دروس وعبر من المسيرة الجهادية للشهيد فرحان السعدي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

وبعد:

ولازالت فلسطين تجود بأبنائها: دروس وعبر من المسيرة الجهادية للشهيد فرحان السعدي رحمه الله

لم يكن الشهيد فرحان السعدي ليتوانى لحظة واحدة عن مقاومة المحتل الغاشم بالرغم من الوعودات الباردة التي كانت تخدع بها بريطانيا السذج والمنتفعين، بل مضى حاملًا سلاحه غيره آبه بالمخذلين ولا المرجفين ولا الانتهازيين ولسان حاله يقول:

 سأحمل روحي على راحتي.. وألقي بها في مهاوي الردي

فإما حياة تسر الصديق.. وإما ممات يغيظ العدى

نشاط السعدي

فكان جبلًا شامخًا في التحدي والصمود لم تغيره الظروف أو تحبطه قلة النصير، بل كان كلما خبا نار الثورة أججها بكل قوة وعزيمة وثبات.

فلقد نشط رحمه الله وأشعل الأرض نارًا تحت أقدام الغزاة، حيث كان يتحرك في كل مكان محرضًا الشعب على حمل السلاح واجتثاث الاحتلال الصهيوني قبل استفحاله والتهامه لفلسطين.

ومع انطلاق ثورة البراق نشط السعدي لتشكيل مجموعات من الفلسطينيين للتصدي للغزاة من البريطانيين والصهيونيين إلا أنه وقع أسيرًا في يد الاحتلال البريطاني وبقي في السجن ثلاث سنوات وما إن خرج حتى عاد لمقاومة الغزاة بكل عزيمة وإصرار، وانتقل من جنين إلى حيفا وهناك تواصل مع الشيخ عز الدين القسام وانضم تحت لوائه.

ومع النشاط المتزايد للمجاهدين وسعيهم للحصول على الأسلحة وتطوير أنفسهم قررت بريطانيا التحرك في كل اتجاه لاجتثاث كل تجمع من شأنه أن يقوم بحراك عسكري ولو بعد حين، ومن هنا كانت مهاجمة مكان إقامة الشهيد عز الدين القسام رحمه الله والذي كان قد خرج منه قبل وصول البريطانيين لأنه كان قد علم بالخطة البريطانية، ومن ثم توجه القسام رحمه الله إلى أحراج يعبد قضاء جنين، وكان حينها قد انضم إلى مجموعاته الشهيد فرحان السعدي رحمه الله.

حاصرت القوات البريطانية الشيخ عز الدين القسام ورفاقه رحمهم الله في أحراج يعبد، وضيقت عليهم الخناق واشتبكت معهم واستشهد القسام رحمه الله ومجموعة ممن كانوا معه، وذلك في عام 1935م.

الثورة الكبرى

وفي عام 1936 فجر السعدي رحمه الله الثورة الكبرى وذلك حين قام بمهاجمة قافلة صهيونية على طريق نابلس – طولكرم، وقتل ثلاثة صهاينة في هذا الهجوم وجرح آخرين ثم انسحب هو ومجموعته بسلام، وتتابعت بعد ذلك نشاطات الثورة وفعالياتها وانتشرت.

أصيب بعد ذلك الشهيد فرحان السعدي في معركة عين جالوت ولكن ذلك لم يثنيه عن مقاومته للمحتل فواصل جهاده وجهوده.

وفي أواخر عام 1937م هاجمت القوات البريطانية بيته في قرية المزار قضاء جنين، وتمكنت من اعتقاله ثم أقامت له محكمة عسكرية صورية وحكمت عليه بالإعدام شنقًا، وقد سأله حينها رئيس المحكمة “هل أنت مذنب؟” فأجاب بكل كبرياء وإباء: “أعوذ بالله أن أكون مذنبًا”. وذلك لقناعته التامة بعدالة قضيته وضرورة نصرتها.

نفذ حكم الإعدام بحقه في سجن عكا بعد ثلاثة أيام من اعتقاله وكان حينها صائمًا وقد بلغ من العمر ثمانين عاما.

في تلك الحقبة كانت الحكومة البريطانية قد صعدت إجراءاتها ضد الثورة واعتمدت الإعدام كحكم يطول قادة الثورة ونشطاءها وقد حكمت حينها بالفعل على الكثير من الثوار وقياداتهم بالإعدام رحمهم الله جميعا.

الخاتمة

كلما قرأت عن الشهيد البطل فرحان السعدي رحمه الله أتذكر مقولة النبي صلى الله عليه وسلم في وصفه لأبي بصير رحمه الله “ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال”، فمن الواضح من تنقلاته ونشاطاته أنه كان نارًا تأجج في وجه الاحتلال البريطاني الصهيوني الغاشم، ولكن وبسبب ضخامة حجم المؤامرة التي تَعرض لها أجدادنا وكثرة التحالفات المناصِرة للبريطانيين والصهاينة وقوة القمع الذي كانوا يستخدمونه ضدهم، مع خذلان حكام العرب بل وتثبيطهم لهم وتخديرهم بالوعودات الكاذبة بقرب قدوم المؤازرة والمناصرة من الجيوش العربية، كل هذا الضغط مع الخداع، جعل الأهالي يمنون أنفسهم ولسان حالهم يقول: لعل غدًا يكون أفضل ولعل الوعودات تكون حقيقة فننجوا جميعًا ونطرد المحتل الغاشم، فلقد كانوا حينها كالغريق الذي يتعلق بقشة، فالأعداء كثر والهجمة شرسة والمناصرون قلة حتى أنهم من قلتهم لا يكادون يُذكرون، والسلاح شحيح بل لا يوجد وإن وجد فمستهلك خرب، كل هذه الدوافع جعلت همة الناس للقيام بثورة عارمة تسير بكل عزيمة وثبات وتستمر على ذلك، أمر شبه مستحيل.

ولكن في تقديري لو كانت المعرفة بالأعداء كافية والوعي بمكرهم موجود وخيانات حكام العرب مكشوفة مع توفر سلاح جيد، لنشطت ثورة عسكرية بعيدة المدى وسارت بخطى ثابتة وبكل عزيمة وإصرار، ولَمَا تمكن الاحتلال من ديارنا كما هو حاصل اليوم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ما سبق يؤكد لنا أن الوعي والمعرفة مع العمل العسكري ولو بنسب متفاوتة حسب القدرة، أساس لكل ثورة وسبب لإنجاز كثير من أهدافها. والله الموفق

ما سبق لا يعني أن الأمور قد وصلت لطريق مسدود، بالعكس، فإن الثورة الفلسطينية اليوم تجاوزت مراحل متقدمة من الوعي والإعداد والتجهيز لمقاومة الاحتلال الصهيوني لسنوات طويلة متواصلة، ولضمان استمرار ذلك وتوقيته لابد من مواصلة التحريض والإعداد والعمل على سد كل ثغر وضرب الغزاة المحتلين في عقر دارهم وفي كل مكان حيث أمنهم ومأمنهم، إلى حين يأذن الله فيه بفرج من عنده ويُحدث تغييرًا في المنطقة يزيل الحكام الخونة، تغييرًا ينتج عنه قيادة صالحة مُصلِحة تقود الأمة لدك عروش الطغيان وتقضي على الاحتلال وتحرر فلسطين لتعود حرة أبية. ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.

والحمد لله رب العالمين

تيسير محمد تربان

كاتب وباحث في الشؤون الشرعية والسياسية، وداعية في سبيل الله، محب للقراءة وتتبع تفاصيلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى