مكتبة لكل بيت مسلم

ذات مرة، جمعتني الصدفة بأستاذ جامعي، ولسبب ما تحول الحديث بيننا إلى العناكب، ليقول لي الرجل، أن العناكب مباركة، لأنها حمت الرسول، صلى الله عليه وسلم، أثناء هجرته. بعدما تجاوزت صدمتي، قلت للرجل الطيب أن قصة العنكبوت والحمامتين قصة مختلقة لا أصل لها من الصحة، وقد أجمع على ذلك علماء السيرة المتقدمون والمتأخرون. أصر الرجل على إبهاري، فنظر لي بريبة وقال لي، كيف تكون قصة مختلقة وقد ذكرها الله في القرآن، وأسمى بها سورة في كتابة العزيز. أدركت أن الرجل يشير إلى سورة العنكبوت، فقلت له يا صاحبي الطيب، هذه السورة سميت بسورة العنكبوت لأن الله ذكره في أية (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 46]. نظر الرجل إلى متشككًا، وقرر إنهاء المناقشة بحجة أنه مرتبط بموعد، وغادرني وهو يرمقني بنظرة “لقد جاء هذا الفتى بدين جديد”.

الكارثة وأبعادها

أصبحت هذه القصص، التي تظهر جهل عامة المسلمين في مصر بأسس دينهم، متكررة لدرجة فقدت معها طرفتها. وبعد أن تم إلغاء الكتاتيب، وأصبح النجاح في مادة التربية الإسلامية غير ملزم للطلاب، وتحولت منابر المساجد إلى منابر للدعاية الموجهة، أصبح من الطبيعي أن ترى من لا يعرف كيف يؤدي صلاة الجنازة، ناهيك عن الأعمال التي تجرح العقيدة مثل تعليق التمائم، واللجوء للدجالين والمشعوذين.

وفي ظل هذه الظروف، ومع تضاؤل واختفاء الدروس العلمية التي كانت تعقد في المساجد، التمس العديد من المسلمين الثقافة الإسلامية في المحطات التلفزيونية التي تقدم مواد دعوية. إلا أن هناك بعض من هذه المحطات محسوبة على توجهات فكرية بعينها، وبعضها الآخر قد يقدم مادة علمية دسمة لا تناسب المسلم العامي، وبعضها الآخر يقوم بالعكس، بتقديم مادة علمية سطحية، كما أن بعض هذه المحطات يولع ببث المسائل الخلافية لجذب الانتباه ورفع نسبة المشاهدة رجاء تدفق الإعلانات، وقليل من هذه القنوات، ما يقدم مادة علمية مناسبة بأسلوب يناسب العامة ويعالج مشاكلهم وتساؤلاتهم الحقة. وهذا الوضع كله، لا يجعل من المحطات التلفزيونية الدعوية المصدر المناسب دائمًا للتزود بالثقافة الإسلامية.

العودة للكتاب

إن الحل الأمثل لهذا الجهل المتفشي من وجهة نظري، وهي وجهة نظر بنيتها على ما لمسته من ملاحظتي للعديد من الشباب المسلم الواعي، هو إحياء عادات القراءة، والتنقيب عن الثقافة الإسلامية العامة في الكتب، بل أن بعض ممن أعرف أصبح يخصص فترة منتصف النهار بعد صلاة الجمعة، لعقد جلسة تضم أفراد الأسرة، يقرأ فيها أفراد هذه الأسرة بعض من الكتب التي تغطي الموضوعات الإسلامية الأساسية مثل السيرة النبوية وتفسير القرآن، ويتناقشون فيها ويتدارسون.

إلا أن مثل هذا الحل على وجهاته، لا يزال به بعض الضعف، يتمثل في المادة المقروءة. فالقارئ غير الخبير قد تخدعه بعض الكتب بعناوينها أو أسماء كتابها أو شهرة حازتها، بينما هي في الواقع كتب سطحية، أو تعتمد على البلاغة الإنشائية، وما هو أسوء أن تكون موجهة أو تحتوي على فكر منحرف مثل فكر الحلولية والقبورية.

كيف تختار كتب لمكتبة أسرتك؟

إن اختيار الكتب التي تمثل حجر الزاوية في مكتبة للأسرة المسلمة، تعتمد عليها هذه الأسرة في بناء ثقافة ووعي إسلاميين، يجب أن يخضع لعدد من الاعتبارات. فكثير من الكتب المتاحة قد يصعب على المسلم العادي قراءتها، إذا أنها كتبت للغة وثقافة زمنها، وهو ما يجعل قراءتها وفهمها عسير للمسلم المعاصر. كما أن اختيار المتون العلمية الكبيرة وأمهات الكتب غالبًا ما لا يناسب الحياة الحديثة، حيث كثرة الانشغالات وضيق الوقت. كذلك ينبغي لمن يشرع في بناء مكتبة أسرته، ألا يتكلف المذهبية فيما يختار من الكتب، ويتحاشى الكتب التي تثير المسائل الخلافية، أو المسائل التي تستلزم عالم متعمق في المسائل الشرعية.

مكتبة أسرة مقترحة

مكتبة الأسرة موجهة لجميع أفراد الأسرة، ولجميع الأسر، وهو ما يعني أن اختيار محتوياتها، يجب أن يراعي الفروق في الأعمار والاهتمامات والخلفيات الاجتماعية والثقافية، كما يجب أن يغطي نواعي الثقافة الإسلامية الأساسية، والموضوعات التي يتكرر التعرض لها في الحياة اليومية. وكنت قد اقترحت على بعض الأصدقاء، قائمة بالموضوعات الأساسية للثقافة الإسلامية، والكتب التي تعالج هذه الموضوعات، وقد أردت إثباتها هنا، لعلها تمثل مقترحًا لمكتبة الأسرة الإسلامية.

  • القرآن وعلومه

أول الموضوعات التي ينبغي أن تتناولها المكتبة الإسلامية هو القرآن الكريم. كما ينبغي أن تضم هذه المكتبة كتابًا في التفسير، ولعل أفضل ما ينصح به في هذا المجال هو تفسير ابن كثير، لولا كبر حجمه، وما تضمنه من بعض الإسرائيليات، فينصح بقراءة التفسيرات الموجزة والمنقحة التي اعتمدت على تفسير ابن كثير، ومن أحسنها “المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير” الذي أشرف على تأليفه العالم الهندي صفي الرحمن المباركفوري.

  • السنة النبوية الشريفة

بعد القرآن الكريم ودراسته، تأتي السنة الشريفة. وينبغي أن تضم مكتبة الأسرة المسلمة كتابًا في السنة، يعالج مسائل الحياة الإسلامية المتكررة، وقد يكون أفضل ما يغطيه هذا الوصف، كتاب “جامع العلوم والحكم” لابن رجب الحنبلي، الذي اختار بضع وخمسين حديثًا تتناول مسائل في الإيمان والعبادة والعمل، وتعهدها بشرح واف.

  • السيرة النبوية

ثم تأتي السيرة النبوية، حيث يلزم دراستها، لفهم الظروف التي نشأت فيها الدعوة الإسلامية، وتكونت فيها الأمة الإسلامية، وبزغت دولتها الفريدة. وفي هذا المجال، يبدو اختيار كتاب مناسب موضوع شائك، فالسيرة النبوية لم تسلم من عبث محب لم يرضه أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم بشرًا رسولًا فحسب؛ فنسب إليه ما لم يثبت من أفعال ومعجزات، كما لم تلبث من حقد علماني أو ملحد يتكلف تأول أحداثها وفق ما تهواه نفسه المظلمة. ولعل “السيرة النبوية” لأبي الحسن الندوي، أو “تهذيب سيرة ابن هشام” لعبد السلام هارون، هما أفضل ما يرسم صورة للسيرة النبوية أقرب ما تكون للحق.

  • الفقه والعبادات

ولعل أكثر ما يحتاجه المسلم المعاصر، هو الاطلاع على المسائل الفقهية الأساسية، التي تتعلق بالعبادات والمعاملات. ولعل أنسب ما كتب في هذا المجال، كتاب سيد سابق المسمى “فقه السنة”، والذي حاز مؤلفه قدم السبق بتقديمه الفقه للمسلم العادي، بمنهج علمي، وعبارة واضحة، يتحرى ما اتفق عليه العلماء، ينأى بقارئه عن الخلافيات والأقوال الشاذة.

  • العقيدة

أما عند اختيار ما تُدَرَس منه العقيدة، فينصح باختيار ما يعتمد على الكتاب والسنة في هذا الباب، وأفضلها أبسطها، كما لا ينصح بالركون إلى المتون القديمة التي غالبًا ما كتبت للمختصين، كما أن بعضها يجنح إلى التوسع في مسائل لا فائدة منها في علم أو عمل. ولعل كتاب “تعريف عام بدين الإسلام” لمؤلفه علي الطنطاوي من أفضل ما كتب في هذا الباب، وينطبق عليها ما ذكرناه سلفًا.

  • الرقائق وأعمال القلوب

وهذه الموضوعات الخمسة، القرآن والسنة والسيرة والفقه والعقيدة، الموضوعات الأساسية اللازمة لتشكيل وعي المسلم وثقافته، وفيها ما يكفي لهذا الغرض، وإن كان في بعض الأحيان، يحتاج القارئ إلى ما يتجاوز الجانب العقلي من القراءة إلى الجانب القلبي، وهو يعبر عن بمصطلح الرقائق. وإذا كانت الموضوعات الخمسة المذكورة، تغطي مفهوم الإسلام ومفهوم الإيمان، فإن موضوع الرقائق يتناول مفهوم الإحسان، ولذلك فهو ينزع إلى تعميق الجانب القلبي من الأعمال. وفي موضوع الرقائق هناك العديد من المؤلفات، ومن أفضلها “مختصر منهاج القاصدين” لمؤلفه ابن قدامة المقدسي، والذي يمثل تهذيب وتلخيص لكتاب أبي حامد الغزالي الشهير “إحياء علوم الدين”.

ولعل في هذه القائمة الموجزة، ما يفيد من يرغب في الشروع في مكتبة إسلامية لأسرته، تساعده على تكوين وعي وثقافة منضبطة وملتزمة، تمكنه من مواجهة مسائل الحياة اليومية.

د. وسام عبده

أكاديمي وكاتب ومترجم من مصر

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الموقع الرسمي يتبع مركز الدعوة الإسلامية الذي أسسه فضيلة الشيخ محمد إلياس العطار القادري حفظه الله تعالى، لنشر تعاليم القرآن والسنة والدعوة والتعليم وإرسال الدعاة للدعوة إلى الله في العالم
    https://www.arabicdawateislami.net/bookslibrary

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى