التربية العقدية للأطفال.. معالم في درب التربية
عندما تفكر للوهلة الأولى في الكتابة عن أمر يخص “الطفل”، تجد نفسك مجبرًا على التحدث عن “الفطرة”، بكل ماتحمله الكلمة من معنى، ذلك أن كل مولود يولد عليها – كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإما بذل وتضحية لأجل أن تظل هذه الفطرة نقية، تستطيع مجابهة فتن لم تدع بيت إلا ودخلتها، أو تفريط مؤدي لانتكاسات هي أصل كل الهزائم التي تعيشها الأمة، ومن هنا يأتي الحديث عن “التربية العقدية” للطفل المسلم.
لماذا مرحلة الطفولة هي الأهم في التربية العقدية؟
إن مرحلة الطفولة هي الأخطر والأهم، مقارنة بجميع المراحل العمرية، فالأطفال يرتضعون من البيئة المحيطة بهم، وتشكلهم الثقافات إذا ما تركوا عرضة لها، بدون حائط ودرع “عقدي” أمام كل مخالفة للدين الإسلامي، سواء في الشكل أو المضمون، وأمام “شركيات” وقع فيها العديد من المسلمين، بسبب الجهل العقدي، وقد تنبه علماء المسلمين إلى هذه التحديات، وخرجت مئات الكتب والمؤلفات لتنير الطريق أمام كل ولي أمر، وتحذر من مغبة ترك الأبناء وسط أمواج الفتن العاتية، وتضع الأولويات لخلق جيل واع يستطيع قيادة الأمة مستقبلًا.
من المعروف أن الطفل يتعلم في سنواته الأولى كثيرًا من الآداب التي تظل مصاحبة له حتى آخر حياته، والطفل في صغره لا يعرف ولا يميز بين الصالح النافع، وبين الطالح الضار، ولا يميز كذلك بين الخير والشر، بل يشعر برغبة تنبعث من داخله، وتدفعه إلى طاعة من يربيه ويرشده، فيعيش تحت سلطته، فإن لم يجد هذه السلطة حكيمة، فإنه ينشأ قلقًا مضطرب الشخصية، وعلى المربي الحصيف أن يستغل هذه الفترة المهمة في تعليمه، وتربيته على سائر الآداب التي حكاها القرآن الكريم، ونطقت به السنه المطهرة، يقول أبو الحسن المواردي في كتابه أدب الدنيا والدين، نقلاً عن رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب: (وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالاْرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتهُ وإنما كان كذلك؛ لأن الصغير أفرغ قلبًا، وأقل شغلًا، وأيسر تبذلًا، وأكثر تواضعًا)، وقال ابن القيم في كتابه تحفة المودود بأحكام المولود: (فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ؛ فأضاعوهم صغاراً، وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفَوَّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء).
فتن مهلكة لجيل الأمة
قد يتساءل البعض: لماذا يجب أن نربي أبنائنا على العقيدة الصحيحة؟ الإجابة قد تجدها في أفلام كارتون شاهدها ملايين الأطفال، تحمل كمًا كبيرًا من الأمور التي تنسف العقائد الدينية، والتي وصلت لحد برمجة حلقات فيها علاقات جنسية، وأخرى تنشر التشيع، ولا يدري الآباء المحتوى الذي يتم تقديمه، ثم يتفاجئون بتغير شخصية الطفل، ومن الممكن أن تجد الإجابة عندما تنظر إلى مدرسة تروج للشذوذ الجنسي، و”الاختلاط المقزز”، أو بيوت فيها مربيات غير مسلمات، تعمد بعضهن نقل معتقدات كفرية، وقد تفاجأ بعض أولياء الأمور بأطفالهم يؤشرون بعلامة التثليث كما يرون الخادمة النصرانية تصلي، وتقليد خادمات تصلين إلى تمثال بوذا، أو تجد أيضًا الإجابة عندما تشاهد مشاكل أسرية دفع ثمنها الأبناء، بعد تركهم وإهمالهم، وافتقادهم للسلوك والقدوة، وهو ما أحدث خللًا لدى شخصية الطفل.
المعضلة الأكبر التي تواجه البيوت المسلمة أثناء تربية الأبناء، هي وسائل الإعلام بجميع أنواعها، سواء التي يتم بثها على المحطات الفضائية أو عن طريق “الانترنت”، فمن المفكرين من يرى أن وسائل الإعلام قد ألغت المكاسب الاجتماعية التي تحققت للإنسان على مر الزمن، الأبناء الآن أصبحوا يشاهدون المهازل والرقص في التلفزيون، ويستمعون إلى الموسيقى الصاخبة، ويشاهدون أفلام العنف والجريمة، حتى أن مواطني الدول التي تصدر هذا المحتوى اعترفوا بكارثية ما تفعله الآلة الإعلامية في دولهم، يقول فيرثام عالم النفس الأمريكي الألماني الأصل في كتابه “إغواء الأبرياء”: (كلما وقع نظري على كتاب من هذا النوع “كتب مصورة للأطفال فيها مشاهد عنف وجنس” في يد صبي في السابعة من عمره، وكأنما عيناه ملتصقتان بغراء على الصفحة المطبوعة، أشعر وكأني أبله حين أطالب بأن آتي بالدليل على أن مثل هذا الشيء ليس غذاء عقليًا صالحًا للأطفال).
أخطر ما تفعله وسائل الإعلام هو تغيير القيم وأنماط السلوك، فكثيرًا ما قبل الناس سلوكًا كانوا يأنفونه ويشمئزون منه، وكثيرًا ما تخلى الناس عن قيم كانت راسخة واستبدلوا بها قيمًا دخيلة كانت موضع استهجان فيما سبق، هذا على مستوى الشخص البالغ العاقل، فما بالك بأطفال تركوهم الأباء أمام إعلام لا رقيب عليه، وغير محكوم بضوابط شرعية .
ما لا يسع الآباء جهله في تربية الأبناء
إن تثبيت العقيدة في قلب الطفل تبدأ بتعليمه كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”، ومقتضياتها ومعانيها وأقسامها، وكذلك أركان الإسلام الخمس، وتعليمه الوضوء والصلاة، وحثّه عليها، واصطحابه إلى المسجد، وتشجيع الأولاد على الصيام وتدريبهم عليه لفترات قصيرة، وتحبيب الطفل بالله -تعالى- بذكر صفاته ونعمه على البشر، وتعليم القرآن حفظًا وتجويدًا وتفسيرًا، ودراسة السنة النبوية المطهرة، وتعليم الأخلاق، مثل الصدق، العفة، والعدل.
من الأمور الهامة في التربية العقدية للطفل، ضرورة أن يعرف أن الله يراقبه ويعلم كل شيء، والحث على التفكير العقلاني، والبحث عن الحقائق، وتشجيعه على الاستفسار والتساؤل، وأن يكن الأب قدوة حسنة لأطفاله في العمل والحياة اليومية، لأنه عندما يرونه يطبق المبادئ الدينية، سيكونون أكثر استجابة لها.
ويجب أن يعلم الآباء أن زرع الخلق الحسن في قلب الابن، لا يأتي إلا حين يرى أبواه صادقين، فمثلاً حين يتم تعليم الطفل السلوكيات الحسنة بالقدوة، لا بد أن يحرص الأب على إلقاء السلام على أولاده، والتستّر أمامهم، والإحسان إلى الجيران، وبر الوالدين وطاعتهما وغير ذلك من السلوكيّات.
ولا يفوتنا في هذا المقام التنويه إلى أهمية التربية بـ”الحوار”، لأنه بدون الحوار بين الطفل ووالديه ستكون هناك حلقة مفرغة، ناتجة عن الجهل بما يدور في ذهن الطفل، وخطورة ذلك أن القناعات قد تزداد عندما لا تجد إجابات، ولو أننا تأملنا في كتاب الله لوجدنا عشرات الآيات التي تحدثنا عن مجادلات الناس المؤمنين، وغير المؤمنين للرسل والأنبياء، المؤمنون يجادلون أنبيائهم، وغير المؤمنين يجادلون أيضًا، ذلك لأن الإيمان لا يكون إلا على قاعدة الاختيار، كما قال تعالى:”لا إكراه في الدين”، وبناء على الاختيار تكون المسؤولية، وبناء على المسؤولية يكون الحساب، لذلك يجب أن يحترم الأباء الأطفال بأن يتيحوا لهم الفرصة ليتكلموا ويتحاوروا ويشاركوا ويجيبوا، فمن خلال الحوار يتم كشف النقاط المظلمة، وتسليط الضوء على الزوايا المعتمة.
النقاط المضيئة في مكتبة التربية العقدية
لعل كتاب ما لا يسع أطفال المسلمين جهله، من أفضل الكتب التي يجب تلقينها للأطفال منذ الصغر، حيث يحتوي –كما ذكر مؤلفه– على منهج يسير سهل متكامل في العقيدة والفقه، والسيرة، والآداب، والتفسير، والحديث، والأخلاق، والأذكار.
وفي سبيل غرس القيم والأخلاق في قلبه، نشير إلى سلسلة “كن”، والتي تحتوي على 35 كتيبًا، وهي:
“كن أمينًا، كن بارًا، كن تائبًا، كن حليمًا، كن حييًا، كن راضيًا، كن رحيمًا، كن رفيقًا، كن زاهدًا، كن شاكرًا، كن شجاعًا، كن صابرًا، كن صادقًا، كن مطيعًا، كن عادلًا، كن عزيزًا، كن عفوًا، كن عفيفًا، كن كتومًا، كن كريمًا، كن متأنيًا، كن متعاونًا، كن متفائلاً، كن متواضعًا، كن متوكلاً، كن محبًا، كن مخلصًا، كن مستقيمًا، كن مشاورًا، كن مضحيًا، كن معتدلًا، كن مؤثرًا، كن نصوحًا، كن ورعًا، كن وفيًا”.
وتذخر المكتبة الإسلامية بمئات الكتب النافعة أيضًا في التربية العقدية للطفل، منها القصص التي تبني الأخلاق مثل كتب: “قصص في الصدق، وقصص في الصبر، وقصص في الطاعة، وقصص في الكرم، والوفاء والعفو، والعدل، والشورى”، وغيرها من الكتب التي تلقي الضوء على الأخطار التي تواجه الأسر المسلمة، والتحذيرات الموجهة لنساء الأمة عند تربية الأبناء، والأخطاء التي يقع فيها المربين، وغيرها من القصص عن الأنبياء والصحابة، سواء المكتوبة أو المرئية الملتزمة بالضوابط الشرعية.