[5] -راجع نعوم تشومسكى، الدول الفاشلة ص 12

[6] – المرجع السابق ص12

[7] المرجع السابق ص12

[8] -وهذا من قبيل التزوير الأمريكي فما هم بهنود وما هم بحمر فهم السكان الأصليين ولكننا ذكرنا الاسم لأنه للأسف الشديد هو المشهور والمعلوم للكافة كإشارة لما نريد أن نشير إليه.

[9] – نيويورك تايم – اصدار 28 سبتمبر 2005 جيمى برنس.

[10] -راجع نعوم تشومسكى الدول الفاشلة.

[11] – المرجع السابق

مصطفى محمود زكي

ماجستير قانون عام وباحث دكتوراه، مقدم حلقات شخصيات حق علينا معرفتها وكاتب بموقع الألوكة. نرى… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى